فجر الدعوة
احسن الله خاتمتها
- إنضم
- 4 أكتوبر 2010
- المشاركات
- 1,324
- النقاط
- 36
- الإقامة
- المغرب
- احفظ من كتاب الله
- 10اجزاء
- احب القراءة برواية
- حفص
- القارئ المفضل
- الحذيفي
- الجنس
- أخ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا
أما بعد:
أخواتي الحبيبات ، تحدثنا في الأسبوع الماضي عن أخلاق أهل القرآن .
وأخلاق القرآن التي حث القرآن عليها وجاء بها ودعا إليها تمثلها الانبياء خير تمثل وقاموا بها خير قيام واتصفوا بها على أكمل وجه ، فكانوا أكمل الناس في الخُلق وقد صح بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن كما قالت عائشة رضي الله عنها
قالت عائشة رضي الله عنها : {كان خلقه القرآن}
يعني كان القرآن كأنما هو خلق النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد تمثل النبي صلى الله عليه وسلم ما أمره الله سبحانه به في الأحكام والآداب لأنه قد امتثل أيضا ما أمره به سبحانه وتعالى في الإيمان والعقائد .وحينما نتطلع إلى الأوصاف والأخلاق التي اتصف بها الأنبياء والتي جاء بها القرآن تقريرا ، نجد من الدلائل عليها ما جاء في سورة الصافات ، ولعلي في هذه العجالة أتناول معكم خلقا هو أساس كل خلق من أخلاق الخير وأخلاق المروءة وأخلاق الهدى وأخلاق الفوز والنجاح والتمكين .هذا الخلق أخواتي الحبيبات هو خلق الإستجابة .
خلق الإستجابة
والإستجابة أنواع :
منها : الإستجابة لله جل وعلا وذلك يكون بالطاعة المطلقة التي لا يكتنفها خوف ولا قلق ولا يعتورها تردد ولا يشينها فتور .
فهذه الإستجابة تأتي مباشرة ولو أنا نظرنا لأخلاق الأنبياء في هذا الجانب لوجدنا أنهم مثلوها على أكمل وجه .
الإستجابة الثانية :
هي استجابة للفطرة الصحيحة السليمة ، والإستجابة لحاجات النفس الطبيعية التي فطر الله الناس عليها .
أما الإستجابة الثالثة :
فهي الإستجابة لحاجات الناس ، حاجات الناس التي لا يستجيب لها إلا القادة إلا الرائدون ،لا ستجيب لها إلا القادة الرائدون المؤثرون النافعون ، ولو لم يستجيبوا لها لما كان لهم شأن ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمثل ذلك جميعا.
وكان كذلك الأنبياء لو أنّا نظرنا في سيرهم التي قصها علينا القرآن .
بقيت استجابة مذمومة :
وهي الإستجابة لنزعات الهوى والشيطان فمن نزع إلى هذه الإستجابة فإنه سيردى وسينحط إلى الحضيض ؛ ولذلك لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ولو فعل أو كان منه شيء ولو كان على وجه الإجتهاد لجاء القرآن له مصوبا ولجاء القرآن له معاتبا .
ولعلنا سنستدل على ذلك وإن كنا في عجالة من القرآن الكريم .
أما الإستجابة لله جل وعلا ؛ فقد كانت من النبي صلى الله عليه وسلم ومن الأنبياء السابقين ، وأولهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم وقد مدح بذلك مدحة عظيمة حتى وصفه الله جل وعلا بأفضل وصف وهو الإحسان مرتين في موضع الإشادة بخلقه واستقامته واستجابته ؛ جاء ذلك في سورة الصافات حينما ذكر الله قصة إبراهيم على سبيل المثال ؛ قال الله جلّ وعلا :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) }(الصافات , 99-110) انظري هنا أختي الكريمة إلى الإستجابة التي استجابها إبراهيم ،
تأملي خرج هاربا طريدا فردا خائفا بعيدا عن أهله وعن ذويه وقرابته ، فعاش يكتنفه الخوف والمتاعب والمصاعب والبلاء ؛ فإنه ابتلي بالعقم فما رزق بأي ذرية ولا أي بولد ولا يسليه ويكون معه ويمضي عليه بعض الوقت الذي طال عليه ، حتى إذا بلغ من العمر عتيا أراد الله جلّ وعلا أن يبتليه فرزقه ولدا فتعلق به وأحبه وأنس به ، حتى إذا بلغ حِب قلبه وراحة نفسه وتعلق فؤاده أراد الله جل وعلا أن يختبرإيمانه وأن يصفي حبه وخلته له وحده ، فأمره أن يذبح ابنه الذي بلغ معه السعي وقد بلغ من التعلق به ما يبلغ الأب المحروم حينما يلقى حرمانه بعد عشرات من السنين ثم ليس في أي وقت بل في وقت شد التعلق حين بلغ معه السعي وحين إذٍ رأى ذلك رؤيا ، ورؤيا الأنبياء حق . فكانت الإستجابة منه أن صارح ابنه وكاشفة {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} فهل نعجب من استجابة الأب المتعلق بابنه ؟
أم نستعجب من استجابة الإبن المقبل على الحياة بكل حيويته وشبابه ؟
فيأتي الأب للإبن ليقول : {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}
وفي هذا الحين الحق أن القلب يتعلق أكثر وأكثر بالصالح !
فلو كان رفضا أو عاصيا أو معاندا لقيل له : تبا لك وصعقا لك !
ولكن حينما يقبل وحينا يرضى وحينما يسلم وحينما يستجيب فيبلغ منه الصبر بأبيه ويبلغ منه الصلاح ، فإن الحب يزداد والتعلق يغمر القلب ومع ذلك انظري للإستجابة{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} فليست القضية قضية أقوال ولا كلام ولا أماني ولكنه فعل حقيقي لدرجة أنه وصل إلى أن وضع السكين على رقبته استجابة لله تعالى ولأمره وتله للجبين وجاءه هنا الخبر الذي لم يكن يتوقعه ولم يكن يتصوره
قال:{ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}فماذا كانت نتيجة الإستجابة التي قدمها إبراهيم لربه جل وعلا محبا طائعا مخبتا خائفا طامعا في رضاه ؟
النتيجة من جنس العمل هذا الذي قدمه هو أحب ذريته الذي كان يأنس ويطمع أن يكون خالدا أو أن يخلد اسمه أو على الأقل أن يحمل اسمه فما من أحد يطمع أن يخلّد أو يخلد اسمه ، ولكنه كان يطمع أن يبقى اسمه بحمل ابنه له ؛وهذه النتيجة :
حفظه الله جل وعلا بهذه الإستجابة قال : {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}(الصافات , 77) فأبقى الله له ذرية إبراهيم لأنه قدم ابنه وأراد فناء ذريته استجابة لله جل وعلا .
فتاب الله عليه ومنَّ عليه واعتق رقبة ابنه وجعل ذريته هم الباقين
وليست أي ذرية !
فما بقيت ذرِّية لعابة ، وما بقيت ذرية كما قال الله جل وعلا : {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (مريم , 59)
بل أبقى الله ذرية جعل فيها النبوة والكتاب{ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ }(مريم , 58) ـ وإسرائيل من ذرية إبراهيم أصلا
{ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا }
فكلهم هداه الله جل وعلا ، وكلهم اجتباهم الله وجعل من ذريتهم الأنبياء ؛ فكان إبراهيم نبيا ، وكان إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف والأسباط وكان مَن بعدهم إلى أن كان منهم رسول الله صلى الله عيه وسلم محمد بن عبد الله ؛،فختم الله به الأنبياء ، وبقيت ذرية إبراهيم هي الذريّة المؤمنة الباقية في هذه الحياة .
إن هذه الإستجابة العظيمة استجابة لله ولرسوله كانت طاغية على قلب إبراهيم ولذلك رزق بها ، فكل من أُمر بأمر من أمور الله ومن شرع الله فعليه أن ينظر إلى من أمره ، ويثق بما أعطاه الله جل وعلا وبما وعده ، فإنه سيعطيه سبحانه وتعالى خيرا مما أُخذ منه ، وإن الله سبحانه سيورثه أفضل وأعظم وأكرم مما قدم .
وحينما تقع الإستجابة من هذا النبي فإنها شرع وإنها خلق وإنها سنة يسنها الله جل وعلا ويشرعها الله جل وعلا ويأمره بها الله جل وعلا ، ثم لا يحرم الناس من أن يجعل لهم قدوات .
فليست القضية مثالية وإنما هي قضية يمكن أن تطبق على أرض الواقع .
وأيضا ليست القضية قضية مثالية أجرها الثواب الأخروي فحسب ـ وإن كان الثواب الأخروي أيضا مطمع ومتحصل ـ إلا أنه مع الثواب الأخروي ثواب عاجل يراه العبد .
ولذلك إننا لنرى كثيرا من الناس الذين يحفظون للناس أوقاتهم يحفظ الله لهم أوقاتهم ، والذين يحفظون على الناس أموالهم يحفظ الله عليهم أموالهم ، والذين يحفظون أعراض الناس وذرِّيات الناس ودين الناس يحفظ الله دينهم وأعراضهم وأعراض ذرياتهم ودين ذريتهم ؛ وكلما حفظ القوم ما حفظ الله كلما حفظهم الله ؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس في وصية عظيمة مباركة : " ياغلام ، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تُجاهك ـ وفي رواية ـ تِجاهك "
إذا الإستجابة القلبية والطاعة لله جل وعلا تورث هذا النجاح والفوز مع ما تورثه مستقبلا من الجزاء العظيم عند رب العالمين .
وللحديث بقية
تم بحمد الله
د.رقية المحارب
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع