آلداعي
عضو مميز
- إنضم
- 24 نوفمبر 2011
- المشاركات
- 3,316
- النقاط
- 38
- الإقامة
- ||خير بقاع الأرض||
- الموقع الالكتروني
- www.qoranona.net
- احفظ من كتاب الله
- ツ
- احب القراءة برواية
- ツ ورش ツ
- القارئ المفضل
- كل من تلى كتاب الله بتدبر وخشوع
- الجنس
- ||داعي إلى الله||
علم أصول الفقه وأثره في صحة الفتوى
(الجزء الاول من5)
د.عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس
حمدًا لله على آلائه، والشكر له على نعمائه، وصلاة وسلامًا تامين دائبين على خاتم أنبيائه وأفضل أصفيائه وسيد أوليائه نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه وخلفائه وحزبه وجنده وحلفائه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لقائه.
أما بعد:
فإن أجل المنن والآلاء وأسبغ الخيرات والنعماء ما هدى الله إليه عباده من هذا الدين القويم والشريعة الغراء، التي امتازت كمالاً وشمولاً ووسعت الأعصار والأمصار، تأصيلاً وتفصيلا وانتظمت مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد، وزخرت بالعلوم النافعة والمعارف الجامعة في قضايا الدين والدنيا معًا، وحوت نصوصًا ومقاصدًا، وحكمًا وقواعدًا، ملأت البسيطة عدلاً وحكمة وتيسيرًا ورحمة، واستوعبت قضايا الاجتهاد والنوازل، فأبانت أحكامها، وأوضحت حلالها وحرامها عبر ميزان دقيق، ومعيار وثيق، وأصول محكمة، سار عليها علماء الإسلام، ومفتوا الأنام، مما كان له الأثر البالغ في تحقيق الخير للأفراد والمجتمعات، وإصابة الحق في الاجتهادات والمستجدات.
وبين يديك ـ أخي القارئ الكريم ـ بحث ينتظم هذه المعاني العظيمة، عبر ثلاث قضايا رئيسة هي:
أولاً: علم أصول الفقه. ثانيها: الفتوى. ثالثها: العلاقة بينهما والأثر الإيجابي من تلازمهما، في منظومة علمية متألقة، ونسيج معرفي متميز، وعقد وضاء مزدان بثلاث درر متلألأة، لا تستقل إحداها عن الأخرى، ولا يقل بعضها إشراقًا وجمالاً عن نظيره، كما لا غنى للأمة عنها كلها.
أما أولها: فهو عقد واسطة علوم الشريعة، وقطب رحى الفقه في الدين به يُعرف الحلال والحرام ، ويتبين الخاص والعام، ويعرف المطلق والمقيد، والمجمل والمبين ونحوها، ذلكم هو علم أصول الفقه.
ولا غرو فإنَّه من أشرف العلوم قدراً وأعظمها أجراً، وأتمِّها عائدة، وأعمِّها فائدة، وأعلاها مرتبة، وأسناها منقبة، يملأ العيون نوراً، والقلوب سروراً، والصدور انشراحاً، ويفيد الأمور اتساعاً وانفتاحاً، هذا لأن ما بالخاص والعام من الاستقرار على نهج الانتظام، والاستمرار على سنن الاجتماع والالتئام، إنما هو بمعرفة الحلال من الحرام، والتمييز بين الجائز والفاسد في وجوه الأحكام، بحوره زاخرة، ورياضه ناضرة، ونجومه زاهرة، وأصوله ثابتة، وفروعه نابتة، لا يفنى بكثرة الإنفاق كنزه، ولا يُبلى على طول الزمان عزّه.
أهله قِوام الدَّين وقُوَّامه، وبهم ائتلافه وانتظامه، وهم المرجع في التدريس والفتوى، ومحل الصدر عند النوازل والبلوى.
وإذا كان هذا الوصف لواسطة عقد علوم الشريعة فقهاً وأصولاً فإن علم أصول الفقه يحظى بالقسط الأكبر والنصيب الأوفر وما ذاك إلاّ لأنه يمكّن المجتهدين من النظر في أصول الشريعة ومقاصدها، وقواعد الدين ونصوصه، واستنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية بإتقان وبصيرة، فهو مأوى الأئمة، وملجأ المجتهدين، ومورد المفتين عند تحقيق المسائل وتحرير الأقوال، وتقرير الأدلة والتأصيل والتقعيد للحكم في النوازل، وما يجدُّ في حياة المسلمين، مسائله مبنية على أسس متينة، وقواعد راسخة تربط بين المنقول والمعقول.
ومن ذا الذي يعرف القواعد التي تضبط وصول المرء إلى معرفة حكم الشرع في كل فعل وترك؛ ومن الذي يعرف ما في الكتاب والسنة من مجمل ومبين، وعام وخاص، ومطلق ومقيد، ومحكم ومتشابه، ومنطوق ومفهوم، وناسخ ومنسوخ، وأمر ونهي، وقواعد ذلك؟
فمن الذي يدرأ التعارض بين نصوص الكتاب والسنة، ويكشف ذلك، ويرجح الأصوب، ويعلم الأحكام التكليفية والوضعية، وتفصيلاتها، والأدلة ومسائلها، والدلالات وغوامضها، وأحكام الاجتهاد، والنظر والاستنباط، ومقاصد الشريعة، والحكم على ما يجدُّ للناس من أقضية؟ غير الأصولي يعرف مصادر الأمور ومواردها، ويضع كل شيء في محله، عبر ميزان دقيق، يضبط المجتهد، ويعصمه ـ بتوفيق الله ـ من الخطأ في الاستنباط، والزلل في الاستدلال، إذ به يتبيَّن الصحيح وغيره من الاستنباطات الشرعية، والاستدلالات النقلية والعقلية .
تلك شذرة عن القضية الأولى في هذا البحث المهم.
ثانيها: مقام التوقيع عن رب العالمين الفتوى:
فمما لا شك فيه أن لعلماء الشريعة القدح المعلّى من المنازل، والدور المجلّى في الأمة لاسيما في المستجدات والنوازل، خاصّة إذا بلغ العالم مرتبة الفتوى، لما للفتوى من مكانة عظمى ومنزلة كبرى في هذا الدِّين، ويكفي أنّ مقام المفتين هو التوقيع عن ربِّ العالمين، وفي ذلك من التشريف والتكليف ما لا يخفى، يقول الإمام العلامة ابن قيم الجوزية: «إذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحلِّ الذي لاينكر فضله ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيّات فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات»[1].
ومما يدل على عظم مكانتها أن الله سبحانه وتعالى تولاها بنفسه، قال- عزّ من قائل- :
{قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }(النساء:176)، كما كان الرسول المصطفى- صلى الله عليه وسلم- يتولى هذا المنصب في حياته، وكان ذلك من مقتضى رسالته - عليه الصلاة والسلام[2]، ثم تولّى زمام ذلك بعده صحابته الأخيار؛ فقد كان جملة منهم ممن توارد على هذا المنصب العظيم لاسيما الخلفاء الأربعة وغيرهم ممن اشتهر بالعلم، وقد عدّ العلامة ابن القيم[3] منهم عدداً كبيراً، رضي الله عنهم وأرضاهم[4]، ومع اهتمام السلف بالفتوى فقد كانوا رضي الله عنهم ورحمهم يتهيبونها، ويودّون أن لو كفوا مؤونتها، كما قال عبدالرحمن بن أبي ليلى[5]: «أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما منهم من محدث إلاّ ودّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفت إلاّ ودّ أن أخاه كفاه الفتوى»[6]، ولعل هذا التورع المحمود المتمشي مع الضوابط الشرعية للفتوى، هو الذي جعل الفتوى الصادرة عن علماء الشريعة عبر عصور الإسلام الزاهرة متميزة بمزايا عديدة، تظهر بجلاء كمال هذه الشريعة وشمولها ومحاسنها، وصلاحيتها لكل الأزمنة والأمكنة.
