خواطر قرآنية - سورة يوسف

[ام عبد المولى]

خواطر قرآنية - سورة يوسف
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يوسف
قال عنها علماء القصة أنها احتوت على جميع عناصر القصة, من التشويق و تصوير الأحداث و الترابط المنطقي و استخدام الرمز. فعلى سبيل المثال بدأت القصة بحلم و انتهت بتفسير ذلك الحلم, و كان قميص سيدنا يوسف هو أداة براءة إخوته ثم كان الدليل على خيانتهم ثم كان أداة برائته من فتنة التعدي على امرأة العزيز.
و من روعة هذهالقصة أن أحداثها مجسمة أمامك تتخيل ما يحدث فيها و كأنك تعيش أحداثها, و نحن لا نحتاج لشهادة أحد فيه بعد أن قال الله سبحانه و تعالى فيها 3 (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)

هدف السورة = آخر آية منها 90 (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)

يعلم و لا نعلم
هو المحور الأساسي للقصة, فالأحداث في القصة تسير بشكل غريب, و تسير بعكس الظاهر, فيوسف محبوب من والده, و هذا أمر جيد في ظاهره و لكن كانت نتيجة هذه المحبة أن ألقاه إخوته في البئر, و إلقاؤه في البئر أمر سيء في ظاهره و لكن كانت من نتيجته أن أصبح في بيت العزيز, و هذا أيضاً جيد في ظاهره و لكنه تعرض للفتنة و ألقي في السجن, و هذا سيء في ظاهره و لكن كانت نتيجة السجن أن أصبح عزيز مصر. فسبحان الله تعالى مدبر الأمور و مسيرها.
و إذا راقبنا سيرة سيدنا يوسف عليه السلام نلاحظ فيها:
حب الأب ← الرمي في البئر ← إلى بيت العزيز ← دخول السجن ←تولي منصب عزيز مصر
فهناك 3 مراحل سهلة و مرحلتين صعاب. و لاحظ أيهما أشد الرمي في السجن الذي دام سبع سنين, أم الرمي في البئر الذي دام 3 ليال. كلاهما صعب فهناك ظل سبع سنين و هنا كان غلاماً فكانت تلك الليال كتلك السنوات.
و الجدير بالملاحظة أن سيدنا يوسف – وسط هذا كله – ثابت الأخلاق لا ينحني مع منحنيات الحياة.

أنت عبد فيها
فإذا مرت عليك بلاءات أو شدة في حياتك فتعلم من سيدنا يوسف عليه السلام الذي كان متحلياً بالصبر و عدم اليأس رغم كل الظروف. و تعلم منه كيف تواجه فترات الشدة باللجوء لله و الاعتماد عليه, و فترات الراحة بالتواضع لله و نسبة كل نجاح في حياتك إلى الله تعالى و شكره عليه.
فحياة الإنسان أياً كان هي فترات راحة و شدة, و هو في الحالتين يُختبر.
و قصة سيدنا يوسف عليه السلام قصة ثبات الأخلاق في الحالتين, صابراً في الشدة متواضعاً لله مخلصاً في الرخاء.

بين السورة و السيرة
نزلت كما لاحظنا سورة يوسف و هود و يونس في فترة شدة على الرسول صلى الله عليه و سلم, بعد أن مات عمه و ماتت أمنا خديجة. النبي صلى الله عليه و سلم بعد سنتين من نزول السورة سيهاجر المدينة و يترك مكة, كما فعل سيدنا يوسف عندما ترك فلسطين بلده و ذهب إلى مصر, فسورة يوسف كانت تؤهل سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم لما هو مقبل عليه و تهيء المؤمنين جميعاً لفترات الشدة التي سيواجهونها. حتى قال عنها العلماء: "ما قرأها محزون إلا سري عنه".

يوسف الإنسان
و السورة لم تركز على يوسف النبي إنما ركزت على يوسف الإنسان, حتى نعلم أن ما مر به يمكن أن نمر به, و أن نقتدي به في ما يقع علينا من فترات الشدة و الرخاء. فهي تجربة إنسانية بحتة, و كانت نهايتها نصراً في الدنيا و الآخرة, فقد نجح سيدنا يوسف عليه السلام و أصبح عزيز مصر, و نجح حين قاوم امرأة العزيز و مغريات نساء المدينة. إنها قصة نجاح إنسانية رائعة, قصة إنسان صبر و لم ييأس بالرغم من كل الظروف التي واجهها. و التي لم يكن يتوقع نجاحه فيها, فمن السجن إلى العبودية و كراهية إخوته له إلى الغربة و فتنة امرأة العزيز له عن نفسه إلى تحمل الافتراء و الاتهامات الباطلة. و لكنه طبق قوله تعالى (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) و كان ذلك طريقه للنجاح في كل تلك الشدائد, فأينا يمر عليه ما مر على سيدنا يوسف عليه السلام؟ فتطبيقنا لتلك الآية هو الطرق الوحيد للانتصار على أي شدة مهما كانت لأن الله تعالى وعد بذلك.

أين المعجزات في السورة
لم تشر الآية لتأييد الله لسيدنا يوسف بأية معجزة, إنما ركزت السورة على أن الله تعالى قد هيأ الظروف لسيدنا يوسف عليه السلام و هياً له ظروف النجاح كما يهيأها الله تعالى لأي شخص منا, و كيف أن سيدنا يوسف استفاد من تللك المؤهلات التي أعطاه الله إياها لينجح في حياته. كل ذلك لنعلم أننا مطالبون بالمثل في حياتنا, فالله تعالى يهيء لنا ظروف النجاح كل ما علينا فعله هو الاستفادة منها و تعلم مهارات جديدة تضمن لنا النجاح في الحياة.

(وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)
قصة سيدنا يوسف عليه السلام قصة نجاح إنسان مرت عليه ظروف صعبة, لم يمتلك فيها أي مقوم من مقومات النجاح, لكنه بقي صابراً متمسكاً بالأمل و لم ييأس, و آيات السورة مليئة بالأمل, و من ذلك أن قال يعقوب عليه السلام 87 (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)
هذه الآية لا تعني أن اليائس كافر, إنما فيه صفة من صفات الكفار, لأنه لا يدرك أن تدبير الله سبحانه و تعالى لا يعرفه أحد, و أنه تعالى رؤوف رحيم كريم ودود في أفعاله.

النجاح من الله
و من عظمة هذا النبي الكريم, أنه حتى حين نجح و وصل إلى أعلى المناصب له, لم تنسه نشوة النصر التواضع لله تعالى و نسب الفضل إليه سبحانه و تعالى. فقال في نهاية القصة 101 (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)
و انظر إلى تواضعه في قوله (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) و كأن الصالحين سبقوه و هو يريد اللحاق بهم. و هكذا نرى أن سيدنا يوسف عليه السلام نجح في امتحان السراء بشكر الله تعالى و التواضع له, كما نجح في امتحان الضراء بالصبر و الأمل.

أنت لها
و كان التعقيب على قصة سيدنا يوصف, آية رائعة لتطمئن النبيص الله عليه و سلم و المؤمنين من بعده, إلى نصر الله تعالى و وعده و لتسمعها أمته من بعده و توقن بها. اسمعها بقلبك و روحك:
110 (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)

خلاصة التجربة
قاعدة محورية انتصر بها سيدنا يوسف و حقق كل أمنياته, 90 (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)
فقصة سيدنا يوسف عليه السلام تعلمنا أنه من أراد النجاح و وضع هدفاً نصب عينيه يريد تحقيقه فإنه سيحققه لا محالة, إذا استعان بالصبر و الأمل و لم ييأس و لجأ إلى الله تعالى 90 (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
سيدنا يوسف يلخص في هذه الآية تجربته في الحياة, و هي تجربة إنسانة بحتة.
فمن أراد النجاح عليه بتقوى الله أولاً, و اللجوء إليه, و الصبر على مصائب الدنيا لا بل و تحدي المعوقات من حوله و التغلب عليها. و الصبر المطلوب صبر إيجابي و مثابر, لا يضيع صاحيه أي فرصة لتعلم مهارة ما, بل ينتظر كل فرصة تسنح له كما فعل سيدنا يوسف عليه السلام حين استفاد من وجوده في بيت العزيز في تعلم كيفية إدارة الأمول و هذه سبب قوله فيما بعد 55 (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ).
فلنتعلم من سيدنا يوسف كيف ننجح في حياتنا العملية, و كيف نتفوق في الدنيا و الآخرة, كيف نقاوم الشهوات و نصبر على الشدائد لنفوز في الدنيا بالنجاح و في الآخرة بجنة النعيم.


و هذه قصة سيدنا يوسف عليه السلام
يوسف عليه السلام
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم".
1. هو يوسف بن يعقوب من زوجته راحيل، ولد في "فدان آرام" بالعراق حينما كان أبوه عند خاله (لابان)، ولما عاد أبوه إلى الشام - مهجر الأسرة الإِبراهيمية - كان معه حدثاً صغيراً. قالوا: وكان عمر يعقوب لما ولد له يوسف (91) سنة، وإن مولد يوسف كان لمضي (251) سنة من مولد إبراهيم.
2. توفيت أمه وهو صغير، فكفلته عمته وتعلقت نفسها به، فلما اشتد قليلاً أراد أبوه أن يأخذه منها، فضنَّت به وألبسته منطقة (لباس) لإِبراهيم كانت عندها وجعلتها تحت ثيابه، ثم أظهرت أنها سُرقت منها، وبحثت عنها حتى أخرجتها من تحت ثياب يوسف، وطلبت بقاءه عندها يخدمها مدةً جزاءً له بما صنع، وبهذه الحيلة استبْقَتْه عندها، وكف أبوه عن مطالبتها به.
و كان ذلك مثل القانون, بمعنى أنه من يسرق شيئاً ثم يكتشف عنده فإنه يمكث عند من سرق منه هذا الشيء, و سيدنا يوسف عليه السلام استخدم هذا القانون ليستبق أخاه الصغير عنده بأن وضع الصواع في رحله ثم دل حراسه أن يبحثوا فيها.
3. كان يوسف أثيراً عند أبيه من بين إخوته، وقد رأى يوسف – وهو غلام صغير – رؤيا قصها على أبيه، فقال له أبوه: (لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) [يوسف: 5]، وذلك خشية عليه من حسدهم. وخلاصة الرؤيا: أنه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له، فعرف يعقوب أنها تتضمن مجداً ليوسف يجعل إخوته وأبويه يخضعون لسلطانه.
4. حسده إخوته على ولوع أبيهم به وإيثاره عليهم، فدبروا له مكيدة إلقائه في الجب، فمرت قافلة فأرسلت واردها إلى البئر فأدلى دلوه، فتعلق يوسف به، فأخذوه عبداً رقيقاً وانتهى أمره إلى مصر فاشتراه رئيس الشرطة فيها، واحتل عنده مكاناً حسناً اكتسبه بحسن خلقه وصدقه، وأمانته وعبقريته. قالوا: ودخول يوسف إلى مصر يمكن تحديده قريباً من سنة (1600) ق.م في عهد الملك أبابي.
5. عشقته زوجة سيده وشغفت به، فراودته عن نفسه فاستعصم، فدبرت له مكيدة سجنه إذا لم يُلَبّ رغبتها منه، فقال: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف: 33]
6. أعطاه الله علم تعبير الرؤى، وكشف بعض المغيبات، فاستخدم ذلك في دعوة السجناء معه إلى توحيد الله، وإلى دينه الحق.
7. كان معه في السجن فتيان: رئيسُ سُقاةِ الملك، ورئيس الخبازين، فرأى كل منهما في منامه رؤيا وعرضها على يوسف
أما رئيس سقاة الملك: فقد رأى أنه يعصر خمراً، فقال يوسف: ستخرج من السجن وتعود إلى عملك فتسقي الملك خمراً.
وأما رئيس الخبازين: فقد رأى أنه يحمل فوق رأسه طبقاً من الخبز، والطير تأكل من ذلك الخبر، فأخبره يوسف: أنه سيصلب وتأكل الطير من رأسه.
وأوصى يوسف رئيس السقاة أن يذكره عند الملك.
وقد تحقق ما عبر به يوسف لكل من الرجلين، إلا أن ساقي الملك نسي وصية يوسف.
8. لبث يوسف في السجن بضع سنين، حتى رأى الملك رؤيا البقرات السمان والبقرات العجاف، والسنابل الخضر والأخر اليابسات، فعرض رؤياه على السحرة والكهنة فلم يجد عندهم جواباً، عند ذلك تذكر ساقي الملك ما أوصاه به يوسف في السجن فأخبر الملك بأمره، فأرسله إلى يوسف يستفتيه في الرؤيا، فكان جواب يوسف بأن البلاد سيأتيها سبع سنوات مخصبات ثم يأتي بعدها سبع سنوات قحط وجدب. ثم يأتي بعد ذلك عام يغاث فيه الناس وتعم فيه البركة.
9. أُعجب الملك بما عبر به يوسف، فدعاه للخروج من السجن، ولكن يوسف أراد أن يعاد التحقيق في تهمته قبل خروجه، حتى إذا خرج خرج ببراءة تامة، فأعاد الملك التحقيق، فاعترفت المرأة بأنها هي التي راودته عن نفسه. عند ذلك خرج يوسف من السجن، وقربه الملك واستخلصه لنفسه، وجعله على خزائن الأرض، ويشبه هذا المنصب منصب (وزارة التموين والتجارة)، وسماه الملك اسماً يألفونه في مصر بحسب لغتهم (صفنات فعنيح)، وجعله بمثابة الملك مسلّطاً على كلّ مصر، باستثناء الكرسيّ الأول الذي هو للملك.
10. نظم يوسف أمر البلاد، وأدار دفة المنصب الذي وُكل إليه إدارة رائعة، وادَّخر في سنوات الخصب الحب في سنابله، لمواجهة الشدة في سنوات القحط، وجاءت سنوات القحط التي عمت مصر وبلاد الشام، فقام بتوزيع القوت ضمن تنظيم حكيم عادل.
11. علمت أسرته في أرض الكنعانيين بأمر في مصر، فوفد إخوته إلاّ شقيقه بنيامين إلى مصر طالبين الميرة، لأن أباه – سيدنا يعقوب – صار حريصاً عليه بعد أن فقد ولده يوسف، فلما رآهم يوسف عليه السلام عرفهم، وأخذ يحقق معهم عن أسرتهم وعن أبيهم، واستجرَّ منهم الحديث فأخبروه عن بنيامين، فأعطاهم ميرتهم ورد لهم فضتهم في أوعيتهم، وكلفهم أن يأتوا بأخيهم بنيامين في المرة الأخرى، وإلا فليس لهم عنده ميرة، فوعدوه بذلك.
12. ذكروا لأبيهم ما جرى لهم في مصر، والشرط الذي شرطه عليهم العزيز، وبعد إلحاح شديد ومواثيق أعطوها من الله على أنفسهم، أذن لهم يعقوب عليه السلام بأن يأخذوا معهم أخاهم بنيامين.
13. ولما وفدوا على يوسف عليه السلام دبَّر لهم أمراً يستبقي فيه أخاه بنيامين عنده، فكلف غلمانه أن يدسوا الإِناء الفضيّ الذي يشرب به في رحل أخيه بنيامين. ولما حملوا ميرتهم عائدين إلى بلادهم أرسل الجنود للبحث عن سقاية الملك، فوجدوها في رحل بنيامين فأخذوه، وكان أمراً شديد الوقع على قلوبهم، وعادوا إلى يوسف يرجونه ويتوسلون إليه أن يخلي سبيل أخيهم، وعرضوا عليه أن يأخذ واحدا منهم مكانه، إلا أنه رفض. فرجعوا إلى أبيهم إلا كبيرهم رأوبين، وأخبروه الخبر فظن بهم سوءاً، وحزن حزناً أفقده بصره. ثم أمرهم بالعودة إلى مصر والتحسس عن يوسف وأخيه، فعادوا إلى مصر وألحّوا بالرجاء أن يمنَّ العزيز عليهم بالإِفراج عن أخيهم، وخلال محادثتهم معه بدرت منها بادرة أسرها يوسف في نفسه، إذ قالوا: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل)، يشيرون إلى الحادثة التي اصطنعتها عمته حينما كان صغيراً لتستبقيه عندها.
14. وبأسلوب بارع عرّفهم يوسف بنفسه، فقالوا: {أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ؟!} قال: {أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا!} [يوسف: 90] قالوا: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا!} [يوسف: 91] والتمسوا منه العفو والصفح عما كان منهم، فقال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف: 92]. وطلب منهم أن يأتوا بأهلهم أجمعين، وبذلك انتقل بنو إسرائيل إلى مصر، وأقاموا فيها وتوالدوا حتى زمن خروجهم مع موسى عليه السلام.
15. قالوا: ولما اجتمع يوسف بأبيه - بعد الفراق - كان عمر يعقوب (130) سنة، فيكون عمر يوسف يومئذ (39) سنة، ثم توفي يعقوب بعدها بـ (17) سنة. وعاش يوسف عليه السلام من السنين (110)، ومات في مصر وهو في الحكم ودفن فيها، ثم نقل رفاته إلى الشام أيام موسى عليهما السلام، ودفن بنابلس على الأرجح.
قالوا: وكانت وفاة يوسف عليه السلام قبل مولد موسى عليه السلام بأربع وستين سنة، وبعد مولد إبراهيم بـ 361سنة. ولكن مثل هذه المدة لا تكفي مطلقاً لأن يتكاثر فيها بنوا إسرائيل إلى المقدار الذي ذكر مؤرخوهم أنهم قد وصلوا إليه أيّام موسى عليه السلام.
وقد فصَّل القرآن الكريم قصة يوسف عليه السلام في سورة كاملة مسماة باسمه،

وقد أبرزت من حياته مثالاً فريداً من روائع القصص الإِنسانية الهادية المرشدة، مرت في حياة رسول مصلح.

يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع