أم أحمد و عبد الرحمان
عضو مميز
- إنضم
- 3 يونيو 2012
- المشاركات
- 2,918
- النقاط
- 38
- الإقامة
- تونس الخضراء
- احفظ من كتاب الله
- الحمد لله
- احب القراءة برواية
- قالون
- القارئ المفضل
- الحذيفي / أبو عبد الله
- الجنس
- أخت
علام يعود الضمير في: (وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا)؟
أقول: ومن الله سبحانه أستمد الإجابة، وأستعينه على التوفيق والإصابة:
جاء هذا الدعاء النبوي في سنن الترمذي (3502) بسنده إلى ابْنِ عُمَرَ، أنه قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: «اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا». قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وحسنه في (تخريج الكلم الطيب ص: 167 رقم 226)
وفي (المستدرك على الصحيحين للحاكم 1/ 709، رقم 1933) بسنده عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي حَتَّى تَجْعَلَهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي، وَعَافِنِي فِي دِينِي وَجَسَدِي، وَانْصُرْنِي مِمَّنْ ظَلَمَنِي حَتَّى تُرِيَنِي فِيهِ ثَأْرِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، وَخَلَّيْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، وَبِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ». هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. صحيح الجامع الصغير وزيادته (1269) الروض النضير 690: طص.
قال في (شرح السنة للبغوي 5/ 175): [قَوْلُهُ: «0وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا» أَيْ أَبْقِهِ مَعِي حَتَّى أَمُوتَ.
قِيلَ: أَرَادَ بِالسَّمْعِ وَعْيَ مَا يُسْمَعُ وَالْعَمَلَ بِهِ، وَبِالْبَصْرِ الاعْتِبَارَ بِمَا يَرَى.
وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بَقَاءَ السَّمْعِ وَالْبَصْرِ بَعْدَ الْكِبَرِ وَانْحِلالِ الْقُوَى، فَيَكُونُ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَارِثَيْ سَائِرِ الْقُوَى، وَالْبَاقِيَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَدَّ الْهَاءَ إِلَى الإِمْتَاعِ، فَلِذَلِكَ وَحَّدَهُ.
فَقَالَ: «وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا»].
وفي (قوت المغتذي على جامع الترمذي 2/ 861): ["وَمَتِّعْنَا بِأَسمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُوَّتِنَا، مَا أَحْيَيْتَنَا وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا".
قال: الضمير في "اجعله" للمصدر كما في قولك: زيدٌ أظنه منطلق، أي اجعل الجعل. و"الوارث" هو المفعول الأول، و"منَّا" في موضع المفعول الثاني، على معنى واجعل الوراث من نسلِنَا، لا كلالة عنَّا، كما قال تعالى، حكاية عن دعوة زكريا: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}.
وقيل: الضمير للتمتع الذي دل عليه، ومتِّعنا، ومعناه: اجعل تمتعنا بها باقيًا عنَّا مورُوثًا لمن بعدنا، أو محفوظًا لنا إلى يوم الحاجة.
وهو المفعول الأول، "والوارث" مفعول ثان، و"منَّا" صلة له.
وقيل: الضمير لما سبق من الأسماع، والأبصار، والقوة، وإفراده، وتذكيره على تأويل المذكور، كما في قول رؤبة:
فِيهِ خُطوطٌ مِنْ سَوادٍ وبَلَقْ *** كأَنها فِي الجِسْمِ تَوْليعُ البَهَق
وفي (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 5/ 1727): [(وَاجْعَلْهُ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا؛ يَعْنِي اجْعَلْ مَا مُتِّعْنَا بِهِ، (الْوَارِثَ) أَيِ الْبَاقِيَ (مِنَّا) بِأَنْ يَبْقَى مَا مَتَّعْتَنَا بِهِ إِلَى الْمَوْتِ.
قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَعَادَ الضَّمِيرَ إِلَى الْمَصْدَرِ الْمَحْذُوفِ أَيِ اجْعَلِ الْجَعْلَ أَوْ جَعَلًا الْوَارِثَ مِنْ عَشِيرَتِنَا، فَمِنَّا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِجَعَلَ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ لِلْمَصْدَرِ أَيِ اجْعَلِ الْجَعْلَ، وَالْوَارِثُ هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَمِنَّا فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي؛ أَيِ اجْعَلِ الْوَارِثَ مِنْ نَسْلِنَا لَا كَلَالَةً خَارِجَةً عَنَّا.
قَالَ صَاحِبُ كَشْفِ الْكَشَّافِ: وَهُوَ مَعْنًى مَقْصُودٌ لِلْعُقَلَاءِ حَكَاهُ تَعَالَى عَنْ زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِي قَوْلِهِ: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} (مريم: 5 – 6).
وَهَذَا أَوْلَى لِاسْتِحْقَاقِهِ بِالْفَائِدَةِ؛ فَإِنَّ فِي قَوْلِنَا: مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا مَا يُغْنِي عَنْ جَعْلِهَا كَالْوَارِثِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّأْوِيلِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ أَيْضًا: {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}. (الأنبياء: 89).
وَأَطَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَعَقُّبِ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَلِذَا أَعْرَضْتُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَعَنْ جَوَابِ اعْتِرَاضَاتِهِ.
وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلتَّمْتِيعِ وَهُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَالْوَارِثُ هُوَ الثَّانِي وَمِنَّا صِلَتُهُ، أَيِ اجْعَلِ التَّمْتِيعَ بَاقِيًا مِنَّا وَمَأْثُورًا فِيمَنْ بَعْدَنَا.
وَقِيلَ الْمَعْنَى: وَفِّقْنَا لِحِيَازَةِ الْعِلْمِ لَا الْمَالِ، حَتَّى يَكُونَ الْعِلْمُ هُوَ الَّذِي يَبْقَى مِنَّا.
وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْقُوَّةِ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ؛ أَيِ اجْعَلِ الْمَذْكُورَ بَاقِيًا لَازِمًا عِنْدَ الْمَوْتِ لُزُومَ الْوَارِثِ.
قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ: يُرِيدُ اجْعَلْهَا سَالِمَةً لَازِمَةً مَعَنَا إِلَى الْمَوْتِ، وَبُولِغَ فِيهِ فَقِيلَ: اجْعَلْهَا كَأَنَّهَا تَبْقَى بَعْدَهُ; لِأَنَّ الْوَارِثَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلتَّمْتِيعِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ التَّمْتِيعُ، وَالْمَعْنَى اجْعَلْ تَمَتُّعَنَا بَاقِيًا مِنَّا مَحْفُوظًا لَنَا إِلَى يَوْمِ الْحَاجَةِ.
وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ؛ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُبْقِيَ لَهُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ إِذَا أَدْرَكَهُ الْكِبَرُ، وَضَعُفَ مِنْهُ سَائِرُ الْقُوَى; لِيَكُونَا وَارِثَيْ سَائِرِ الْقُوَى وَالْبَاقِينَ بَعْدَهَا أهـ.
وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قُوَّةُ السَّامِعَةِ وَالْبَاصِرَةِ أَنْفَعَ الْقُوَى خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ أَوَّلًا ثُمَّ عَمَّمَ.
وَقِيلَ: الْأَوْلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ هَذَا الْفَيْضُ الْإِلَهِيُّ عَنْهُ وَعَنِ أَتْبَاعِهِ؛ لِكَوْنِهِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَهُدًى لِلْمُتَّقِينَ]. ونحوه قال المناوي في (فيض القدير 2/ 133)
وقال الشيخ ابن عثيمين في شرحه على رياض الصالحين (4/ 362): [واجعله الوارث منا يعني اجعل تمتعنا بهذه الأمور؛ السمع والبصر والقوة الوارث منا، يعني اجعله يمتد إلى آخر حياتنا حتىيبقى بعدنا، ويكون كالوارث لنا، وهو كناية عن استمرار هذه القوات إلى الموت..].
هذا والله تعالى أعلم
الشيخ: فؤاد أبو سعيد
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع