ام عبد المولى
مراقب عام
- إنضم
- 26 سبتمبر 2012
- المشاركات
- 2,741
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المغرب
- احفظ من كتاب الله
- الجزء الخامس
- احب القراءة برواية
- ورش
- القارئ المفضل
- الشيخ الحصري
- الجنس
- اخت
سورة الحجر (مكية)، نزلت بعد يوسف. وهي في المصحف بعد سورة إبراهيم. عدد آياتها 99آية.
للدعاة فقط:
نزلت هذه السورة في وقت اشتدت فيه كل أنواع الإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين. أنزلت في ظرف شبيه بظروفنا المعاصرة، حيث كان جميع الناس ينظرون إلى الإسلام نظرة اتهام وتشكيك واستهزاء.
والاستهزاء قد يكون في بعض الأحيان أصعب على النفس من الإيذاء البدني. أن تجد من حولك متفوقاً في القوة والعدد، يستهزئ بك مع يقينك أنك على حق. إنه أمر قاس على النفس البشرية. فأنزلت سورة الحجر لتطمئن النبي وكل أتباعه في كل العصور، وتقول لهم: لا تخافوا، فأنتم محفوظون، والله سبحانه وتعالى سيحفظ دينه فتوكلوا عليه ولا تنبهروا بقوة أعدائكم واستمروا في الدعوة إلى الله...
إنها سورة للدعاة، سورة للذين يحبون الإسلام وينتمون إليه... إنها سورة الحفظ والعناية الربانية للدعاة الذين يسخر الناس منهم لتمسكهم بتعاليم دينهم، وسورة الحفظ للفتاة التي يسخر البعض من حجابها. فتقول لهم: توكلوا على الله ولا تنبهروا بقوة أعدائكم، واستمروا في الدعوة إلى الله والأخذ بيد الناس إلى الإسلام.
هدف السورة:
إذاً فهدف السورة صار واضحاً: إن الله حافظ دينه وناصره، فلا تنبهر أيها المسلم من أي حضارة أخرى، ولا تلتفت إلى استهزاء الآخرين وتشكيكهم بل ركز جهودك على الدعوة إلى الله وعبادته. إنها رسالة طمأنة وتثبيت لكل من يخاف على الإسلام في الوضع الحالي الذي نمر به نحن اليوم..
وهذه المعاني واضحة في آيات السورة منذ بدايتها:
ففي بداية السورة: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [3].
وفي ختامها: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ97/15فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾ [89].
فالآيات تؤكد عليك أيها المؤمن ألا تنبهر بقوة الغير، وأن تركّز على دينك وعبادتك من تسبيح وسجود وعبادة وتثبيت عليها حتى آخر حياتك ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [99].
آيات الحفظ في السورة:
والسورة تشير إلى حفظ الله لأمور عديدة، ومنها:
1- حفظ القرآن: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [9] هل نسيت أن الكتاب الذي هو دستور حياتك محفوظ؟ فالذي حفظ هذا الكتاب هو القادر على حفظ دينه ودعاته.
2- حفظ السماوات، فقد حفظه الله من الشياطين وجعلها متعة للناظرين: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ16/15وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ17/15إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ﴾ [16 – 18]...
3- حفظ الأرض: ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ﴾ [19]. فإذا كانت السماوات والأرض محفوظة لهذه الدرجة، فما ظنك أخي المسلم في حفظ الله لكتابه ودينه؟
4- حفظ الأرزاق: ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ19/15وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ20/15وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ [19 -21].. فالقرآن محفوظ والسماء محفوظة والمؤمنون محفوظون...
5- حفظ المؤمنين من كيد الشيطان ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [42].
6- واللطيف أن الآيات التي بشّرت المؤمنين بالجنة ذكرت أيضاً معنى الحفظ: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ﴾ [46]... ﴿لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [48].
فأنت أيها المؤمن محفوظ مع كتاب الله والسماوات والأرزاق.. بل إن الله حفظ هذا كله لنفعك وصلاح أمرك وقلبك.
إبليس وآدم:
كما ذكرنا في سور سابقة، فإن كل سورة في القرآن تأتي قصصها لتخدم هدف السورة. وقصة آدم وإبليس تنطبق عليها نفس القاعدة. ففي القرآن عموماً تركّز هذه القصة على سيدنا آدم عليه السلام. لكن سورة الحجر لم تأت على ذكر آدم، بل ركّزت على إبليس نفسه فهو يقول كما ذكر تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ36/15قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ37/15إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ38/15قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ39/15إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [36-40]...
لاحظ الطريقة الأساسية التي سيتبعها إبليس في الإغواء: تزيين الباطل في الأرض عن طريق إبهار الناس. فالإبهار يغيّر الحق ويقلب المفاهيم ويشوّش على الكثير من ضعاف القلوب. لكن عباد الله المخلصين محفوظون بإذن الله، فيأتي الرد على عدو الله: ﴿قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ41/15إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [41 -42].
إن هذه السورة هي سورة الحفظ، فأنت محفوظ أيها الإنسان، والقرآن محفوظ كما حفظت السماوات من قبل، والأرزاق محفوظة فلم الخوف..؟ إ، هذه السورة قد أنزلت في ذروة إيذاء المشركين للمسلمين في مكة، لتطمئن النبي وأصحابه أنهم محفوظون، والآن تطمئن كل الدعاة إلى الله أنهم أيضاً محفوظون... أنتم محفوظون طالما كنتم على صلة بربكم ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾... الله تعالى هو الذي يقول هذا... وانظر إلى لطف الآية وهو يدافع عنك أمام عدوك واستشعر بالفخر كونك تندرج تحت كلمة"عبادي" ﴿إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ أما الغاوون، فهم الذين اختاروا طريق الشيطان، وهم محرمون من هذا الحفظ الرباني. هذه الحقائق كلها يعلمها إبليس، فهو أمام رب العزة يقول: ﴿إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾.
فطالما أننا محفوظون، والحفظ مضمون من الله تعالى، فلم الخوف؟؟...
أصحاب الحجر:
وهنا يأتي سؤال: ما سبب تسمية السورة بـ(الحجر)؟
إن الحجر هو المكان الذي سكنت فيه قبيلة ثمود (قوم صالح عليه السلام)، فما علاقة ذلك بالحفظ؟
إن أصحاب الحجر كذّبوا بآيات الله ورفضوا طريق الإيمان، فشعروا بأن الله تعالى قد ينزل عليهم عقاباً أو عذاباً، فبحثوا عن مكان يشعرون به بالأمان فلم يجدوا إلا الحجر. ولقد توصّلوا إلى مدينة رائعة وحضارة راقية جعلتهم ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين... تقول الآيات ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ80/15وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ 81/15وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ [80 -82] لقد ظنوا أنهم إن سكنوا داخل الجبال سينجون من العذاب، فصاروا ينحتون في الجبال بيوتاً ليضمنوا النجاة بعيداً عن الفيضانات وتقلبات الطبيعة، فما الذي حصل لهم؟
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ﴾ [83] فالصيحة لا يحمي منها جدار ولا جبل ولا غير ذلك، ولقد جاءتهم مصبحين أي في الصباح (لأنه رمز الأمان فالليل يوحي دائماً بالخوف)، وكأن المعنى بأنه لا حفظ لك أيها الإنسان إلا من عند الله تعالى...
فلا تنبهر بهم (ولذلك ذكر الله قدرته في الكون في أول السورة) وكانت طريقة عذابهم متفردة بين الأمم: صيحة (أي صوتاً رهيباً) لا يحول دونها حافظ من حائط أو ريح أو ماء أو حضارة.
لذلك سميت السورة بالحجر كرمز لقوة الحضارات الأخرى، لنحذر من الانبهار بالآخرين ولتؤكد أنه لا حافظ إلا بالله.
قصة لوط عليه السلام:
وتأكيداً لهذه المعاني تأتي قصة لوط بإشارات واضحة: فإن قوم لوط جاءهم العذاب وهم في أعلى درجات الشهوة ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [72]، كما أن العذاب أتاهم صباحاً ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ﴾ [66]...﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ﴾ [73].
توجيهات للدعاة في كل مكان:
بعد أن استشعر قارئ السورة مدى الحفظ الرباني وأهميته وعدم نفع كل ما سواه، تأتي نصائح مهمة للدعاة إلى الله للتعقيب على قصص السورة ولتحقيق هدفها:
1- ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [87] في مقابل كل ما أوتي الآخرون من قوة ومظاهر مادية، آتاك الله سورة الفاتحة والقرآن العظيم (هل تذكر سورة الفاتحة وعظمتها ومعانيها الرائعة؟)، فتمسّك بما آتاك الله واعتز به ولا تمدّ عينيك إلى ما سواه، لذلك تأتي الآية التالية:
2- ﴿لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [88].
فلا تنبهر أخي المسلم بمتاع الدنيا الذي تراه عند الحضارات الأخرى، واعتزّ بإسلامك وتواضع لإخوانك. لا تغرّنك تكنولوجية الغرب ولا تطوّر عمرانه، فإن القاعدة الربانية التي طبّقت على أصحاب الحجر تنطبق عليهم أيضاً، وهي أنه لا حافظ إلا الله.
3- ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [94]. اجهر بالدعوة رغم كل ما قد تتعرّض له لأن الله تعالى هو الحافظ. هذه الآية كانت مرحلة الانتقال بين الدعوة السرية والجهر بالدعوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وكان الصحابة يشعرون بصعوبة الأمر، فجاءت الآية ليطمئنوا بأنهم محفوظون رغم الاستهزاء... ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ94/15إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ [94 -95]..
4- ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ97/15فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ98/15وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [97 -99].
فالاستهزاء مزعج، ورغم أن المسلم مقتنع بحفظ الله، لكنه قد يمل ويتشتت من الأقوال الآخرين، فتقدّم الآية علاجاً للمشكلة، يشكل ختاماً رائعاً لسورة الحفظ (كأنه تطبيق عملي لتستشعر بالحفظ الرباني): تسبيح الله تعالى وعبادته حتى الممات (واليقين هو الموت) لأنك محفوظ، ودع المستهزئين يقولون ما يشاءون، فإن مصيرهم لن يختلف عن مصير أصحاب الحجر.
اهتم بدينك أيها المسلم، وأصلح نفسك وادع غيرك إلى الله، تنعم بحفظ الله ورعايته في الدنيا وتفز بالجنة في الآخرة.
للدعاة فقط:
نزلت هذه السورة في وقت اشتدت فيه كل أنواع الإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين. أنزلت في ظرف شبيه بظروفنا المعاصرة، حيث كان جميع الناس ينظرون إلى الإسلام نظرة اتهام وتشكيك واستهزاء.
والاستهزاء قد يكون في بعض الأحيان أصعب على النفس من الإيذاء البدني. أن تجد من حولك متفوقاً في القوة والعدد، يستهزئ بك مع يقينك أنك على حق. إنه أمر قاس على النفس البشرية. فأنزلت سورة الحجر لتطمئن النبي وكل أتباعه في كل العصور، وتقول لهم: لا تخافوا، فأنتم محفوظون، والله سبحانه وتعالى سيحفظ دينه فتوكلوا عليه ولا تنبهروا بقوة أعدائكم واستمروا في الدعوة إلى الله...
إنها سورة للدعاة، سورة للذين يحبون الإسلام وينتمون إليه... إنها سورة الحفظ والعناية الربانية للدعاة الذين يسخر الناس منهم لتمسكهم بتعاليم دينهم، وسورة الحفظ للفتاة التي يسخر البعض من حجابها. فتقول لهم: توكلوا على الله ولا تنبهروا بقوة أعدائكم، واستمروا في الدعوة إلى الله والأخذ بيد الناس إلى الإسلام.
هدف السورة:
إذاً فهدف السورة صار واضحاً: إن الله حافظ دينه وناصره، فلا تنبهر أيها المسلم من أي حضارة أخرى، ولا تلتفت إلى استهزاء الآخرين وتشكيكهم بل ركز جهودك على الدعوة إلى الله وعبادته. إنها رسالة طمأنة وتثبيت لكل من يخاف على الإسلام في الوضع الحالي الذي نمر به نحن اليوم..
وهذه المعاني واضحة في آيات السورة منذ بدايتها:
ففي بداية السورة: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [3].
وفي ختامها: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ97/15فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾ [89].
فالآيات تؤكد عليك أيها المؤمن ألا تنبهر بقوة الغير، وأن تركّز على دينك وعبادتك من تسبيح وسجود وعبادة وتثبيت عليها حتى آخر حياتك ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [99].
آيات الحفظ في السورة:
والسورة تشير إلى حفظ الله لأمور عديدة، ومنها:
1- حفظ القرآن: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [9] هل نسيت أن الكتاب الذي هو دستور حياتك محفوظ؟ فالذي حفظ هذا الكتاب هو القادر على حفظ دينه ودعاته.
2- حفظ السماوات، فقد حفظه الله من الشياطين وجعلها متعة للناظرين: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ16/15وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ17/15إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ﴾ [16 – 18]...
3- حفظ الأرض: ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ﴾ [19]. فإذا كانت السماوات والأرض محفوظة لهذه الدرجة، فما ظنك أخي المسلم في حفظ الله لكتابه ودينه؟
4- حفظ الأرزاق: ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ19/15وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ20/15وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ [19 -21].. فالقرآن محفوظ والسماء محفوظة والمؤمنون محفوظون...
5- حفظ المؤمنين من كيد الشيطان ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [42].
6- واللطيف أن الآيات التي بشّرت المؤمنين بالجنة ذكرت أيضاً معنى الحفظ: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ﴾ [46]... ﴿لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [48].
فأنت أيها المؤمن محفوظ مع كتاب الله والسماوات والأرزاق.. بل إن الله حفظ هذا كله لنفعك وصلاح أمرك وقلبك.
إبليس وآدم:
كما ذكرنا في سور سابقة، فإن كل سورة في القرآن تأتي قصصها لتخدم هدف السورة. وقصة آدم وإبليس تنطبق عليها نفس القاعدة. ففي القرآن عموماً تركّز هذه القصة على سيدنا آدم عليه السلام. لكن سورة الحجر لم تأت على ذكر آدم، بل ركّزت على إبليس نفسه فهو يقول كما ذكر تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ36/15قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ37/15إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ38/15قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ39/15إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [36-40]...
لاحظ الطريقة الأساسية التي سيتبعها إبليس في الإغواء: تزيين الباطل في الأرض عن طريق إبهار الناس. فالإبهار يغيّر الحق ويقلب المفاهيم ويشوّش على الكثير من ضعاف القلوب. لكن عباد الله المخلصين محفوظون بإذن الله، فيأتي الرد على عدو الله: ﴿قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ41/15إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [41 -42].
إن هذه السورة هي سورة الحفظ، فأنت محفوظ أيها الإنسان، والقرآن محفوظ كما حفظت السماوات من قبل، والأرزاق محفوظة فلم الخوف..؟ إ، هذه السورة قد أنزلت في ذروة إيذاء المشركين للمسلمين في مكة، لتطمئن النبي وأصحابه أنهم محفوظون، والآن تطمئن كل الدعاة إلى الله أنهم أيضاً محفوظون... أنتم محفوظون طالما كنتم على صلة بربكم ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾... الله تعالى هو الذي يقول هذا... وانظر إلى لطف الآية وهو يدافع عنك أمام عدوك واستشعر بالفخر كونك تندرج تحت كلمة"عبادي" ﴿إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ أما الغاوون، فهم الذين اختاروا طريق الشيطان، وهم محرمون من هذا الحفظ الرباني. هذه الحقائق كلها يعلمها إبليس، فهو أمام رب العزة يقول: ﴿إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾.
فطالما أننا محفوظون، والحفظ مضمون من الله تعالى، فلم الخوف؟؟...
