ام عبد المولى
مراقب عام
- إنضم
- 26 سبتمبر 2012
- المشاركات
- 2,741
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المغرب
- احفظ من كتاب الله
- الجزء الخامس
- احب القراءة برواية
- ورش
- القارئ المفضل
- الشيخ الحصري
- الجنس
- اخت
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة هود
نزلت سورة يونس و هود و يوسف على سيدنا محمد في أحلك الأوقات, بعد عشر سنوات من البعثة, و النبي قد أذن للصحابة بالهجرة إلى الحبشة, و الرسول توفي عمه الذي كان يدافع عنه و أمنا خديجة التي كانت تواسيه, و كان قد توجه للطائف فلم يقبلوا دعوته و آذوه, و لم يعد أحد من أهل مكة يدخل في الإسلام, و رفضت كل القبائل أن تنصر النبي صلى الله عليه و سلم و أن تقبل هذا الدين.
و ما أشبه الليلة بالبارحة, فهذه الظروف التي تمر بها الأمة الإسلامية تشابه تلك التي مرت قبل 1400 عام, و عندما يعيش البشر في مثل هذه الضغوطات التي مر بها الصحابة, أو التي نمر بها اليوم, يصيبهم أحد هذه الأمورالثلاثة:
1. فقدان الأمل و توقف السير للإصلاح وترك العمل للإسلام.
2. التهور و اللجوء إلى العنف و التصرفت غير المحسوبة.
3. الركون للأعداء و الاستسلام لهم.
فما هو الحل؟ و ماذا تقول السورة لهؤلاء؟
هدف السورة = التوازن
يأتي الحل في آية محورية من السورة تخاطبنا و تقول لنا:
112 – 113 (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ– وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)
وردت هذه الآية بعد قصص الأنبياء التي قبلها لتأمرنا بثلاثة أوامر:
1. الاستقامة: (فَاسْتَقِمْ) الاستمرار بالدعوة و الصبر, فلا ينبغي التوقف عن الدعوة حين تظهر بعض المشاكل, و لا يجب أن يفقد الأمل حين تظهر بعض المصاعب.
2. عدم الطغيان: (وَلاَ تَطْغَوْاْ)لا للعنف.
3. عدم الركون: (وَلاَ تَرْكَنُواْ) لا للاستسلام.
و لأن الأمر بالتوازن صعب على النفس البشرية طلبت الآية التقوي بالصحبة الصلحة في الآية المحورية (وَمَن تَابَ).
فمطلوب منا الوقوف بين (وَلاَ تَطْغَوْاْ) و (وَلاَ تَرْكَنُواْ) و هذا من اعتدال الاسلام و توازنه في التعاطي مع مشاكل لحياة.
بداية السورة: كتاب أحكمت آياته
1 (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) و من لطائف القرآن أن سورة يونس التي قبلها بدأت نفس البداية, بذكر حكمة الله, و لكن كان هدفها هناك التركيز على حكمة الله في قضائه و قدره, أما هنا فهدفها التركيز على حكمة المؤمن في التعامل مع الواقع الشديد من خلال الاستعانة بآياتالله الحكيم.
الإصرار على الدعوة بتوازن
2 (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) الإصرار على الدعوة بتوازن
5 (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) تظهر الآية تكذيب الأعداء للنبي ثلى الله عليه و سلم, ليعيش القارىء مع جو نزول السورة.
7 (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) معنى لطيف في خضم هذه الآيات, فما علاقة خلق السموات و الأرض بجو السورة؟ ذكر الله خلق السموات و الأرض ليذكرك بسنة من سنن الله في الكون, و هي التدرج. لكي يعلمنا الله تعالى التدرج في الأمور و الصبر و عدم الاستعجال. فالله تعالى حين خلق السموات و الأرض خلقهن في ستة أيام مع أته قادر على خلقهن بلمح البصر, فلماذا خلقهن في ستة أيام؟ ليعلمنا التدرج في الأمور كلها.
و الآية 11 (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) تشير لنفس المعنى, في حين أن معظم آيات القرآن ربطت الإيمان بعمل الصالحات (ءامنوا و عملوا الصاحات) إلا هنا جاء الإيمان مع الصبر.
أرأيت كيف تلتف آيات السورة حول بعضها لتخدم هذف السورة, و أن كل كلمة لها غاية و لا تستبدل بأي كلمة أخرى دون أن يختل المعنى, إنه كلام الله رب العالمين. كيف لا و الله تعالى يقول في بداية السورة (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ).
12 (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) تأتي الآية لتثبت النبي صلى الله عليه و سلم, و لتثبيت المؤمنين من بعده في كل زمان و مكان, فالمكذبون يجادلون جدلاً من غير جدوى, و لكنك ايها المحب لدين الله 12 (إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) فاعمل دون أن تنتظر النتائج, فعليك العمل و على الله إظهار النتائج, و لو بعد حين (وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ). تذكر عندما أمر الله نبيه إبراهيم عليه السلام بأن يؤذن بالناس بالحج, فتسائل ابراهيم كيف سيصل صوته لأصقاع الارض فقال الله تعالى عليك الآذان و علينا البلاغ.
نماذج الاستقامة
ثم تذكر السورة قصص أنبياء الله (نوح و هود و صالح و شعيب و موسى عليهم السلام) و التركيز في كل قصة على التزام الأنبياء عليهم السلام بالمحاور الثلاثة, فاستقم (فَاسْتَقِمْ) و عدم التهور (وَلاَ تَطْغَوْاْ) و عدم الركون (وَلاَ تَرْكَنُواْ). و تذكر أن السورة تورد جزءاً من قصة النبي و ليس كلها بما يخدم هدف السورة.
نوح عليه السلام: 950 عاماً
و أول قصة تأتي لتخدم هدف السورة قصة نوح. و تجدر الإشارة إلى أن سورة هود احتوت على أطول قصة لسيدنا نوح (أطول منها في سورة نوح نفسها) فلماذا؟ لأن سيدنا نوح عليه السلام بقي 950 سنة في دعوة قومه دون أن يستجيبوا له, فيكون بذلك خير مثال و قدوة في الاستقامة وعدم اليأس.
25 – 26 (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ – أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) لاحظ أن خطاب نوح لقومه هو نفسه افتتاحية السورة 2 (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) كأنك تقرأ من ذلك: إن الرسالة واحدة و الدعوة واحدة و الظروف التي تواجه الدعاة لدين الله واحدة, فاستقيموا و اثبتوا كما ثبت سيدنا نوح. فإن كنت تدعو أخاك للصلاة أو تدعين أختك للحجاب أو تدعو جارك أياً من كان, فلا تيأس بعد يوم أو يومين و تقل إنه لا جدوى من ذلك, إنه لن يستجيب لي, استقم و لا تيأس فعليك الدعوة و على الله الهداية.
استقامة سيدنا نوح
32 (قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ظل سيدنا نوح مئات السنين يدعو قومه بكل الطرق و دون ملل, حتى ملوا منه و قالوا له إئتنا بهذا العذاب الي تعدنا به!. و قبل ذلك ترينا الآيات 18 – 31 مواقف مختلفة من جدالهم له. و بذلك يظهر المحور الأول في قصة سيدنا نوح عليه السلام.
البعد عن التهور في قصة سيدنا نوح
32 (قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) تمثل الموقف الذي تعرض له سيدنا نوح, فماذا فعل؟ هل غضب و كيف كان جوابه؟ قال 33 – 34 (قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ – وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) إنها لهجة رقيقة لا تهور فيها و لا تسرع و لا عنف.
و اصنع الفلك
و تستمر الآيات حتى تصل لقوله تعالى 36 (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) و هنا لطيفة من لطائف القرآن.
فالله تعالى أخبر سيدنا نوح أنه لن يؤمن أحد من قومك بعد الآن. فماذا نفعل يا رب؟ نتركهم؟ لا... مازال هنالك أوامر ربانية فالطريق طويل و يحتاج للصبر.
37 (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) و صناعة سفينة بهذا الحجم في قلب الصحراء ليس بالأمر السهل, فسيدنا نوح زرع الأشجار, و انتظرها لتنمو ثم استخدمها في صناعة السفينة, و قال البعض إن ذلك استغرق منه 300 عام... لماذ لم تهلكم يا رب مباشرة, و لماذ لم تنبت الأشجار مباشرة بين ليلة و ضحاها؟؟؟ كل ذلك لنتعلم الصبر و الاستقامة على طريق الدعوة لله تعالى, حتى ولو كانت النتائج المتوقعة ضعيفة, بل تذهب بنا السورة لأبعد من ذلك, فهنا النتائج غير متوقعة إطلاقاً بعد إخبار الله لسيدنا نوح أنه لن يؤمن أحد من قومه, و مع ذلك تعلمنا السورة أن نعمل و نستمر بالعمل حتى و إن بدا لنا أن لا فائدة من عملنا هذا... فالنتائج متروكة لله تعالى, و ما يهمك أنت العمل و لاحظ أن الله سيعطيك الأجر سواء ظهرت النتائج أم لك تظهر. سبحان ربي ما أحكمه.
عدم الركون في قصة سيدنا نوح عليه السلام
45 (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) فكان الجواب الرباني 46 – 47 (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ – قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) فالسورة تحذر من الركون لغير الحق, و لذلك تبرأ نوح من ابنه الذي مات على الكفر. فعاطفة الأبوة (و مثلها الأخوة و الصداقة...) قد تدفع البعض للركون لأبنائهم حتى على الباطل, فأتت السورة تعلمنا لأن لا نركن لغير الحق مهما كان السبب و الدافع. و لو كان هذا الباطل يأتي م أعز الناس إلينا.
التعقيب = فاصبر
و من لطائف القرآن أنه يذكر بعد كل قصة من قصص الأنبياء تعقيباً فيه المغزى و الفحوى و العبرة, فإن أردت العبرة من قصة أي نبي فاقرأ آخر سطر منها. و هنا نقرأ فوله تعالى 49 (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)
فالرسالة تقول: فاصبر صبراً إيجابياً فيه عمل و إنتاج دون تهاون أو ركون أو طغيان.
أنبياء الله و التوازن
و في كل قصص الأنبياء المذكورة سنلاحظ نفس المحاور تتكرر (الاستقامة, و العدم الطغيان, و عدم الركون). و لنأخذ قصة شعيب عليه السلام:
88 (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) الاستقامة
92 (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) عدم التهور بالرد
93 (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) عدم الركون
كما نلاحظ وحدة المنهج الذي دعا إليه كل انبياء الله 90 (وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)
و نلاحظ كيف أنهم جميعاً تعرضوا لنفس الظروف و نفس التكذيب 91 (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ)
إلى أن جاءت الآية 94 (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) بنصر الله للنبي و المؤمنين معه.
سبب التسمية بسورة هود
فلماذا سيمت بسورة هود مع أن قصة سيدنا نوح كانت الأطول؟
54 – 55 (إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ – مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ) أرأيت التحدي في هذه الكلمات
56 (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) استفامة سيدنا هود و ثباته على الطرق المستقيم
57 (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) عدم التهور و العنف
و بذلك نرى مدى قوة الكلمات في قصة سيدنا هود و ما تحمله من الحث على الاستقامة و التوازن دون تهور أو ركون. و أن قصته فيها العبرة و تصب في هدف السورة. و قال فيها النبي صلى الله عليه و سلم: "شيبتني هود". و لذلك سماها الله تعالى بسورة هود لنتذكر هذه المحاور الثلاثة في جياتنا اليومية في على طريق الدعوة لله تعالى.
تذكر الآخرة طريق التوازن
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ – وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ– يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ – فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ – خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ – وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ) و قبل ختام السورة تأتي الآيات 103 – 108 لتطكئن المؤمنين بأن الحياة و إن كانت تنطوي على واقع مظلم غير عادل فهي ليست الأصل و أن الآخرة هي التي ستحقق العدل الإلهي, فاصبروا على الواقع الاليم في الدنيا و لا تتخاذلوأ عن الدعوة لنصرة دين الله تعالى.
أمور تعين على الاستقامة
112 – 113 (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ – وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) فما الذي يعين على الاستقامة و مالذي يثبت الإنسان على هذا المنهج؟ الجواب 115 (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)
أي يعينك أيها الشاب على (فَاسْتَقِمْ)
العبادة (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ)
و الصبر (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)
و العمل و الاصلاح و الدعوة لله تعالى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)
عش مع كتاب الله و اقرأ آياته بتدبر و تفكر, ففي آياته الحل لجميع مشاكلك و همومك و كروبك. إنه كلام ربك الذي خلقك و الذي يعلم حالك أكثر منك. إقرأ أ ُخيَّ و رتل القرآن, إصدح بصوتك أسمع الأكوانا... إقرأ و ارح بالك و كن مع الله في كل امورك تعش بسعادة و هناء.
سورة هود
نزلت سورة يونس و هود و يوسف على سيدنا محمد في أحلك الأوقات, بعد عشر سنوات من البعثة, و النبي قد أذن للصحابة بالهجرة إلى الحبشة, و الرسول توفي عمه الذي كان يدافع عنه و أمنا خديجة التي كانت تواسيه, و كان قد توجه للطائف فلم يقبلوا دعوته و آذوه, و لم يعد أحد من أهل مكة يدخل في الإسلام, و رفضت كل القبائل أن تنصر النبي صلى الله عليه و سلم و أن تقبل هذا الدين.
و ما أشبه الليلة بالبارحة, فهذه الظروف التي تمر بها الأمة الإسلامية تشابه تلك التي مرت قبل 1400 عام, و عندما يعيش البشر في مثل هذه الضغوطات التي مر بها الصحابة, أو التي نمر بها اليوم, يصيبهم أحد هذه الأمورالثلاثة:
1. فقدان الأمل و توقف السير للإصلاح وترك العمل للإسلام.
2. التهور و اللجوء إلى العنف و التصرفت غير المحسوبة.
3. الركون للأعداء و الاستسلام لهم.
فما هو الحل؟ و ماذا تقول السورة لهؤلاء؟
هدف السورة = التوازن
يأتي الحل في آية محورية من السورة تخاطبنا و تقول لنا:
112 – 113 (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ– وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)
وردت هذه الآية بعد قصص الأنبياء التي قبلها لتأمرنا بثلاثة أوامر:
1. الاستقامة: (فَاسْتَقِمْ) الاستمرار بالدعوة و الصبر, فلا ينبغي التوقف عن الدعوة حين تظهر بعض المشاكل, و لا يجب أن يفقد الأمل حين تظهر بعض المصاعب.
2. عدم الطغيان: (وَلاَ تَطْغَوْاْ)لا للعنف.
3. عدم الركون: (وَلاَ تَرْكَنُواْ) لا للاستسلام.
و لأن الأمر بالتوازن صعب على النفس البشرية طلبت الآية التقوي بالصحبة الصلحة في الآية المحورية (وَمَن تَابَ).
فمطلوب منا الوقوف بين (وَلاَ تَطْغَوْاْ) و (وَلاَ تَرْكَنُواْ) و هذا من اعتدال الاسلام و توازنه في التعاطي مع مشاكل لحياة.
بداية السورة: كتاب أحكمت آياته
1 (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) و من لطائف القرآن أن سورة يونس التي قبلها بدأت نفس البداية, بذكر حكمة الله, و لكن كان هدفها هناك التركيز على حكمة الله في قضائه و قدره, أما هنا فهدفها التركيز على حكمة المؤمن في التعامل مع الواقع الشديد من خلال الاستعانة بآياتالله الحكيم.
الإصرار على الدعوة بتوازن
2 (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) الإصرار على الدعوة بتوازن
5 (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) تظهر الآية تكذيب الأعداء للنبي ثلى الله عليه و سلم, ليعيش القارىء مع جو نزول السورة.
7 (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) معنى لطيف في خضم هذه الآيات, فما علاقة خلق السموات و الأرض بجو السورة؟ ذكر الله خلق السموات و الأرض ليذكرك بسنة من سنن الله في الكون, و هي التدرج. لكي يعلمنا الله تعالى التدرج في الأمور و الصبر و عدم الاستعجال. فالله تعالى حين خلق السموات و الأرض خلقهن في ستة أيام مع أته قادر على خلقهن بلمح البصر, فلماذا خلقهن في ستة أيام؟ ليعلمنا التدرج في الأمور كلها.
و الآية 11 (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) تشير لنفس المعنى, في حين أن معظم آيات القرآن ربطت الإيمان بعمل الصالحات (ءامنوا و عملوا الصاحات) إلا هنا جاء الإيمان مع الصبر.
أرأيت كيف تلتف آيات السورة حول بعضها لتخدم هذف السورة, و أن كل كلمة لها غاية و لا تستبدل بأي كلمة أخرى دون أن يختل المعنى, إنه كلام الله رب العالمين. كيف لا و الله تعالى يقول في بداية السورة (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ).
12 (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) تأتي الآية لتثبت النبي صلى الله عليه و سلم, و لتثبيت المؤمنين من بعده في كل زمان و مكان, فالمكذبون يجادلون جدلاً من غير جدوى, و لكنك ايها المحب لدين الله 12 (إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) فاعمل دون أن تنتظر النتائج, فعليك العمل و على الله إظهار النتائج, و لو بعد حين (وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ). تذكر عندما أمر الله نبيه إبراهيم عليه السلام بأن يؤذن بالناس بالحج, فتسائل ابراهيم كيف سيصل صوته لأصقاع الارض فقال الله تعالى عليك الآذان و علينا البلاغ.
نماذج الاستقامة
ثم تذكر السورة قصص أنبياء الله (نوح و هود و صالح و شعيب و موسى عليهم السلام) و التركيز في كل قصة على التزام الأنبياء عليهم السلام بالمحاور الثلاثة, فاستقم (فَاسْتَقِمْ) و عدم التهور (وَلاَ تَطْغَوْاْ) و عدم الركون (وَلاَ تَرْكَنُواْ). و تذكر أن السورة تورد جزءاً من قصة النبي و ليس كلها بما يخدم هدف السورة.
نوح عليه السلام: 950 عاماً
و أول قصة تأتي لتخدم هدف السورة قصة نوح. و تجدر الإشارة إلى أن سورة هود احتوت على أطول قصة لسيدنا نوح (أطول منها في سورة نوح نفسها) فلماذا؟ لأن سيدنا نوح عليه السلام بقي 950 سنة في دعوة قومه دون أن يستجيبوا له, فيكون بذلك خير مثال و قدوة في الاستقامة وعدم اليأس.
25 – 26 (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ – أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) لاحظ أن خطاب نوح لقومه هو نفسه افتتاحية السورة 2 (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) كأنك تقرأ من ذلك: إن الرسالة واحدة و الدعوة واحدة و الظروف التي تواجه الدعاة لدين الله واحدة, فاستقيموا و اثبتوا كما ثبت سيدنا نوح. فإن كنت تدعو أخاك للصلاة أو تدعين أختك للحجاب أو تدعو جارك أياً من كان, فلا تيأس بعد يوم أو يومين و تقل إنه لا جدوى من ذلك, إنه لن يستجيب لي, استقم و لا تيأس فعليك الدعوة و على الله الهداية.
استقامة سيدنا نوح
32 (قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ظل سيدنا نوح مئات السنين يدعو قومه بكل الطرق و دون ملل, حتى ملوا منه و قالوا له إئتنا بهذا العذاب الي تعدنا به!. و قبل ذلك ترينا الآيات 18 – 31 مواقف مختلفة من جدالهم له. و بذلك يظهر المحور الأول في قصة سيدنا نوح عليه السلام.
البعد عن التهور في قصة سيدنا نوح
32 (قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) تمثل الموقف الذي تعرض له سيدنا نوح, فماذا فعل؟ هل غضب و كيف كان جوابه؟ قال 33 – 34 (قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ – وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) إنها لهجة رقيقة لا تهور فيها و لا تسرع و لا عنف.
و اصنع الفلك
و تستمر الآيات حتى تصل لقوله تعالى 36 (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) و هنا لطيفة من لطائف القرآن.
فالله تعالى أخبر سيدنا نوح أنه لن يؤمن أحد من قومك بعد الآن. فماذا نفعل يا رب؟ نتركهم؟ لا... مازال هنالك أوامر ربانية فالطريق طويل و يحتاج للصبر.
37 (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) و صناعة سفينة بهذا الحجم في قلب الصحراء ليس بالأمر السهل, فسيدنا نوح زرع الأشجار, و انتظرها لتنمو ثم استخدمها في صناعة السفينة, و قال البعض إن ذلك استغرق منه 300 عام... لماذ لم تهلكم يا رب مباشرة, و لماذ لم تنبت الأشجار مباشرة بين ليلة و ضحاها؟؟؟ كل ذلك لنتعلم الصبر و الاستقامة على طريق الدعوة لله تعالى, حتى ولو كانت النتائج المتوقعة ضعيفة, بل تذهب بنا السورة لأبعد من ذلك, فهنا النتائج غير متوقعة إطلاقاً بعد إخبار الله لسيدنا نوح أنه لن يؤمن أحد من قومه, و مع ذلك تعلمنا السورة أن نعمل و نستمر بالعمل حتى و إن بدا لنا أن لا فائدة من عملنا هذا... فالنتائج متروكة لله تعالى, و ما يهمك أنت العمل و لاحظ أن الله سيعطيك الأجر سواء ظهرت النتائج أم لك تظهر. سبحان ربي ما أحكمه.
عدم الركون في قصة سيدنا نوح عليه السلام
45 (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) فكان الجواب الرباني 46 – 47 (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ – قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) فالسورة تحذر من الركون لغير الحق, و لذلك تبرأ نوح من ابنه الذي مات على الكفر. فعاطفة الأبوة (و مثلها الأخوة و الصداقة...) قد تدفع البعض للركون لأبنائهم حتى على الباطل, فأتت السورة تعلمنا لأن لا نركن لغير الحق مهما كان السبب و الدافع. و لو كان هذا الباطل يأتي م أعز الناس إلينا.
التعقيب = فاصبر
و من لطائف القرآن أنه يذكر بعد كل قصة من قصص الأنبياء تعقيباً فيه المغزى و الفحوى و العبرة, فإن أردت العبرة من قصة أي نبي فاقرأ آخر سطر منها. و هنا نقرأ فوله تعالى 49 (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)
فالرسالة تقول: فاصبر صبراً إيجابياً فيه عمل و إنتاج دون تهاون أو ركون أو طغيان.
أنبياء الله و التوازن
و في كل قصص الأنبياء المذكورة سنلاحظ نفس المحاور تتكرر (الاستقامة, و العدم الطغيان, و عدم الركون). و لنأخذ قصة شعيب عليه السلام:
88 (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) الاستقامة
92 (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) عدم التهور بالرد
93 (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) عدم الركون
كما نلاحظ وحدة المنهج الذي دعا إليه كل انبياء الله 90 (وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)
و نلاحظ كيف أنهم جميعاً تعرضوا لنفس الظروف و نفس التكذيب 91 (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ)
إلى أن جاءت الآية 94 (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) بنصر الله للنبي و المؤمنين معه.
سبب التسمية بسورة هود
فلماذا سيمت بسورة هود مع أن قصة سيدنا نوح كانت الأطول؟
54 – 55 (إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ – مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ) أرأيت التحدي في هذه الكلمات
56 (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) استفامة سيدنا هود و ثباته على الطرق المستقيم
57 (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) عدم التهور و العنف
و بذلك نرى مدى قوة الكلمات في قصة سيدنا هود و ما تحمله من الحث على الاستقامة و التوازن دون تهور أو ركون. و أن قصته فيها العبرة و تصب في هدف السورة. و قال فيها النبي صلى الله عليه و سلم: "شيبتني هود". و لذلك سماها الله تعالى بسورة هود لنتذكر هذه المحاور الثلاثة في جياتنا اليومية في على طريق الدعوة لله تعالى.
تذكر الآخرة طريق التوازن
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ – وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ– يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ – فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ – خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ – وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ) و قبل ختام السورة تأتي الآيات 103 – 108 لتطكئن المؤمنين بأن الحياة و إن كانت تنطوي على واقع مظلم غير عادل فهي ليست الأصل و أن الآخرة هي التي ستحقق العدل الإلهي, فاصبروا على الواقع الاليم في الدنيا و لا تتخاذلوأ عن الدعوة لنصرة دين الله تعالى.
أمور تعين على الاستقامة
112 – 113 (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ – وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) فما الذي يعين على الاستقامة و مالذي يثبت الإنسان على هذا المنهج؟ الجواب 115 (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)
أي يعينك أيها الشاب على (فَاسْتَقِمْ)
العبادة (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ)
و الصبر (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)
و العمل و الاصلاح و الدعوة لله تعالى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)
عش مع كتاب الله و اقرأ آياته بتدبر و تفكر, ففي آياته الحل لجميع مشاكلك و همومك و كروبك. إنه كلام ربك الذي خلقك و الذي يعلم حالك أكثر منك. إقرأ أ ُخيَّ و رتل القرآن, إصدح بصوتك أسمع الأكوانا... إقرأ و ارح بالك و كن مع الله في كل امورك تعش بسعادة و هناء.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع