ام عبد المولى
مراقب عام
- إنضم
- 26 سبتمبر 2012
- المشاركات
- 2,741
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المغرب
- احفظ من كتاب الله
- الجزء الخامس
- احب القراءة برواية
- ورش
- القارئ المفضل
- الشيخ الحصري
- الجنس
- اخت
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة التوبة
آخر سورة نزلت كاملة على النبي صلى الله عليه و سلم.
في وقت كان المجتمع الإسلامي يستعد للخروج بالدعوة من الجزيرة العربية للعالم بأسره.
نزلت بعد غزوة تبوك آخر غزوات النبي صلى الله عليه و سلم, و جاءت بعد سورة الأنفال أولى غزوات النبي صلى الله عليه و سلم. في بدر عدد المسلمين قرابة الـ 300 و في تبوك 30.000 لنلاحظ الفرق بين حال المجتمع الإسلامي هنا و هناك.
و غزوة تبوك من أكثر الغزوات التي ظهر فيها أثر النفاق, حيث كان مع الجيش منافقون كثر,و فيها انتصر المسلمون, و نزلت السورة تعقب على ذلك كله.
علامة التميز
عندما نقرأ القرآن نبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم, نبدأ معها الرحمة و ننتقل إلى عالم آخر, و سبب غياب البسملة في سورة التوبة هو أنها أكثر سورة ذكر فيها المنافقون فحرموا من البسملة في بدايتها و من معاني الرحمة الموجودة فيها 1 (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ).
و لسورة التوبة أسماء كثيرة منها الفاضحة لأنها فضحت المشركين ففيها 55 صفة من صفات المنافقين التي كانوا يمارسونها مع النبي صلى الله عليه و سلم. و سميت الكاشفة لأنها كشفت عيوب الكفار و المتخاذلين و سميت بسورة السيف لكثرة ما فيها من ذكر الحض على الجهاد. مع كل هذه المعاني سماها الله بالتوبة, لأن من معاني التوبة رقة العلاقة مع الله تعالى, وهذا من رحمته بنا, و تمثل هذه السورة البلاغ الأخير للبشرية, و أنزلت قبل ختام القرآن, و بالرغم مما فيها من شدة التهديد للكفار و المنافقين و الدعوة الشديدة للمسلمين للدفاع عن دينهم, لكنها حرصت على إبقاء باب التوبة مفتوحاً أمام الجميع قبل الوداع. لاحظ تكرار قوله تعالى (فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ) (فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)
و هي أكثر سورة وردت فيها مفردة التوبة و معانيها حضاً على التوبة و الرجوع إلى الله تعالى, 17 مرة.
دعوة الجميع للتوبة
و الملفت أنها لم تذكر نوعاً من طوائف المجتمع إلا و ذكّرته بالتوبة: من الكفار و المشركين و المرتدين و المنافقين و العصاة و المؤمنين الصالحين حتى النبي صلى الله عليه و سلم. فكلما وردت طائفة منهم جاءت آيات التوبة بعد ذكرها لتذكرهم بالتوبة و تحضهم عليها 117 – 118 (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ – وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
فالبرغم من أن السورة فضحت المنافقين و لكنها فعلت ذلك لتحضهم على التوبة, كمن يبتليه الله ببلاء ليكون سبباً في عودته إلى الله (ربٌ رحيم كريم), و حتى عندما تدعو المؤمنين و تحرضهم على القتال فذلك لكي تشعر الكفار بالتخاذل و تيأسهم من القتال فيتوبوا إلى الله من غير قتال, من رحمة الله بهم.
علاقتها بالسور التي قبلها
نجد أن القسم الأول من القرآن يشتمل على السور السبع الطوال و يختتم بالتوبة, و كأنها جاءت بعد بيان المنهج و وسائل القيام بالمهمة لتفتح باب التوبة و الرحمة لمن بدل أو غير أو قصر في حق الله. و هي كانت ختام وحي القرآن, و خير الختام فتح باب التوبة على مصراعيه لكل الناس.
نداءات أخيرة للتوبة
1 – 2 – 3 (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ – فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ – وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) بداية شديدة و مهلة محددة و أذان من الله و رسوله.
5 (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) و مع ذلك و بعد الأمر بالقتال جاء التذكير بالتوبة 5 (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) لحث الكفار عليها, فبقدر مافي السورة من مواجهتهم بقدر ما هي حريصة على توبتهم و إنابتهم إلى الله.
6 (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ) و تخبرنا بأنه لا بد من إقامة الحجة على الكفار و دعوتهم إلى الله قبل قتالهم.
و تتابع الآيات بين تهديد و وعيد, و تذكير بالتوبة.
10 (لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) ثم تقول الآية التالية (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فلم تعف الآية عنهم فحسب, بل أوجبت على المسلمين حبهم بعد توبتهم لأنهم أصبحوا إخواناً لنا.
ثم تهديد آخر إن أصر المشركون على القتال 14 (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) ثم عودة للتذكير بالتوبة 15 (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
فهي بذلك قمة في التوازن بين الرحمة من جهة و الواقعية و الشدة من جهة أخرى.
فإن كان الله تعالى يقول عن الكفار و المنافقين بعد توبتهم (فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) فما بالك بمن ارتكب المعاصي من المؤمنين؟
سورة التوبة من أكثر السور التي تزيد رجاء المؤمن بالله و أمله برحمته, فإن كان رب العزة قد حث الكفار و المنافقين على التوبة و كرر ذلك 17 مرة من لطفه و إحسانه, فكيف لا يغفر لمن تاب من المؤمنين العصاة!؟.
توبة من نوع آخر (توبة الخاذل عن نصرة الإسلام)
24 (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) تحث الآية على نصرة دين الله و ليس هذا في الحرب فقط بل في كل أمور الحياة الدنيوية. ثم يأتي الحديث عن توبة من نوع آخر, توبة التخاذل عن نصرة دين الإسلام. مشيرة إلى هذا الفعل الشنيع و انه بحاجة إلى توبة شديدة. 38 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) و تحذر برقة من الاستبدال فالله ليس بحاجة لأحد و هو ينصر دينه 40 (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ...)
إلى أن تأتي الآية بالأمر الشامل الذي لا يستثني أحداً 41 (انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)
فكأن التحريض على جهاد الكفار عون لهم على التوبة. و بذلك يكون تخاذلنا سبباً لتمادي أهل الكفر و بعدهم عن التوبة.
توبة أخرى (عدم التوكل على الله)
25 (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ) و هذا الخطأ و هو عدم التوكل على الله تعالى أيضاً لا بد له من توبة و تشير الآية 27 لذك (ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
و بذلك يكون (التخاذل عن نصرة الإسلام) و (عدم التوكل على الله) من الذنوب التي تحتاج لتوبة الإنسان لربه عز و جل.
التخاذل عن نصرة الدين
ثم تتنتقل الآيان إلى المتخاذلين عن نصرة دين الإسلام من المنافقين 46 (وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ) و لعدم صدق نيتهم كره الله خروجهم فثبط هممهم (فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ)
فمالنا لا نتألم عندما يحرمنا الله من عمل الخير, فقد يكون الله بذلك الحرمان غاضباً منا أو كارهاً لعملنا فثبطنا عن العمل... و من منا يرضى أن يكون عبئاً على الدين و الدنيا؟ 47 (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً).
و تتوالى الآيات في التوبيخ و التقريع:
49 (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)
56 (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ)
57 (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ)
81 – 86 بلهجة شديدة (وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ)
فكلمة القاعدين مؤثرة للغاية, فمن يرضى أن يشاهد ما يحدث للإسلام و لا يكلف نفسه عناء أي عمل لنصرة دينه, و قد يكون من المصلين, و لكنه سلبي لأنه لا يحرك ساكناً لخدمة الإسلام (إذا أردت أت تعرف قيمتك عند الله فانظر فيما استخدمك) و تحذر الآيات من هذا النوع 87 (رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ)
ثم انظر إلى الإيحابيين المتحركين 88 (لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
أفراح في جهنم
81 (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ...) توبيخ شديد فهي توضح أن موازين الفرح و الحزن قد اختلت عندهم, فهم عندما يفرحون بالتخاذل كأنهم يفرحون بعذاب النار و عقوبتهم! 81 – 82 (وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ – فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ).
دعوة الجميع للتوبة
1. توبة المنافقين و المرتدين 74 (فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)
2. توبة المرتدين 102 (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم)
3. ثم حث الجميع على التوبة 104 (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
و شروط التوبة (الندم على الذنب) و (الإقلاع عنه) و (العزم على عدم العودة له) فلنبادر إلى التوبة لأن تأخير التوبة و تأجيلها هو بحد ذاته معصي لله تعالى.
ربنا تب علينا إنا تبنا إليك
صفات المؤمنين المستحقين للشهادة
و تتحدث السورة عن المؤمنين الذين بايعوا الله 110 (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) و تخبرنا عم صفاتهم لنكون منهم 112 (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)
التوبة لصفوة الأمة رسول الله صلى الله عليه و سلم
و من جمال التوبة و حب الله لها, أن ذكّر الله بها نبيه (و هو المعصوم) و ذكّر بها صحابته الكرام 117 (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)
فالتوبة أولى منازل العبودية و آخرها.
توبة أخيرة للثلاثة المتباطئين
و أخيراً توبة للثلاثة المؤمنين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك, فالتقاعس عن نصرة الإسلام بحاجة إلى توبة شديدة 118 (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
و لاحظ قوله تعالى (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ) فلا بد أن يتوب الله عليك و يهيء لك طريق التوبة, فالهداية منه سبحانه و تعالى "اللهم تب علينا لنتوب أليك"
خير ختام لخير حياة
رغم أن السورة حرمت المنافقين من الرحمة في أولها إلا أنها فتحت باب التوبة و أهدت الناس رحمة مهداة من الله عز و جل للبشرية جمعاء في ىخر السورة 128 (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) و لم يسمها الله الفاضحة أو الكاشفة بل بالتوبة لأنه يحب الستر, سبحانه و تعالى عما يشركون.
و هذه الآية خير ختام لحياة النبي صلى الله عليه و سلم و خير ختام للسبع الطوال, إنها سورة الوداع, و خير وداع في ديننا هو التوبة على كل الناس, فإن أبو التوبة 129 (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).
تتنتقل بنا السورة من غزوة المسلمين في بدر و حالهم يومئذ إلى غزوة تبوك و حالهم فيها, دعوة للتفكر في ما أحدثه الإسلام من فروق في المجتمع حتى وصل به للانتصار العظيم. الحمد لهه على نعمة الإسلام و لنعمل شيئاً نخدم به هذا الدين العظيم فلا يكفي أن نجلس و نتفرج على ما يحدث من حولنا, بل لا بد من أن نؤثّر و نخدم دين الله عز و جل الذي شرفنا بأن نكون من أفراده.
سورة التوبة
آخر سورة نزلت كاملة على النبي صلى الله عليه و سلم.
في وقت كان المجتمع الإسلامي يستعد للخروج بالدعوة من الجزيرة العربية للعالم بأسره.
نزلت بعد غزوة تبوك آخر غزوات النبي صلى الله عليه و سلم, و جاءت بعد سورة الأنفال أولى غزوات النبي صلى الله عليه و سلم. في بدر عدد المسلمين قرابة الـ 300 و في تبوك 30.000 لنلاحظ الفرق بين حال المجتمع الإسلامي هنا و هناك.
و غزوة تبوك من أكثر الغزوات التي ظهر فيها أثر النفاق, حيث كان مع الجيش منافقون كثر,و فيها انتصر المسلمون, و نزلت السورة تعقب على ذلك كله.
علامة التميز
عندما نقرأ القرآن نبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم, نبدأ معها الرحمة و ننتقل إلى عالم آخر, و سبب غياب البسملة في سورة التوبة هو أنها أكثر سورة ذكر فيها المنافقون فحرموا من البسملة في بدايتها و من معاني الرحمة الموجودة فيها 1 (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ).
و لسورة التوبة أسماء كثيرة منها الفاضحة لأنها فضحت المشركين ففيها 55 صفة من صفات المنافقين التي كانوا يمارسونها مع النبي صلى الله عليه و سلم. و سميت الكاشفة لأنها كشفت عيوب الكفار و المتخاذلين و سميت بسورة السيف لكثرة ما فيها من ذكر الحض على الجهاد. مع كل هذه المعاني سماها الله بالتوبة, لأن من معاني التوبة رقة العلاقة مع الله تعالى, وهذا من رحمته بنا, و تمثل هذه السورة البلاغ الأخير للبشرية, و أنزلت قبل ختام القرآن, و بالرغم مما فيها من شدة التهديد للكفار و المنافقين و الدعوة الشديدة للمسلمين للدفاع عن دينهم, لكنها حرصت على إبقاء باب التوبة مفتوحاً أمام الجميع قبل الوداع. لاحظ تكرار قوله تعالى (فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ) (فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)
و هي أكثر سورة وردت فيها مفردة التوبة و معانيها حضاً على التوبة و الرجوع إلى الله تعالى, 17 مرة.
دعوة الجميع للتوبة
و الملفت أنها لم تذكر نوعاً من طوائف المجتمع إلا و ذكّرته بالتوبة: من الكفار و المشركين و المرتدين و المنافقين و العصاة و المؤمنين الصالحين حتى النبي صلى الله عليه و سلم. فكلما وردت طائفة منهم جاءت آيات التوبة بعد ذكرها لتذكرهم بالتوبة و تحضهم عليها 117 – 118 (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ – وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
فالبرغم من أن السورة فضحت المنافقين و لكنها فعلت ذلك لتحضهم على التوبة, كمن يبتليه الله ببلاء ليكون سبباً في عودته إلى الله (ربٌ رحيم كريم), و حتى عندما تدعو المؤمنين و تحرضهم على القتال فذلك لكي تشعر الكفار بالتخاذل و تيأسهم من القتال فيتوبوا إلى الله من غير قتال, من رحمة الله بهم.
علاقتها بالسور التي قبلها
نجد أن القسم الأول من القرآن يشتمل على السور السبع الطوال و يختتم بالتوبة, و كأنها جاءت بعد بيان المنهج و وسائل القيام بالمهمة لتفتح باب التوبة و الرحمة لمن بدل أو غير أو قصر في حق الله. و هي كانت ختام وحي القرآن, و خير الختام فتح باب التوبة على مصراعيه لكل الناس.
نداءات أخيرة للتوبة
1 – 2 – 3 (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ – فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ – وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) بداية شديدة و مهلة محددة و أذان من الله و رسوله.
5 (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) و مع ذلك و بعد الأمر بالقتال جاء التذكير بالتوبة 5 (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) لحث الكفار عليها, فبقدر مافي السورة من مواجهتهم بقدر ما هي حريصة على توبتهم و إنابتهم إلى الله.
6 (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ) و تخبرنا بأنه لا بد من إقامة الحجة على الكفار و دعوتهم إلى الله قبل قتالهم.
و تتابع الآيات بين تهديد و وعيد, و تذكير بالتوبة.
10 (لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) ثم تقول الآية التالية (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فلم تعف الآية عنهم فحسب, بل أوجبت على المسلمين حبهم بعد توبتهم لأنهم أصبحوا إخواناً لنا.
ثم تهديد آخر إن أصر المشركون على القتال 14 (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) ثم عودة للتذكير بالتوبة 15 (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
فهي بذلك قمة في التوازن بين الرحمة من جهة و الواقعية و الشدة من جهة أخرى.
فإن كان الله تعالى يقول عن الكفار و المنافقين بعد توبتهم (فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) فما بالك بمن ارتكب المعاصي من المؤمنين؟
سورة التوبة من أكثر السور التي تزيد رجاء المؤمن بالله و أمله برحمته, فإن كان رب العزة قد حث الكفار و المنافقين على التوبة و كرر ذلك 17 مرة من لطفه و إحسانه, فكيف لا يغفر لمن تاب من المؤمنين العصاة!؟.
توبة من نوع آخر (توبة الخاذل عن نصرة الإسلام)
24 (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) تحث الآية على نصرة دين الله و ليس هذا في الحرب فقط بل في كل أمور الحياة الدنيوية. ثم يأتي الحديث عن توبة من نوع آخر, توبة التخاذل عن نصرة دين الإسلام. مشيرة إلى هذا الفعل الشنيع و انه بحاجة إلى توبة شديدة. 38 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) و تحذر برقة من الاستبدال فالله ليس بحاجة لأحد و هو ينصر دينه 40 (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ...)
إلى أن تأتي الآية بالأمر الشامل الذي لا يستثني أحداً 41 (انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)
فكأن التحريض على جهاد الكفار عون لهم على التوبة. و بذلك يكون تخاذلنا سبباً لتمادي أهل الكفر و بعدهم عن التوبة.
توبة أخرى (عدم التوكل على الله)
25 (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ) و هذا الخطأ و هو عدم التوكل على الله تعالى أيضاً لا بد له من توبة و تشير الآية 27 لذك (ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
و بذلك يكون (التخاذل عن نصرة الإسلام) و (عدم التوكل على الله) من الذنوب التي تحتاج لتوبة الإنسان لربه عز و جل.
التخاذل عن نصرة الدين
ثم تتنتقل الآيان إلى المتخاذلين عن نصرة دين الإسلام من المنافقين 46 (وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ) و لعدم صدق نيتهم كره الله خروجهم فثبط هممهم (فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ)
فمالنا لا نتألم عندما يحرمنا الله من عمل الخير, فقد يكون الله بذلك الحرمان غاضباً منا أو كارهاً لعملنا فثبطنا عن العمل... و من منا يرضى أن يكون عبئاً على الدين و الدنيا؟ 47 (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً).
و تتوالى الآيات في التوبيخ و التقريع:
49 (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)
56 (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ)
57 (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ)
81 – 86 بلهجة شديدة (وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ)
فكلمة القاعدين مؤثرة للغاية, فمن يرضى أن يشاهد ما يحدث للإسلام و لا يكلف نفسه عناء أي عمل لنصرة دينه, و قد يكون من المصلين, و لكنه سلبي لأنه لا يحرك ساكناً لخدمة الإسلام (إذا أردت أت تعرف قيمتك عند الله فانظر فيما استخدمك) و تحذر الآيات من هذا النوع 87 (رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ)
ثم انظر إلى الإيحابيين المتحركين 88 (لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
أفراح في جهنم
81 (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ...) توبيخ شديد فهي توضح أن موازين الفرح و الحزن قد اختلت عندهم, فهم عندما يفرحون بالتخاذل كأنهم يفرحون بعذاب النار و عقوبتهم! 81 – 82 (وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ – فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ).
دعوة الجميع للتوبة
1. توبة المنافقين و المرتدين 74 (فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)
2. توبة المرتدين 102 (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم)
3. ثم حث الجميع على التوبة 104 (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
و شروط التوبة (الندم على الذنب) و (الإقلاع عنه) و (العزم على عدم العودة له) فلنبادر إلى التوبة لأن تأخير التوبة و تأجيلها هو بحد ذاته معصي لله تعالى.
ربنا تب علينا إنا تبنا إليك
صفات المؤمنين المستحقين للشهادة
و تتحدث السورة عن المؤمنين الذين بايعوا الله 110 (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) و تخبرنا عم صفاتهم لنكون منهم 112 (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)
التوبة لصفوة الأمة رسول الله صلى الله عليه و سلم
و من جمال التوبة و حب الله لها, أن ذكّر الله بها نبيه (و هو المعصوم) و ذكّر بها صحابته الكرام 117 (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)
فالتوبة أولى منازل العبودية و آخرها.
توبة أخيرة للثلاثة المتباطئين
و أخيراً توبة للثلاثة المؤمنين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك, فالتقاعس عن نصرة الإسلام بحاجة إلى توبة شديدة 118 (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
و لاحظ قوله تعالى (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ) فلا بد أن يتوب الله عليك و يهيء لك طريق التوبة, فالهداية منه سبحانه و تعالى "اللهم تب علينا لنتوب أليك"
خير ختام لخير حياة
رغم أن السورة حرمت المنافقين من الرحمة في أولها إلا أنها فتحت باب التوبة و أهدت الناس رحمة مهداة من الله عز و جل للبشرية جمعاء في ىخر السورة 128 (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) و لم يسمها الله الفاضحة أو الكاشفة بل بالتوبة لأنه يحب الستر, سبحانه و تعالى عما يشركون.
و هذه الآية خير ختام لحياة النبي صلى الله عليه و سلم و خير ختام للسبع الطوال, إنها سورة الوداع, و خير وداع في ديننا هو التوبة على كل الناس, فإن أبو التوبة 129 (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).
تتنتقل بنا السورة من غزوة المسلمين في بدر و حالهم يومئذ إلى غزوة تبوك و حالهم فيها, دعوة للتفكر في ما أحدثه الإسلام من فروق في المجتمع حتى وصل به للانتصار العظيم. الحمد لهه على نعمة الإسلام و لنعمل شيئاً نخدم به هذا الدين العظيم فلا يكفي أن نجلس و نتفرج على ما يحدث من حولنا, بل لا بد من أن نؤثّر و نخدم دين الله عز و جل الذي شرفنا بأن نكون من أفراده.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع