خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

طباعة الموضوع

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
خاطرة (1): قال ابن حزم رحمه الله 6/163-164 : وَمَا نَعْرِفُ لِمَالِكٍ حُجَّةً أَصْلًا؛ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: رَمَضَانُ كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَحُولُ بَيْنَ أَعْمَالِهَا - بِعَمْدٍ - مَا لَيْسَ مِنْهَا أَصْلًا، وَصِيَامُ رَمَضَانَ يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ مِنْهُ لَيْلٌ يَبْطُلُ فِيهِ الصَّوْمُ جُمْلَةً وَيَحِلُّ فِيهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ، فَكُلُّ يَوْمٍ لَهُ حُكْمٌ غَيْرُ حُكْمِ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ؛ وَقَدْ يَمْرَضُ فِيهِ أَوْ يُسَافِرُ، أَوْ تَحِيضُ، فَيَبْطُلُ الصَّوْمُ، وَكَانَ بِالْأَمْسِ صَائِمًا، وَيَكُونُ غَدًا صَائِمًا، وَإِنَّمَا شَهْرُ رَمَضَانَ كَصَلَوَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ صَلَاتَيْنِ مَا لَيْسَ صَلَاةً، فَلَا بُدَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ نِيَّةٍ، فَكَذَلِكَ لَا بُدَّ لِكُلِّ يَوْمٍ فِي صَوْمِهِ مِنْ نِيَّةٍ. وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ هَذَا الْقِيَاسَ، فَرَأَوْا مَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ وَأَنَّ سَائِرَ صِيَامِهِ كَسَائِرِ أَيَّامِ الشَّهْرِ صَحِيحٌ، فَقَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ حُكْمَ الشَّهْرِ كَصَلَاةِ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَوْمٍ وَاحِدٍ.
أقول : لا أخالف هنا ابن حزم رحمه الله في وجوب تبييت الصيام من الليل لكل يوم من أيام رمضان ، لكن في أدلته على إبطال قول مالك رحمه الله.

فقوله : وَمَا نَعْرِفُ لِمَالِكٍ حُجَّةً أَصْلًا؛ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: رَمَضَانُ كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَحُولُ بَيْنَ أَعْمَالِهَا - بِعَمْدٍ - مَا لَيْسَ مِنْهَا أَصْلًا...
أقول : لم ينقض عليهم رحمه الله بشيء ، بيانه أن مالكاً يقول كما نقل عنه ابن حزم أولاً ص 161: (وَأَمَّا فِي رَمَضَانَ فَتُجْزِئُهُ نِيَّتُهُ لِصَوْمِهِ كُلِّهِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ، ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ نِيَّةَ كُلِّ لَيْلَةٍ، إلَّا أَنْ يَمْرَضَ فَيُفْطِرَ، أَوْ يُسَافِرَ فَيُفْطِرَ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ - حِينَئِذٍ – مُجَدَّدَةٍ ) واعتذر المالكية بأن رمضان كالصلاة الواحدة ، فما الذي في كلام ابن حزم ينقض به دعواهم حتى يصفها بالمكابرة بالباطل ؟
إن قيل : قد بيَّن أنه يفصل بين كل صوم وصوم بما يبطل الصوم ، قلنا إن صيام رمضان يكون بإمساك النهار وفطر الليل فمن نوى أن يصوم رمضان فقد نوى أن يمسك النهار ويفطر الليل ، فليس في هذا الفطر خروج عن النية الحاصلة في أوله ، فلم يبطل شيئاً نواه ، وزيادة للبيان نقول : لو نوى رجل أن يصلي الظهر أربعاً فإن النية شملت جميع أفعال الصلاة ، فلا يحتاج إلى نية مفردة للقيام لأن الركوع يبطله ولا نية مفردة للركوع لأن الرفع يبطله وهكذا باقي الأركان ، فلما كان مجموع هذه الأفعال هو صلاة الظهر كان نية صلاة الظهر كافٍ في تحصيل الفرض ، وهكذا صيام رمضان لما كان مجموع إمساك أيامه وفطر لياليه هو صيام رمضان كانت نية صيام رمضان كافية في تحصيل الفرض .
وقوله : (وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ هَذَا الْقِيَاسَ، فَرَأَوْا مَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ وَأَنَّ سَائِرَ صِيَامِهِ كَسَائِرِ أَيَّامِ الشَّهْرِ صَحِيحٌ، فَقَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ حُكْمَ الشَّهْرِ كَصَلَاةِ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَوْمٍ وَاحِدٍ) فهذا أيضاً لا ينقض عليهم شيئاً بل ليس فيه مخالفة للقياس ، ولنعد إلى صلاة الظهر فنقول : أرأيت لو نسي رجلٌ ركعة من الركعات ، أليس لا يجب عليه سوى استدراك تلك الركعة خاصة وباقي الركعات على حالها من الصحة والإجزاء مع أن الصلاة فرض واحد ، فهكذا الصيام. والله أعلم.
ولو أنه اقتصر في رده عليهم على حديث حفصة وغيرها وعلى فعل الصحابة الذين لا يعلم لهم مخالف ، وعلى أن دعوى أن رمضان رمضان كالصلاة الواحدة لا برهان عليها ، لكفاه .

خاطرة (2) قال ابن حزم رحمه الله 6/164 المسألة 729 : وَمَنْ نَسِيَ أَنْ يَنْوِيَ مِنْ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ فَأَيُّ وَقْتٍ ذَكَرَ مِنْ النَّهَارِ التَّالِي لِتِلْكَ اللَّيْلَةِ - سَوَاءٌ أَكَلَ وَشَرِبَ وَوَطِئَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ - فَإِنَّهُ يَنْوِي الصَّوْمَ مِنْ وَقْتِهِ إذَا ذَكَرَ، وَيُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الصَّائِمُ، وَيُجْزِئُهُ صَوْمُهُ ذَلِكَ تَامًّا، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ النَّهَارِ، إلَّا مِقْدَارُ النِّيَّةِ فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَذَلِكَ فَلَا صَوْمَ لَهُ، وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَعَمِّدٌ لِإِبْطَالِ صَوْمِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْقَضَاءِ
أقول : في هذ المسألة لم يجرِ فيها ابن حزم على شيء من أصوله ، فسوى بين من جهل بكون اليوم من رمضان ومن علم لكن نسي أن ينوي ، وبين صوم عاشوراء وبين صيام رمضان ، وعلى فرض صحة التسوية فعلى أصول غيره لا أصوله .
أما قوله ص165: (بُرْهَانُ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَكَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا نَاسٍ، أَوْ مُخْطِئٌ غَيْرُ عَامِدٍ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ)
أقول : لا دلالة فيما ذكره هنا على سابق دعواه ، إذ لا خلاف بيننا في كون الجناح عمن أخطأ أو نسي أو استكره مرفوع ، لكن الخلاف في كون صوم ناسي النية حتى لم يذكرها إلا في اليوم التالي مجزئ ، فإن رفع الجناح لا يصحح العبادة .
أما احتجاجه بأحاديث صيام عاشوراء فيحتاج ليستقيم استدلاله بها إلى :
أولاً : إثبات أنه كان فرض ، وورود الأمر به لا يكفيه لأن المستحب مأمور به ، وقد صح عنه ☺ أنه قال : (هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ) فهذا نص في أن صيام عاشوراء لم يفرض وهو صارف للأوامر الواردة في صيامه إلى الاستحباب.
فإن قيل : يحتمل أنه أراد ليس مكتوباً عليكم صيامه الآن ، أو أنه أراد لم يكتب عليكم صيامه إلى الأبد.
فالجواب : من وجوه : الأول : أن الأصل في لم أنها لنفي الماضي كما قاله ابن خزيمة ، والثاني : أن النفي عام . الثالث : أن الاحتمال لا يكفي في دفع الاستدلال به ، بدليل أنه لو كان محتملاً لهذين المعنيين كام محتملاً لخلافهما أيضاً كعموم النفي السابق وأن الأوامر كانت للاستحبابة فإن كان محتملاً سقط الاستدلال بالأوامر السابقة على قواعد ابن حزم لأنه لا يجيز العمل إلا باليقين. الرابع : أن هذين الاحتمالين جاريان على القول بالنسخ ، أي أن فرض صيام عاشوراء كان فرضاً ثم نسخ ، والأصل عدم النسخ ، والجمع أولى ، فحمل الأوامر على الاستحباب أولى منه.
ثانياً : يحتاج إلى إثبات أن فرض صيام عاشوراء كفرض صيام رمضان في الأركان والوجبات ، بيانه أن صيام رمضان مر بمراحل فكان مثلاً إذا نام الرجل في الليل ثم سهر لم يأكل ولم يشرب ، ثم نسخ هذا فجازت جميع المفطرات المباحة من غروب الشمس حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وعاشوراء لا يخلو من ثلاثة أمور إما أن يكون موافقاً للحكم المنسوخ أو الناسخ أو لا هذا ولا ذاك ، وأيٌّ كان ما ترجح عندك فقد خالف رمضان في الأخرى ، فمن أين لك أنه لم يكن يخالف في أحكام النية ؟
أما قول ابن حزم هنا : ( إن حكم ما كان فرضاً حكم واحد ) ص166 دعوى لا دليل عليها ، بل الأمر بخلافه كما بينا بهذا المثال .
ثالثاً : أنه قد روي حديث عاشوراء بلفظ : (فأتموا يومكم هذا واقضوا) وقد رواه ابن حزم من طريق عبد الباقي بن قانع عن أحمد بن علي بن مسلم عن محمد بن المنهال بإسناده .
ورواه أبو داود عن محمد بن المنهال بإسناده.
وفيه أن صيام ذلك اليوم لا يجزئ ويجب يوماً مكانه.
فإن قيل : قد أعله ابن حزم بابن قانع وأحمد بن علي بن مسلم .
فالجواب : أن الجمهور على توثيق ابن قانع ، وأما أحمد بن علي بن مسلم فهو الأبار الحافظ الثقة ، وهو فوق ابن حزم في الحديث فلا يضره جهل ابن حزم به. ثم أن أبا داود تابعه عن المنهال ، فسقط التعلل بابن قانع والأبار.
وإن قيل : فإنه قد رواه غير واحد عن يزيد بن زريع وقتادة لم يذكرا زيادة (واقضوا).
قلنا : نعم وهو لعمري علة قادحة في صحتها ، لكن هذا إنما يجري على قواعد غير ابن حزم ، أما هو فزيادة الثقة عنده مقبولة مطلقاً ، وقد روى حديث حفصة أن رسول الله ☺ قال : (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له) من طريق ابن جريج عن ابن شهاب ، ولم يبالي بمخالفة أوثق أصحاب الزهري لابن جريج وهم مالك وسفيان وعبيدالله ومعمر ويونس كلهم رواه عن الزهري موقوفاً فلم يعتد بذلك شيئاً.
فالحديث حجة عليه كفيما كان.
رابعاً : على فرض أن فرض عاشوراء كفرض رمضان في الأداء وأن لفظة (واقضوا) لا تصح على أصول ابن حزم، فمن أين له أن رمضان وعاشوراء سواء في القضاء ، ولِمَ لا يجوز أن يكون رمضان واجب القضاء دون عاشوراء؟ فإن القضاء في رمضان ثابت بالكتاب والسنة ، ولم يرد أن عاشوراء يُقْضَى سواء أفطره المريض والمسافر أو الصحيح المتعمد ، فلا يقاس أحدهما بالآخر.
خامساً : على فرض أنهما سواء في كل شيء حتى يجوز أن يقاس أحدهما على الآخر ، فليس بحجة لابن حزم لعدم قوله بالقياس أصلاً .
سادساً : وعلى فرض أن القياس في هذه المسألة جائز عنده مستقيم على أصوله، لكانت معارضته لحديث حفصة رضي الله عنها مبطلةً له لما هو معلوم من أنه لا قياس في مورد النص ، وليس هو من القائلين بتخصيص العام بالقياس ، كيف وهو لا يقول بالقياس أصلاً.
ولم يقل بما ذكره ابن حزم أحد من السلف أما عمر بن عبدالعزيز فليس في كلامه أن ذلك اليوم مجزئ ، أما عطاء فكلامه فيمن لم يعلم بأن الهلال قد رؤي لا فيمن علم لكن نسي أن ينوي ، أما علي بن أبي طالب فليس في كلامه صيام رمضان أصلاً ولا فيه أن صيام ذلك اليوم مجزئ.
وتعلل أيضاً في التسوية بين الناسي والنائم والجاهل بأن الجميع لم يعلم وجوب الصوم عليه ، وفيه نظر من جهة أن النص ـ على فرض دلالته وقد بينا عدمها ـ دل على أن من لم يكن صام فليتم صومه ، من دون تعليق للحكم على العلم بفرض الصوم أو الجهل به ، فهذا التعليل منه ليس من نص كتاب ولا سنة بل اجتهاد منه ، وهو مصرح بأن مثل هذا باطل.
خاطرة (3) قال رحمه الله 6/170 المسألة 730 : قال رحمه الله : وَلَا يُجْزِئُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا صَوْمُ قَضَاءِ رَمَضَانَ، أَوْ الْكَفَّارَاتِ إلَّا كَذَلِكَ، لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِأَنْ لَا صَوْمَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَلَمْ يَخُصَّ النَّصُّ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا كَانَ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَبَقِيَ سَائِرُ ذَلِكَ عَلَى النَّصِّ الْعَامِّ.
وذكر حديث أم المؤمنين عَائِشَةَ ▲ : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ وَقَالَ مَرَّةً: مِنْ غَدَاءٍ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ» . وَقَالَ لَهَا مَرَّةً أُخْرَى: «هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، قَالَ أَمَا إنِّي أَصْبَحْتُ أُرِيدُ الصَّوْمَ فَأَكَلَ»
ثم تعلل في رده بقوله ص 172-173: ( لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ نَوَى الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصْبَحَ مُفْطِرًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ لَقُلْنَا بِهِ، لَكِنْ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كَانَ يُصْبِحُ مُتَطَوِّعًا صَائِمًا ثُمَّ يُفْطِرُ، وَهَذَا مُبَاحٌ عِنْدَنَا لَا نَكْرَهُهُ، كَمَا فِي الْخَبَرِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ مَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ» لَمْ يَجُزْ أَنْ نَتْرُكَ هَذَا الْيَقِينَ لِظَنٍّ كَاذِبٍ)
ويرد عليه أن قوله صلى الله عليه وسلم «فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ» جواب لقول عائشة رضي الله عنها «لَا» أي ليس عندنا شيء أو غذاء ، فالتقدير «فَإِنِّي إذ ليس عندنا شي صَائِمٌ» فإنه دليل على إنشاء الصيام حيث لم يجد الطعام .
وأيضاً لا دليل على أنه نوى قبلها الصيام ، وعلى فرض قيام الدليل عليه ، فنيته الفطر إذا وجد الطعام قد أبطلها كما قاله ابن حزم في المسألة 732 وعبارته (ومن نوى وهو صائم إبطال صومه بطل)، فلو صام بعد ذلك فهي نية جديدة غير الأولى ، وهو كافٍ في الدلالة على قول الجمهور.
وما رواه عن الصحابة دالٌّ على أن قول النبي ☺ دالٌّ على ما ذكرنا بلفظه ، إذ هو إنما خاطبهم بلغتهم ، ومحال أن يفهموا من كلامه ☺ غير ما تدل عليه لغتهم.
هذا والله أعلم
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
خاطرة (4) قال رحمه الله 6/177 ممَسْأَلَةٌ 734 : ( وَيُبْطِلُ الصَّوْمَ أَيْضًا تَعَمُّدُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ - أَيِّ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ...) ثم احتج بحديث أَبِيْ هُرَيْرَةَ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ، وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ؟ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ» .
وحديث الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ؟ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ »
وحديث سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ »
وحديث عُبَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى عَلَى امْرَأَتَيْنِ صَائِمَتَيْنِ تَغْتَابَانِ النَّاسَ فَقَالَ لَهُمَا: قِيئَا، فَقَاءَتَا قَيْحًا وَدَمًا وَلَحْمًا عَبِيطًا، ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هَا إنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَنْ الْحَلَالِ وَأَفْطَرَتَا عَلَى الْحَرَامِ.
ثم قال رحمه الله : ( فَنَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الرَّفَثِ وَالْجَهْلِ فِي الصَّوْمِ، فَكَانَ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ - عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ - لَمْ يَصُمْ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يَصُمْ كَمَا أُمِرَ، فَلَمْ يَصُمْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالصِّيَامِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، ... وَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ مَنْ لَمْ يَدَعْ الْقَوْلَ بِالْبَاطِلِ - وَهُوَ الزُّورُ - وَلَمْ يَدَعْ الْعَمَلَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي تَرْكِ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ ، فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرْضَى صَوْمَهُ ذَلِكَ وَلَا يَتَقَبَّلُهُ، وَإِذَا لَمْ يَرْضَهُ وَلَا قَبِلَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ سَاقِطٌ؛ وَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الْمُغْتَابَةَ مُفْطِرَةٌ وَهَذَا مَا لَا يَسَعُ أَحَدًا خِلَافُهُ )
أقول : أما النهي عن الرفث والصخب والجهل ، فأكثر ما يدل عليه أنها معاصي ، أما أن يدل على أنها تفطر الصائم فلا ، ويكفي المطالبة باللفظ أو العبارة الدالة في الحديثين الدالين على ذلك .
أما حديث « فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ » فليس فيه أن الصيام غير مبرئ للذمة وأن الفرض ساقط عنه ، وسواءً احتمل الحديث هذا النفي أو لم يحتمله فلا يكفي فيه ذلك حتى يكون نصاً في الدلالة عليه لا يقبل الاحتمال ، وسيأتي مزيد بيان له.
وعلى فرض دلالته على أن هذه المعصية مفطرة فهي خاصة بقول الزور والعمل به لا يقاس غيرها عليها ، كما قال في من أفطر بالقي أنه عليه القضاء دون من أفطر بغيره لأن النص جاء في القي فقط ، ثم لا يكون القول بالزور مفطراً إلا إذا صاحبه العمل به كما أن العمل بالزور لا يكون مفطراً حتى يكون قد قال به كما قال هو في من بال في الماء الدائم أنه لا يضره حتى يكون بوله مباشرة إلى الماء الدائم فلا يضر أن يبول بجانب الماء الدائم وينساب بوله إليه ، فبأصوله وقواعده نلزمه.
أما حديث عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي تصاله نظر وقد قيل أن بين حماد بن سلمة وعبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ، وعلى فرض صحته فمختص بالغيبة فقط لا يقاس بها غيرها ، إنما يجري القياس هنا على قول الجمهور لا قوله هو.
وقوله: (فَكَانَ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ - عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ - لَمْ يَصُمْ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يَصُمْ كَمَا أُمِرَ) غير مسلم ، بل لو قال قائل : "إن من عصى الله بكل معصية سوى الكفر والغيبة ، وأمسك مع ذلك عن الطعام والشراب والجماع والقيء عمداً والحجامة ، فقد صام كما أمره الله ، غير أنه أثناء صيامه الذي فعله كما أمره الله عصى" لم يكن هناك دليل يبطل قوله ، إذ لا نسلم أن الإمساك عن المعاصي داخل في ماهية الصيام ، ولتوضيحه وتسهيله نقول ، هب أن سيداً قال لعبده : "إجلب لي ماء ، ولا تتحدث مع زيد ولا عبيد" فذهب العبد وأتى بالماء وتحدث مع زيد وعبيد ، فأي عاقل يقول : "إنه لم يأتِ بالماء لأنه عصى؟" فبان أن فاعل المعصية إن أمسك عن المفطرات فقد أتى بالصيام وخالف النهي لا غير ، وذلك أن فعل المعصية أو تركها ما دامت غير داخلة في ماهية الصيام ولا مخلة بالإمساك عن المفطرات غير مفطرة إلا أن يأتي نص بنحو "من كذب فقد أفطر" أو"من اغتاب فقد أفظر" أو "من عصى فقد أفطر" أو ما كانت دلالته هذه الدلالة ، فبان أن العاصي الممسك عن كل مفطر قد أتى بالصيام كما أمر إلا أنه في أسوأ الأحوال لم ياتِ به على أكمل ما أمر به .
فإن قيل : فإنا نزعم أن المعاصي من المفطرات فالإمساك عنها داخل في ماهية الصيام.
قلنا : فعلى المثبت الدليل . ولا يقال : الدليل النهي عن فعلها ، إذ غاية ما يفيده التحريم للمنهي عنه خاصة دون أن يكون مخلا بغيره.
أما قوله عند كلامه على حديث المقبري عن أبي هريرة : (فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرْضَى صَوْمَهُ ذَلِكَ وَلَا يَتَقَبَّلُهُ، وَإِذَا لَمْ يَرْضَهُ وَلَا قَبِلَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ سَاقِطٌ)
فاعلم رحمني الله وإياك أن شيئاً مما ذكر هنا ليس في الحديث ، بل في الحديث أنه ليس لله حاجة في تركه شرابه وطعامه ، فمن أين جاء بأن عدم الحاجة هي عدم الرضى وعدم القبول لذلك الصيام وإبطاله ؟
أنا أعلم أن البعض قد يرى أن دلالة الحديث قريبة مما ذكر ابن حزم رحمه الله ، لكن جوابي مبني على أصوله ، حتى لو جاء النص على تحريم البول في الماء الدائم لم يكن في نصه ولفظه ما يدل على أن من بال بجنب الماء الدائم فعاد بوله إليه ما يجعله بائلاً في الماء الدائم عند ابن حزم، فهو لا يقنع حتى يكون الدليل نصاً صريحاً دالاً من جهة لفظه لا مفهومه على عين المسألة ، وليس هنا شيء من ذلك ، فليس بمقبول ، فاللفظ هنا مثلاً يجوز حمله على عدم الرضا فقط ، أما على عدم الإجزاء والقبول فمن أين؟
وقد قيل : يبطل أجره لا صومه ، وهذا محتمل ، وقد رده ابن حزم رحمه الله بقوله ص178 : (وَقَدْ كَابَرَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنَّمَا يَبْطُلُ أَجْرُهُ لَا صَوْمُهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ هَذَا فِي غَايَةِ السَّخَافَةِ وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ أَحْبَطَ اللَّهُ تَعَالَى أَجْرَ عَامِلِهِ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَحْتَسِبْ لَهُ بِذَلِكَ الْعَمَلَ وَلَا قَبِلَهُ، وَهَذَا هُوَ الْبُطْلَانُ بِعَيْنِهِ بِلَا مِرْيَةٍ؟) انتهى .
ملخص كلامه أن من لم يحتسب الله جل وعلى أجر عمله لم يحتسب له بذلك العمل وهذا هو البطلان ، وزعم أن هذا معلوم لكل ذي حس ، لذا حكم عليه بأنه مكابرة في غاية السخافة ، فإما أنه لم يعلم مقصود خصمه بالبطلان أو لم يعلم بمعنى عدم الحاجة في الحديث، ونختصر فنقول : الصحيح إما أن يراد به الواقع على الوجه الشرعي أو المترتب أثره عليه ، فعلى الأولى ، لا دليل على أن من أحبط الله أجره فعمله غير صحيح أو باطل بهذا المعنى ، لأن العمل قد يقع على الوجه الشرعي ولا يقبله الله جل وعلا لمعصية لا علاقة لها بهذه العبادة أصلاً ، فليس قول خصمه بهذا المعنى لا مكابرة ولا سخيفاً ولا يعلم كل ذي حس بأن العمل باطل بهذا المعنى.
وعلى الثاني ، فالمترتب إما أن يكون حصول الأجر أو سقوط الفرض أو جميعهما، أما الأجر فقد يجوز أن يكون مراداً ، بل هو الظاهر ، أما سقوط الفرض فلا دليل عليه ، وليس ثمة دليل على عدم السقوط مع وقوعه على الوجه الشرعي.
ثم على فرض صحة دلالته على أن هذه المعصية المذكورة في الحديث مفطرة ، فهي خاصة بقول الزور والعمل به كما تقدم.
أما حديث عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل أنه منقطع وبين سليمان التيمي وعبيد رجل ، ولو صح فهو في الغيبة خاصة .
فإن قيل : فمن أين حصرت ماهية الصيام بما ذكرت ؟
قلت : لو لم يكن إلا أن من ترك الأكل والشراب والجماع يسمى صائماً لغةً ولم يأتِ في الشرع ما ينقضه لكفاني ، وما استدركه الشارع استدركناه كالقيء عمداً والحجامة ، كيف وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا» ففسر الصيام بتارك هذه الثلاثة ثم علق الجزاء عليها ، فدل على ما ذكرنا .
وقوله ص 180 : ( وَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَ هَذَا عَنْ الْأَكْلِ لِلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالشُّرْبِ لِلْخَمْرِ عَمْدًا: أَيُفْطِرُ الصَّائِمَ أَمْ لَا؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: نَعَمْ؟ فَنَقُولُ لَهُمْ: وَلِمَ ذَلِكَ؟ فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا فِيهِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَكَذَلِكَ الْمَعَاصِي؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي الصَّوْمِ أَيْضًا بِالنَّصِّ الَّذِي ذَكَرْنَا )
أقول : هذا محض مغالطة ، فإن من أكل لحم الخنزير وشرب الخمر أفطر لأنه أكل وشرب لا للنهي عن أكل الخنزير وشرب الخمر ، لذا لو زال تحريم أكل الخنزير وشرب الخمر لم يختلف الحكم .
وقد علم هو بذلك لذا قال : ( فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا أَفْطَرَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ مُفْطِرٌ بِهِمَا؟ قُلْنَا: فَلَا تُبْطِلُوا الصَّوْمَ إلَّا بِمَا أُجْمِعَ عَلَى بُطْلَانِهِ بِهِ وَهَذَا يُوجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تُبْطِلُوهُ بِأَكْلِ الْبَرَدِ وَلَا بِكَثِيرٍ مِمَّا أَبْطَلْتُمُوهُ بِهِ كَالسَّعُوطِ وَالْحُقْنَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا فَاسِدًا مِنْ الْقِيَاسِ وَكَانَ أَصَحُّ أُصُولِكُمْ أَنْ تَقِيسُوا بُطْلَانَ الصَّوْمِ بِجَمِيعِ الْمَعَاصِي عَلَى بُطْلَانِهِ بِالْمَعْصِيَةِ بِالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ مِنْهُ ).
وهذا أيضاً فيه مغالطة ، فإن الخصم لا يقول بأن الفطر حاصل بالأكل والشرب لأجل الإجماع فقط ، ثم تمثيله بالبرد خطأ ، ألا تراه لم يسمي تناول البرد إلا بالأكل ، فكان مشمولاً بالإجماع المذكور .
أما ما ذكره من السعوط والحقنة فهي كما قال داخلة عند من قال بأنها مفطرة بالقياس
قوله : ( وَكَانَ أَصَحُّ أُصُولِكُمْ أَنْ تَقِيسُوا بُطْلَانَ الصَّوْمِ بِجَمِيعِ الْمَعَاصِي عَلَى بُطْلَانِهِ بِالْمَعْصِيَةِ بِالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ )
قلنا : لو أنه ذكر لنا ما هي هذه الأصول كان أوفق لاحتجاجه وإلا فهي دعوى منه. وقد بينا أن المعاصي ـ عموماً ـ من جهة كونها معصية ليست داخلة في ماهية الصيام ، بخلاف الحقن والسعوط ، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (فبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) فبان به أن دخول الطعام من منفذ الأنف كدخوله من الفم ، ولو أن إنساناً عصى بأنفه من دون أن يدخل من خلاله طعام أو شراب أو دخان له جرم لم يكن بذلك مجامعاً للأكل والشرب في شيء ؟ فبان لك أن دخول الطعام من غير طريق الفم قد يجامع الأكل والشرب بخلاف المعاصي ، فلا تقاس المعاصي على الأكل والشرب.
وظهر بهذا قيمة قوله رحمه الله : (وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ مِنْهُ)
وقوله : ( فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ اجْتِنَابُ الْمَعَاصِي مِنْ شُرُوطِ الصَّوْمِ؟ قُلْنَا: كَذَبْتُمْ لِأَنَّ النَّصَّ قَدْ صَحَّ بِأَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ الصَّوْمِ كَمَا أَوْرَدْنَا )
أقول : قد تقدم الكلام على تلك ا لأخبار ، لا حاجة إلى إعادته ، لكنه لو ترفق ولم يقذع على غيره بكلام يعتمد فيه على محض رأيه ، لكان أولى به رحمه الله.
والله أعلم
 

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
icon1.png
رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في المفطرات


Basmala.png
خاطرة (5) قال رحم الله 6/180 وما بعدها مسألة 735 : ( مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ تَعَمَّدَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي نَذْرٍ مُعَيَّنٍ، إلَّا فِي تَعَمُّدِ الْقَيْءِ خَاصَّةً فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ )
أقول : في كلامه هنا رحمه الله مغالطة خفية ، وذلك أن من فرض على المفطر عمداً القضاء لم يصرح بأنه قادر على قضائه ـ بعنى أن قضاءه مجزيه عن فطره عند الله ـ بل قالوا : يجب عليه قضاءه ، وهما مسألتان مختلفتان تماماً.
ثانياً : لم ياتِ نص بأن من أفطر عمداً لا يقدر أبداً على القضاء ، فدعوى العلم بذلك كدعوى العلم بقدرته على قضائه كله يحتاج إلى دليل كما قال الإمام محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله : ( من ادَّعى العلم بالنفي، فعليه الدليل ) (العواصم والقواصم) 6/23
أما الأدلة على وجوب القضاء فمنها تحقيقي ومنها إلزامي ونبدأ به فنقول :
تقدم حديث من أفطر في عاشوراء وفيه في رواية أبي داود عن محمد بن المنهال (واقضوا) وليس فيه تفصيل بين من كان أكل عامداً أو ناسياً بل هو عام ، فبان أن القضاء فرض من أفطر مطلقاً ، ولا يقال : قد ضعفه ابن حزم رحمه الله ، لما تقدم في الخاطرة الثانية من أن تضعيفه بابن قانع والأبار فيه نظر ، ومن أنه قد رواه أبو داود عن محمد بن المنهال ، فسقط التعليل .
الثاني : وهو إلزامي أيضاً ، أنه قد قال ابن حزم رحمه الله 6/166 : (إلا أن حكم ما كان فرضاً حكم واحد) وعليه فإذا وجب على المريض والمسافر والحائض والنفساء والمستقيء قضاء أيام الفطر من رمضان لكان هذا هو فرض رمضان، وهو حكم واحد لا يتغير بتغير المفطرين.
وفي نفسي من هذا الجواب ، فإنه قد يقال : هو فرض واحد بالنسبة للمفطرين المنصوص عليهم .
لكن هذا جواب ضعيف ، إذ قد دل النص على أن هذا صوم مجزء عن رمضان فكان هذا حداً صحيحاً لصيام رمضان في حقهم ، ولا دليل على قصره عليهم ، فنستصحب صحته في غيرهم حتى يأتي الدليل على تخصيصه ، فمن خالف ما حده الله في الصيام في هنا فقد تعد حدود الله .
الثالث : وهو التحقيق القياس على متعمد القيء ، أما جواب ابن حزم بأن القياس باطل فمردود ، وموضعه كتب الأصول.
أما قوله : ( لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ نَقَضَ هَذَا الْقِيَاسَ؟ فَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَقِسْ الْمُفْطِرَ عَمْدًا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْقَيْءِ عَمْدًا فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُمْ كَسُقُوطِهَا عَنْ الْمُتَّقِي عَمْدًا، وَهُمْ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: قَاسُوهُمْ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْقَيْءِ عَمْدًا، وَلَمْ يَقِيسُوهُمْ كُلَّهُمْ عَلَى الْمُجَامِعِ عَمْدًا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ؛ فَقَدْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ الَّذِي يَدَّعُونَ فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُسَوِّي بَيْنَ الْكُلِّ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ كُلِّمَ فِي إبْطَالِ الْقِيَاسِ فَقَطْ )
فأقول : من أين قال : يجب على المالكية والأحناف إسقاط الكفارة على غير المستقيء ، ويجب عليهم وعلى الشافعية أن يوجبوا الكفارة على غير المجامع ؟
إن قيل : لأن الجميع أفطر ، فحكمهم الثابت بالفطر سواء ، هذا مقتضى القياس.
قلنا : سلمناه ، وذلك الحكم هو القضاء ، فمن أين قلت : إن الكفارة واجبة من أجل الفطر فقط؟
وهذا لا جواب لهم عليه.
ثم العجب أن ابن حزم هنا قد استدل بالقياس حيث قال : ( وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوجِبَ اللَّهُ تَعَالَى صَوْمَ شَهْرٍ مُسَمًّى فَيَقُولُ قَائِلٌ: إنَّ صَوْمَ غَيْرِهِ يَنُوبُ عَنْهُ، بِغَيْرِ نَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ -: وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: إنَّ الْحَجَّ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ يَنُوبُ عَنْ الْحَجِّ إلَى مَكَّةَ، وَالصَّلَاةَ إلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ تَنُوبُ عَنْ الصَّلَاةِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} )
فإن قيل : إنما سوى بينها في الدخول تحت الآيتين المذكورتين لعموم الآيات ، قلنا : لم ترد الآيتان في نيابة غير رمضان عن رمضان.
فإن قيل : العبرة بعموم اللفظ.
قلنا : قوله جل وعلا (تلك) يمنع العموم ، ثم على هذه القاعدة نقول : يصح قضاء المفطر عمداً بغير الاستقاءة بدليل الأمر بالقضاء لمن أفطر بالقيء ، ولا يضر ورود الحديث في القيء إذ العبرة بعموم اللفظ (فليقضِ) فإنه صلى الله عليه وسلم لم يرد (فليقض الاستقاءة) بل فليقض ما أفطر.
والله أعلم
 

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
خاطرة (6) قال رحمه الله 6/184 مسألة 737 : ( مَسْأَلَةٌ: وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ فِطْرًا فِي رَمَضَانَ بِمَا لَمْ يُبَحْ لَهُ، إلَّا مَنْ وَطِئَ فِي الْفَرْجِ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ الْمُبَاحِ لَهُ وَطْؤُهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فَقَطْ؛ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، عَلَى مَا نَصِفُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يُقَدَّرُ الْقَضَاءُ، لِمَا ذَكَرْنَا )
واحتج بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا؟ فَقَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ»
ولم يلتزم ابن حزم رحمه الله شيئاً من أصوله وقواعده وأن جرى على وفق تصرفاته في غيرها ، فإنه ليس في الحديث أن الرجل وقع على امرأته ناسياً أو جاهلا أو عالماً عامدا ، ولا فيه أنه وقع على أمته أو زوجته ، وأن المرأة التي وقع عليها ممن يحل له وطئها خارج الصوم ، وهو فعل لا عموم له ، ولا فيه أنه وقع على امرءته في الفرج أو غيره ، وقد أراد رحمه الله أن يتحيل لذلك فقال : ( وَاسْمُ امْرَأَتِهِ يَقَعُ عَلَى الْأَمَةِ الْمُبَاحِ وَطْؤُهَا، كَمَا يَقَعُ عَلَى الزَّوْجَةِ ) يريد بذلك توجيه قول الصحابي في الحديث (وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ ) لا خلاف في احتمال لفظ (امرأتي) للمعنيين ، ولكنه بلا شك وبيقين لم يرد أنه وقع على زوجته وأمته معاً، وبيقين لا شك فيه أنه لم يرد إلا زوجته لقوله في الحديث : (هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا ) فلو كان يريد أمته لكان يجد رقبة يعتقها ، ولقوله في الحديث (أَفْقَرَ مِنَّا ؟ ) مستفهماً مستنكراً ، فدل على أنه لم يكن يملك أمة يستغني ببيعها ويكفر .
ولم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة في الحديث على غير هذا الرجل خاصة ، فإن عم الحكم غيره فهو من كان مثله بأن وطئ زوجته خاصة من غير نظر إلى موضع الوطئ لأنه رضي الله عنه لم يخبر عن ذلك ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، فكان ما ذكرناه هو مقتضى العمل بالظاهر والجمود عليه ، لا ما فعله ابن حزم رحمه الله .
والله أعلم
 

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
icon1.png
رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية


Basmala.png
(يتبع الخاطر 6)
أقول : اعلم أولاً أني لا أخالف ابن حزم في تقييد الكفارة بحصول الوطئ كوني شافعيا ، لكن أبين أنه لا يستطيع أن يلزم غيره من مالكية وحنفية بقوله هنا وفقاً لقواعده ، فأقول :
قال رحمه الله : 6/187 : ( فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّا نَقِيسُ كُلَّ مُفْطِرٍ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ كُلُّهُ فِطْرٌ مُحَرَّمٌ؟ )
في كلامه أمور :
الأول : أن القائلين بالكفارة في الأكل والشرب عمداً ونحوهما كالمالكية والحنفية لا يستدلون بالقياس بل بنفس حديث الباب ، وقد أشار إلى ذلك ابن حزم رحمه الله بقوله : ( فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ تُوجِبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى كُلِّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فِطْرًا لَمْ يُبَحْ لَهُ، بِأَيِّ شَيْءٍ أَفْطَرَ؟ بِمَا رَوَيْتُمُوهُ ... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُكَفِّرَ ... » )
لكنه أوهم هنا أنهم يحتجون بهذه الرواية خاصة ، وليس كذلك بل يحتجون بنفس حديث الباب « ... هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً؟ ... الحديث » إذ أن الصحابي رضي الله عنه أفطر بجماعه لا محالة ، وليس في الحديث أن الكفارة كانت من أجل الجماع دون الفطر ، أليس لو كان مفطراً في نهار رمضان لعذر صحيح فجامع لا كفارة عليه ، فإذا كان صائماً وجبت الكفارة لحصول الفطر حينئذٍ ، فعلمنا أن الكفارة متعلقة بالفطر لحصوله بحصوله لا الجماع لأنه قد يوجد ولا تجب.
فبان أنهم عاملين بظاهر الحديث ، فإن قيل : المذكور في الحديث أمره المفطر بالجماع .
قلنا : قد بينا وجه إهمال الاختصاص بالجماع ، وقد روي هذا الحديث نفسه عن أبي هريرة بلفظ : «جَاءَ رَجُلٌ يَنْتِفُ شَعَرَهُ وَيَدْعُو وَيْلَهُ... » فعلمنا أن الحكم لا يتقيد بكون المجامع نادماً ينتف شعره ويدعو ويله ويصرخ (هلكت) كما في حديث أبي هريرة أو (احترقت) كما في حديث عائشة مع أن كل ذلك مذكور في الحديث ، وعلمنا أن الواجب تعليق الحكم بمناطه وهو الفطر في نهار رمضان ، أما أنتم فقد كان يلزمكم تقييد الحكم بمن جاء ينتف شعره ويدعو ويله ويقول (هلكت) أو (احترقت) أليس قلتم في حديث الذي يخدع في البيع أنه إن لم يقل ( لا خلابة ) وقال : (لا خديعة) لا خيار له جموداً منكم على الألفاظ، فكيف زعمتم هنا أن كل من جامع امرأته في نهار رمضان تجب عليه الكفارة ولو لم تتقترن به هذه الأحوال المذكورة في الرويات الصحيحة ؟
الأمر الثاني : أنا القياس هنا هو على من أفطر بالجماع وبالأكل والشرب ، لا قياس على المجامع فقط ، فإن قيل : فهلا قستموه على المستقيء كما قال ابن حزم رحمه الله : ( وَالْآكِلُ، وَالشَّارِبُ أَشَبَهُ بِالْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ مِنْهُمَا بِالْوَاطِئِ؛ لِأَنَّ فِطْرَهُمْ كُلَّهُمْ مِنْ حُلُوقِهِمْ لَا مِنْ فُرُوجِهِمْ، بِخِلَافِ الْوَاطِئِ؛ وَلِأَنَّ فِطْرَهُمْ كُلَّهُمْ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، بِخِلَافِ فِطْرِ الْوَاطِئِ؛ فَهَذَا أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ، لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا؟ )
قلنا : أما المستقيء فلولا مجيء النص بأنه فاعله يفطر ما حكمنا بفطره ، ألا ترى أن من ذرعه القيء لا يفطر ومن استقاء أفطر ولا فرق بينهما سوى في العمد ، وقد جاء النص بأن على صاحبه القضاء فقط ، فلا هو أشبه المفطرات السابقة في الصورة والمعنى ولا في النص الموجب للكفارة فيها دونه ، ولو فرضنا أنه مقيس عليه فإنما يقاس عليه ما أشبهه فقط في كونه مفطراً غير مشتهى خارج لا داخل.
فإن قيل : فمن أين لكم هذه القيود .
قلنا : مما روي عن ابن مسعود «إِنَّمَا الصِّيَامُ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ » وعن ابن عباس : «وَإِنَّمَا الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» فبان أن حكم الفطر بالداخل غير حكمه بالخارج .
وحديث : «يدع طعامه وشرابه وشهوته» وليس القيء واحد من هذه الثلاثة ، فلا هو بطعام ولا شراب ـ أي بعد صيرورته قيئاً ـ ولا هو من الشهوة .
فبان أننا متبعون في كل ما ذكرنا للأثر بخلافكم ، فلا ظاهر الحديث اتبعتم ولا القياس أحسنتم ، حيث علقتموه على كونه فطراً بكونه فطراً بالحلوق لا بالفروج ، وقد قدمنا أن الفطر من الأنف كهو من الفم بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) فعلمنا أن لا يفرق بين كون الفطر من الحلق أو الأنف أو الأذن أو الفرج وكل ما كان موصلا إلى الجوف ، وكيف يكون في معنى الطعام الداخل المغذي المشتهى القي الخارج المضعف المستقذر .

والله أعلم
 

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
قال رحمه الله : ( وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَتَنَاقُضُهُمْ أَشَدُّ، وَهُوَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ، وَالْقَضَاءَ: عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ، وَعَلَى مَنْ قَبَّلَ فَأَمْنَى؛ أَوْ بَاشَرَ فَأَمْنَى؛ أَوْ تَابَعَ النَّظَرَ فَأَمْنَى؛ وَعَلَى مَنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ، أَوْ جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ؛ وَعَلَى مَنْ نَوَى الْفِطْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَا شَرِبَ، وَلَا جَامَعَ، إذَا نَوَى ذَلِكَ أَكْثَرَ النَّهَارِ؛ وَعَلَى الْمَرْأَةِ تَمَسُّ فَرْجَهَا عَامِدَةً فَتُنْزِلُ؟ ...)
وأطال رحمه الله كثيراً فيما يزعمه تناقضاً ، وهذا كما لو نقل أحدهم عن الشريعة الغراء أنها تقتل بشهادة عدلين ولا تجلد إلا بشهادة أربعة وتقطع اليد بربع دينار وتديها بخمسمائة ويدون أصابع المرأة الثلاث بثلاثين من الإبل والأربع بعشرين ويستكثر من ذلك ، وهذا لا يضر الشريعة شيئاً متى عرفت لكل شيءٍ سببه وعلته ، وكما قيل : إذا عرف السبب بطل العجب ، والضابط الذي وضعه المالكية هو أن كل من أفطر معذوراً ومتأولاً فلا قضاء عليه ، ومن أفطر عمداً بغير تأويل فعليه الكفارة ، أما وجوبها على من أفطر عمداً فتقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أما سقوطها عن المعذور الكتاب والسنة في المسافر والمريض والحائض والجاهل حديث عاشوراء ، والمتأول جاهل أو مقيس عليه وعلى المعذور .
فإذا راعيت الضابط سقط عامة ما ذكره ابن حزم مما زعمه تناقضاً إلا مسائل قليلة مختلف فيها في المذهب، فمثلاً قوله : (وَهُوَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ، وَالْقَضَاءَ: عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ، وَعَلَى مَنْ قَبَّلَ فَأَمْنَى؛ أَوْ بَاشَرَ فَأَمْنَى؛ أَوْ تَابَعَ النَّظَرَ فَأَمْنَى ) كل هؤلاء أفطروا بأحد الثلاثة المذكورة في حديث ( يدع طعامه وشرابه وشهوته ) عمداً بغير عذر ، وقوله : (وَعَلَى مَنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ، أَوْ جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ ) لأن الأصل عدم الغروب ، والتأويل بعيد فهو متعمد أو كالمتعمد ، وقوله : (وَعَلَى مَنْ نَوَى الْفِطْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَا شَرِبَ، وَلَا جَامَعَ، إذَا نَوَى ذَلِكَ أَكْثَرَ النَّهَارِ) أقول : وهذا على قول ابن حزم مستقيم تماماً فإن النية عنده يفطر بها الصائم ، وقد صح عنده بالنص أن نية فطر بعض النهار لا تبطله كما في صيام عاشوراء ، لكن تقييده بأكثر النهار فلا علم لي به ، وهكذا إيجاب كفارة المرأة على من أكرهها على الجماع ، فهذا أيضاً لا أدري وجهه ، أما باقي ما ذكر فيتخرج على القاعدة أو الضابط الذي ذكرنها وفي بعضها اختلاف عند المالكية.

 

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
خاطرة (7) : قال رحمه الله 6/197 مسألة 740 : ( مَسْأَلَةٌ: وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ، ... لِعُمُومِ «قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتِقْ رَقَبَةً» فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الرِّقَابِ الَّتِي تُعْتَقُ لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَمَا أَهْمَلَهُ حَتَّى يُبَيِّنَهُ لَهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ لَا يُجْزِئُ إلَّا مُؤْمِنَةٌ، قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى - الرَّقَبَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ مَالِكًا لَا يَقِيسُ حُكْمَ قَاتِلِ الْعَمْدِ عَلَى حُكْمِ قَاتِلِ الْخَطَأِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقِسْ قَاتِلًا عَلَى قَاتِلٍ فَقِيَاسُ الْوَاطِئِ عَلَى الْقَاتِلِ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا؟ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَقِيسُ الْمُفْطِرَ بِالْأَكْلِ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْوَطْءِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقِسْ مُفْطِرًا عَلَى مُفْطِرٍ فَقِيَاسُ الْمُفْطِرِ عَلَى الْقَاتِلِ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ كَفَّارَةَ الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ يُعَوَّضُ فِيهَا الْإِطْعَامُ مِنْ الصِّيَامِ، وَلَا يُعَوَّضُ الْإِطْعَامُ مِنْ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ )
أقول : لم يدعِ مالك والشافعي في هذا القياس ، بل حملوا المطلق على المقيد ، وإنما أشبه القياس من أجل أن المطلقة في مسألة والمقيد في مسألة أخرى فإعطاء حكم التقييد للمطلق نقل حكم ، لكن القول عند الشافعية أن المطلق لم يُرَدْ به إطلاقه ، بل أطلق وأُريد تقييده ، مستدلين بأن المقيد لا شك أن تقييده كان لمعنى أخرج ما لم يدخل في قيده ، فكذلك حيث وجد المقيد ، ولا شك أن المقيد موجود في المطلق ، والمعنى الذي من أجله أخرجنا ما لم يشاركه في قيده مصاحب له لا محالة ، ولا يجوز أن يؤثر ذلك المعنى مرة ولا يؤثر مرة أخرى من غير علة أو مانع عن التأثير ، فإن لم يأتِ بذلك المانع فالأصل بقاء التأثير ، فيحمل المطلق على التقييد مطلقاً إلا متى دل الدليل على إبقائه على إطلاقه .
وهذه المسألة لم يخالف فيها ابن حزم شيئاً من قواعده ، بل جرى فيها على أصول مذهبه ، لكنه أخطأ على خصمه حيث زعمه متناقضاً في القياس ، ولو كان ما فعلوه قياساً لم يكن متناقضاً ذلك أن مالك والشافعي لم يقيسوا المفطر على القاتل بل الرقبة على الرقبة ، فإذا ظهر لك هذا فلا داعي إلى تتبع باقي كلامه رحمه الله.
خاطرة (8) : قال رحمه الله 6/201 مسألة 746 : ( وَمَنْ كَانَ فَرْضُهُ الْإِطْعَامَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يُطْعِمَهُمْ شِبَعَهُمْ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَطْعَمَهُمْ، وَإِنْ اخْتَلَفَ، مِثْلُ: أَنْ يُطْعِمَ بَعْضَهُمْ خُبْزًا، وَبَعْضَهُمْ تَمْرًا، وَبَعْضَهُمْ ثَرِيدًا، وَبَعْضَهُمْ زَبِيبًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - )
أقول : ليس في النص وجوب الإشباع ، بل ما يصدق عليه اسم الإطعام .
خاطرة (9): قال رحمه الله 6/202 مسألة 747 : ( وَلَا يُجْزِئُ إطْعَامُ رَضِيعٍ لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَلَا إعْطَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى إطْعَامًا )
أقول : ينبغي أنه يجزئ ، إذ الشرب يسمى طعاماً كما قال جل وعلا : { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي } [البقرة:249] فلو أطعمه حليباً دخل في النص .
خاطرة (10) : قال رحمه الله 6/202 مسألة 749 : ( وَمَنْ كَانَ قَادِرًا حِينَ وَطْئِهِ عَلَى الرَّقَبَةِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهَا، افْتَقَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَفْتَقِرْ، وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهَا حِينَئِذٍ قَادِرًا عَلَى صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ شَيْءٌ غَيْرُ الصِّيَامِ، أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَوَجَدَ رَقَبَةً أَوْ لَمْ يُوسِرْ؟ وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا حِينَ ذَلِكَ عَنْ - الرَّقَبَةِ وَعَنْ الصِّيَامِ قَادِرًا عَلَى الْإِطْعَامِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُ الْإِطْعَامِ، قَدَرَ عَلَى الرَّقَبَةِ أَوْ الصَّوْمِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا هُوَ فَرْضُهُ بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ؛ فَلَا يَجُوزُ سُقُوطُ فَرْضِهِ وَإِيجَابُ فَرْضٍ آخَرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ )
أقول : بل ثبت بالنص أن الفرض قد يتعين في شيء ثم يتغير قبل الأداء ، فإن من لم يجد الماء وقت الصلاة ففرضه التيمم ، ثم بعد ثبوت التيمم عليه فرضاً لو وجد الماء قبل أن يتيمم لم يجز له أن يتيمم لقوله تعالى {فلم تجدوا ماءً} وهذا واجد الماء، فثبت بالنص أن الفرض يتغير إلى فرض آخر ، وهكذا في مسألتنا : فإنه صلى الله عليه وسلم سأله قال { هل تجد ما تعتق رقبة } فإن وجب عليه الصيام أو الإطعام ثم وجد الرقبة قبل الأداء فإن لم يعتقها وأطعم كان واجداً لرقبة ، ومن كان هذا حاله لم يجزئه إلا إعتاقها بالنص .
أما زعمه أن من كان واجداً لرقبة ثم أعسر بها فإنها لا تسقط عنه ، ليس بشيء إذ هو مخالف لقوله جل وعلا ـ على فرض صحة ما قاله ـ {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} وهذا لا يسعه أن يؤدي الرقبة فليس مكلفاً بها لا محالة.
والله أعلم
 

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
icon1.png
رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في أداء الكفارة


Basmala.png
خاطرة (11) : قال رحمه الله 6/202 مسألة 750 : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا رَقَبَةً لَا غِنَى بِهِ عَنْهَا، لِأَنَّهُ يَضِيعُ بَعْدَهَا أَوْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حُبِّهَا -: لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُهَا؟ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} . وقَوْله تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}. وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا حَرَجٌ وَعُسْرٌ لَمْ يَجْعَلْهُ تَعَالَى عَلَيْنَا، وَلَا أَرَادَهُ مِنَّا، وَفَرْضُهُ حِينَئِذٍ الصِّيَامُ، فَإِنْ كَانَ فِي غِنًى عَنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَلَا مَالَ لَهُ فَعَلَيْهِ عِتْقُهَا؛ لِأَنَّهُ وَاجِدُ رَقَبَةٍ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي عِتْقِهَا؟ )
أقول : هذا من عجيب ما قرأت له ، حيث أسقط العتق عن واجد الرقبة بدعوى العسر ، وألزم من أعسر بها حقاً بأن افتقر بعد وجودها عنده أو هلكت ألزمه بالعتق أبداً وأنه لا يجزئ عنه غير العتق .
وليس في دعواه الضياع والخوف على النفس من إعتاق محبوب مقدار يمكن حده وضبطه ، بل في السنة وفي كتاب الله إهمال كثير منه كقوله جل وعلا (الزاني لا ينكح إلا زانية) فمنع ابن حزم رحمه الله من نكاح العفيف للزانية ولا العفيفة للزاني وأطلق ولم يستثنِ إن شغف أحدهما بالآخر حبا وخشي على نفسه من بعده ، ولم يرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم وجدان الأعمى خادماً يوصله المسجد عسراً وحرجاً يسقط معه فرض الصلاة جماعة ، فهلا حد منصوص عليه يبين مقدار الحب والحرج والعسر المؤثر في الحكم .

خاطرة (12) قال رحمه الله 6/203 مسألة 751 : ( وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَفَرْضُهُ الْإِطْعَامُ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا وَهُوَ إلَيْهِ مُحْتَاجٌ أَكَلَهُ هُوَ وَأَهْلُهُ وَبَقِيَ الْإِطْعَامُ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِالْإِطْعَامِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَأَتَاهُ بِالتَّمْرِ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُطْعِمَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ؟ فَصَحَّ أَنَّ الْإِطْعَامَ بَاقٍ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَكْلِهِ إذْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى أَكْلِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ مَا قَدْ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ مِنْ الْإِطْعَامِ، وَلَا يَجُوزُ سُقُوطُ مَا افْتَرَضَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا بِإِخْبَارٍ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَهُ - )
أقول : هذا كسابقه ، حيث أسقط مرة العتق على من لا يجد والصيام على غير المستطيع ولم يسقطه عمن لا يجد إطعام ستين مسكينا ، ورأى سقوط العتق على من عليه حرج في عتق رقبة لا غنى به عنها ، ولا يسقط الإطعام على من يجد طعام لا غنى به عنه ، ورأى أن فرض المُكَفِّرِ هو المقدور عليه فقط وقت الوجوب حتى لا يجوز له الانتقال إلى غيره ورأى أن الطعام فرض من لم يقدر عليه حال الوجوب.
وما ذكره ليس في الحديث ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الرجل بالإطعام إلا بعد أن أعطاه التمر لا قبله ، أي أنه لم يأمره إلا بعد ملكه واستطاعته للإطعام ، فمن أين له أن من لم يملك ابتداءً مثله ؟
بل في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يفرض عليه شيئاً قبل أن يأتيه بالتمر فبان أن غير القادر على شيء لا فرض عليه أصلاً ، ثم أنه صلى الله عليه وسلم فرض عليه أن يكفر بالتمر الذي أعطاه ، ثم حين اعتذر بحاجته إليه أسقط عنه الفرض في ذلك التمر ، ولا دليل على أنه فرض عليه ذلك في غيره ، فلا يجوز أن يدعي أحد أنه فرض عليه ذلك في غيره إلا بدليل ، بل الأصل أنه إذا رفع عنه الفرض في ذلك التمر أنه عاد إلى حاله الأول وهو عدم الواجد للتمر ، أما قوله رحمه الله : (وَلَا يَجُوزُ سُقُوطُ مَا افْتَرَضَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا بِإِخْبَارٍ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَهُ - ) إنما يصح إذا فرض عليه التكفير مطلقاً ، أما مع تقييده فإنه يسقط بسقوط ذلك القيد ولا دليل على بقاء الفرض مع سقوط القيد ، والقيد هنا القدرة بعد حصول التمر ، وقد سقط بأمره أن يطعمه أهله فعاد عاجزاً بعد أن صار قادراً فسقط فرضه ، وعلى منهج ابن حزم رحمه الله فإنه صلى الله عليه وسلم فرض عليه أن يتصدق بتمر معين وهو التمر الذي أعطاه أياه ، ولا دليل على وجوب أن يكفر بغيره .
والله أعلم .

تنبيه : أكرر أن الفروع التي أذكرها هنا ليست اعتقادي الآن ، لكن كقائل بالظاهر ـ سابقاً ـ كنت أراها لازمة لا محالة ، أو أنه لا دليل عليها أو أن ما يأخذه على خصومه لهم منه مخرج سهل .
 

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
خاطرة (13) قال رحمه الله 6/203 مسألة 752 : ( وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ وَيُطْعِمُ مِنْ ذَلِكَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ، لِأَنَّ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ عُمُومًا، لَمْ يُخَصَّ مِنْهُ حُرٌّ مِنْ عَبْدٍ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ مِسْكِينًا فَهُوَ مِمَّنْ أُمِرَ بِإِطْعَامِهِ وَلَا تَجُوزُ مُعَارَضَةُ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ؟ )
أقول : العام يجوز تخصيصه بالكتاب والسنة وعند الجمهور بالقياس ، ويشبه أن يكون هذا لازماً على قول داود فيما نص الشرع على علته وإن لم يسمه قياساً .
وفي حديث أبي هريرة (هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ )
والعبد لا يجد أصلاً لأنه لا يملك بدليل حديث ( من باع عبداً فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع ) فبان أن ما يكون في يده دائر بين البائع والمشتري ، ونبهنا عليه للتدليل على أن العبد في أول وقوع الملك عليه وآخره سواء ، ونحن نستصحب حكم عدم الملك إلا أن يأتي الدليل الدال على حصول ملكه ، فبقي أن يصوم . والله أعلم .
ثانياً : النص جاء في صحابي معين وهو بلا شك وقت وقوع الفرض عليه لم يكن عبداً وحراً معاً ، بل إما عبد أو حر ، والحديث صريح في كونه حر ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( أتجد ما تعتق رقبة ) و(أتجد ما تطعم ستين مسكينا) والعبد لا يملك ، فلو كان عبداً ما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يملك ، وفي سياق الحديث غير ذلك مما يدل على حريته .
ثالثاً : على فرض أن الحديث لم يدل على حريته ، فهو بلا شك حادثة عين جرت إما على عبد أو حر ، فَجَرُّ الحكم من أحدهما إلى الآخر لا يجوز بغير دليل عند ابن حزم ، فهلا أتى به أو توقف .
والله أعلم
 

تسابيح ساجدة

لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
إنضم
16 أكتوبر 2010
المشاركات
8,111
النقاط
38
الإقامة
المعهد
احفظ من كتاب الله
اللهم إجعلنا من العاملين به... آمين
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
هم كُثر ,,,
الجنس
أخت
باركـ الله عز وجل فيكـِ شيختنا الحبيبة الغالية
ونفع بكـِ جل وعلا وكتب اجركـِ جل جلاله
وجزاكـِ سبحانه وتعالى الفردوس الاعلى
ورفع قدركـِ جل شأنه في الدارين
 
أعلى