أصحاب الحجر:
وهنا يأتي سؤال: ما سبب تسمية السورة بـ(الحجر)؟
إن الحجر هو المكان الذي سكنت فيه قبيلة ثمود (قوم صالح عليه السلام)، فما علاقة ذلك بالحفظ؟
إن أصحاب الحجر كذّبوا بآيات الله ورفضوا طريق الإيمان، فشعروا بأن الله تعالى قد ينزل عليهم عقاباً أو عذاباً، فبحثوا عن مكان يشعرون به بالأمان فلم يجدوا إلا الحجر. ولقد توصّلوا إلى مدينة رائعة وحضارة راقية جعلتهم ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين... تقول الآيات ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ80/15وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ 81/15وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ [80 -82] لقد ظنوا أنهم إن سكنوا داخل الجبال سينجون من العذاب، فصاروا ينحتون في الجبال بيوتاً ليضمنوا النجاة بعيداً عن الفيضانات وتقلبات الطبيعة، فما الذي حصل لهم؟
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ﴾ [83] فالصيحة لا يحمي منها جدار ولا جبل ولا غير ذلك، ولقد جاءتهم مصبحين أي في الصباح (لأنه رمز الأمان فالليل يوحي دائماً بالخوف)، وكأن المعنى بأنه لا حفظ لك أيها الإنسان إلا من عند الله تعالى...
فلا تنبهر بهم (ولذلك ذكر الله قدرته في الكون في أول السورة) وكانت طريقة عذابهم متفردة بين الأمم: صيحة (أي صوتاً رهيباً) لا يحول دونها حافظ من حائط أو ريح أو ماء أو حضارة.
لذلك سميت السورة بالحجر كرمز لقوة الحضارات الأخرى، لنحذر من الانبهار بالآخرين ولتؤكد أنه لا حافظ إلا بالله.
قصة لوط عليه السلام:
وتأكيداً لهذه المعاني تأتي قصة لوط بإشارات واضحة: فإن قوم لوط جاءهم العذاب وهم في أعلى درجات الشهوة ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [72]، كما أن العذاب أتاهم صباحاً ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ﴾ [66]...﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ﴾ [73].
توجيهات للدعاة في كل مكان:
بعد أن استشعر قارئ السورة مدى الحفظ الرباني وأهميته وعدم نفع كل ما سواه، تأتي نصائح مهمة للدعاة إلى الله للتعقيب على قصص السورة ولتحقيق هدفها:
1- ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [87] في مقابل كل ما أوتي الآخرون من قوة ومظاهر مادية، آتاك الله سورة الفاتحة والقرآن العظيم (هل تذكر سورة الفاتحة وعظمتها ومعانيها الرائعة؟)، فتمسّك بما آتاك الله واعتز به ولا تمدّ عينيك إلى ما سواه، لذلك تأتي الآية التالية:
2- ﴿لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [88].
فلا تنبهر أخي المسلم بمتاع الدنيا الذي تراه عند الحضارات الأخرى، واعتزّ بإسلامك وتواضع لإخوانك. لا تغرّنك تكنولوجية الغرب ولا تطوّر عمرانه، فإن القاعدة الربانية التي طبّقت على أصحاب الحجر تنطبق عليهم أيضاً، وهي أنه لا حافظ إلا الله.
3- ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [94]. اجهر بالدعوة رغم كل ما قد تتعرّض له لأن الله تعالى هو الحافظ. هذه الآية كانت مرحلة الانتقال بين الدعوة السرية والجهر بالدعوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وكان الصحابة يشعرون بصعوبة الأمر، فجاءت الآية ليطمئنوا بأنهم محفوظون رغم الاستهزاء... ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ94/15إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ [94 -95]..
4- ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ97/15فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ98/15وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [97 -99].
فالاستهزاء مزعج، ورغم أن المسلم مقتنع بحفظ الله، لكنه قد يمل ويتشتت من الأقوال الآخرين، فتقدّم الآية علاجاً للمشكلة، يشكل ختاماً رائعاً لسورة الحفظ (كأنه تطبيق عملي لتستشعر بالحفظ الرباني): تسبيح الله تعالى وعبادته حتى الممات (واليقين هو الموت) لأنك محفوظ، ودع المستهزئين يقولون ما يشاءون، فإن مصيرهم لن يختلف عن مصير أصحاب الحجر.
اهتم بدينك أيها المسلم، وأصلح نفسك وادع غيرك إلى الله، تنعم بحفظ الله ورعايته في الدنيا وتفز بالجنة في الآخرة.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع