ابن عامر الشامي
وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
- إنضم
- 20 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 10,237
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المملكة المغربية
- احفظ من كتاب الله
- بين الدفتين
- احب القراءة برواية
- رواية حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- سعود الشريم
- الجنس
- اخ
› أهم الخصائص الأدائية للتلاوة في المدرسة المغربية في أصول طريق الأزرق عن ورش وما لأقطابها فيها من اختيارات، وما بينهم من اختلافات مع بيان ما به الأخـذ والعمـل š
أصوله في المد:
المد هو: امتداد الصوت بالحرف بالزيادة فيه لموجب اقتضى مده، وضده القصر، وهو حبس الصوت عن الامتداد.
ويختص المد بحروف ثلاثة تسمى "حروف المد واللين"، وهي الألف الساكنة، والياء المكسورة ما قبلها والواو المضموم ما قبلها([1]).
وللمد سببان موجبان له، وهما الهمز والسكون، والسكون الموجب إما ناشئ عن إدغام وإما عن غيره. والمراد بالمد عند القراء في كتب القراءة هو ما زاد على قدر التمكين الموجود في حروف المد واللين الثلاثة بالأصالة، وهو ما لا تقوم ذات حرف المد بدونه، ويسمى عندهم بـ"القصر" وبـ"المد الطبيعي".
وهذا القدر من التمكين لم يقل بتركه أحد، قال ألو جعفر بن الباذش: "ولا خلاف في تمكين حروف المد واللين وإن لم يلقهن شيء مما ذكرنا ـ يعني الهمزة والسكون ـ تمكينا وسطا من غير إشباع ولا زيادة، نحو "قال" و"يقول" و"قولوا" و"قيل" و"تاب" و"يتوب" وشبهه، وان سمي هذا مقصورا فعلى معنى أنه قصر عن المد المشبع لا أنه لا مد فيه البتة.
ـ قال: "وأمكنهن في المد الألف ثم الياء ثم الواو، وكان أبو القاسم ـ يعني شيخه ابن عبد الوهاب القرطبي ـ يحكي لنا عن أبي بكر الصقلي([2]) أنه كان يذهب إلى أن أمكنهن في المد الواو ثم الألف، وهكذا وضع هذا أبو بكر في كتابه المعروف بـ"الاقتداء"([3]) .
ومن هذا يتبين أن المد الطبيعي لا يختص بما فيه سبب من أسباب المد كالهمز والسكون والإدغام، بل هو ملازم لهذه الأحرف الثلاثة، ولا يجوز إسقاطه بحال سواء في حدر القراءة أو ترسلها، لما يؤدي إليه إسقاطه من إخلال بالتلاوة وإفساد للمعاني وإسقاط بعض حروف القرآن([4]) .
وقد تساهل في هذا الأمر كثير من المتأخرين في أخذهم على الطلاب في المدارسة والعرض فأدى بهم السماح بالهذرمة والسرعة المتناهية إلى إسقاط حروف المد واللين من التلاوة، وغرضهم بذلك التكثير من القدر المقروء مع تقصير الزمن في المدارسة والعرض.
وقد تعالت أصوات العلماء بالنكير على ذلك قديما وحديثا وألفوا في ذلك الرسائل والكتب محاولين إعادة الأمر إلى نصابه، ومحدرين من الاغترار بما درج عليه المتسامحون في هذا الشأن.
[1]- ينظر في ذلك "الفجر الساطع" لابن القاضي لوحة 46.
[2]- هو ابن نبت العروق تقدم في قراء صقلية.
[3]- الإقناع 1/468.
[4]- سيأتي أن هذا يسمى "البتر" وهو من العيوب المخلة بالقراءة.
[1]- هو ابن نبت العروق تقدم في قراء صقلية.
[1]- الإقناع 1/468.
[1]- سيأتي أن هذا يسمى "البتر" وهو من العيوب المخلة بالقراءة
رسالة ابن الرشيد السجلماسي:
ومن الرسائل في هذا الموضوع مما توجه بالنقد إلى هذا التقليد رسالة الشيخ العــلامة أبي العبـاس أحمــد بن عبــد العـزيز بن الرشـيـد السجلماسي الفـيلالـي (ت 1175هـ) المسماة "عرف الند في أحكام المد" فقد خصصها لهذا الموضوع لما له من الأهمية، وقد صدر لهذه الرسالة بقوله:
"اعلموا إخواني ـ حياكم الله وبياكم، وللصواب في القول والفعل أرشدني وإياكم ـ أن ما تمالأ عليه عوام المغرب اأقصى وأكثر طلبته وفقهائه وبعض المتساهلين ممن يعد من مقرئيه وقرائه من إسقاط المد الطبيعي في محله من القرآن خطأ واضح ولحن فادح، لا يختلف في حرمته اثنان، وما زال المحققون من القراء ينبهون عليه، ويحذرون من التورط في شناعة المصير إليه، ولم يزل ينشدهم لسان حال الطلبة في الحواضر والبوادي:
"لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكـن لا حياة لمن تنادي([1])
حتى إني حضرت رجلا مشهورا بالأستاذية والاقتباس منه مقصودا لأخذ القراءات السبع عنه، قرأ مع طالب لوحه بالسبع على كيفية رفض فيها المد الطبيعي رفضا، بل كادت تذهب حروف من غير حروف المد أيضا([2])، فكلم في ذلك برفق ظنا أنه ينتبه إلى الحق فيتبعه، لكون الأمر من الوضوح بحيث يسلمه المنصف أول ما يسمعه، فما كان جوابه إلا أن قال: "هذه طريقتنا التي أخذناها في المغرب، وتلك التي تأمرون بها طريقة اللمطيين بسجلماسة، ثم لج في عمله الذي بنى على غير شيء أساسه.
وعنى باللمطيين شيخنا سيد المحققين، وسند المدققين الغني عن التعريف عند كل لبيب أبا البركات سيدي أحمد الحبيب ـ قدس الله سره، وضاعف عليه بره
[1]- البيت لنصر بن سيار قائد جيش الأمويين بخراسان في مقاومة ثورة أبي مسلم الخراساني داعية العباسيين، وهو مما بعث به في قصيدة إلى مروان بن محمد آخر الأمويين.
[2]- ما يزال كثير من الطلبة يفعل ذلك إلى الآن، لأن اهتمامهم بترتيب الأرداف فقط.
ـ وشقيقه شيخنا العلامة إمام أهل التجويد صاحب النقل الصحيح والنظر السديد، الأستاذ الأكبر سيدي صالح بن محمد([1]) ـ لا برحت محاسنه تتلى ومساعيه تحمد، ومن أخذ عنهما من التلاميذ، وسلك طريقهما من الأساتيذ...
وهكذا وقع التنبيه لغير الرجل المذكور فقابلوه بالنكير، وتعللوا بموافقة جمهور أهل الوقت والجماء الغفير، فإنا لله وإنا إليه راجعون".
ثم أفاض ابن الرشيد في بيان المطلوب من التمكين لهذه الحروف والاعتلال لذلك والاحتجاج له بما لا سبيل إلى نقضه ولا مزيد عليه في التحقيق والتحرير، مقررا أن المد الطبيعي "صفة لازمة لموصوفها ـ أعني الألف وأختيها الساكنتين بعد أميهما ـ يعني الضمة والكسرة ـ فيستحيل انفكاكهن عنه، ولا يمكن النطق بهن دونه، لأنه مقتضى طبعها.. ولهذا سمي المد الطبيعي نسبة إلى طبيعة هذه الأحرف أي حقيقتهن".
ثم ساق طائفة من النقول منها قول الجعبري في "الكنز" في باب المد والقصر:
"ومعنى القصر هنا: الإتيان بالمد الأصلي الموجود قبل ملاقاة الهمزة عاريا عن المد الفرعي" قال:
ومراده بالأصل: الطبيعي، وبالفرعي: المزيدي.. قال ـ أي ابن الرشيد ـ:
"وعلم أن حرف المد لا يخلو عن الطبيعي إما وحده، وإما مع زيادة عليه، وبهذا يندفع ما قد يتوهم من أن أحرف المد تخرج عن المد بالكلية إلى القصر، وسبب التوهم عدم التفطن لكون اسم المد مشتركا بين المطلق الصادق بالطبيعي وغيره، وبين المزيدي المقابل للطبيعي المجرد عن الزيادة، كما أن القصر مشترك بين ترك المد بالكلية وهو القصر، وهو المقابل للمطلق كما في قول "الدرر": "واقصر لقالون يؤده معا.. الخ، وبين ترك المزيدي فقط، وهو يجامع الطبيعي، ويتحقق بالاقتصار على المراد في "باب المد والقصر".
ووجه الاندفاع أن المراد بالقصر ههنا معناه الثاني، فالقصر هنا مد أيضا بالمعنى المطلق فلا خلو عنه لحرفه.. ثم قال بعد كلام:
"وفي "النشر" عن الإمام الداني بعد أن ذكر البتر، وأنه حذف المد كما مر ما نصه:
"وهذا قبيح لا يعمل به، ولا يؤخذ به، ولا يجوز بوجه، ولا تحل القراءة به"([2]).
وما دمنا بصدد قضية رفض المد الطبيعي كما شاع وذاع في الأخذ في المائة الثانية عشرة بسوس وجهات الجنوب عموما كما ذكر ابن الرشيد على لسان الشيخ الذي عارضه بأن القراءة بما سوى ذلك من التجويد المستوفي للقواعد إنما هي طريقة اللمطيين، نورد فيما يلي مختصرا لمناقشة مماثلة جرت في ذلك بين تلميذ وشيخه أنكر فيها التلميذ على الشيخ إصراره على هذه القراءة الفاسدة وخاصة في إسقاطها للمد الطبيعي.
ومن هذه الرسالة وجواب الشيخ عليها يبدو مقدار رسوخ هذا الفساد في هذه الجهات وشناعته أيضا، لأن الآخذين به هم من مشايخ الإقراء، وهم إلى ذلك يزعمون أنه تأدى إليهم بالقراءة المتصلة والسند الصحيح.
وقد وقفت على نص الرسالة وجوابها في مجموع عتيق بخزانة خاصة بمدينة أكادير، وهي بعنوان:
[1]- تقدم التعريف به وبأخيه.
[2]- يمكن الرجوع إلى نص الرسالة كاملا في مخطوطات خ ع بالرباط برقم 2186 ـ 1371 ـ 1641 وبالخزانة الحسنية بالرباط برقم 4617، وتسمى أحيانا باسم "الزهر الربيعي في حكم المد الطبيعي" (القراء والقراءات بالمغرب) للسيد سعيد أعراب 140.
رسالة "اعتراض في أمور تتعلق بالأداء للعلامة سيدي عبد الله بن إبراهيم بن عمران الرسموكي يرد على أستاذهالمحقق القدوة في الأحكام القرآنية في عصره سيدي أحمد بن يحيى الرسموكي رحم الله الجميع".
ونص رسالة التلميذ: "من عبد الله بن إبراهيم الرسموكي، إلى شيخنا من هو واسطة بيننا وبين الله في كثير مما أولاناه من العلوم النافعة ـ بحمد الله ـ سيدنا أحمد بن يحيى الرسموكي رضي الله عنه وأرضاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد فإقرارا منا واعترافا بأنكم أنتم الواسطة التي جعلها الله بيننا وبينه حتى تفضل علينا بجزء وافر من العلوم الدينية التجويدية وغيرها ـ والحمد لله على ذلك جزاك الله كل خير... ثم اعلم سيدي أني ارتضيت مذهبك في علم التجويد، واستعذبته واستحسنته لما رأيته بحجة التوسط المحمود في الأمور.... ما عدا المد الطبيعي، فإني لا أحمدك في أمره، ولا أراك فيه إلا من الفريق الثاني المخل بحقوق القراءة تهاونا منه وتساهلا فيما لا ينبغي إلا كمال المبالاة في مثله، فإن مد الصيغة طبيعي إنما سمي طبيعيا لأن امتداد الصوت لازم لخلقته وجبلته، غير مفارق بوجه، بل الصوت المسموع به عند النطق بحروفه الثلاثة في مكانها نحو "قيل يا نوح" هو عين ذاتها لا غيره، ليس لها ذوات يتكون بها ويظهر أن في الوجود غير هذا الصوت المسموع ممتدا منعطفا بين أصوات مكتنفاتها من الحروف في القراءة، فمن لم يسمع في قراءته "قيل يا نوح" مثلا بعد الياء "صوت آ" وبعد النون "صوت أو" وبعد القاف "صوت إي" فهو لم يقرأها لا محالة، اللهم إلا حرفا ممدودا قبل حرف آخر ممدود، أو موقوفا عليه، أو مقصودا الإعلام به كما يخص به بعض القراء دون بعض.
"فإنك تمد ذلك النوع، مثال الأول: ياء "يا نوح" وتاء "تابوا" ودال "قديرا" وقفا، وقاف "قولوا ءامنا"، ومثال الثاني: "سلسبيلا" و"اخشوني" وفانفذوا" ومثال الثالث "منه" و"فيه"، وكذلك تمد حرفا ممدودا قبل حرف بعد ساكن موقوف على كلمته نحو "به علم" لما نهوا عنه"، وما سوى ذلك تسقطه إسقاطا دون شك ولا ريب، إلا حالة قراءتك في الصلاة المكتوبة دون النوافل، فإنك تقرأ فاتحتك وسورتك كما أرضى وأراه واجبا عليك أن تفعله فيها وفي غيرها، فتأمل ذلك، تأمل مستطب لدائه، مبادر له حذار اردائه.
فإن قلت: هلا تبت أنت من ابتداع مقرأ لم نعرفه عند شيوخنا وارتدعت واتبعت؟ ألم تسمع ما قيل من أن القراءة سنة متبعة لا تؤخذ إلا من أفواه الرجال؟
قلت: بلى، ولكن الرجوع إلى الحق فضيلة فريضة، والإقامة على خلافة بعد ما حصحص الحق حرام. على أني لا أسلم أن أولي الجد من الشيوخ يفعلون ذلك، وإنما يفعله منهم أولوا التهاون والتساهل في أمر ما يلزمهم كما كنت أنت تساهلت في غير قراءة الصلاة...
"وقد أجمعوا على وجوب مد حروف المد كلها على التسوية من غير تفصيل، والمفصل فيها مبطل لا محالة، إذ التخصيص بلا مخصص لا أصل له ولا قائل به، فهو باطل، وسنتذاكر ذلك إن قدر الله لقاءنا بعد إن شاء الله فيحتج كل منا بما عنده، وأرى أن أكتب إليك سيدي أبياتا قلتها عندما رجعت عنك تلك المرة منذ نحو عامين، وقد ذاكرتك بذلك إذ ذاك فلم تتنازل إلي ولم تبالني تحسب أن الأمر هين، وهو عندي عظيم، ثم عزمت على إيصالها إياك فلم يقدر، وهي:
أصوله في المد:
المد هو: امتداد الصوت بالحرف بالزيادة فيه لموجب اقتضى مده، وضده القصر، وهو حبس الصوت عن الامتداد.
ويختص المد بحروف ثلاثة تسمى "حروف المد واللين"، وهي الألف الساكنة، والياء المكسورة ما قبلها والواو المضموم ما قبلها([1]).
وللمد سببان موجبان له، وهما الهمز والسكون، والسكون الموجب إما ناشئ عن إدغام وإما عن غيره. والمراد بالمد عند القراء في كتب القراءة هو ما زاد على قدر التمكين الموجود في حروف المد واللين الثلاثة بالأصالة، وهو ما لا تقوم ذات حرف المد بدونه، ويسمى عندهم بـ"القصر" وبـ"المد الطبيعي".
وهذا القدر من التمكين لم يقل بتركه أحد، قال ألو جعفر بن الباذش: "ولا خلاف في تمكين حروف المد واللين وإن لم يلقهن شيء مما ذكرنا ـ يعني الهمزة والسكون ـ تمكينا وسطا من غير إشباع ولا زيادة، نحو "قال" و"يقول" و"قولوا" و"قيل" و"تاب" و"يتوب" وشبهه، وان سمي هذا مقصورا فعلى معنى أنه قصر عن المد المشبع لا أنه لا مد فيه البتة.
ـ قال: "وأمكنهن في المد الألف ثم الياء ثم الواو، وكان أبو القاسم ـ يعني شيخه ابن عبد الوهاب القرطبي ـ يحكي لنا عن أبي بكر الصقلي([2]) أنه كان يذهب إلى أن أمكنهن في المد الواو ثم الألف، وهكذا وضع هذا أبو بكر في كتابه المعروف بـ"الاقتداء"([3]) .
ومن هذا يتبين أن المد الطبيعي لا يختص بما فيه سبب من أسباب المد كالهمز والسكون والإدغام، بل هو ملازم لهذه الأحرف الثلاثة، ولا يجوز إسقاطه بحال سواء في حدر القراءة أو ترسلها، لما يؤدي إليه إسقاطه من إخلال بالتلاوة وإفساد للمعاني وإسقاط بعض حروف القرآن([4]) .
وقد تساهل في هذا الأمر كثير من المتأخرين في أخذهم على الطلاب في المدارسة والعرض فأدى بهم السماح بالهذرمة والسرعة المتناهية إلى إسقاط حروف المد واللين من التلاوة، وغرضهم بذلك التكثير من القدر المقروء مع تقصير الزمن في المدارسة والعرض.
وقد تعالت أصوات العلماء بالنكير على ذلك قديما وحديثا وألفوا في ذلك الرسائل والكتب محاولين إعادة الأمر إلى نصابه، ومحدرين من الاغترار بما درج عليه المتسامحون في هذا الشأن.
[1]- ينظر في ذلك "الفجر الساطع" لابن القاضي لوحة 46.
[2]- هو ابن نبت العروق تقدم في قراء صقلية.
[3]- الإقناع 1/468.
[4]- سيأتي أن هذا يسمى "البتر" وهو من العيوب المخلة بالقراءة.
[1]- هو ابن نبت العروق تقدم في قراء صقلية.
[1]- الإقناع 1/468.
[1]- سيأتي أن هذا يسمى "البتر" وهو من العيوب المخلة بالقراءة
رسالة ابن الرشيد السجلماسي:
ومن الرسائل في هذا الموضوع مما توجه بالنقد إلى هذا التقليد رسالة الشيخ العــلامة أبي العبـاس أحمــد بن عبــد العـزيز بن الرشـيـد السجلماسي الفـيلالـي (ت 1175هـ) المسماة "عرف الند في أحكام المد" فقد خصصها لهذا الموضوع لما له من الأهمية، وقد صدر لهذه الرسالة بقوله:
"اعلموا إخواني ـ حياكم الله وبياكم، وللصواب في القول والفعل أرشدني وإياكم ـ أن ما تمالأ عليه عوام المغرب اأقصى وأكثر طلبته وفقهائه وبعض المتساهلين ممن يعد من مقرئيه وقرائه من إسقاط المد الطبيعي في محله من القرآن خطأ واضح ولحن فادح، لا يختلف في حرمته اثنان، وما زال المحققون من القراء ينبهون عليه، ويحذرون من التورط في شناعة المصير إليه، ولم يزل ينشدهم لسان حال الطلبة في الحواضر والبوادي:
"لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكـن لا حياة لمن تنادي([1])
حتى إني حضرت رجلا مشهورا بالأستاذية والاقتباس منه مقصودا لأخذ القراءات السبع عنه، قرأ مع طالب لوحه بالسبع على كيفية رفض فيها المد الطبيعي رفضا، بل كادت تذهب حروف من غير حروف المد أيضا([2])، فكلم في ذلك برفق ظنا أنه ينتبه إلى الحق فيتبعه، لكون الأمر من الوضوح بحيث يسلمه المنصف أول ما يسمعه، فما كان جوابه إلا أن قال: "هذه طريقتنا التي أخذناها في المغرب، وتلك التي تأمرون بها طريقة اللمطيين بسجلماسة، ثم لج في عمله الذي بنى على غير شيء أساسه.
وعنى باللمطيين شيخنا سيد المحققين، وسند المدققين الغني عن التعريف عند كل لبيب أبا البركات سيدي أحمد الحبيب ـ قدس الله سره، وضاعف عليه بره
[1]- البيت لنصر بن سيار قائد جيش الأمويين بخراسان في مقاومة ثورة أبي مسلم الخراساني داعية العباسيين، وهو مما بعث به في قصيدة إلى مروان بن محمد آخر الأمويين.
[2]- ما يزال كثير من الطلبة يفعل ذلك إلى الآن، لأن اهتمامهم بترتيب الأرداف فقط.
ـ وشقيقه شيخنا العلامة إمام أهل التجويد صاحب النقل الصحيح والنظر السديد، الأستاذ الأكبر سيدي صالح بن محمد([1]) ـ لا برحت محاسنه تتلى ومساعيه تحمد، ومن أخذ عنهما من التلاميذ، وسلك طريقهما من الأساتيذ...
وهكذا وقع التنبيه لغير الرجل المذكور فقابلوه بالنكير، وتعللوا بموافقة جمهور أهل الوقت والجماء الغفير، فإنا لله وإنا إليه راجعون".
ثم أفاض ابن الرشيد في بيان المطلوب من التمكين لهذه الحروف والاعتلال لذلك والاحتجاج له بما لا سبيل إلى نقضه ولا مزيد عليه في التحقيق والتحرير، مقررا أن المد الطبيعي "صفة لازمة لموصوفها ـ أعني الألف وأختيها الساكنتين بعد أميهما ـ يعني الضمة والكسرة ـ فيستحيل انفكاكهن عنه، ولا يمكن النطق بهن دونه، لأنه مقتضى طبعها.. ولهذا سمي المد الطبيعي نسبة إلى طبيعة هذه الأحرف أي حقيقتهن".
ثم ساق طائفة من النقول منها قول الجعبري في "الكنز" في باب المد والقصر:
"ومعنى القصر هنا: الإتيان بالمد الأصلي الموجود قبل ملاقاة الهمزة عاريا عن المد الفرعي" قال:
ومراده بالأصل: الطبيعي، وبالفرعي: المزيدي.. قال ـ أي ابن الرشيد ـ:
"وعلم أن حرف المد لا يخلو عن الطبيعي إما وحده، وإما مع زيادة عليه، وبهذا يندفع ما قد يتوهم من أن أحرف المد تخرج عن المد بالكلية إلى القصر، وسبب التوهم عدم التفطن لكون اسم المد مشتركا بين المطلق الصادق بالطبيعي وغيره، وبين المزيدي المقابل للطبيعي المجرد عن الزيادة، كما أن القصر مشترك بين ترك المد بالكلية وهو القصر، وهو المقابل للمطلق كما في قول "الدرر": "واقصر لقالون يؤده معا.. الخ، وبين ترك المزيدي فقط، وهو يجامع الطبيعي، ويتحقق بالاقتصار على المراد في "باب المد والقصر".
ووجه الاندفاع أن المراد بالقصر ههنا معناه الثاني، فالقصر هنا مد أيضا بالمعنى المطلق فلا خلو عنه لحرفه.. ثم قال بعد كلام:
"وفي "النشر" عن الإمام الداني بعد أن ذكر البتر، وأنه حذف المد كما مر ما نصه:
"وهذا قبيح لا يعمل به، ولا يؤخذ به، ولا يجوز بوجه، ولا تحل القراءة به"([2]).
وما دمنا بصدد قضية رفض المد الطبيعي كما شاع وذاع في الأخذ في المائة الثانية عشرة بسوس وجهات الجنوب عموما كما ذكر ابن الرشيد على لسان الشيخ الذي عارضه بأن القراءة بما سوى ذلك من التجويد المستوفي للقواعد إنما هي طريقة اللمطيين، نورد فيما يلي مختصرا لمناقشة مماثلة جرت في ذلك بين تلميذ وشيخه أنكر فيها التلميذ على الشيخ إصراره على هذه القراءة الفاسدة وخاصة في إسقاطها للمد الطبيعي.
ومن هذه الرسالة وجواب الشيخ عليها يبدو مقدار رسوخ هذا الفساد في هذه الجهات وشناعته أيضا، لأن الآخذين به هم من مشايخ الإقراء، وهم إلى ذلك يزعمون أنه تأدى إليهم بالقراءة المتصلة والسند الصحيح.
وقد وقفت على نص الرسالة وجوابها في مجموع عتيق بخزانة خاصة بمدينة أكادير، وهي بعنوان:
[1]- تقدم التعريف به وبأخيه.
[2]- يمكن الرجوع إلى نص الرسالة كاملا في مخطوطات خ ع بالرباط برقم 2186 ـ 1371 ـ 1641 وبالخزانة الحسنية بالرباط برقم 4617، وتسمى أحيانا باسم "الزهر الربيعي في حكم المد الطبيعي" (القراء والقراءات بالمغرب) للسيد سعيد أعراب 140.
رسالة "اعتراض في أمور تتعلق بالأداء للعلامة سيدي عبد الله بن إبراهيم بن عمران الرسموكي يرد على أستاذهالمحقق القدوة في الأحكام القرآنية في عصره سيدي أحمد بن يحيى الرسموكي رحم الله الجميع".
ونص رسالة التلميذ: "من عبد الله بن إبراهيم الرسموكي، إلى شيخنا من هو واسطة بيننا وبين الله في كثير مما أولاناه من العلوم النافعة ـ بحمد الله ـ سيدنا أحمد بن يحيى الرسموكي رضي الله عنه وأرضاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد فإقرارا منا واعترافا بأنكم أنتم الواسطة التي جعلها الله بيننا وبينه حتى تفضل علينا بجزء وافر من العلوم الدينية التجويدية وغيرها ـ والحمد لله على ذلك جزاك الله كل خير... ثم اعلم سيدي أني ارتضيت مذهبك في علم التجويد، واستعذبته واستحسنته لما رأيته بحجة التوسط المحمود في الأمور.... ما عدا المد الطبيعي، فإني لا أحمدك في أمره، ولا أراك فيه إلا من الفريق الثاني المخل بحقوق القراءة تهاونا منه وتساهلا فيما لا ينبغي إلا كمال المبالاة في مثله، فإن مد الصيغة طبيعي إنما سمي طبيعيا لأن امتداد الصوت لازم لخلقته وجبلته، غير مفارق بوجه، بل الصوت المسموع به عند النطق بحروفه الثلاثة في مكانها نحو "قيل يا نوح" هو عين ذاتها لا غيره، ليس لها ذوات يتكون بها ويظهر أن في الوجود غير هذا الصوت المسموع ممتدا منعطفا بين أصوات مكتنفاتها من الحروف في القراءة، فمن لم يسمع في قراءته "قيل يا نوح" مثلا بعد الياء "صوت آ" وبعد النون "صوت أو" وبعد القاف "صوت إي" فهو لم يقرأها لا محالة، اللهم إلا حرفا ممدودا قبل حرف آخر ممدود، أو موقوفا عليه، أو مقصودا الإعلام به كما يخص به بعض القراء دون بعض.
"فإنك تمد ذلك النوع، مثال الأول: ياء "يا نوح" وتاء "تابوا" ودال "قديرا" وقفا، وقاف "قولوا ءامنا"، ومثال الثاني: "سلسبيلا" و"اخشوني" وفانفذوا" ومثال الثالث "منه" و"فيه"، وكذلك تمد حرفا ممدودا قبل حرف بعد ساكن موقوف على كلمته نحو "به علم" لما نهوا عنه"، وما سوى ذلك تسقطه إسقاطا دون شك ولا ريب، إلا حالة قراءتك في الصلاة المكتوبة دون النوافل، فإنك تقرأ فاتحتك وسورتك كما أرضى وأراه واجبا عليك أن تفعله فيها وفي غيرها، فتأمل ذلك، تأمل مستطب لدائه، مبادر له حذار اردائه.
فإن قلت: هلا تبت أنت من ابتداع مقرأ لم نعرفه عند شيوخنا وارتدعت واتبعت؟ ألم تسمع ما قيل من أن القراءة سنة متبعة لا تؤخذ إلا من أفواه الرجال؟
قلت: بلى، ولكن الرجوع إلى الحق فضيلة فريضة، والإقامة على خلافة بعد ما حصحص الحق حرام. على أني لا أسلم أن أولي الجد من الشيوخ يفعلون ذلك، وإنما يفعله منهم أولوا التهاون والتساهل في أمر ما يلزمهم كما كنت أنت تساهلت في غير قراءة الصلاة...
"وقد أجمعوا على وجوب مد حروف المد كلها على التسوية من غير تفصيل، والمفصل فيها مبطل لا محالة، إذ التخصيص بلا مخصص لا أصل له ولا قائل به، فهو باطل، وسنتذاكر ذلك إن قدر الله لقاءنا بعد إن شاء الله فيحتج كل منا بما عنده، وأرى أن أكتب إليك سيدي أبياتا قلتها عندما رجعت عنك تلك المرة منذ نحو عامين، وقد ذاكرتك بذلك إذ ذاك فلم تتنازل إلي ولم تبالني تحسب أن الأمر هين، وهو عندي عظيم، ثم عزمت على إيصالها إياك فلم يقدر، وهي:
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع