- إنضم
- 26 أغسطس 2010
- المشاركات
- 3,675
- النقاط
- 38
- الإقامة
- الامارات
- احفظ من كتاب الله
- القرءان كامل
- احب القراءة برواية
- بحميع الروايات
- القارئ المفضل
- الشيخ ابراهيم الأخضر
- الجنس
- أخت
خلاصة النصوص الجلية في نزول القرآن وجمعه وحكم إتباع رسم المصاحف العثمانية
لصاحب الفضيلة الأستاذ الكبير الشيخ
محمد بن على بن خلف الحسيني الشهير بالحداد
شيخ عموم القراء والمقارئ بالديار المصرية
المقدمة :-
الحمد لله الذي خلق الإنسان علمه البيان ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الذي كتب عنه القرآن ، فما اعترته زيادة ولا اعتراه نقصان ، وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى وبدور العرفان وبعد : فيقول أحقر العباد محمد بن على بن خلف الحسيني الشهير بالحداد : هذه نبذة مفيدة ، ونخبة فريدة ، سميتها ( خلاصة النصوص الجلية ، في نزول القرآن وجمعه وحكم اتباع رسم المصاحف العثمانية ) وضعتها لما رأيت أن الخطأ الفاحش قد تسرب للقرآن الكريم بواسطة الكثير من أرباب المطابع الذي يطبعون المصاحف مملوءة بالخطأ، مشوهة برداءة الورق والحروف ، وعدم العناية بنظافتها فضلا عن مخالفة رسمها لرسم القرآن الكريم ، الذي كتبت به المصاحف العثمانية ، وأجمع المسلمون قاطبة على وجوب اتباعة0
**********************
فضل الكتابة :-
إن أقوى عامل لإبقاء كل نفيس رسمه وأوثق كافل لتخليد كل علم كتبه فإن الكتابة حرز حصين لما استودع فيه وحافظ متين لا يخاف عليه النسيان وضابط للقول إذا حرف اللسان وأقرب وسيلة توصل إلى الأمم الآتية أخبار القرون والمعارف الأمم الخالية : إنها لآية عجيبة وصناعة شريفة فهي تذكرة يرجع إليها عند النسيان لأنة لا يطرأ عليها ما يطرأ على الأذهان0
ولقد أحسن من قال:
الكتابة من أجل صناعة البشر وأعلى شأن ومن أعظم منافع الخلق من الإنس والجان لأنها حافظة لما يخاف عليه من النسيان , وقاضية بالصواب من القول إذا حرف اللسان
وقال آخر: لولا ما عقدته بالكتابة من تجارب الأولين لانحل مع النسيان عقود الآخرين0
وقد أخطا من اعتمد على حفظه وغفل عن تقييد العلم في كتبه ثقة بما استقر في نفسه لأن التشكيك معترض والنسيان طارئ فكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يصلى بالليل فإذا مرت به آية فهم منها شيئا سلم من صلاته وكتبه في لوح أعدة ليعمل به في غده وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل علية آية أو سورة يأمر كتبة الوحي عقب النزول فورا أن يكتبوا عنة ما نزل لا لخوف أن ينسى
قال تعالى ( سنقرئك فلا تنسى ) ، ( إن علينا جمعة وقرآنه )
بل لإرشاد الأمة إلى ضرورة وضع رسمه في السطور كما يجب عليهم حفظ لفظه ونظمه في الصدور
قال تعالى ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم )
فوجب على الأمة ذلك تحقيقا لوعد الله تعالى إنا نحن نزلنا الذكر ( وإنا له لحافظون ).
فإن من اؤتمن في أمانة يجب عليه أن يحتاط في حفظها غاية الاحتياط بوضعها في حرز آمن ولذا كتب سلف هذه الأمة الصالح " الصحابة رضوان الله عليهم " المصاحف وكان ذلك من تمام العناية في الاحتياط ولحفظ القرآن من أن يكيد كائد في الدين فيبدل شيئا من القرآن نظما أو رسما فيحصل اختلال يؤدى إلى ضلال وبعد إجماعهم عليها بعثوا إلى كل أفق مصحفا ليرجع إلى هذا المصحف المجمع عليه فيظهر الحق ويبطل الكيد أو الوهم فذلك القرآن الذي نتلوه بألسنتنا ونحفظه في صدورنا ونثبته في مصاحفنا وتلته الأمم قبلنا وحفظته وأثبتته حتى أدته إلينا لم يقع فيه شيء من تغيير ولا تحريف مع مضى الكثير من القرون رغم الحاد الملحدين وكيد الكائدين على طول العصور ومرور الدهور.
فالصحابة رضي الله عنهم أول من قاموا بهذا الفرض جزاهم الله عن الأمة أحسن الجزاء0
************************
نزول القرآن :-
أول ما نزل من القرآن قوله تعالى (اقرأ باسم ربك) إلى قوله ( علم الإنسان ما لم يعلم ) ثم انقطع النزول ثلاث سنوات وهى مدة فترة الوحي ثم تتابع نزول الوحي بالقرآن مفرقا في عشرين سنة وهو أعون على الحفظ وأيسر للذكر فحفظه الصحابة وهم ألوف على مهل ومكث بترتيب سورة وآياته وجميع وجوه كلماته
قال تعالى (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) ، (كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا)
فمنه ما نزل آية أو أكثر وهو الأغلب ومنه ما نزل سورة كاملة كالفاتحة والإخلاص و الكوثر وكان صلى الله عليه سلم يقرئ الصحابة ما نزل عليه فورا فيحفظونه عن ظهر قلب وبعد إتقان الحفظ والتثبت من تمام الضبط يأخذون في نشره فيعلمونه من لم يشهد نزول الوحي به من أهل مكة والمدينة ومن حولهم فلا يمضى يوم أو يومان إلا وقد حفظ ما نزل عدد يكاد لا يحصى وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قبل الهجرة جماعة من حفظة الصحابة يعلمون القرآن لأهلها ، وكان عليه الصلاة والسلام بعد الهجرة إذا هاجر الرجل إلى المدينة دفعه إلى رجل من أولئك الحفظة يعلمه القرآن0
ولما فتح مكة ترك فيها معاذ بن جبل لذلك ، وكان لأكابر الصحابة مزيد اعتناء ، وعظيم اهتمام بتعرف فقه القرآن ومعانيه وإتقانه حفظا وكتابة ، وضبط آياته ، وحروفها ، ووجوهها ، وذلك لما شاهدوه في النبي صلى الله عليه وسلم من كمال الاعتناء والاهتمام بالترغيب في حفظه ، والأمر بتعهده ، وتوقيف أصحابه على ترتيب آيات سوره وتعلمهم مواضعها من السور نصا كما يأتي إن شاء الله قريبا0
فالصحابة رضي الله عنهم ضبطوا عنه صلى الله عليه وسلم هذا الترتيب كما ضبطوا عنه نفس الآيات و تلاوتها بجميع لغتها ، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه متمكنون كل التمكن من الكتابة باللسان العربي كعلي وعثمان وعمر وزيد بن ثابت ومعاوية وابن مسعود وأنس بن مالك وعبد الله بن سلام قال معاوية قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( يا معاوية ألق الدواة وحرف القلم وانصب الباء وفرق السين ولا تغور الميم وحسن اللام ومد الرحمن وجود الرحيم)
وضع قلمك على أذنك اليسرى فإنه أمكن لك فكان عليه الصلاة والسلام يملى عليهم مباشرة ما نزل عليه من القرآن فيكتبونه فورا بحضرته على الألواح واللخاف وعسب النخل وغيرها ويقول لهم ضعوا هذه الآية بعد آية كذا من سورة كذا وكانت كتابة ما نزل من القرآن ملتزمة منهم حتى في زمن الاختفاء في صدر الإسلام وبهذه الكيفية كتب القرآن كله من أوله إلى آخره وكانت تلك المكتوبات عند الصحابة أحب إليهم من كل نفيس وأغلى من أنفسهم لتيقنهم أن القرآن هو السبب في عزهم وسعادتهم وأنه أساس دينهم وشريعتهم فكانوا يبذلون جميع ما استطاعوا في سبيل حفظه كما أنزل مصونا عن أدنى شائبة نقص أو زيادة
قال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )
ثم انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة ألوف مؤلفة ما منهم أحد إلا وهو يحفظ قسطا وافرا من القرآن وفيهم مئات يحفظونه كله بتمام الضبط والإتقان عن ظهر قلب مجموعا مرتبا ترتيبا معلوما لكل واحد منهم قال معاذ عرضنا القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب أحدنا منا وقد ظهر الإسلام في جميع أنحاء جزيرة العرب كاليمن والبحرين وعمان ونجد وبلاد مضر وربيعة وقضاعة والطائف ومكة ليس فيها مدينة ولا قرية ولا حلة عرب إلا وقد قرئ فيها القرآن وعلمه الصبيان والنساء وكتب وحفظ في الصدور وكان المكتوب بحضرته صلى الله عليه وسلم وبين يديه في الرقاع متفرقا عند الصحابة ولم يكن بين المسلمين اختلاف في شيء من الدين كلهم أمة واحدة على دين واحد0
**********************
جمع القرآن في خلافة أبى بكر :-
بعد وفاته صلى الله عليه وسلم تولى الآمر أبو بكر رضي الله عنه سنتين وستة أشهر فغزا فارس والروم وفتح مكة وزادت قراءة الناس للقرآن وكان في زمن خلافته الوئام التام بين المسلمين ، ولما رأى عمر رضي الله عنه ما يدعوا إلى جمع القرآن أشار على أبى بكر رضي الله عنة بضرورة جمعه في كتاب واحد بمشهد من جميع الصحابة وملأ من الحفظة والكتبة ، ولما استقر رأيهما على ذلك بعد الإباء والإقناع أحضرا زيد بن ثابت وأبديا له ما استقر الرأي علية فاستعظمه أولا ثم بدت له المصلحة فيه فوافقهما وعزم على ما عزما عليه فجمع أبو بكر الحفظة المشهود لهم بالضبط والإتقان وكان من أجلهم زيد وأبى بن كعب وعثمان وعلى وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن زبير وعبد الله بن مسعود وعبد الله ابن السائب وخالد بن الوليد وطلحة وسعد وحذيفة وسالم وأبو هريرة والصامت وأبو زيد وأبو الدرداء وأبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص فاجتمعوا برئاسة زيد بن ثابت في منزل عمر ليتشاوروا في كيفية جمعه وتخصيص عمل كل واحد منهم ثم أخذوا يوالون اجتمعاتهم في مسجد المدينة لكتابة القرآن وكلهم كانوا يحفظونه عن ظهر قلب وكانوا قد اعتنوا قبل بكتابته جملة مرارا من ذاكرتهم ليتحققوا من ضبطهم له وحفظهم إياه وجاء من كان كتب مصحفا بمصحفه وأحضروا كل الصحائف والقراطيس التي كتبوا فيها القرآن بحضره النبي صلى الله عليه وسلم وإملائه وعهدوا إلى بلال أن ينادى بأنحاء المدينة أن من كانت عنده قطعة عليها شيء من القرآن فليأت بها إلى الجامع وليسلمه إلى الكتبة المجتمعين لجمع القرآن على مشهد الصحابة وجيء بعدد كثير من القطع وما كانوا يقبلون قطعة حتى يتحققوا أنها كتبت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يديه صلى الله عليه وسلم وما كانوا يفعلون ذلك إلا مبالغة في الاحتياط ومغالاة في التحفظ وإيغالا في الضبط لئلا يكون مجال للشك في تمام الضبط فكتب زيد القرآن جميعه قال حتى وصلنا إلى آية ( لقد جاءكم رسول ) من سورة التوبة ففقدناها حتى وجدناها مكتوبة عند أبى خزيمة بن أوس بن زيد الأنصاري وقال حتى وصلنا إلى سورة الأحزاب ففقدت آية منها قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مكتوبة مع خزيمة بن ثابت الأنصارى
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)
فألحقناها في سورتها في المصحف وبعد تمام جمعه في المصحف جمع عمر رضي الله عنه جميع الحفظة والصحابة وقرأه عليهم فلم يقع من أحد منهم اعتراض حين العرض ولا بعده وبعد إجماع أكابر الصحابة على هذا الترتيب الذي في هذا المصحف لا يمكن أن يقال أنهم رتبوا القرآن ترتيبا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤه على خلافه فكان ذلك أعظم فرض قام به سلفنا الصالح ( أي الصحابة ) وأفضل من لهم علينا إلى يوم القيامة ومصداق وعده تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) 0
ثم توفى أبو بكر رضي الله عنه وهو أعظم الناس أجرا وتولى الأمر بعده عمر رضي الله عنه وفتح كثيرا من البلاد كالشام ومصر، ولم يبق بلد إلا وقرئ فيها القرآن وعلمه الصبيان في المكاتب شرقا وغربا من مصر إلى العراق إلى الشام إلى اليمن فما بين ذلك وبقى كذلك عشرة أعوام وأشهرا وكان عندهم المصحف الذي كتب في زمن خلافة أبى بكر ومن بعده بقى عند بنته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها ثم أصيب الإسلام بموت عمر وولى الأمر بعده عثمان اثني عشر عاما فزادت الفتوحات واتسع الأمر ثم وجدت الدواعي ومست الحاجة إلى نشر المصاحف فجمع عثمان الصحابة رضي الله عنهم وعدتهم يومئذ تزيد على اثني عشر ألفا بالمدينة وطلب المصحف من أم المؤمنين حفصة وأحضر زيد بن ثابت وعبد الله بن زبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هاشم وأمرهم أن ينسخوا منه برئاسة زيد فنسخوا منه عدة مصاحف من غير تبديل ولا زيادة ولا نقص عما كان عليه المصحف الذي كتبه زيد بأمر أبى بكر وأقرها الألوف من الصحابة وإنما أمر عثمان الصحابة أن ينسخوا من مصحف أبى بكر مع كونهم جميعا من الحفظة لتكون مصاحفهم مستنده إلى أصل أبى بكر المستند إلى أصل النبي صلى الله عليه وسلم المكتوب بين يديه وجعل زيدا رئيس الكتبة للمصاحف لأنه هو الذي كتب مصحف أبى بكر ثم بعث عثمان رضي الله عنه في كل أفق بمصحف من المصاحف التي نسخوها وأمر بتحريق ما سواها
نقل الجعبرى عن أبى على أن عثمان رضي الله عنه أمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني وبعث عبد الله بن السائب مع المكي والمغيرة بن شهاب مع الشامي وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي وعامر بن عبد قيس مع البصري وبعث مصحفا إلى اليمن وآخر إلى البحرين فلم نسمع لهما خبرا ولا علمنا من نفذ معهما . اهـ .
لصاحب الفضيلة الأستاذ الكبير الشيخ
محمد بن على بن خلف الحسيني الشهير بالحداد
شيخ عموم القراء والمقارئ بالديار المصرية
المقدمة :-
الحمد لله الذي خلق الإنسان علمه البيان ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الذي كتب عنه القرآن ، فما اعترته زيادة ولا اعتراه نقصان ، وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى وبدور العرفان وبعد : فيقول أحقر العباد محمد بن على بن خلف الحسيني الشهير بالحداد : هذه نبذة مفيدة ، ونخبة فريدة ، سميتها ( خلاصة النصوص الجلية ، في نزول القرآن وجمعه وحكم اتباع رسم المصاحف العثمانية ) وضعتها لما رأيت أن الخطأ الفاحش قد تسرب للقرآن الكريم بواسطة الكثير من أرباب المطابع الذي يطبعون المصاحف مملوءة بالخطأ، مشوهة برداءة الورق والحروف ، وعدم العناية بنظافتها فضلا عن مخالفة رسمها لرسم القرآن الكريم ، الذي كتبت به المصاحف العثمانية ، وأجمع المسلمون قاطبة على وجوب اتباعة0
**********************
فضل الكتابة :-
إن أقوى عامل لإبقاء كل نفيس رسمه وأوثق كافل لتخليد كل علم كتبه فإن الكتابة حرز حصين لما استودع فيه وحافظ متين لا يخاف عليه النسيان وضابط للقول إذا حرف اللسان وأقرب وسيلة توصل إلى الأمم الآتية أخبار القرون والمعارف الأمم الخالية : إنها لآية عجيبة وصناعة شريفة فهي تذكرة يرجع إليها عند النسيان لأنة لا يطرأ عليها ما يطرأ على الأذهان0
ولقد أحسن من قال:
الكتابة من أجل صناعة البشر وأعلى شأن ومن أعظم منافع الخلق من الإنس والجان لأنها حافظة لما يخاف عليه من النسيان , وقاضية بالصواب من القول إذا حرف اللسان
وقال آخر: لولا ما عقدته بالكتابة من تجارب الأولين لانحل مع النسيان عقود الآخرين0
وقد أخطا من اعتمد على حفظه وغفل عن تقييد العلم في كتبه ثقة بما استقر في نفسه لأن التشكيك معترض والنسيان طارئ فكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يصلى بالليل فإذا مرت به آية فهم منها شيئا سلم من صلاته وكتبه في لوح أعدة ليعمل به في غده وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل علية آية أو سورة يأمر كتبة الوحي عقب النزول فورا أن يكتبوا عنة ما نزل لا لخوف أن ينسى
قال تعالى ( سنقرئك فلا تنسى ) ، ( إن علينا جمعة وقرآنه )
بل لإرشاد الأمة إلى ضرورة وضع رسمه في السطور كما يجب عليهم حفظ لفظه ونظمه في الصدور
قال تعالى ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم )
فوجب على الأمة ذلك تحقيقا لوعد الله تعالى إنا نحن نزلنا الذكر ( وإنا له لحافظون ).
فإن من اؤتمن في أمانة يجب عليه أن يحتاط في حفظها غاية الاحتياط بوضعها في حرز آمن ولذا كتب سلف هذه الأمة الصالح " الصحابة رضوان الله عليهم " المصاحف وكان ذلك من تمام العناية في الاحتياط ولحفظ القرآن من أن يكيد كائد في الدين فيبدل شيئا من القرآن نظما أو رسما فيحصل اختلال يؤدى إلى ضلال وبعد إجماعهم عليها بعثوا إلى كل أفق مصحفا ليرجع إلى هذا المصحف المجمع عليه فيظهر الحق ويبطل الكيد أو الوهم فذلك القرآن الذي نتلوه بألسنتنا ونحفظه في صدورنا ونثبته في مصاحفنا وتلته الأمم قبلنا وحفظته وأثبتته حتى أدته إلينا لم يقع فيه شيء من تغيير ولا تحريف مع مضى الكثير من القرون رغم الحاد الملحدين وكيد الكائدين على طول العصور ومرور الدهور.
فالصحابة رضي الله عنهم أول من قاموا بهذا الفرض جزاهم الله عن الأمة أحسن الجزاء0
************************
نزول القرآن :-
أول ما نزل من القرآن قوله تعالى (اقرأ باسم ربك) إلى قوله ( علم الإنسان ما لم يعلم ) ثم انقطع النزول ثلاث سنوات وهى مدة فترة الوحي ثم تتابع نزول الوحي بالقرآن مفرقا في عشرين سنة وهو أعون على الحفظ وأيسر للذكر فحفظه الصحابة وهم ألوف على مهل ومكث بترتيب سورة وآياته وجميع وجوه كلماته
قال تعالى (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) ، (كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا)
فمنه ما نزل آية أو أكثر وهو الأغلب ومنه ما نزل سورة كاملة كالفاتحة والإخلاص و الكوثر وكان صلى الله عليه سلم يقرئ الصحابة ما نزل عليه فورا فيحفظونه عن ظهر قلب وبعد إتقان الحفظ والتثبت من تمام الضبط يأخذون في نشره فيعلمونه من لم يشهد نزول الوحي به من أهل مكة والمدينة ومن حولهم فلا يمضى يوم أو يومان إلا وقد حفظ ما نزل عدد يكاد لا يحصى وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قبل الهجرة جماعة من حفظة الصحابة يعلمون القرآن لأهلها ، وكان عليه الصلاة والسلام بعد الهجرة إذا هاجر الرجل إلى المدينة دفعه إلى رجل من أولئك الحفظة يعلمه القرآن0
ولما فتح مكة ترك فيها معاذ بن جبل لذلك ، وكان لأكابر الصحابة مزيد اعتناء ، وعظيم اهتمام بتعرف فقه القرآن ومعانيه وإتقانه حفظا وكتابة ، وضبط آياته ، وحروفها ، ووجوهها ، وذلك لما شاهدوه في النبي صلى الله عليه وسلم من كمال الاعتناء والاهتمام بالترغيب في حفظه ، والأمر بتعهده ، وتوقيف أصحابه على ترتيب آيات سوره وتعلمهم مواضعها من السور نصا كما يأتي إن شاء الله قريبا0
فالصحابة رضي الله عنهم ضبطوا عنه صلى الله عليه وسلم هذا الترتيب كما ضبطوا عنه نفس الآيات و تلاوتها بجميع لغتها ، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه متمكنون كل التمكن من الكتابة باللسان العربي كعلي وعثمان وعمر وزيد بن ثابت ومعاوية وابن مسعود وأنس بن مالك وعبد الله بن سلام قال معاوية قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( يا معاوية ألق الدواة وحرف القلم وانصب الباء وفرق السين ولا تغور الميم وحسن اللام ومد الرحمن وجود الرحيم)
وضع قلمك على أذنك اليسرى فإنه أمكن لك فكان عليه الصلاة والسلام يملى عليهم مباشرة ما نزل عليه من القرآن فيكتبونه فورا بحضرته على الألواح واللخاف وعسب النخل وغيرها ويقول لهم ضعوا هذه الآية بعد آية كذا من سورة كذا وكانت كتابة ما نزل من القرآن ملتزمة منهم حتى في زمن الاختفاء في صدر الإسلام وبهذه الكيفية كتب القرآن كله من أوله إلى آخره وكانت تلك المكتوبات عند الصحابة أحب إليهم من كل نفيس وأغلى من أنفسهم لتيقنهم أن القرآن هو السبب في عزهم وسعادتهم وأنه أساس دينهم وشريعتهم فكانوا يبذلون جميع ما استطاعوا في سبيل حفظه كما أنزل مصونا عن أدنى شائبة نقص أو زيادة
قال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )
ثم انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة ألوف مؤلفة ما منهم أحد إلا وهو يحفظ قسطا وافرا من القرآن وفيهم مئات يحفظونه كله بتمام الضبط والإتقان عن ظهر قلب مجموعا مرتبا ترتيبا معلوما لكل واحد منهم قال معاذ عرضنا القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب أحدنا منا وقد ظهر الإسلام في جميع أنحاء جزيرة العرب كاليمن والبحرين وعمان ونجد وبلاد مضر وربيعة وقضاعة والطائف ومكة ليس فيها مدينة ولا قرية ولا حلة عرب إلا وقد قرئ فيها القرآن وعلمه الصبيان والنساء وكتب وحفظ في الصدور وكان المكتوب بحضرته صلى الله عليه وسلم وبين يديه في الرقاع متفرقا عند الصحابة ولم يكن بين المسلمين اختلاف في شيء من الدين كلهم أمة واحدة على دين واحد0
**********************
جمع القرآن في خلافة أبى بكر :-
بعد وفاته صلى الله عليه وسلم تولى الآمر أبو بكر رضي الله عنه سنتين وستة أشهر فغزا فارس والروم وفتح مكة وزادت قراءة الناس للقرآن وكان في زمن خلافته الوئام التام بين المسلمين ، ولما رأى عمر رضي الله عنه ما يدعوا إلى جمع القرآن أشار على أبى بكر رضي الله عنة بضرورة جمعه في كتاب واحد بمشهد من جميع الصحابة وملأ من الحفظة والكتبة ، ولما استقر رأيهما على ذلك بعد الإباء والإقناع أحضرا زيد بن ثابت وأبديا له ما استقر الرأي علية فاستعظمه أولا ثم بدت له المصلحة فيه فوافقهما وعزم على ما عزما عليه فجمع أبو بكر الحفظة المشهود لهم بالضبط والإتقان وكان من أجلهم زيد وأبى بن كعب وعثمان وعلى وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن زبير وعبد الله بن مسعود وعبد الله ابن السائب وخالد بن الوليد وطلحة وسعد وحذيفة وسالم وأبو هريرة والصامت وأبو زيد وأبو الدرداء وأبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص فاجتمعوا برئاسة زيد بن ثابت في منزل عمر ليتشاوروا في كيفية جمعه وتخصيص عمل كل واحد منهم ثم أخذوا يوالون اجتمعاتهم في مسجد المدينة لكتابة القرآن وكلهم كانوا يحفظونه عن ظهر قلب وكانوا قد اعتنوا قبل بكتابته جملة مرارا من ذاكرتهم ليتحققوا من ضبطهم له وحفظهم إياه وجاء من كان كتب مصحفا بمصحفه وأحضروا كل الصحائف والقراطيس التي كتبوا فيها القرآن بحضره النبي صلى الله عليه وسلم وإملائه وعهدوا إلى بلال أن ينادى بأنحاء المدينة أن من كانت عنده قطعة عليها شيء من القرآن فليأت بها إلى الجامع وليسلمه إلى الكتبة المجتمعين لجمع القرآن على مشهد الصحابة وجيء بعدد كثير من القطع وما كانوا يقبلون قطعة حتى يتحققوا أنها كتبت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يديه صلى الله عليه وسلم وما كانوا يفعلون ذلك إلا مبالغة في الاحتياط ومغالاة في التحفظ وإيغالا في الضبط لئلا يكون مجال للشك في تمام الضبط فكتب زيد القرآن جميعه قال حتى وصلنا إلى آية ( لقد جاءكم رسول ) من سورة التوبة ففقدناها حتى وجدناها مكتوبة عند أبى خزيمة بن أوس بن زيد الأنصاري وقال حتى وصلنا إلى سورة الأحزاب ففقدت آية منها قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مكتوبة مع خزيمة بن ثابت الأنصارى
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)
فألحقناها في سورتها في المصحف وبعد تمام جمعه في المصحف جمع عمر رضي الله عنه جميع الحفظة والصحابة وقرأه عليهم فلم يقع من أحد منهم اعتراض حين العرض ولا بعده وبعد إجماع أكابر الصحابة على هذا الترتيب الذي في هذا المصحف لا يمكن أن يقال أنهم رتبوا القرآن ترتيبا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤه على خلافه فكان ذلك أعظم فرض قام به سلفنا الصالح ( أي الصحابة ) وأفضل من لهم علينا إلى يوم القيامة ومصداق وعده تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) 0
ثم توفى أبو بكر رضي الله عنه وهو أعظم الناس أجرا وتولى الأمر بعده عمر رضي الله عنه وفتح كثيرا من البلاد كالشام ومصر، ولم يبق بلد إلا وقرئ فيها القرآن وعلمه الصبيان في المكاتب شرقا وغربا من مصر إلى العراق إلى الشام إلى اليمن فما بين ذلك وبقى كذلك عشرة أعوام وأشهرا وكان عندهم المصحف الذي كتب في زمن خلافة أبى بكر ومن بعده بقى عند بنته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها ثم أصيب الإسلام بموت عمر وولى الأمر بعده عثمان اثني عشر عاما فزادت الفتوحات واتسع الأمر ثم وجدت الدواعي ومست الحاجة إلى نشر المصاحف فجمع عثمان الصحابة رضي الله عنهم وعدتهم يومئذ تزيد على اثني عشر ألفا بالمدينة وطلب المصحف من أم المؤمنين حفصة وأحضر زيد بن ثابت وعبد الله بن زبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هاشم وأمرهم أن ينسخوا منه برئاسة زيد فنسخوا منه عدة مصاحف من غير تبديل ولا زيادة ولا نقص عما كان عليه المصحف الذي كتبه زيد بأمر أبى بكر وأقرها الألوف من الصحابة وإنما أمر عثمان الصحابة أن ينسخوا من مصحف أبى بكر مع كونهم جميعا من الحفظة لتكون مصاحفهم مستنده إلى أصل أبى بكر المستند إلى أصل النبي صلى الله عليه وسلم المكتوب بين يديه وجعل زيدا رئيس الكتبة للمصاحف لأنه هو الذي كتب مصحف أبى بكر ثم بعث عثمان رضي الله عنه في كل أفق بمصحف من المصاحف التي نسخوها وأمر بتحريق ما سواها
نقل الجعبرى عن أبى على أن عثمان رضي الله عنه أمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني وبعث عبد الله بن السائب مع المكي والمغيرة بن شهاب مع الشامي وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي وعامر بن عبد قيس مع البصري وبعث مصحفا إلى اليمن وآخر إلى البحرين فلم نسمع لهما خبرا ولا علمنا من نفذ معهما . اهـ .
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع