أهم الخصائص الأدائية للتلاوة في المدرسة المغربية في أصول طريق الأزرق عن ورش ....

طباعة الموضوع

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
› أهم الخصائص الأدائية للتلاوة في المدرسة المغربية في أصول طريق الأزرق عن ورش وما لأقطابها فيها من اختيارات، وما بينهم من اختلافات مع بيان ما به الأخـذ والعمـل š

أصوله في المد:

المد هو: امتداد الصوت بالحرف بالزيادة فيه لموجب اقتضى مده، وضده القصر، وهو حبس الصوت عن الامتداد.

ويختص المد بحروف ثلاثة تسمى "حروف المد واللين"، وهي الألف الساكنة، والياء المكسورة ما قبلها والواو المضموم ما قبلها([1]).

وللمد سببان موجبان له، وهما الهمز والسكون، والسكون الموجب إما ناشئ عن إدغام وإما عن غيره. والمراد بالمد عند القراء في كتب القراءة هو ما زاد على قدر التمكين الموجود في حروف المد واللين الثلاثة بالأصالة، وهو ما لا تقوم ذات حرف المد بدونه، ويسمى عندهم بـ"القصر" وبـ"المد الطبيعي".

وهذا القدر من التمكين لم يقل بتركه أحد، قال ألو جعفر بن الباذش: "ولا خلاف في تمكين حروف المد واللين وإن لم يلقهن شيء مما ذكرنا ـ يعني الهمزة والسكون ـ تمكينا وسطا من غير إشباع ولا زيادة، نحو "قال" و"يقول" و"قولوا" و"قيل" و"تاب" و"يتوب" وشبهه، وان سمي هذا مقصورا فعلى معنى أنه قصر عن المد المشبع لا أنه لا مد فيه البتة.

ـ قال: "وأمكنهن في المد الألف ثم الياء ثم الواو، وكان أبو القاسم ـ يعني شيخه ابن عبد الوهاب القرطبي ـ يحكي لنا عن أبي بكر الصقلي([2]) أنه كان يذهب إلى أن أمكنهن في المد الواو ثم الألف، وهكذا وضع هذا أبو بكر في كتابه المعروف بـ"الاقتداء"([3]) .

ومن هذا يتبين أن المد الطبيعي لا يختص بما فيه سبب من أسباب المد كالهمز والسكون والإدغام، بل هو ملازم لهذه الأحرف الثلاثة، ولا يجوز إسقاطه بحال سواء في حدر القراءة أو ترسلها، لما يؤدي إليه إسقاطه من إخلال بالتلاوة وإفساد للمعاني وإسقاط بعض حروف القرآن([4]) .

وقد تساهل في هذا الأمر كثير من المتأخرين في أخذهم على الطلاب في المدارسة والعرض فأدى بهم السماح بالهذرمة والسرعة المتناهية إلى إسقاط حروف المد واللين من التلاوة، وغرضهم بذلك التكثير من القدر المقروء مع تقصير الزمن في المدارسة والعرض.

وقد تعالت أصوات العلماء بالنكير على ذلك قديما وحديثا وألفوا في ذلك الرسائل والكتب محاولين إعادة الأمر إلى نصابه، ومحدرين من الاغترار بما درج عليه المتسامحون في هذا الشأن.





[1]- ينظر في ذلك "الفجر الساطع" لابن القاضي لوحة 46.



[2]- هو ابن نبت العروق تقدم في قراء صقلية.



[3]- الإقناع 1/468.



[4]- سيأتي أن هذا يسمى "البتر" وهو من العيوب المخلة بالقراءة.





[1]- هو ابن نبت العروق تقدم في قراء صقلية.

[1]- الإقناع 1/468.

[1]- سيأتي أن هذا يسمى "البتر" وهو من العيوب المخلة بالقراءة



رسالة ابن الرشيد السجلماسي:

ومن الرسائل في هذا الموضوع مما توجه بالنقد إلى هذا التقليد رسالة الشيخ العــلامة أبي العبـاس أحمــد بن عبــد العـزيز بن الرشـيـد السجلماسي الفـيلالـي (ت 1175هـ) المسماة "عرف الند في أحكام المد" فقد خصصها لهذا الموضوع لما له من الأهمية، وقد صدر لهذه الرسالة بقوله:

"اعلموا إخواني ـ حياكم الله وبياكم، وللصواب في القول والفعل أرشدني وإياكم ـ أن ما تمالأ عليه عوام المغرب اأقصى وأكثر طلبته وفقهائه وبعض المتساهلين ممن يعد من مقرئيه وقرائه من إسقاط المد الطبيعي في محله من القرآن خطأ واضح ولحن فادح، لا يختلف في حرمته اثنان، وما زال المحققون من القراء ينبهون عليه، ويحذرون من التورط في شناعة المصير إليه، ولم يزل ينشدهم لسان حال الطلبة في الحواضر والبوادي:



"لقد أسمعت لو ناديت حيا



ولكـن لا حياة لمن تنادي([1])



حتى إني حضرت رجلا مشهورا بالأستاذية والاقتباس منه مقصودا لأخذ القراءات السبع عنه، قرأ مع طالب لوحه بالسبع على كيفية رفض فيها المد الطبيعي رفضا، بل كادت تذهب حروف من غير حروف المد أيضا([2])، فكلم في ذلك برفق ظنا أنه ينتبه إلى الحق فيتبعه، لكون الأمر من الوضوح بحيث يسلمه المنصف أول ما يسمعه، فما كان جوابه إلا أن قال: "هذه طريقتنا التي أخذناها في المغرب، وتلك التي تأمرون بها طريقة اللمطيين بسجلماسة، ثم لج في عمله الذي بنى على غير شيء أساسه.

وعنى باللمطيين شيخنا سيد المحققين، وسند المدققين الغني عن التعريف عند كل لبيب أبا البركات سيدي أحمد الحبيب ـ قدس الله سره، وضاعف عليه بره



[1]- البيت لنصر بن سيار قائد جيش الأمويين بخراسان في مقاومة ثورة أبي مسلم الخراساني داعية العباسيين، وهو مما بعث به في قصيدة إلى مروان بن محمد آخر الأمويين.



[2]- ما يزال كثير من الطلبة يفعل ذلك إلى الآن، لأن اهتمامهم بترتيب الأرداف فقط.

ـ وشقيقه شيخنا العلامة إمام أهل التجويد صاحب النقل الصحيح والنظر السديد، الأستاذ الأكبر سيدي صالح بن محمد([1]) ـ لا برحت محاسنه تتلى ومساعيه تحمد، ومن أخذ عنهما من التلاميذ، وسلك طريقهما من الأساتيذ...

وهكذا وقع التنبيه لغير الرجل المذكور فقابلوه بالنكير، وتعللوا بموافقة جمهور أهل الوقت والجماء الغفير، فإنا لله وإنا إليه راجعون".

ثم أفاض ابن الرشيد في بيان المطلوب من التمكين لهذه الحروف والاعتلال لذلك والاحتجاج له بما لا سبيل إلى نقضه ولا مزيد عليه في التحقيق والتحرير، مقررا أن المد الطبيعي "صفة لازمة لموصوفها ـ أعني الألف وأختيها الساكنتين بعد أميهما ـ يعني الضمة والكسرة ـ فيستحيل انفكاكهن عنه، ولا يمكن النطق بهن دونه، لأنه مقتضى طبعها.. ولهذا سمي المد الطبيعي نسبة إلى طبيعة هذه الأحرف أي حقيقتهن".

ثم ساق طائفة من النقول منها قول الجعبري في "الكنز" في باب المد والقصر:

"ومعنى القصر هنا: الإتيان بالمد الأصلي الموجود قبل ملاقاة الهمزة عاريا عن المد الفرعي" قال:

ومراده بالأصل: الطبيعي، وبالفرعي: المزيدي.. قال ـ أي ابن الرشيد ـ:

"وعلم أن حرف المد لا يخلو عن الطبيعي إما وحده، وإما مع زيادة عليه، وبهذا يندفع ما قد يتوهم من أن أحرف المد تخرج عن المد بالكلية إلى القصر، وسبب التوهم عدم التفطن لكون اسم المد مشتركا بين المطلق الصادق بالطبيعي وغيره، وبين المزيدي المقابل للطبيعي المجرد عن الزيادة، كما أن القصر مشترك بين ترك المد بالكلية وهو القصر، وهو المقابل للمطلق كما في قول "الدرر": "واقصر لقالون يؤده معا.. الخ، وبين ترك المزيدي فقط، وهو يجامع الطبيعي، ويتحقق بالاقتصار على المراد في "باب المد والقصر".

ووجه الاندفاع أن المراد بالقصر ههنا معناه الثاني، فالقصر هنا مد أيضا بالمعنى المطلق فلا خلو عنه لحرفه.. ثم قال بعد كلام:

"وفي "النشر" عن الإمام الداني بعد أن ذكر البتر، وأنه حذف المد كما مر ما نصه:

"وهذا قبيح لا يعمل به، ولا يؤخذ به، ولا يجوز بوجه، ولا تحل القراءة به"([2]).

وما دمنا بصدد قضية رفض المد الطبيعي كما شاع وذاع في الأخذ في المائة الثانية عشرة بسوس وجهات الجنوب عموما كما ذكر ابن الرشيد على لسان الشيخ الذي عارضه بأن القراءة بما سوى ذلك من التجويد المستوفي للقواعد إنما هي طريقة اللمطيين، نورد فيما يلي مختصرا لمناقشة مماثلة جرت في ذلك بين تلميذ وشيخه أنكر فيها التلميذ على الشيخ إصراره على هذه القراءة الفاسدة وخاصة في إسقاطها للمد الطبيعي.

ومن هذه الرسالة وجواب الشيخ عليها يبدو مقدار رسوخ هذا الفساد في هذه الجهات وشناعته أيضا، لأن الآخذين به هم من مشايخ الإقراء، وهم إلى ذلك يزعمون أنه تأدى إليهم بالقراءة المتصلة والسند الصحيح.

وقد وقفت على نص الرسالة وجوابها في مجموع عتيق بخزانة خاصة بمدينة أكادير، وهي بعنوان:



[1]- تقدم التعريف به وبأخيه.



[2]- يمكن الرجوع إلى نص الرسالة كاملا في مخطوطات خ ع بالرباط برقم 2186 ـ 1371 ـ 1641 وبالخزانة الحسنية بالرباط برقم 4617، وتسمى أحيانا باسم "الزهر الربيعي في حكم المد الطبيعي" (القراء والقراءات بالمغرب) للسيد سعيد أعراب 140.



رسالة "اعتراض في أمور تتعلق بالأداء للعلامة سيدي عبد الله بن إبراهيم بن عمران الرسموكي يرد على أستاذهالمحقق القدوة في الأحكام القرآنية في عصره سيدي أحمد بن يحيى الرسموكي رحم الله الجميع".

ونص رسالة التلميذ: "من عبد الله بن إبراهيم الرسموكي، إلى شيخنا من هو واسطة بيننا وبين الله في كثير مما أولاناه من العلوم النافعة ـ بحمد الله ـ سيدنا أحمد بن يحيى الرسموكي رضي الله عنه وأرضاه.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد فإقرارا منا واعترافا بأنكم أنتم الواسطة التي جعلها الله بيننا وبينه حتى تفضل علينا بجزء وافر من العلوم الدينية التجويدية وغيرها ـ والحمد لله على ذلك جزاك الله كل خير... ثم اعلم سيدي أني ارتضيت مذهبك في علم التجويد، واستعذبته واستحسنته لما رأيته بحجة التوسط المحمود في الأمور.... ما عدا المد الطبيعي، فإني لا أحمدك في أمره، ولا أراك فيه إلا من الفريق الثاني المخل بحقوق القراءة تهاونا منه وتساهلا فيما لا ينبغي إلا كمال المبالاة في مثله، فإن مد الصيغة طبيعي إنما سمي طبيعيا لأن امتداد الصوت لازم لخلقته وجبلته، غير مفارق بوجه، بل الصوت المسموع به عند النطق بحروفه الثلاثة في مكانها نحو "قيل يا نوح" هو عين ذاتها لا غيره، ليس لها ذوات يتكون بها ويظهر أن في الوجود غير هذا الصوت المسموع ممتدا منعطفا بين أصوات مكتنفاتها من الحروف في القراءة، فمن لم يسمع في قراءته "قيل يا نوح" مثلا بعد الياء "صوت آ" وبعد النون "صوت أو" وبعد القاف "صوت إي" فهو لم يقرأها لا محالة، اللهم إلا حرفا ممدودا قبل حرف آخر ممدود، أو موقوفا عليه، أو مقصودا الإعلام به كما يخص به بعض القراء دون بعض.

"فإنك تمد ذلك النوع، مثال الأول: ياء "يا نوح" وتاء "تابوا" ودال "قديرا" وقفا، وقاف "قولوا ءامنا"، ومثال الثاني: "سلسبيلا" و"اخشوني" وفانفذوا" ومثال الثالث "منه" و"فيه"، وكذلك تمد حرفا ممدودا قبل حرف بعد ساكن موقوف على كلمته نحو "به علم" لما نهوا عنه"، وما سوى ذلك تسقطه إسقاطا دون شك ولا ريب، إلا حالة قراءتك في الصلاة المكتوبة دون النوافل، فإنك تقرأ فاتحتك وسورتك كما أرضى وأراه واجبا عليك أن تفعله فيها وفي غيرها، فتأمل ذلك، تأمل مستطب لدائه، مبادر له حذار اردائه.

فإن قلت: هلا تبت أنت من ابتداع مقرأ لم نعرفه عند شيوخنا وارتدعت واتبعت؟ ألم تسمع ما قيل من أن القراءة سنة متبعة لا تؤخذ إلا من أفواه الرجال؟

قلت: بلى، ولكن الرجوع إلى الحق فضيلة فريضة، والإقامة على خلافة بعد ما حصحص الحق حرام. على أني لا أسلم أن أولي الجد من الشيوخ يفعلون ذلك، وإنما يفعله منهم أولوا التهاون والتساهل في أمر ما يلزمهم كما كنت أنت تساهلت في غير قراءة الصلاة...

"وقد أجمعوا على وجوب مد حروف المد كلها على التسوية من غير تفصيل، والمفصل فيها مبطل لا محالة، إذ التخصيص بلا مخصص لا أصل له ولا قائل به، فهو باطل، وسنتذاكر ذلك إن قدر الله لقاءنا بعد إن شاء الله فيحتج كل منا بما عنده، وأرى أن أكتب إليك سيدي أبياتا قلتها عندما رجعت عنك تلك المرة منذ نحو عامين، وقد ذاكرتك بذلك إذ ذاك فلم تتنازل إلي ولم تبالني تحسب أن الأمر هين، وهو عندي عظيم، ثم عزمت على إيصالها إياك فلم يقدر، وهي:
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
إلى شيخنا الأستاذ نخبة عصرنا

ألا إنكم لا شك أتلفتم حرو

قصرتم جميعا غير حرف يليه حر

وسووا حــروف المـد فالـحق بين



امام الأدا مني السلام يوجه

ف مد بتجويد القرآن تنبهوا

ف آخر ممدود كماذا ألا انتهوا

وفرض على العادين عود متى نهوا



في تسعة أبيات أخرى احتج بها على شيخه وبين فساد مذهبه وختم بقوله:



وشأن ذوي الانصاف ان يتنازلوا

فان هم أفيدوا العلم يكسوه شكرهم

ويدرون أن الــعلم روح حـيـــاته



لبحث ولو من فدم أخرق يعمه

وان هم رأوا جهل المباحث نبهوا

مذاكرة لا ســي من يتفـقـه





جواب احمد بن يحيى الرسموكي شيخه ـ:



صدر الشيخ في جوابه بمقدمة طويلة ينهى فيها تلميذه عن الجدال والإلحاح في السؤال، ويثني على عقله بقوة النفاذ في البحث والمناقشة، إلا أنه قال: "إلا أنى خفت عليك أن يؤيدك إلى زلة في قعر هوة لا تقدر على خلاصك منها، وذلك كقولك "اجتهدت وابتدعت مذهبا ارتضيته، واخترت خطر الابتداع والانفراد بالرأي على التأسي، وكقولك أيضا "ركبت في ذلك قارب الاجتهاد وإن لم أكن من أهله".. ثم قال له بعد كلام من هذا القبيل:

"وهل يسوغ الاجتهاد في كتاب الله تعالى، لكل ذي عقل سديد، فاستغفر الله تعالى في ذلك، واطلب المولى الكريم الغفران لنا ولك، فلا يجوز الاجتهاد والخوض في كتاب الله تعالى، وإنما هو محض تقليد رسما وتلاوة، وذلك كله موقوف على الأخذ والمروي، ولا يجوز لكل واحد أن يقرأ ويقرئ إلا بما قرأ به مع الإجازة من الأئمة الحجة، ولا مخالفة المروي عنهم.

"وقد حككت هذه المسألة مع شيخنا الدرعي ـ رحمه الله تعالى ـ غاية غاية حتى نقل لي كلام ابن الجزري في "النشر" وهو قوله: " لا يحل لك ان تقرأ أو تقرئ إلا بما قرأت به وأجيز لك([1]) ، فالقراءة بلا إجازة ليست بمقرأ، فقلت: فكيف بقراءتنا؟ إلى ان قال: تسمى مذاكرة، هكذا قال رحمه الله....

ثم قال: "ولا يخطر ببالك ـ سيدي ـ أننا نخالف المروي في التلاوة وغيرها، ولا نخالفه أبدا ولو انقبلت علينا الدنيا بأسرها، وقد زعمت أننا نسارع في بعض حروف المد واللين، وأنت تمططها، فلا ينبغي لك في الحزب الراتب لاجتماعك مع الغير في القراءة!

"واما إثبات حروف المد واللين فلا بد منها وصلا ووفقا لا فرق على قدر مدها الطبيعي كما قال كل واحد من أئمة علماء القراءة، فالقراءة كالميزان، لا يزاد فيها ولا ينقص منها...

فحــاصل الأمر ـ سيدي ـ ما سمعت مني في التــلاوة هو المروي عن أشيـاخنا ـ رحمهم الله ـ وأجازونا وهم ثقات، منهم من يوثق به رواية عن شيخهم ابن القاضي([2]) ـ رحم الله الجميع، وأسكننا معهم في فراديس الجنان:

ـ فمنهم الأول في الأخذ عنه سيدي إبراهيم الدرعي، والأستاذ سيدي إبراهيم، وسيدي عبد المومن الهسكوريان، ومجيزنا أبو عمران الهشتوكي([3]). وسيدي محمد الهواري([4]) وسيدي عبد الرحمن الريسي وسيدي علي بن جارية بها شهر القصري الأصل، وهم الثلاثة بفاس المحروسة، وسيدي احمد أمنزل به شهر الدمناتي فكيف إسنادنا بهؤلاء الثقات؟ أخذنا عنهم مشافهة، إجازة منهم، كما اخذوا عن شيخهم ابن القاضي تواترا، أخذها خلف عن سلف إجازة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.. فإسنادنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أربعة وعشرون شيخا ولم ينكر علينا أحد ممن لقيناه من الأشياخ كنكرانك([5])، ونحن شبنا في كتاب الله العزيز بالخدمة والحمد لله وما رأينا أحدا يقول ما تقول حضريا وباديا، وأنت ـ والعياذ بالله ـ اعترفت على نفسك أنك زدت في كتاب الله العزيز من تلقاء نفسك باجتهادك، فعليك بخصيصة نفسك، ومن تبعك على ذلك، وأما أنا فلا يحل لي ولا يسوغ أن اترك المروي ـ كما تقدم ـ واتبع القراءة الهوية([6]) التي لا أصل لها، وقد خيف عليك باجتهادك في الاستنباط في كتاب الله العزيز باستدعائك([7])، ولك رجحان العقل فاجتهد، ولكن لك النصيحة:"كن متبع، ولا تبتدع، وكن متواضع، ولا ترتفع".. ثم ذكر أبياتا من نظمه مهلهلة النسج ينصح له فيها بترك البحث في هذا ثم قال:

"أما تحرير المد بالحركات في حروف المد واللين فصعب، وقد ذكرت ذلك لشيخنا الدرعي فذكر لي أنه تداول ذلك مع الولي الرباني سيدي محمد بن ناصر، فتأملاه كيف التقدير بالحركات؟ فقال الولي ـ رضي الله عنه ونفعنا به آمين ـ: "ولعل ذلك تحريك الأصابع. فمقدار الطبيعي ما يرقد فيه القارئ أصبعين بكفيه، والتوسط ثلاثة،والإشباع ستة أصابع.

"وكنا نقول له في بعض الأحيان إذا فرغنا من الحزب الراتب: طولنا وأسرفنا في المد ! فيقول: "كنت أقدره بتحريك الأصـابع، وقد تعذر استـنباطه بالتـقدير بالهـمزات ـ كما قيل ـ، والمشهور الذي هو، المــعول عليه الأخذ والمشافهة من الأشياخ ـ كما تقدم ـ.

قال: وتأملناه غاية أيضا مع شيخنا الرايسي([8]) بفاس المحروسة في مجلس "الدرر اللوامع" مع جماعة من الأساتيذ أمثالنا، فقال لنا الشيخ: المعول عليه الأخذ. ليس إلا، وذكرت له ما قال ابنن نـاصر([9]) رضي الله عنه ـ فاستبعده ولم يقبـله، وقال: لا قائل به.

"فالحاصل ـ سيدي ـ هذا الذي عندنا وعند من لقينا، إن ظهر لك أن تأخذ فخذه، والا فانبذه،وليس عليك حرس، واسمح لي سيدي في عثرات القول والفعل واللفظ".

وكتب مريدا الخير كله إليك أحمد بن يحيى ـ أحيا الله قلوبنا بالإيمان والإسلام، ـ في انتصاف رمضان عام 1136هـ، ومن خطهما المعلوم لهما نقله بأوساط شوال عام 1198هـ محمد بن أحمد بن مسعود البرجي الرسموكي لطف الله به".



[1]- لم أقف عليه بهذا اللفظ في "النشر" وأحسبه حكى المعنى المستفاد مما في "النشر" 1/40 وعبارة ابن الجزري في "منجد المقرئين" 5 "ولا يجوز له أن يقرئ إلا بما سمع أو قرأ" ـ وهو من كلام الهذلي نقلا عن ابن مجاهد



[2]- يعني أبا زيد عبد الرحمن بن أبي القاسم صاحب الفجر الساطع شيخ الجماعة بفاس كما تقدم.



[3]- تقدم ذكره في الرواة عن أبي زيد بن القاضي توفي 1108 قرأ عليه أحـمد بن يحيـى الرسموكي وغيره (الحضـيكي 2/140.



[4]- هو محمد الهواري السرغني من سرغن سجلماسة أو السرغيني نسبة إلى القبيلة المعروفة قرب وادي العبيد كما تردد في ذلك الشيخ ابن عبد السلام في مقدمة كتاب "المحاذي" وهو من شيوخ إدريس المنجرة كما تقدم في أسانيده.



[5]- كذا والصواب كإنكارك.



[6]- كذا، ولعلها نسبة إلى الهوى.



[7]- كذا، ولعل المراد بادعائك.



[8]- ترجم له القادري في نشر المثاني 3/84 فقال فيه: "منهم الفقيه الأستاذ أبو زيد عبد الرحمن بن محمد المدعوّ الرايسي الفاسي، كان أستاذا مجودا مقرئا، جمع السبع على الشيخ أبي زيد بن القاضي وغيره، واخذ هن الحافظ والشاطبية والكراريس والرسالة ونظم الرقعي فانتفع به أقوام... توفي عام 1109هـ.



[9]- يعني تقدير المد بتحريك الأصابع.










تقويم دعوى صاحب الجواب:

تلك صورة عما دار في هذه المناقشة بين هذين القارئين من أهل سوس وهما الشيخ أحمد بن يحيى الرسموكي وتلميذه الشيخ العلامة عبد الله بن إبراهيم الرسموكي، ولعل القارئ الكريم قد تبين بنفسه بين مستوى الشيخين، ولمس بنفسه من خلال المنهج الذي سلكه الشيخ المجيب في جوابه كيف أنه إنما كان يناور حول القضية الأساس التي هي محور النقاش دون أن يقدم جوابا شافيا أو عذرا مرضيا، وهو في لهجته يلين لمعارضه تارة فيخاطبه بوصف سيدي وتارة يغلظ له في القول ويحمى أنفه بدعوى الغيرة على كتاب الله من أن تمتد إليه يد الاجتهاد، ولأنه ـ كما زعم ـ إنما هو محض تقليد رسما وتلاوة"، ولو قال "محض اتباع" لكان قد أصاب، وهكذا اعتبر محاولة العودة بالقراء إلى التزام القواعد اللازمة للأداء ابتداعا وخروجا على الإجماع، كأنه يقول بنحو مما قال به صاحب ابن الرشيد في الرسالة الآنفة الذكر: "هذه طريقتنا التي أخذناها في المغرب، وتلك التي تأمرون بها طريقة اللمطيين"، مع فارق واحد هو أن هذا أقر هذه الطريقة ونسبها إلى اللمطيين، وأنكرها الآخر إنكارا بليغا محتجا لموقفه بذكر عدد من شيوخه الذين أخذ عنهم "مشافهة وإجازة" قال: "وما رأينا أحدا منهم يقول ما تقول حضريا وباديا" ثم ينتهي إلى التعوذ بالله من سوء ما ابتدعه تلميذه باجتهاده مما سماه "القراءة الهوية" التي لا أصل لها".

ومن الطريف بعد هذا أن نجده يقول لتلميذه: "ولا يخطر ببالك سيدي أننا نخالف المروي في التلاوة وغيرها ولا نخالفه أبدا ولو انقلبت علينا الدنيا بأسرها"، ثم يقول له: "وقد زعمت أننا نسارع في بعض حروف المد واللين وأنت تمططها، فلا ينبغي لك في "الحزب الراتب" لاجتماعك مع الغير في القراءة".

ومقتضى قوله هذا أن قراءة "الحزب الراتب" لها حكم خاص بها فيما يتعلق بالالتزام بأحكام الأداء وخاصة مد ما حقه أن يمد وقصر ما حقه أن يقصر"، وهذا ـ كما ترى ـ اعتراف صريح منه بأصل القضية التي كانت مثار النزاع.

وأما ما ذكره ليقوي به جانبه من انه ناقش في هذا شيخه الدرعي ـ أو حك هذه المسألة معه كما قال ـ فلا يقدم ولا يؤخر في الموضوع، لأن حكه للمسألة لم ينجم عنه بالنسبة إليه إلا مزيد من الإصرار على موقفه.

والشيخ الدرعي المذكور هو إبراهيم بن علي الدرعي صاحب كتاب "تسهيل العسير في قراءة ابن كثير"([1]) وغيره، كان حيا سنة 1104هـ، ويبدو من انتمائه إلى "درعة" أنه كان على طرفي نقيض مع الشيخ ابن يحيى الرسموكي ولذلك ذكر أنه "حك معه المسألة".

وقد زاد الطين بلة بما ذكره من تقدير الولي الصالح الرباني سيدي محمد بن ناصر "للحركات بتحريك الأصابع، قائلا: "ولعل ذلك تحريك الأصابع، فمقدار الطبيعي ما يرقد فيه القارئ أصبعين بكفه، والتوسط ثلاثة والإشباع ستة أصابع"، فانظر إلى هذا التخريج الذي لم يقل به أحد من الأئمة ولا ألم به أحد ـ فيما أعلم ـ قبله حيث حمل معنى "الحركات" على الحركات الحسية لا على العلامات التي تضبط بها الحروف، فأحال على شيء لا ينضبط أبدا، بل يختلف الحال فيه حتى عند القارئ الواحد وهو تابع مقادير المدات بأصابعه ليحاول ضبط الزمن الذي يمتد فيه الصوت بها، على نحو ما لا يزال يأخذ به بعض أغبياء المشايخ إلى اليوم في تقدير المد ملوحا بأصابعه أحيانا في وجه من يدعي عليه انه يبالغ في المد([2])، وخاصة في القراءة الجماعية المرذولة المعروفة عند طلبة الجنوب باسم "تحزابت" حيث تسمع القارئ يمد حروف المد حتى ينقطع نفسه، ويبقى المشاركون له في القراءة ينتظرونه حتى يفرغ منه ليواصلوا القراءة، فإذا تجاورت المدات نحو "عليهم ءانذرتهم" و"هؤلاء ان كنتم صادقين" تقاسموها فيما بينهم، وذلك لتعذر قيام القارئ الواحد بمد صوته بها كلها طبقا للقدر الذي يقدرونه في هذه القراءة المنحرفة الخارجة عن كل ضوابط القراءة وآدابها وقواعدها الأدائية.

وقد أفادنا هنا الشيخ ابن يحيى بأن مسألة تقدير المد بالحركات كانت مفهومة عند رجال المدرسة الفاسية لأنها تقوم على اعتبار سليم للزمن الذي ينطق فيه الفم بالحرف مصحوبا بحركته التي يخرج بها عن السكون، فإذا زاد مد الصوت بالحركة نشأ ما يسمى بـ"المد" الاصطلاحي، فإن كان الامتداد بالقدر الأول الذي فارق به السكون فهو القصر أو المد الطبيعي، وإن زاد بقدر ذلك فهو التوسط ـ ومقداره كما سيأتي أربع حركات ـ وإن زاد على ذلك حتى كان بقدر الحركة الأولى ست مرات فهو نهاية المد أو "الإشباع".

ولهذا رفضوا التقدير بحركة الأصابع، وقرروا أن "المعمول عليه الأخذ ليس إلا" كما عبر عن ذلك الشيخ الرايسي، على ان الخصومة كما يبدو ليست في مقدار امتداد الصوت بالمد الطبيعي، فقد كانت قضيته محل اتفاق بين طرفي النزاع، لأن المجيب زعم "أن إثبات حروف المد واللين فلا بد منها وصلا ووقفا لا فرق على قدرها الطبيعي كما قال كل واحد من أئمة علماء القراءة"، لكن الخصومة كانت في الواقع حول "القراءة الجماعية" أي "الحزب الراتب" الذي كان أهل سوس لهذا العهد يأخذون فيه بنمط خاص في الأداء تمد فيه بعض حروف المد واللين دون بعض، وتختلس فيه بعض الحركات حتى تتحول إلى سواكن، وربما سقطت بذلك بعض الحروف بسبب السرعة والهذرمة.

وقد أثارت هذه القضية ثائرة العلماء وحاولوا التصدي لها بكل ما يستطيعون، وقد اقترن ظهورها وارتبط بالأخذ بالوقف المنسوب إلى الإمام الهبطي الذي كان لمثل هذه القراءة الجماعية في الحزب الراتب وغيره أثر بالغ في تعميمه وترسيخ الأخذ به كما قدمنا.

وهذه صورة أخرى عن موقف من تلك القراءة نضيفه إلى موقف ابن الرشيد السجلماسي وموقف عبد الله بن إبراهيم الرسموكي لندرك إلى أي حد بلغ الغليان في هذه المعركة، وخاصة بين قراءة سجلماسة ومن أخذ عنهم وبين قراء سوس، ويتعلق الأمر في هذه المرة برسالة اعتراض من العلامة أبي العباس أحمد بن عبد الله الصوابي السوسي (1095ـ1149هـ)، وقد ساق نص هذا الاعتراض الشيخ الحضيكي وهو من تلاميذه في ترجمته له في "مناقبه فقال فيه:



[1]- كتاب متوسط الحجم يوجد مخطوطا بالخزانة العامة بتطوان في مجموع برقم 344 وهو في أوله ويستغرق من الصفحات من 2 إلى 42. وقد تقدم ذكر استدراك الشيخ إبراهيم الدرعي المذكور على ابن القاضي في كتابه "بيان الخلاف والتشهير والاستحسان وما أغفله مورد الظمآن"، وهذه المسائل المستدركة يسيرة في صفحة واحدة كما عرف بها شيخنا الدكتور التهامي الراجي في مقدمة تحقيقه لكتاب التعريف للإمام الداني: 149.
 

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
[2]- ومن الغريب أن نجد بعض الذين ألفوا في رواية ورش وقتنا كالسيد محمد الإبراهيمي في كتابه "المحجة" 435 يقول في تقدير التوسط: "أن تمد صوتك به زمانا يكفي لضم أو بسط أربع أصابع، أي بزيادة حركية على مقدار المد الطبيعي.

رسالة اعتراض للشيخ أحمد الصوابي:



"شيخنا وعمدتنا العالم الفاضل الولي الصالح.. خاتمة محدثي سوس وآخر من قرأ "تسهيل ابن مالك"([1]) منهم، وآخر من أقام الدين وأحيا السنن وأمات البدع وأرشد العباد، ... ثم ذكر من أعماله في محاربة البدع فقال:

"فمن ذلك قراءة الناس بـ"الوقف الضبطي"([2]) القرآن العظيم كتاب ربهم وكلامه وأصل دينه، قد عمد الشيطان ـ لعنه الله ـ لذلك فصرفهم عن تجويده الواجب المتعين والترتيل الذي أمر الله به والتدبر فيه والتخشع والسكينة على كل قارئ لكتاب الله.. فمكر الشيطان الرجيم، واحتال على الناس حتى منعهم من ذلك وأوقعهم في المحظور الواضح، والحرام الصريح، والمعصية الكبيرة عياذا بالله ـ من قصر الممدود، ومد المقصور، وإسقاط الحروف والحركات وتبديلها وتغييرها، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون" ثم قال:

"وكان ـ رضي الله عنه ـ كتب لأعيان وقته وفقرائهم وشافههم مرارا في شأن هذه القراءة المحدثة الممنوعة، وبين لهم مواضع الخطأ فلم يوفقوا لموافقته إلا قليلا، ولا انتبهوا لما انتبه إليه ـ رحمه الله. ونص كتابه فيها:



[1]- يعني تسهيل المنافع في النحو لابن مالك (مطبوع).



[2]- كذا، ولعله محرف عن "الهبطي" نسبة إلى صاحب "تقييد الوقف" محمد بن أبي جمعة الهبطي كما تقدم.






نص رسالة الاعتراض للصوابي:

"إلى شيخنا إمام وقته أبي العباس العباسي:









... هذا وإني ذكرت لهم هذه القراءة الحادثة التي خالف فيها الأحداث من هذا الجيل أهل الجيل المتقدم، واختل نظام الهجاء على أهله، وفسد عليهم ضبط ساكنه ومتحركه، وميز مفتوحه من غيره مضمومه ومكسوره وغيره منهم، وموضع وجود حرف العلة من موضع فقده، وسمو ذلك كله وفقا.

"فتراهم إذا قيل لهم: هلا قرأتم الواوين من "هذا ما توعدون ليوم الحساب" كالألفات الثلاثة قبل؟ قالوا: ما تأمرنا به قياس، وإذا قيل لهم: ما للهمزة في "أئذا" نص الناس على أنها بين بين([1])؟ قالواـ: ان العرب قالوا: "هرقت الماء" و"هجرت الدابة" ففروا إلى القياس النحوي، بل للتنظير بجزئيات خارجات حتى عن قياسه وقد أنكروا القراءة بالقياس مطلقا: قرائي ونحوي، ثم خرجوا إلى أمر خارج عنهما بعد خروجه عن الرواية إجماعا".

"وقلتم يومئذ: الظاهر الجواز، ولم يطمئن له صدري، ورأيت أني في صورة المعنت لهم، فنويت أن أذكركم بذلك في مجلس آخر ووقت آخر.

"وقد بعثت إليكم ـ أيها الثلاثة ـ كتابا، ولم أر له جوابا، أذكر فيه بعض ما أتحير به.

ورأيت أن تلك القراءة خارجة عن قانون المصحف العثماني، وأنه لا يجوز سماعها فضلا عن قراءتها، وأن هذا الحين هو الذي قيل فيه: يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه ([2]).

وان ما يسميه متعاطي القراءة في هذا الزمان وقفا، إنما هو إيهام وإلباس، وإلا فلا وقف ولا وصل.

وقد رأيت أنكم لهم الركن الأعظم الذي يستندون إليه في هذا الوقت، فمادمت في الوقت اتخذوكم حجة، ولوددت لو أبديت هذا الأمر في حياة والدكم ـ رحمه الله ـ ولو قدر هذا الأمر لنصرني نصرا مؤزرا، إذ هو أدرك وفور القراءة على وجهها، إلا أنه ـ رحمه الله ـ لم ينبه، ولو نبه لانتبه بأدنى تنبيه ـ لله دره من رجل ما أقومه بالحق إذا تبين غير خائف فيه لومة لائم ـ فنسأل الله العظيم الكريم أن يرحمه وان يغفر له مغفرة تحيط بجميع هفواته.

"وإذا أردتم ان تعرفوا أن أس ما يدعونه من الوقف لا حقيقة له، وإنما هو فساد توصل به لفساد، فانظروا عبارة "الإتقان" في نوع الوقف([3]) فستجدونه فرق بين السكت والوقف والقطع، وستجدون فيه أن السكت ليس بوقف. وقال أبو زيد بن القاضي في شرح "البرية": "وإن لزمت فيه أحكام الوقف"([4]).

ثم بعد أن ساق أمثلة من قراءة حمزة بن حبيب لبيان الفرق بين السكت والوقف والقطع، انتقل إلى ضرب الأمثلة لوجوه الخطأ في قراءة أهل عصره في القراءة المحدثة المذكورة فكان مما قال:

"وتشبه هذه القراءة الشعر من حيث تمكين الصوت في بعض حروف المد دون بعض، مثل "وقالوا قلوبنا غلف" فإن قارئهم يمكن الصوت بعد الفتحة من "قالوا" دون الواو بعد ضمة لامه، ودون الواو التي بعد اللام في "قلوبنا" ويمكن على "نا" من قلوبنا إن وقف على غلف، لا عن وصل بما بعده، وهذا سبيل الشعر، يمكن فيه الصوت على بعض الحروف التي وجد حرف اللين أو السكون بعدها دون بعض".

وهكذا استمر في ضرب الأمثلة على فساد هذه القراءة ناعيا على الآخذين بها والساكتين عليها، ومشنعا على مخاطبه خاصة ومن معه لأنهم لم يجيبوه على اعتراضه بما يبين الحق ويشفي الغليل. ثم قال:

"من مجل قدركم عبيدكم أحمد بن عبد الله الصوابي كان الله له.

ثم قال الحضيكي ـ رحمه الله ـ: وكان ـ رضي الله عنه ـ يخبر بأن الرجل الصالح سيدي موسى الوسكري([5]) أول من جاء سوس بهذا الوقف الهبطي، وأنه لا يجود به إلا لمن يردف بالقراءات، ويقول:

"إنما وضعه واضعه لذلك، وينهى طلبته وأولاده الذين أدركناهم أن يقرأوا به "الحزب الراتب" وان يجودوا به للمتعلمين الذين لم يقرأوا بالقراءات".

"وكان ـ رحمه الله ـ يبالغ في إنكار هذه القراءة الفاسدة، وجد كل الجد في رد الناس ورجوعهم إلى قراءتهم القديمة، وهي التجويد والترتيل، فمنهم ومنهم. "قال الحضيكي:

"ولقد وجدنا بالجامع الأزهر([6]) مجودا يجود القراءة القديمة التي كان ـ رحمه الله ـ يقرؤها ويرشد الناس إليها. وهذا شيخ وقته وإمام عصره سيدي أحمد بن عبد العزيز السجلماسي قد تنبه لذلك فصار يحمل الناس على "القراءة الصوابية"([7]) السنية القديمة، وألف على خطأ هذه الحادثة وفسادها([8]).



[1]- يعني تسهيل الهمزة بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها، وسيأتي مزيد من البيان لهذه المسألة.



[2]- أحاديث قبض العلم وذهاب العلماء مشهورة في الصحاح والسنن ويمكن الرجوع إليها في "جامع بيان العلم وفضله للحافظ ابن عبد البر ـ باب ما روي في قبض العلم وذهاب العلماء ـ 1/148ـ157.



[3]- تعرض السيوطي لهذا في الإتقان في علم القرآن 1/87ـ88 في النوع الثامن والعشرين من علوم القرآن.



[4]- يريد الفجر الساطع في شرح أرجوزة ابن بري لابن القاضي، وما ذكره يمكن الرجوع إليه في باب البسملة منه.



[5]- تقدم ذكره في الفصل الذي خصصناه لوقف الهبطي في العدد الماضي قبل الأخير.



[6]- يعني في رحلته للحج بمدينة القاهرة بمصر.



[7]- نسبة إلى قبيلة "آيت صواب" بسوس وهي دار إقامة الشيخ أبي العباس الصوابي الآنف الذكر من سوس بجنوب المغرب.



[8]- طبقات الحضيكي (مناقب الحضيكي 2/145ـ147).

الشيخ الحبيب اللمطي وموقفه من قراء عصره:

وقد أسهم في إنكار هذه القراءة في المائة الثانية عشر عدد كبير من مشيخة المغرب هموما وخاصة علماء سجلماسة كالشيخ الحبيب اللمطي وأخيه صالح بن محمد اللمطي الذي يصفه الحضيكي بالمقرئ أستاذ سجلماسة ونواحيها وزاهدها بعد أخيه وبركتها وسرها. "ثم يقول فيه:

"كان ـ رضي الله عنه ـ يجود القرآن العظيم كما يجب على السنة القديمة، عارفا بالقراءات الأربع عشرة([1]) وأحكامها، أخذها من أكابر القراء ببلده كأخيه سيدي احمد الحبيب وغيره ببلاد المغرب، وينكر هذهالقراءة الحادثة المسماة "قراءة الوقف" أشد إنكار". ثم ذكر ولادته في حدود 1080 ووفاته في 15 رجب سنة 1179هـ"([2]).

وهكذا عمت البلوى بهذه القضية حتى كانت حافزا لكثير من علماء القراءة المعتبرين في محاولة لوقف زحف هذا الخروج المشين على قواعد الأداء والتصدي لمن حاولوا شيئا من الدفاع عنه وتسويغ الأخذ به بعلة أو بأخرى على نحو ما رأينا عند ابن يحيى الرسموكي وأبي العباس العباسي، وربما كان منهم صاحب كتاب "هز السيف على من أنكر الوقف"، وهو من تأليف "فقيه من قراء هشتوكة بسوس([3])، وذلك لما هو ملحوظ من اقتران هذه القراءة الحادثة بظهور الوقف المنسوب إلى الإمام الهبطي بسوس كما رأينا في الأمثلة التي ساقها ابن الرشيد في "عرف الند"، والرسموكي في اعتراضه على شيخه، والصوابي في رسالته إلى أبي العباس العباسي.

ومن الذين كتبوا في الموضوع من قراء فاس الشيخ أبو حفص عمر بن عبد الله بن عمر بن يوسف الفاسي (1125ـ1188) وقد تقدم ذكره في شيوخ محمد بن عبد السلام الفاسي شيخ الجماعة بفاس.

فقد ألف في ذلك "جزءا في حكم المد الطبيعي في القراءات"([4]).

كما ألف في الموضوع نفسه الشيخ ابن عبد السلام تلميذه المذكور "رسالة في المد الطبيعي" خصصها لمعالجة هذه القضية الشائكة، فذكر في أولها أن "أهل المغـرب ـ باستثناء اللمطيين ـ لا يعطون حروف المد حقها بل يختلسونها اختلاسا، وبعضهم يكتفي فيها بالنية.. قال:

"وطريقة اللمطيين هي الطريقة المثلى في القراءات، وهي طريقة شيخه([5]) سيد المحققين أبي البركات أحمد الحبيب وشقيقه أبي عبد الله، قال: فما رأينا في أهل المغرب من وفى حروف المد حقوقها، وأعطاها من المخارج والصفات مستحقها غير هذه العصابة"([6]).

وممن ألف فيها بعد ابن عبد السلام (ت 1214) الشيخ محمد بن قاسم، العيدوني الخمسي من قراء الشمال المغربي، ألف نظما في "مراتب المد"([7])، والشيخ أبو محمد عبد السلام الشريف الزالي "له نظم في مراتب المد الطبيعي"([8]) إلى غير هؤلاء من القراء والعلماء الذين كان لهم موقف رافض من هذا التدني الذي آلت التلاوة المغربية في أثناء المائة الثانية عشرة فما بعدها مما لا تزال آثاره شاهدة في طريقة أهل عصرنا في التلاوة وقراءة الحزب الراتب في الغالب الأعم، مما زاد في تباعد الشقة بين هذه القراءة وبين ما رتبه أئمة الأداء من أحكام وقواعد، وخاصة في رواية ورش من طريق الأزرق التي تختص بخصائص متميزة في هذا الباب.

ومن خلال ما استعرضناه من هذه المباحث ندرك مقدار التدهور الذي أصاب الناحية الأدائية في هذه الرواية التي تكاد تنفرد في باب المد ـ إن لم نقل إنها منفردة فعلا ـ بجملة من الخصائص لا تشاركها فيها أو تكاد تشاركها رواية أخرى.

وإذا تأملنا مناط الحكم فيها نجده يتعلق بأصل المد، إذ أهل هذه القراءة المحدثة قد أسقطوا بعض حروف المد بالكلية، وأثبتوا في الوقت ذاته بعضها على ترتيب في ذلك نسقوه، واصطلاح تعارفوا وتمالأوا عليه، وذلك خروج تام عن الصفة المعتبرة في القراءة حدرا وتدويرا وتحقيقا، وخروج أتم عن رواية ورش من طريق الأزرق التي تمتاز عن غيرها بمزيد من التمكين، لا في أحرف المد فقط، بل حتى في الحركات كما قدمنا في حديثنا عن أخذه بطريقة "التحقيق".



[1]- وقد تقدم أن أخاه أبا البركات أحمد الحبيب بن محمد اللمطي أخذ القراءات عن الشيخ أحمد البنا الدمياطي صاحب كتاب "اتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر"، ولعله أول من أدخلها إلى المغرب.



[2]- مناقب الحضيكي 2/146.



[3]- سوس العالمة لمحمد المختار السوسي 195.



[4]- الحياة الأدبية والعلمية في المغرب على عهد الدولة العلوية للدكتور محمد الأخضر 307.



[5]- يعني شيخ ابن الرشيد السجلماسي صاحب "عرف الند في حكم حرف المد" كما سيسوق عبارته بنصها.



[6]- عرف بها السيد سعيد أعراب في "القراء والقراءات بالمغرب" 148.



[7]- القراء والقراءات بالمغرب 156.



[8]- القراء والقراءات 165.

مراتب المد وما قرره أئمة القراء فيها

ولنتابع الآن ما قرره أئمة هذه الصناعة من أحكام في هذا الصدد لبيان مراتب المدود قبل التطرق إلى مذهب الأزرق في ذلك.

فأول مراتب المد كما تقدم الزيادة على مقدار الحركة بحيث ينشأ عن تلك الزيادة تمكين لها يتولد منه حرف من أحرف المد واللين الثلاثة، وإلى هذا المعنى أشار ابن أبي السداد في "الدر النثير" في قوله:

"واعلم أن أحرف المد في أنفسهن مدات تابعات للحركات المجانسة لهن، فإذا قلت "قال" مكنت الصوت بين فتحة القاف واللام بقدر ما لو نطقت بينهما بحرف متحرك ممكن الحركة مثل "فعل" و"قتل" وهكذا الواو والياء".

"ثم اعلم أنه قد يعرض لهذه الأحرف ما يوجب الزيادة في مدهن والتمكين لصوتهن اكثر مما كان يجب لهن عند انفرادهن عن ذلك العــارض، والـذي يوجب ذلك شيئان: أحدهما الهمزة، والثاني الحرف الساكن إذا وقع كل واحد منهما بعد حرف من أحرف المد"([1]).

فأدنى مراتب مد الصوت بالحركة هو القصر، قال أبو زيد بن القاضي:"ولا يقال فيه مد في اصطلاح القراء لا حقيقة ولا مجازا، وعند بعضهم أنه لا يقال فيه مد زائد لأنه مد صيغة، ومد الصيغة هو الذي لا يسوغ الكلام إلا به"([2]).

وقد تبين لي أن التقسيم الشائع في كتب الفن الجاري على اعتبار المراتب الثلاثة: القصر والتوسط والإشباع، إنما اعتبر فيه في القسم الأول ما فيه من زيادة التمكين في الأصل، لأن الأصل فيه الحركة، ونشوؤه إنما كان من امتداد الصوت بها، ولذلك اعتبر بعضهم فيه مقدار عدد الحركات، في حين قدره بعضهم بعدد الألفات، فقدروه في مرتبته الأولى بمقدار ألف، ثم قدروا المرتبة العليا بألفين على ما ذهب إليه عدد من الأئمة كما نجده فيما حكاه ابن الجزري في كتاب "النشر"([3])، وحكى أبو عبد الله القيجاطي إجماع القراء عليه"([4]) فأغرب بحكاية الإجماع هذه.

وعبر بعضهم عن ذلك بالحركات تيسيرا للقسمة الثلاثية على أقسام المد الثلاثة، وإليه ذهب أبو زيد بن القاضي في تفصيله حين قال: "فالمشبع مقداره أربع حركات، وذلك ألفان في التقدير، لأن الحرف مقدر بحركتين، والمتوسط ثلاث حركات، وذلك ألف ونصف، والمقصور حركتان، وذلك ألف" ثم قال:

"فالطبيعي أدنى المد، ومقداره حرف، وذلك حركتان، والمشبع أقصى المد، ومقداره حرفان، وذلك أربع حركات، والثالث المتوسط بينهما، ومقداره حرف ونصف، وذلك ثلاث حركات "ثم نقل قول أبي وكيل مولى الفخار في التحفة:



"مقداره حرف لدى التفريغ

حرفان مقدار المزيدي الوسط

والحرف قل تقـديره شكـلان



وهو الذي سمي بالطبيعي

حرف ونصف قدره بلا شطط

لذلك الحرف مجانسـان([5])
 

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
وقد استعرض ابن الجزري مذاهب الأئمة في ترتيب مراتب المد وتقديرها بالألفات فبلغ بها سبع مراتب آخرها مرتبة الإفراط وقد تقدم في أثناء هذا البحث في ترجمة أبي القاسم ابن جبارة الهذلي انه ذكرها في كامله لورش فيما رواه ابن الحداد وابن نفيس وابن سفيان وابن غلبون ـ قال ابن الجزري ـ: "وقد وهم عليهم في ذلك وانفرد بهذه المرتبة، وشذ عن إجماع أهل الأداء.." ([6]).

ثم ذكر أن هذا الاختلاف في تقدير المراتب بالألفات لا تحقيق وراءه، بل يرجع إلى أن يكون لفظيا، وذلك أن المرتبة الدنيا وهي القصر إذا زيد عليها أدنى زيادة صارت ثانية، ثم كذلك حتى تنتهي إلى القصوى، وهذه الزيادة بعينها إن قدرت بألف أو بنصف ألف هي واحدة، فالمقدر غير محقق، والمحقق إنما هو الزيادة، وهذا مما تحكمه المشافهة وتوضحه الحكاية ويبينه الاختبار ويكشفه الحس([7]). قال الحافظ أبو عمرو ـ رحمه الله ـ: "وهذا كله جار على طباعهم ومذاهبهم في تفكيك الحروف وتلخيص السواكن وتحقيق القراءة وحدرها، وليس لواحد منهم مذهب يسرف فيه على غيره إسرافا يخرج عن المتعارف في اللغة المتعالم في القراءة، بل ذلك قريب بعضه من بعض، والمشافهة توضح حقيقة ذلك، والحكاية تبين كيفيته"([8]).

هذا هو التحقيق إذن في أمر المد ومراتبه، وقد نحا المقدرون له بالحركات والألفات إلى نوع من التقريب فقط، إلا أن أحدا منهم لم يذهب ـ كما ذهب إليه الشيخ محمد بن ناصر الدرعي فيما تقدم ـ إلى اعتبار الحركات حركات أصابع القارئ.

ولا يخفى أن تقدير المد بالحركات أو بالألفات لا يعني تساوي القراء أو الرواة والطرق فيه، ذلك لأن زمن الحركة غير متفق بينها، وإنما يختلف بحسب الأنماط الثلاثة المعتبرة في الأداء، أي بحسب ما يأخذ به صاحب الرواية التي يقرأ بها، وذلك معنى قول أبي عمرو: "وذلك كله جار على طباعهم ومذاهبهم.." أو قوله في "التيسير:

"وهذا كله على التقريب من غير إفراط، وإنما هو مقدار مذاهبهم في التحقيق والحدر"([9]).

ولهذا كان القراء السبعة في المد على خمسة مراتب على المشهور كما أجملها الإمام القيسي شيخ الجماعة بفاس في أبيات يهمنا منها قوله:



مراتب أهل المد في الذكر خمسة

فأطولهم في المد ورش وحمزة



مسطرة دع كل ما زاد زاعم

ومن بعد هذين الإمامين عاصم([10])



إلى أن قال:

وكان الإمام الشاطبي آخذا لهـم بوجهين لم يمنعهما الــدهر عـــالم

لحمزة مع عــثمان([11]) كان مطــولا لغيرهما التوسيط كان يــــلازم([12])

ولقد بين الإمام أبو الحسن بن سليمان شيخ الجماعة بفاس علة هذا التفاوت، وخاصة بالنسبة لورش فقال في "تهذيب المنافع" يذكر مد الصيغة: "هو بحسب قراءة القارئ من حيث الترتيل والهذ، فمد الصيغة لورش ليس كمد الصيغة لقالون، لأن ورشا يرتل قراءته فيشبع الحركات ويمطط، وقالون يهذ في قراءته ولا يشبع الحركات ولا يمطط الحروف مثله"([13]). وقال أيضا في كتابه "ترتيب الأداء" مشيرا إلى تفاوت القراء في مقدار المد انطلاقا من هذا التحليل:

"فتكون مدة الطبيعة من نسبة حركاته ـ يعني القارئ ـ إذ المدة ناشئة عن الحركة ومتولدة عنها، فبحسب إشباع الحركة تكون المدة، فمن أشبعها كثيرا كانت مدته طويلة، ومن أشبعها قليلا كانت مدته قصيرة، ومن وسطها كانت مدته وسطا"([14]).



وقد أفضنا في بيان هذه المراتب التي تنضبط بها التلاوة وتتميز بها كل رواية أو طريق عن غيرها، وغرضنا من ذلك التنبيه على أهم خصيصة تمتاز بها رواية ورش عن غيرها على وجه العموم، كما تمتاز بها التلاوة المغربية عند أئمة الأداء على وجه الخصوص حسب الطريق المأخوذ بها في الغرب الإسلامي وهي طريق أبي يعقوب الأزرق عن ورش عن نافع.



وذلك لأن هذه الخصيصة تعتبر حجر الزاوية في هذه الرواية وهذه الطريق حسبما شاع وذاع عن رجال هذه المدرسة وخاصة من طرق المشيخة الأولى من المصريين ـ كما يعبر بذلك كثيرا الإمام أبو عمرو الداني في كتبه ـ وكذلك لدى رجال "المدرسة القيروانية" الذين امتازوا في هذه الرواية ـ كما قدمنا ـ بالأخذ الشديد أي: المبالغة في التحقيق.



ولهذا قيل عن ورش من بين سائر القراء إنه كان "يحب المد"، فقد قال الحافظ أبو شامة الدمشقي عند ذكر مذهب ورش في ضم ميم الجمع ووصلها بواو وإشباع المد فيها إذا لقيت الهـمز: "وإنما خص ورش الصـــلة بما كان قبل همــزة لحبه المد وإيثــاره له"([15]).



وإنما جاءت محبته للمد نتيجة لطريقته المفضلة في الأداء القائمة ـ كما قدمنا في الخصيصة الأولى لهذه الطريق ـ على أخذه في روايته بطريقة "التحقيق"، وأخذه في طريقة التحقيق بأعلى المراتب، ويتجلى ذلك على وجه خاص في باب المد عنده، حيث نجد له فيه خصوصيات انفرد بها أو انفرد على الأقل بزيادة مقدارها في التمكين.





[1]- الدر النثير 2/205.



[2]- الفجر الساطع (باب المد).



[3]- النشر 1/322.



[4]- نقله المنتوري في شرح الدرر اللوامع.



[5]- الفجر الساطع (باب المد).



[6]- النشر 1/326.



[7]- في النشر "الحسن" ولا يستقيم في المعنى، وإنما المراد الإدراك بالحس أي: السمع.



[8]- النشر 1/327 وهو بلفظه في "جامع البيان" لوحة 150.



[9]- التيسير 31.



[10]- هذا الترتيب لأبي عمرو الداني في التيسير 30ـ31.



[11]- هو عثمان بن سعيد ورش.



[12]- الأبيات في الروض الجامع لمسعود جموع.وقد أخذ أهل العشر الصغير في طرق نافع بثلاث مراتب جمعها من قال: "كبرى ليوسف كذاك العتقي وسطي لمروز وصغرى من بقي.



[13]- نقله ابن المجراد في إيضاح الأسرار والبدائع.



[14]- نقله ابن القاضي في الفجر الساطع.



[15]- إبراز المعاني لأبي شامة:1/74.






إخلال الشيوخ بقواعد الأداء وما كان له من عواقب
 

ابن عامر الشامي

وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
إنضم
20 ديسمبر 2010
المشاركات
10,237
النقاط
38
الإقامة
المملكة المغربية
احفظ من كتاب الله
بين الدفتين
احب القراءة برواية
رواية حفص عن عاصم
القارئ المفضل
سعود الشريم
الجنس
اخ
وفي رأينا أن عدم الوعي بهذه الخصيصة في هذه الطريق التي درج عليها المغاربة في التلاوة هو الذي قاد إلى ما وصفناه عند المتأخرين بعد المائة العاشرة من التساهل في هذه السمات حتى انتهى إلى تلك الهذرمة التي سقنا طرفا من معالمها في الرسائل النقدية السابقة المتعلقة بإسقاط بعض حروف المد الطبيعي في التلاوة.



كما أن غياب الوعي بهذه الخصيصة يفوت على الباحث في طريق الأزرق وأصولها العامة أهم الملامح البارزة فيها ويواري"عنه أهم المقومات الفنية التي تقوم عليها مذاهبه واختياراته من جهة، ويحجب عنه من جهة ثانية إدراك الأسس التي قام عليها الاختلاف بين المدارس الأدائية في طريقه، وخاصة بين أهل أفريقية والأندلس في عهد "الأقطاب" ثم بين امتدادات هذه المدارس في أيام الوحدة السياسية بين المغرب والأندلس، ثم فيما بين المدارس الأصولية التي قامت في الحواضر المغربية على مدارسة تراث الأقطاب والتكريس على آثارهم في القراءة والأداء وسائر علوم القراءة.



ولا شك أن الجهل بهذه السمة وأمثالها في طريق الأزرق وترك الالتزام بها في الأداء من شأنه أن يجعل القارئ يتردى بسهولة في مهواة تخليط الروايات ومزج هذه الطريق بتلك دون أن يدري أو يشعر، وبذلك يختل ضبطه للفروق التي ميز بها علماء القراءة والأداء مذاهب القراء وبنوا عليها استنباطهم لأصولهم، ويعجز بالتالي عن توفية كل رواية ما تستحقه من أحكام كما هو مقرر في مصادرها المدونة، وكما كان معتمدا عند علماء هذا الشأن في عهود الازدهار.



ولهذا نبه غير واحد من هؤلاء العلماء على ضرورة الاعتناء بترتيب القراء والرواة على مذاهبهم في التلاوة، وأبدى المتأخرون منهم الأسى والأسف على ذهاب هذه العناية وقلة من يحفل بها ويتفطن إليها من المتأخرين.



فهذا أبو زيد بن القاضي يقول بصدد الحديث عن ترتيب القراء في المد على مراتبهم في التلاوة:



"والذي جرى به العمل عند المتأخرين أن المراتب ثلاثة: كبرى لورش وحمزة، وصغرى لقالون والمكي والبصري، ووسطى لابن عامر وعاصم والكسائي، وبها شاع الأخذ في المغرب قاطبة دون تفرقة في اللفظ ـ قال:



"ولم يبق في زماننا هذا والذي قبله من يفرق بينها، فالناس يقلد بعضهم بعضا"([1]).



وقال ابن القاضي أيضا في "الإيضاح": "تنبيه: الذي نص عليه أهل الفن قاطبة لا بد من التفرقة بين مراتب المد في الأداء والرواية، ولا يضبط ذلك إلا بمشافهة شيخ عارف متقن عالم بأحكامها، ولم يبق في زماننا هذا ولا الذي قبله بأرض المغرب من يفرق بينها، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ذهاب العلم وأهله، وظهور الباطل ودوله"([2]) قال:



"فمن لم يفرق بينها فليس بمصيب، وان حاز من العلم أوفر نصيب، وإلا فلا فائدة من ذكر المراتب فافهم"([3]).



وقد سبقه إلى التنبيه على هذا العلامة ابن المجراد فقال: "والسبب الموجب لاختلاف المراتب هو اختلافهم في التلاوة، فمن مذهبه فيها التمطيط والإشباع كانت مرتبته في المد طويلة من نسبة حركاته، وهذا معنى دقيق، لا يفهمه إلا أولوا التحقيق، ولا يتوصل إلى ذلك إلا بمشافهة الأستاذين، ولقاء الفضلاء المحققين"([4]).



وقال الشيخ مسعود جموع في "الروض الجامع": "ولا بد من التفرقة أيضا بين هذه المراتب الثلاث في الأداء والرواية ولا يضبط ذلك إلا بمشافهة شيخ عالم بذلك، وقد اندثر هذا بمغربنا ولم يبق لذكره خبر، ولا للعمل به نظر، فالناس يقلد بعضهم بعضا، قال شيخنا ـ يعني ابن القاضي ـ:



فصاروا يفرقون بينها بالنية لعدم التحقيق، فنحن أخذنا عنهم ذلك من غير تفريق، والاتباع محتم واجب، إلى أن قال: "وحاصل الأمر يجب الفرق بالنية، كذا أخذوا وهم القدوة ولهم الأجر، وبالله التوفيق"([5]).



فلينظر القارئ الكريم كيف أخذ الجهل بالمخانق في هذه العلوم، وكيف أمسى التقليد الأعمى يلبس ثياب المشروعية بفعل التقادم والتهاون في الضبط، متنكرا تحت قناع الاتباع المزعوم الذي أعطي حكم الوجوب الشرعي الذي يأثم تاركه.



وانظر مثل عذا الاستسلام الغريب كيف يصدر من مثل الشيخ أبي زيد بن القاضي وهو من هو في رسوخ القدم في هذه العلوم، فناله ما نال غيره من آثار الجمود على ما انتهى إليه المتهاونون والمتساهلون مع تمام القدرة على العودة بالناس إلى جادة الصواب وتأتي ذلك وإمكانه لهم مع جهد يسير في الالتزام والتطبيق، لاسيما وكتب الفن كانت بين أيديهم، وهذه الحقائق فيها مسطرة واضحة لا يكتنفها شيء من الغموض.



ثم انظر كيف عدل الشيخ عن دعوته الأولى التي ختم بها مقالته في التأسف والاسترجاع على ما آل إليه الأمر من التدهور حتى قال: "فمن لم يفرق بينها فليس بمصيب... وإلا فلا فائدة من ذكر المراتب"، انظر كيف عدل عن هذه الروح النقدية لينتهي إلى ما حكاه عنه الشيخ جموع من الدعوة إلى وجوب "التفريق بالنية" بين مراتب المد دون تفريق حقيقي في اللفظ حتى تتميز مرتبة عن مرتبة، ويتحقق الفرق بين طريق الأزرق وغيرها مثلا في وراية ورش، وبين رواية ورش وغيرها في قراءة نافع ويتحقق الفرق كذلك بين مراتب المد نفسها، أي: بين مرتبة القصر ومرتبة التوسط ومرتبة الإشباع، ولا يكتفي في التفريق أيضا فيها بالنية كما نجد اليوم في تلاوة أهل العصر بحيث لا يفرقون بين قصر ولا توسط ولا إشباع، وإنما يؤدون الجميع على نمط واحد وخاصة في الأخذ بطريق "الجمع والإرداف" حيث تسمع القارئ يقول مثلا "إلا أنفسهم" إلا أنفسهم" إلا أنفسهم وما"، يريد بذلك الإتيان بإشباع المد المنفصل لورش ومن وافقه، ثم بإشباع غيره لمن يأخذ به فيه، ثم بالقصر بعده، ولكنه في كل ذلك لا يفرق باللفظ بين الحالات الثلاث، وهذا هو الذي أشار إليه ابن القاضي تماما بقوله "دون تفرقة في اللفظ"، وهكذا في "يا أيها" و"ليزدادوا إيمانا" وسائر ما فيه أكثر من وجه في الأداء فإن من فرق منهم بين مراتب المد إنما يفرق بالنية، وهذا التفريق بالنية لو كان له اعتبار في هذه المسألة لكان اعتباره مقبولا في سائر أحكام القراءة، فيكون بحسب القارئ أن يقرأ اللفظ كما أحب دون أن يتجشم كلفة تطبيق أي أصل من أصول القراءة والتجويد، حتى إذا اعترض عليه في شيء كان عذره انه نواه، وهكذا يفعل في ما ورد بالهمز والتسهيل والبدل، أو بالإمالة والفتح أو التفخيم والترقيق وغيرها.



ولا يختلف الأمر عادة عند القارئ المغربي اليوم ـ إلا من رحم الله ـ وهو يقرأ مثل قوله تعالى: "يا أيها الذين ءامنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين"، سواء قرأها لورش وحده أو أدرج معه في القراءة غيره فإن مقدار المد عنده في سائر ما يمد منها على نمط واحد، ولا فرق عنده بين متصل ولا منفصل ولا متقدم السبب ولا متأخره.



فلا بد إذن لمن يقرأ لورش من هذه الطريق أو من غيرها من رعاية مذاهبه في الأخذ والرواية معا ليجمع بين ما يعتقده نظريا وما يؤديه عمليا، وليميز كذلك بين هذه المذاهب الأدائية الخاصة بروايته وبين مذاهب غيره، لأن ذلك داخل في باب "الخلاف الواجب" الذي لا يجوز إسقاطه لما يؤدي إليه من تخليط في الطرق والروايات، وبين ورش وغيره.



وينبني على هذا فيما يهمنا هنا اعتبار مذاهبه في أنواع المد التي يأخذ بها لتنزيل كل وجه على قانونه الذي يأخذ به في مثله مما يسميه علماء القراءة بـ"الأصول"، وإعطائه حقه وقدره من التمكين والتحقيق بحسبه دون هضم له أو زيادة فيه.





[1]- الفجر الساطع لابن القاضي (باب المد).



[2]- الإيضاح لما ينبهم على الورى في قراءة عالم أم القرى لابن القاضي (ورقة 14 رسالة دبلوم للأستاذ محمد بلوالي).



[3]- نفسه.



[4]- إيضاح الأسرار والبدائع لوحة 41.



[5]- الروض الجامع (مخطوط).



منقول للفائدة
 

تسابيح ساجدة

لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
إنضم
16 أكتوبر 2010
المشاركات
8,111
النقاط
38
الإقامة
المعهد
احفظ من كتاب الله
اللهم إجعلنا من العاملين به... آمين
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
هم كُثر ,,,
الجنس
أخت
بوركت شيخنا الفاضل
كتب الباري سبحانه اجرك ونفع بك جل وعلا
وجزاك جل شأنه كل الخير
ورفع قدرك جل جلاله في الدارين
 
أعلى