الرد على الموضوع

[2]- ومن الغريب أن نجد بعض الذين ألفوا في رواية ورش وقتنا كالسيد محمد الإبراهيمي في كتابه "المحجة" 435 يقول في تقدير التوسط: "أن تمد صوتك به زمانا يكفي لضم أو بسط أربع أصابع، أي بزيادة حركية على مقدار المد الطبيعي.


رسالة اعتراض للشيخ أحمد الصوابي:


 


"شيخنا وعمدتنا العالم الفاضل الولي الصالح.. خاتمة محدثي سوس وآخر من قرأ "تسهيل ابن مالك"([1]) منهم، وآخر من أقام الدين وأحيا السنن وأمات البدع وأرشد العباد، ... ثم ذكر من أعماله في محاربة البدع فقال:


"فمن ذلك قراءة الناس بـ"الوقف الضبطي"([2]) القرآن العظيم كتاب ربهم وكلامه وأصل دينه، قد عمد الشيطان ـ لعنه الله ـ لذلك فصرفهم عن تجويده الواجب المتعين والترتيل الذي أمر الله به والتدبر فيه والتخشع والسكينة على كل قارئ لكتاب الله.. فمكر الشيطان الرجيم، واحتال على الناس حتى منعهم من ذلك وأوقعهم في المحظور الواضح، والحرام الصريح، والمعصية الكبيرة عياذا بالله ـ من قصر الممدود، ومد المقصور، وإسقاط الحروف والحركات وتبديلها وتغييرها، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون" ثم قال:


"وكان ـ رضي الله عنه ـ كتب لأعيان وقته وفقرائهم وشافههم مرارا في شأن هذه القراءة المحدثة الممنوعة، وبين لهم مواضع الخطأ فلم يوفقوا لموافقته إلا قليلا، ولا انتبهوا لما انتبه إليه ـ رحمه الله. ونص كتابه فيها:


 


[1]- يعني تسهيل المنافع في النحو لابن مالك (مطبوع).


 


[2]- كذا، ولعله محرف عن "الهبطي" نسبة إلى صاحب "تقييد الوقف" محمد بن أبي جمعة الهبطي كما تقدم.


 


 



نص رسالة الاعتراض للصوابي:


"إلى شيخنا إمام وقته أبي العباس العباسي:



 


 



 


... هذا وإني ذكرت لهم هذه القراءة الحادثة التي خالف فيها الأحداث من هذا الجيل أهل الجيل المتقدم، واختل نظام الهجاء على أهله، وفسد عليهم ضبط ساكنه ومتحركه، وميز مفتوحه من غيره مضمومه ومكسوره وغيره منهم، وموضع وجود حرف العلة من موضع فقده، وسمو ذلك كله وفقا.


"فتراهم إذا قيل لهم: هلا قرأتم الواوين من "هذا ما توعدون ليوم الحساب" كالألفات الثلاثة قبل؟ قالوا: ما تأمرنا به قياس، وإذا قيل لهم: ما للهمزة في "أئذا" نص الناس على أنها بين بين([1])؟ قالواـ: ان العرب قالوا: "هرقت الماء" و"هجرت الدابة" ففروا إلى القياس النحوي، بل للتنظير بجزئيات خارجات حتى عن قياسه وقد أنكروا القراءة بالقياس مطلقا: قرائي ونحوي، ثم خرجوا إلى أمر خارج عنهما بعد خروجه عن الرواية إجماعا".


"وقلتم يومئذ: الظاهر الجواز، ولم يطمئن له صدري، ورأيت أني في صورة المعنت لهم، فنويت أن أذكركم بذلك في مجلس آخر ووقت آخر.


"وقد بعثت إليكم ـ أيها الثلاثة ـ كتابا، ولم أر له جوابا، أذكر فيه بعض ما أتحير به.


ورأيت أن تلك القراءة خارجة عن قانون المصحف العثماني، وأنه لا يجوز سماعها فضلا عن قراءتها، وأن هذا الحين هو الذي قيل فيه: يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه ([2]).


وان ما يسميه متعاطي القراءة في هذا الزمان وقفا، إنما هو إيهام وإلباس، وإلا فلا وقف ولا وصل.


وقد رأيت أنكم لهم الركن الأعظم الذي يستندون إليه في هذا الوقت، فمادمت في الوقت اتخذوكم حجة، ولوددت لو أبديت هذا الأمر في حياة والدكم ـ رحمه الله ـ ولو قدر هذا الأمر لنصرني نصرا مؤزرا، إذ هو أدرك وفور القراءة على وجهها، إلا أنه ـ رحمه الله ـ لم ينبه، ولو نبه لانتبه بأدنى تنبيه ـ لله دره من رجل ما أقومه بالحق إذا تبين غير خائف فيه لومة لائم ـ فنسأل الله العظيم الكريم أن يرحمه وان يغفر له مغفرة تحيط بجميع هفواته.


"وإذا أردتم ان تعرفوا أن أس ما يدعونه من الوقف لا حقيقة له، وإنما هو فساد توصل به لفساد، فانظروا عبارة "الإتقان" في نوع الوقف([3]) فستجدونه فرق بين السكت والوقف والقطع، وستجدون فيه أن السكت ليس بوقف. وقال أبو زيد بن القاضي في شرح "البرية": "وإن لزمت فيه أحكام الوقف"([4]).


ثم بعد أن ساق أمثلة من قراءة حمزة بن حبيب لبيان الفرق بين السكت والوقف والقطع، انتقل إلى ضرب الأمثلة لوجوه الخطأ في قراءة أهل عصره في القراءة المحدثة المذكورة فكان مما قال:


"وتشبه هذه القراءة الشعر من حيث تمكين الصوت في بعض حروف المد دون بعض، مثل "وقالوا قلوبنا غلف" فإن قارئهم يمكن الصوت بعد الفتحة من "قالوا" دون الواو بعد ضمة لامه، ودون الواو التي بعد اللام في "قلوبنا" ويمكن على "نا" من قلوبنا إن وقف على غلف، لا عن وصل بما بعده، وهذا سبيل الشعر، يمكن فيه الصوت على بعض الحروف التي وجد حرف اللين أو السكون بعدها دون بعض".


وهكذا استمر في ضرب الأمثلة على فساد هذه القراءة ناعيا على الآخذين بها والساكتين عليها، ومشنعا على مخاطبه خاصة ومن معه لأنهم لم يجيبوه على اعتراضه بما يبين الحق ويشفي الغليل. ثم قال:


"من مجل قدركم عبيدكم أحمد بن عبد الله الصوابي كان الله له.


ثم قال الحضيكي ـ رحمه الله ـ: وكان ـ رضي الله عنه ـ يخبر بأن الرجل الصالح سيدي موسى الوسكري([5]) أول من جاء سوس بهذا الوقف الهبطي، وأنه لا يجود به إلا لمن يردف بالقراءات، ويقول:


"إنما وضعه واضعه لذلك، وينهى طلبته وأولاده الذين أدركناهم أن يقرأوا به "الحزب الراتب" وان يجودوا به للمتعلمين الذين لم يقرأوا بالقراءات".


"وكان ـ رحمه الله ـ يبالغ في إنكار هذه القراءة الفاسدة، وجد كل الجد في رد الناس ورجوعهم إلى قراءتهم القديمة، وهي التجويد والترتيل، فمنهم ومنهم. "قال الحضيكي:


"ولقد وجدنا بالجامع الأزهر([6]) مجودا يجود القراءة القديمة التي كان ـ رحمه الله ـ يقرؤها ويرشد الناس إليها. وهذا شيخ وقته وإمام عصره سيدي أحمد بن عبد العزيز السجلماسي قد تنبه لذلك فصار يحمل الناس على "القراءة الصوابية"([7]) السنية القديمة، وألف على خطأ هذه الحادثة وفسادها([8]).


 


[1]- يعني تسهيل الهمزة بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها، وسيأتي مزيد من البيان لهذه المسألة.


 


[2]- أحاديث قبض العلم وذهاب العلماء مشهورة في الصحاح والسنن ويمكن الرجوع إليها في "جامع بيان العلم وفضله للحافظ ابن عبد البر ـ باب ما روي في قبض العلم وذهاب العلماء ـ 1/148ـ157.


 


[3]- تعرض السيوطي لهذا في الإتقان في علم القرآن 1/87ـ88 في النوع الثامن والعشرين من علوم القرآن.


 


[4]- يريد الفجر الساطع في شرح أرجوزة ابن بري لابن القاضي، وما ذكره يمكن الرجوع إليه في باب البسملة منه.


 


[5]- تقدم ذكره في الفصل الذي خصصناه لوقف الهبطي في العدد الماضي قبل الأخير.


 


[6]- يعني في رحلته للحج بمدينة القاهرة بمصر.


 


[7]- نسبة إلى قبيلة "آيت صواب" بسوس وهي دار إقامة الشيخ أبي العباس الصوابي الآنف الذكر من سوس بجنوب المغرب.


 


[8]- طبقات الحضيكي (مناقب الحضيكي 2/145ـ147).


الشيخ الحبيب اللمطي وموقفه من قراء عصره:


وقد أسهم في إنكار هذه القراءة في المائة الثانية عشر عدد كبير من مشيخة المغرب هموما وخاصة علماء سجلماسة كالشيخ الحبيب اللمطي وأخيه صالح بن محمد اللمطي الذي يصفه الحضيكي بالمقرئ أستاذ سجلماسة ونواحيها وزاهدها بعد أخيه وبركتها وسرها. "ثم يقول فيه:


"كان ـ رضي الله عنه ـ يجود القرآن العظيم كما يجب على السنة القديمة، عارفا بالقراءات الأربع عشرة([1]) وأحكامها، أخذها من أكابر القراء ببلده كأخيه سيدي احمد الحبيب وغيره ببلاد المغرب، وينكر هذهالقراءة الحادثة المسماة "قراءة الوقف" أشد إنكار". ثم ذكر ولادته في حدود 1080 ووفاته في 15 رجب سنة 1179هـ"([2]).


وهكذا عمت البلوى بهذه القضية حتى كانت حافزا لكثير من علماء القراءة المعتبرين في محاولة لوقف زحف هذا الخروج المشين على قواعد الأداء والتصدي لمن حاولوا شيئا من الدفاع عنه وتسويغ الأخذ به بعلة أو بأخرى على نحو ما رأينا عند ابن يحيى الرسموكي وأبي العباس العباسي، وربما كان منهم صاحب كتاب "هز السيف على من أنكر الوقف"، وهو من تأليف "فقيه من قراء هشتوكة بسوس([3])، وذلك لما هو ملحوظ من اقتران هذه القراءة الحادثة بظهور الوقف المنسوب إلى الإمام الهبطي بسوس كما رأينا في الأمثلة التي ساقها ابن الرشيد في "عرف الند"، والرسموكي في اعتراضه على شيخه، والصوابي في رسالته إلى أبي العباس العباسي.


ومن الذين كتبوا في الموضوع من قراء فاس الشيخ أبو حفص عمر بن عبد الله بن عمر بن يوسف الفاسي (1125ـ1188) وقد تقدم ذكره في شيوخ محمد بن عبد السلام الفاسي شيخ الجماعة بفاس.


فقد ألف في ذلك "جزءا في حكم المد الطبيعي في القراءات"([4]).


كما ألف في الموضوع نفسه الشيخ ابن عبد السلام تلميذه المذكور "رسالة في المد الطبيعي" خصصها لمعالجة هذه القضية الشائكة، فذكر في أولها أن "أهل المغـرب ـ باستثناء اللمطيين ـ لا يعطون حروف المد حقها بل يختلسونها اختلاسا، وبعضهم يكتفي فيها بالنية.. قال:


"وطريقة اللمطيين هي الطريقة المثلى في القراءات، وهي طريقة شيخه([5]) سيد المحققين أبي البركات أحمد الحبيب وشقيقه أبي عبد الله، قال: فما رأينا في أهل المغرب من وفى حروف المد حقوقها، وأعطاها من المخارج والصفات مستحقها غير هذه العصابة"([6]).


وممن ألف فيها بعد ابن عبد السلام (ت 1214) الشيخ محمد بن قاسم، العيدوني الخمسي من قراء الشمال المغربي، ألف نظما في "مراتب المد"([7])، والشيخ أبو محمد عبد السلام الشريف الزالي "له نظم في مراتب المد الطبيعي"([8]) إلى غير هؤلاء من القراء والعلماء الذين كان لهم موقف رافض من هذا التدني الذي آلت التلاوة المغربية في أثناء المائة الثانية عشرة فما بعدها مما لا تزال آثاره شاهدة في طريقة أهل عصرنا في التلاوة وقراءة الحزب الراتب في الغالب الأعم، مما زاد في تباعد الشقة بين هذه القراءة وبين ما رتبه أئمة الأداء من أحكام وقواعد، وخاصة في رواية ورش من طريق الأزرق التي تختص بخصائص متميزة في هذا الباب.


ومن خلال ما استعرضناه من هذه المباحث ندرك مقدار التدهور الذي أصاب الناحية الأدائية في هذه الرواية التي تكاد تنفرد في باب المد ـ إن لم نقل إنها منفردة فعلا ـ بجملة من الخصائص لا تشاركها فيها أو تكاد تشاركها رواية أخرى.


وإذا تأملنا مناط الحكم فيها نجده يتعلق بأصل المد، إذ أهل هذه القراءة المحدثة قد أسقطوا بعض حروف المد بالكلية، وأثبتوا في الوقت ذاته بعضها على ترتيب في ذلك نسقوه، واصطلاح تعارفوا وتمالأوا عليه، وذلك خروج تام عن الصفة المعتبرة في القراءة حدرا وتدويرا وتحقيقا، وخروج أتم عن رواية ورش من طريق الأزرق التي تمتاز عن غيرها بمزيد من التمكين، لا في أحرف المد فقط، بل حتى في الحركات كما قدمنا في حديثنا عن أخذه بطريقة "التحقيق".


 


[1]- وقد تقدم أن أخاه أبا البركات أحمد الحبيب بن محمد اللمطي أخذ القراءات عن الشيخ أحمد البنا الدمياطي صاحب كتاب "اتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر"، ولعله أول من أدخلها إلى المغرب.


 


[2]- مناقب الحضيكي 2/146.


 


[3]- سوس العالمة لمحمد المختار السوسي 195.


 


[4]- الحياة الأدبية والعلمية في المغرب على عهد الدولة العلوية للدكتور محمد الأخضر 307.


 


[5]- يعني شيخ ابن الرشيد السجلماسي صاحب "عرف الند في حكم حرف المد" كما سيسوق عبارته بنصها.


 


[6]- عرف بها السيد سعيد أعراب في "القراء والقراءات بالمغرب" 148.


 


[7]- القراء والقراءات بالمغرب 156.


 


[8]- القراء والقراءات 165.


مراتب المد وما قرره أئمة القراء فيها


ولنتابع الآن ما قرره أئمة هذه الصناعة من أحكام في هذا الصدد لبيان مراتب المدود قبل التطرق إلى مذهب الأزرق في ذلك.


فأول مراتب المد كما تقدم الزيادة على مقدار الحركة بحيث ينشأ عن تلك الزيادة تمكين لها يتولد منه حرف من أحرف المد واللين الثلاثة، وإلى هذا المعنى أشار ابن أبي السداد في "الدر النثير" في قوله:


"واعلم أن أحرف المد في أنفسهن مدات تابعات للحركات المجانسة لهن، فإذا قلت "قال" مكنت الصوت بين فتحة القاف واللام بقدر ما لو نطقت بينهما بحرف متحرك ممكن الحركة مثل "فعل" و"قتل" وهكذا الواو والياء".


"ثم اعلم أنه قد يعرض لهذه الأحرف ما يوجب الزيادة في مدهن والتمكين لصوتهن اكثر مما كان يجب لهن عند انفرادهن عن ذلك العــارض، والـذي يوجب ذلك شيئان: أحدهما الهمزة، والثاني الحرف الساكن إذا وقع كل واحد منهما بعد حرف من أحرف المد"([1]).


فأدنى مراتب مد الصوت بالحركة هو القصر، قال أبو زيد بن القاضي:"ولا يقال فيه مد في اصطلاح القراء لا حقيقة ولا مجازا، وعند بعضهم أنه لا يقال فيه مد زائد لأنه مد صيغة، ومد الصيغة هو الذي لا يسوغ الكلام إلا به"([2]).


وقد تبين لي أن التقسيم الشائع في كتب الفن الجاري على اعتبار المراتب الثلاثة: القصر والتوسط والإشباع، إنما اعتبر فيه في القسم الأول ما فيه من زيادة التمكين في الأصل، لأن الأصل فيه الحركة، ونشوؤه إنما كان من امتداد الصوت بها، ولذلك اعتبر بعضهم فيه مقدار عدد الحركات، في حين قدره بعضهم بعدد الألفات، فقدروه في مرتبته الأولى بمقدار ألف، ثم قدروا المرتبة العليا بألفين على ما ذهب إليه عدد من الأئمة كما نجده فيما حكاه ابن الجزري في كتاب "النشر"([3])، وحكى أبو عبد الله القيجاطي إجماع القراء عليه"([4]) فأغرب بحكاية الإجماع هذه.


وعبر بعضهم عن ذلك بالحركات تيسيرا للقسمة الثلاثية على أقسام المد الثلاثة، وإليه ذهب أبو زيد بن القاضي في تفصيله حين قال: "فالمشبع مقداره أربع حركات، وذلك ألفان في التقدير، لأن الحرف مقدر بحركتين، والمتوسط ثلاث حركات، وذلك ألف ونصف، والمقصور حركتان، وذلك ألف" ثم قال:


"فالطبيعي أدنى المد، ومقداره حرف، وذلك حركتان، والمشبع أقصى المد، ومقداره حرفان، وذلك أربع حركات، والثالث المتوسط بينهما، ومقداره حرف ونصف، وذلك ثلاث حركات "ثم نقل قول أبي وكيل مولى الفخار في التحفة:


 


"مقداره حرف لدى التفريغ


حرفان مقدار المزيدي الوسط


والحرف قل تقـديره شكـلان


 


وهو الذي سمي بالطبيعي


حرف ونصف قدره بلا شطط


لذلك الحرف مجانسـان([5])


اكتب معهد الماهر
أعلى