وأما ثالث القضايا وواسطة عقد البحث فهو: الأثر الإيجابي الذي يترتب على العلاقة الحميمة بين علم الأصول ومقام الفتوى:
فمما لاشك فيه أن المفتي موقّعٌ عن رب العالمين، وهذه مكانة عظيمة القدر لا يمكن تبوؤها إلاّ بالتبحّر في علوم الشريعة والغوص في أعماقها، ومن أهم ما يحتاجه المفتي من العلوم ليصل إلى الفتوى الصحيحة، علم أصول الفقه وما يشتمل عليه من أحكام وأدلة شرعية، ودلالات مرعية، ومسائل جليلة القدر بالغة الأهمية؛ إذ كيف يتأتى للمفتي أن يصدر فتواه مبنية على دليل وهو لا يعلم هل هذا الدليل منسوخ، أو مخصوص أو مقيد بدليل آخر؟ وهل وقع عليه الإجماع؟ وإذا كان من النوازل، فهل يستطيع أن يقيسه على حكم ثابت؟
وهل يكون موافقًا لمقاصد الشريعة؟ وهل اعتبر في فتواه ما تؤول إليه من مصالح، وتدرأ من مفاسد وقبائح؟ كل ذلك يثبت بما لا يدع مجالاً للشك حاجة المفتي النبيل، الماسّة إلى هذا العلم الجليل.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:"لا يحل لأحد يفتي في دين الله إلا رجلاً عارفًا بكتاب الله: بناسخه ومنسوخه، وبمحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، وما أريد به، وفيما أنزل، ثم يكون بعد ذلك بصيرًا بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، وبالناسخ والمنسوخ، ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن، ويكون بصيرًا باللغة، بصيرًا بالشعر، وما يحتاج إليه للعلم والقرآن، ويستعمل مع هذا الإنصاف، وقلة الكلام، ويكون بعد هذا مشرفًا على اختلاف أهل الأمصار، ويكون له قريحة بعد هذا، فإذا كان هذا هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فله أن يتكلم في العلم ولا يفتي"[7].
ويقول إمام الحرمين رحمه الله:"وعلم الأصول أصل الباب حتى لا يقدم مؤخرًا ولا يؤخر مقدمًا، ويستبين مراتب الأدلة والحجج"[8].
وقد أوضح الغزالي9[9] رحمه الله أهمية معرفة أصول الفقه للمفتي في معرض حديثه عن المعارف التي يحتاج إليها قائلاً:"إنما يكون متمكنا من الفتوى بعد أن يعرف المدارك المثمرة للأحكام، وأن يعرف كيفية الاستثمار والمدارك المثمرة للأحكام كما فصلناها أربعة الكتاب والسنة والإجماع والعقل"[10].
وبهذا يتبين أهمية علم أصول الفقه للمفتي، والأثر البالغ للعلاقة الحميمة بينهما، مما يحقق صحة الفتوى والتزامها المنهج الصحيح، المتمشي مع نصوص الشريعة وأصولها ومقاصدها.
لذلك وانطلاقًا من الحرص على مقام التوقيع عن رب العالمين، إذ هو أعلى مراتب العلم كما لا يخفى، ولخطورة التجرؤ على الفتوى بغير علم راسخ، تأتي أهمية هذا البحث، وإن المتأمل في واقع الفتوى المعاصرة، لتتأكد له أهمية هذا الموضوع وطرحه والتذكير به، فكم يرى الناظر نزلاء في حلائب العلم والمعرفة، وهم ليسوا منهما في شيء؟! ديدنهم الجرأة على الفتوى، والتجاسر على التحليل والتحريم[11]، يتكلمون بما لا يعلمون، ويجملون ولا يفصلون، ويهرفون[12] ويسفسطون[13]، وهم من قليلي البضاعة في أحكام الشريعة، إذا سمعت أحدهم يتكلم، فكأنما ينزل عليه وحي، من جزمه فيما يقول وعدم تورعه، ولربما نسب ما يراه إلى الإسلام، ترى أحدهم يجيب في عظيم المسائل، مما لو عرض على عمر، لجمع له أهل بدر، وكم يتملكك العجب وأنت تسمع عبارات التعظيم لذواتهم، والتعالي في نفوسهم، قاموسهم: رأينا كذا، ترجيحنا، اختيارنا، والذي نراه، ونحن، وهلم جرا.
يقولون هذا عندنا غير جائز ومن أنتم حتى يكون لكم عند؟!
وما علم هؤلاء أن الجرأة على الفتوى جرأة على النار، وأن التجاسر عليها اقتحام لجراثيمها،والعياذ بالله! بل لقد وصل الحال ببعض العوام إلى أن يفتي بعضهم بعضا، وأصبح الحديث في علوم الشريعة بضاعة كل متعالم مأفون[14]، حتى ساموا باعة البقول عددا، وتكلم بعض الرويبضة[15]، واستطالوا على منازل العلماء، ومقامات العظماء والفقهاء، وعمدوا إلى أمور من الثوابت والمبادئ، وجعلوها عرضة للتغيير والتبديل، بدعوى تغير الفتوى بتغير الزمان، ووجد من يتنصل[16] من الفتوى بأمور جاء تحريمها مما علم من الدين بالضرورة، وكثر التحايل على الشريعة.
وطالب بعض مثقفي العصر بالترخيص؛ ليتفلت من الأحكام، فطالب بعضهم بإعادة النظر في حرمة الربا، أو بعض صوره، وآخرون بالتجاسر على حجاب المرأة المسلمة، وهكذا في سيل من التلاعب بأمور الشريعة، وعمدت بعض وسائل الإعلام، وقنواته المسموعة والمقروءة والمرئية، إلى إثارة قضايا كلية من الدين مع بعض المتعالمين ممن:
يمدون للإفتاء باعًا قصيرة وأكثرهم عند الفتاوى يكذلك[17]
ومما زاد الطين بلة والداء علّة، ما انتشر في هذا العصر من الفضائيات وشبكات المعلومات الانترنت، وما يطلق عليه فضائيات الفتوى، أو شبكات ومواقع الفتوى على الشبكة العنكبوتية، وما تعيشه من فوضى الفتاوى، وما تسببه من إثارة البلبلة والتشويه المتعمد، فهي بحق حوانيت في ناصية الجهل والقول على الله بغير علم، فبضاعتها الجرأة، وعملتها الإثارة، وأساطينها نكرات مجاهيل، يزينون سفك الدماء وتناثر الأشلاء، وأعمال العنف والإرهاب، وبعضها تعمد إلى مفتين من نوع خاص، همّها المتاجرة والتكسب بالفتوى دون اكتراث إلى حاجة الناس إلى فتاوى منضبطة بالضوابط الشرعية، ومبنية على الأسس العلمية والمقاصدية والقواعد الأصولية، مما كان له كبير الأثر، وخطيرهُ على الوعي الإسلامي الصحيح لدى عامة المسلمين، كل ذلك يؤكد أهمية طرح هذا الموضوع وتتابع الأبحاث والدراسات فيه؛ ليضع الغيورون على مقام التوقيع عن رب العالمين حلاً لهذه الفوضى العارمة، والإسهاب غير المنضبط في هذا المجال العظيم.
لذا فإن الواجب ـ حماية لبيضة الإسلام، ودفاعًا عن أحكامه وتشريعاته ـ أن يحجر على كل متكلم في الشريعة ـ تحليلاً وتحريما ـ وهو لا يحسن؛ فالحجر[18] لاستصلاح الأديان أولى من الحجر لاستصلاح الأموال والأبدان، والغيرة على الشريعة من المكارم؛ وهي أولى من الغيرة على المحارم، ووالله إنه ليحرم على من لا يهتدي لدلالة القرآن، ولا يعرف السنة والآثار، أن يتسنّم سدة العلم، ويتصدر في مجال الإفتاء، وقد قيل لسفيان الثوري ~ في ذلك؟ فقال:«إذا كثر الملاحون[19]، غرقت السفينة»[20].
وقد تناسى هؤلاء أنهم بكلامهم في الشريعة إنما يوقعون عن رب العالمين سبحانه، وأن الفتاوى نار تضطرم، فكم تسمع من فتاوى سردية إنشائية لا زمام لها ولا خطام، لا تنور بنور النص، ولا تزدان ببيان حكم الشريعة ومقاصدها وأصولها، تبنى على التجري لا على التحري[21]، لا تقوم على قدم الحق، فتعنت الخلق، وتشجي الحلق[22]، وحق لهؤلاء أن تسلم الأمة من لأوائهم[23]، وتحذر من غلوائهم[24].
وإن رغمت أنوف من أناس فقل يا رب لا ترغم سواها[25]
فالواجب أن يقوم بهذا العمل المؤهلون دون المتعالمين، والأصلاء دون الدخلاء؛ حفظًا لدين الأمة، وتوحيدًا لكلمتها، وضبطًا لمسالكها ومناهجها؛ لتكون مبنية على الكتاب والسنة؛ بفهم سلف الأمة ـ رحمهم الله ـ وبذلك تسلم الأمة من غوائل[26] المحن، وبواعث الفتن، وتوجد العواصم ـ بإذن الله ـ من قواصم الجريمة الشنيعة، وهي القول على الله بغير علم.
ومن مجموع ما سبق، وخاصة في واقع الفتوى، وما تحتاجه من البناء المحكم على هذا العلم المهم، ونظرًا لحاجة المكتبة الإسلامية لبحوث في هذا المجال، ولما منّ الله به عليّ من التخصص الدقيق في فنّ الأصول، وبعد استخارة الله عزوجل، واستشارة عدد من أهل العلم، أردت أن أدلي بدلوي لعلّي أن أوفق في إنارة الطريق للسالكين الباحثين عن الحق، في مثل هذه القضايا المهمة، والله الموفق والهادي سواء السبيل.
وبعد هذه الإلماحة اليسيرة عن أهمية الموضوع، أبين لك ـ أخي القارئ الكريم ـ الخطة المرسومة لهذا البحث:
خطة البحث
يشتمل البحث على: مقدمة، وتمهيد، وأربعة فصول، وخاتمة.
أولاً: المقدمة. وفيها: أهمية الموضوع، وخطته، ومنهجه.
ثانيًا: التمهيد: ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: التعريف بعلم أصول الفقه ومكانته وأهميته.
المطلب الثاني: التعريف بالفتوى ومكانتها وخطورتها.
ثالثًا: الفصل الأول: الأحكام وأثرها في صحة الفتوى.
ويشتمل على تمهيد وثلاثة مباحث هي:
المبحث الأول: الأحكام التكليفية.
المبحث الثاني: الأحكام الوضعية.
المبحث الثالث: ما لابد منه لتصور الأحكام التكليف.
الفصل الثاني: الأدلة وأثرها في صحة الفتوى.
ويشتمل على تمهيد وخمسة مباحث هي:
التمهيد: ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: مراعاة ما فهمه السلف الصالح من أجل أن تؤثر "أدلة الفقه" في صحة الفتوى.
المطلب الثاني: اعتبار العلاقة الجدلية بين النص والمقصد.
المبحث الأول: الكتاب القرآن.
المبحث الثاني: السنة.
المبحث الثالث: الإجماع.
المبحث الرابع: القياس.
المبحث الخامس: الاستدلال وأثره في صحة الفتوى:وفيه تمهيد وخمسة مطالب:
المطلب الأول: الاستدلال بالاستصحاب.
المطلب الثاني: الاستدلال بالمصلحة المرسلة.
المطلب الثالث: الاستدلال بالاستحسان.
المطلب الرابع: الاستدلال بسد الذرائع وبإبطال الحيل.
المطلب الخامس: الاستدلال بالعرف والعادة.
الفصل الثالث: الدلالات وأثرها في صحة الفتوى.
ويشتمل على تمهيد وثلاثة مباحث هي:
التمهيد: وفيه التعريف والأهمية.
المبحث الأول: أنواع الدلالات من حيث الاستعمال في المعنى الحقيقة والمجاز.
المبحث الثاني: أنواع الدلالات: باعتبار منطوقها ومفهومها.
وفيه مطلبان: المطلب الأول: دلالة المنطوق.
المطلب الثاني: دلالة المفهوم.
المبحث الثالث: منطوقات الدلالات باعتبارات أخرى.
وفيه مطلبان: المطلب الأول: النص، والظاهر، والتأويل، والمجمل، والمبيَّن.
المطلب الثاني: الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد.
الفصل الرابع: الاجتهاد والتقليد، والتعارض والترجيح وأثرها في صحة الفتوى.
وفيه ثلاثة مباحث هي:
المبحث الأول: الاجتهاد، وفيه تمهيد وخمسة مطالب:
المطلب الأول: تعريف الاجتهاد، والفرق بين الاجتهاد والفتوى والقضاء.
المطلب الثاني: المجتهد، وشروطه.
المطلب الثالث: مجالات الاجتهاد المجتهَد فيه.
المطلب الرابع: تجزؤ الاجتهاد.
المطلب الخامس: الاجتهاد الجماعي وأثره في صحة الفتوى في هذا العصر.
المبحث الثاني: التقليد، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريفه ومجاله.
المطلب الثاني: مراتب المقلِّدين.
المطلب الثالث: المقلَّد بفتح اللام.
المبحث الثالث: التعارض والترجيح.
رابعًا: الخاتمة.
وفيها: أهم النتائج والتوصيات.
التمهيـــــد
ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: التعريف بعلم أصول الفقه ومكانته وأهميته.
المطلب الثاني: التعريف بالفتوى ومكانتها وخطورتها.
المطلب الأول: تعريف علم أصول الفقه، ومكانته وأهميته:
وهو اصطلاحًا: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلة[27]. والمراد بالعلم بالأحكام: العلم بمعنى الصلاحية والتهيؤ لذلك بأن تكون له ملكة يقدر بها على إدراك جزيئات الأحكام، وقد اشتهر عرفًا إطلاق العلم على هذه الملكة[28]. ويمكن تعريف علم أصول الفقه باعتباره علما على هذا الفن بأنه: معرفة دلائل الفقه إجمالا، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد، قوله معرفة هي كالجنس في التعريف فيشمل أصول الفقه وغيره، قوله دلائل الفقه جمع مضاف يفيد العموم فيعم الأدلة المتفق عليها والمختلف فيها، قوله إجمالاً لأن المعتبر في حق الأصولي إنما هو معرفة الأدلة من حيث الإجمال ككون الإجماع حجة وكون الأمر للوجوب، وقوله وكيفية الاستفادة منها أي معرفة كيفية استفادة الفقه من تلك الدلائل أي: استنباط الأحكام الشرعية منها، قوله وحال المستفيد أي معرفة حال طالب حكم الله تعالى من الدليل وهو المجتهد فلا يدخل فيه المقلد[29].
وتتجلى مكانة علم أصول الفقه وأهميته في الأمور الآتية:
1- إذا كان الله - تبارك وتعالى - قد تكفل بحفظ القرآن الكريم مصدر هذه الشريعة الإسلامية الغراء حيث قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9)، فإنَّ استنباط التشريع منه يستلزم وضع قواعد وضوابط محددة وهي التي أطلق عليها "علم أصول الفقه ". يقول الإمام القرافي[30]: « لولا أصول الفقه لم يثبت من الشريعة لا قليل ولا كثير، فإن كل حكم شرعي لا بد له من سبب موضوع، ودليل يدل عليه وعلى سببه، فإذا ألغينا أصول الفقه لم يثبت من الشريعة لا قليل و لا كثير، فإذا ألغينا أصول الفقه ألغينا الأدلة فلا يبقى لنا حكم ولا سبب، فإن إثبات الشرع بغير أدلته وقواعده بمجرد الهوى خلاف الإجماع، ولعلهم لا يعبؤون بالإجماع، فإنه من جملة أصول الفقه، أو ما علموا أنه أول مراتب المجتهدين، فلو عدمه مجتهد لم يكن مجتهدًا قطعًا »[31].
2- علم أصول الفقه وتطبيق قواعده ومفاهيمه المختلفة يحقق القضية التي لا خلاف عليها بين المسلمين، من أن الشريعة الإسلامية خاتمة الشرائع كلها مما يؤكد صلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فما من قضية تعرض للمسلمين - خاصة النوازل والمستجدات - على المستوى الفردي أو الجماعي، إلا ويمكن تكييفها، وإعطاؤها الحكم الشرعي المستنبط من الأدلة بواسطة قواعد الأصول، وبذلك تتهاوى دعوى " سد باب الاجتهاد ".
3- هذا العلم من أكبر الوسائل لحفظ هذا الدين، والدفاع عن أدلته أمام الملحدين والمتشككين، فإن فارس هذا الميدان بحق هو الأصولي المتسلح بالمنهج العلمي المتمثل في الاستدلال لرأيه بالبراهين الدامغة التي لا تقبل التشكيك ونقد الرأي المخالف بالموضوعية المصطبغة بمقاصد الشريعة من العدل والإنصاف.
4- حاجة علماء الفقه المقارن إلى هذه المادة من الأهمية بمكان، فإن المقارنة تحتاج إلى تقوية بعض الأدلة على البعض الآخر، حتى يعمل أو يفتي بالمذهب الراجح. ولا يتحقق ذلك إلا بالاحتكام إلى القواعد الأصولية، كمعرفة دلالة المنطوق والمفهوم، وحجية كل منهما، وحكم التعارض بينهما، وأيهما المقدم.
5- هذا العلم يعين على فهم العلوم الأخرى، فالمفسر لا يستطيع أن يفسر آيات الأحكام في القرآن الكريم إلا في ضوء معرفة قواعد المفاهيم الأصولية، وكذلك الشارح لأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم- المتعلقة بالأحكام.
6- هذا العلم يفيد المتوسطين من أهل العلم الذين لم يصلوا إلى درجة المجتهدين، ولم ينزلوا إلى درجة العوام، حيث يعملون أدوات الترجيح بين أقوال المجتهدين في مسائل الخلاف، كما يفيدهم الاطمئنان إلى أن الأحكام قد بنيت على منهج سليم في النظر والاستدلال.
7- وفي العصر الحاضر حيث أفرزت المدنية الحديثة كثيرًا من المستجدات، وتتابعت النوازل والمتغيرات، الأمر الذي يجعل الحاجة إلى علم أصول الفقه من الأهمية بمكان بالنسبة للمجتهدين؛ مما يؤهلهم للحكم على هذه القضايا والمستجدات.
المطلب الثاني: التعريف بالفتوى ومكانتها وخطورتها.
هي اصطلاحاً: تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه[32].
والمفتي هو: المستقل بأحكام الشرع نصًا واستنباطًا[33].
وتتجلى مكانتها وخطورتها فيما يلي:
1- أن الله - تعالى-أفتى عباده، قال - تعالى-:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنّ} النساء: 127، وقال - سبحانه -:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} (النساء: 176).
2- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يتولى هذا المنصب في حياته، وكان ذلك من مقتضى رسالته، وقد كلّفه الله - تعالى - وشرفه بذلك حيث قال- عزّ من قائل -:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(النحل: 44).
فالمفتي خليفة النبي - صلى الله عليه وسلم- في أداء وظيفة البيان، وقد تولى هذه الخلافة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم-: أصحابه الكرام - رضوان الله عنهم -، ثم أهل العلم بعدهم.
3- أن موضع الفتوى هو بيان أحكام الله - تعالى - وتطبيقها على أفعال الناس.
وقد ذكر النووي34[34] وغيره أن المفتي موقع عن الله – تعالى[35].
وهذا يدل على مكانة الفتوى، كما يدل أيضاً على خطورتها ؛ لذلك كان السلف - رضوان الله عليهم - يتهيبون الإفتاء، فما منهم من أحد يُستفتى عن شيء إلاّ ودّ أن أخاه كفاه الفتيا ؛ لأنهم كانوا يدركون مكانة الفتوى وخطورتها في دين الله - تعالى - فالإفتاء بغير علم حرام ؛ لأنه يتضمن الكذب على الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم- ، ويتضمن إضلال الناس وهو من الكبائر لقوله - تعالى -:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 33) فقرنه - سبحانه - بالفواحش والبغي والشرك بالله عزوجل[36]، وقوله تعالى: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} (الزخرف: 19).
ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لايقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا بغير علم، فضلوا وأضلوا»[37].
لذلك كان السلف - رضوان الله عليهم - إذا سئل أحدهم عما لايعلم يقول للسائل: لا أدري.
وهذه بعض أقوال السلف في الحذر من الإقدام على الفتوى وعدم الجرأة عليها:
* عن زبيد[38] قال: ما سألت إبراهيم[39] عن شيء إلاّ عرفت الكراهية في وجهه[40].
* وعن عمر بن أبي زائدة[41] قال: ما رأيت أحداً أكثر أن يقول إذا سئل عن شيء: لا علم لي به من الشعبي[42][43].
* وعن داود قال: سألت الشعبي: كيف كنتم تصنعون إذا سئلتم، قال: على الخبير وقعت كان إذا سئل الرجل قال لصاحبه: أفتهم، فلا يزال حتى يرجع إلى الأول[44].
* عن جعفر بن إياس[45] قال: قلت لسعيد بن جبير[46]: مالك لاتقول في الطلاق شيئاً، قال: ما منه شيء إلاّ قد سألت عنه، ولكني أكره أن أحلَّ حراماً أو أحرّم حلالاً[47].
* وعن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار، وما منهم من أحد يحدِّث بحديث إلاّ ودَّ أن أخاه كفاه الحديث، ولايسأل عن فُتيا إلاّ ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا[48].
وسئل القاسم بن محمد[49] عن شيء، فقال: إني لا أحسنه، فقال له السائل: إني جئتك لا أعرف غيرك فقال له القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي، والله ما أحسنه، فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه: يا ابن أخي الزمها فو الله ما رأيناك في مجلس أنبل منك اليوم، فقال القاسم: والله لأن يُقطع لساني أحبَّ إلي من أن أتكلمَ بما لا علمَ لي به[50].
وقال ابن الصلاح الشهرزوري[51]:
«هاب الفتيا من هابها من أكابر العلماء العاملين وأفاضل السالفين والخالفين، وكان أحدهم لا تمنعه شهرته بالأمانة، واضطلاعه بمعرفة المعضلات في اعتقاد من يسأله من العامة من أن يدافع بالجواب، أو يقول: لا أدري، أو يؤخر الجواب إلى حين يدري» [52].
وجاء عن سحنون[53]:
أنه قال: «أشقى الناس من باع آخرته بدنياه، وأشقى منه من باع آخرته بدنيا غيره».
قال: ففكرت فيمن باع آخرته بدنيا غيره، فوجدته المفتي يأتيه الرجل قد حنث في امرأته ورقيقه، فيقول له: لا شيء عليك، فيذهب الحانث فيتمتع بامرأته ورقيقه. وقد باع دينه بدنيا هذا[54].
ولابد لمن يتصدّى للفتوى من توافر عدد من الشروط لتكون فتواه صحيحة مقبولة هي:
1- الإسلام: فلا تصح فتيا الكافر.
2- العقل: فلا تصح فتيا المجنون.
3- البلوغ: فلا تصح فتيا الصغير.
4- العدالة: فلا تصح فتيا الفاسق عند جمهور العلماء؛ لأن الإفتاء الإخبار عن الحكم الشرعي، وخبر الفاسق لايقبل[55].
وقال ابن القيم: تصح فتيا الفاسق إلاّ أن يكون معلناً بفسقه وداعياً إلى بدعته، وذلك إذا عمَّ الفسوق وغلب؛ لئلا تتعطل الأحكام، والواجب اعتبار الأصلح فالأصلح [56].
وأما المبتدعة، فإن كانت بدعتهم مكفرة أو مفسقة لم تصح فتواهم، وإلاّ صحَّتْ فيما لا يدعون فيه إلى بدعهم.
قال الخطيب البغدادي[57]:
تجوز فتاوى أهل الأهواء ومن لا نكفره ببدعته ولا نفسقه، وأما الشراة والرافضة الذين يشتمون الصحابة ويسبون السلف فإن فتاويهم مرذولة، وأقاويلهم غير مقبولة [58].
5- بلوغ رتبة المجتهد: وهو في اصطلاح الأصوليين: الفقيه المؤهل؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}(الأعراف:33).
قال ابن عابدين[59] [60] نقلاً عن ابن الهمام[61] :
وقد استقر رأي الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد، فأما غير المجتهد من يحفظ أقوال المجتهد فليس بمفت، والواجب عليه إذا سئل أن يذكر قول المجتهد على وجه الحكاية.
قال ابن الصلاح الشهرزوري[62]:
إنما يُشترط اجتماع العلوم المذكورة في المفتي المطلق في جميع أبواب الشرع، أما المفتي في باب خاص من العلم، نحو علم المناسك، أو علم الفرائض، أو غيرهما. فلا يشترط فيه جميع ذلك، ومن الجائز أن ينال الإنسان منصب الفتوى والاجتهاد في بعض الأبواب دون بعض، فمن عرف القياس وطرقه وليس عالماً بالحديث، فله أن يفتي في مسائل قياسية يعلم أن لا تعلق لها بالحديث. ومن عرف أحوال المواريث وأحكامها جاز أن يفتي فيها، وإن لم يكن عالماً بأحاديث النكاح، ولا عارفاً بما يجوَّز له الفتوى في غير ذلك من أبواب الفقه.
قطع بجواز هذا الغزالي وابن بَرهان[63] وغيرهما.
6- جودة القريحة: وهذه ملكة فطرية، وتنمي بالتمرّس.
قال النووي[64]:
شرط المفتي كونه: فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح النظر والاستنباط. أهـ.
وهذا يصحح فتياه من جهتين:
الأولى: صحة أخذه للحكم من أدلته.
الثانية: صحة تطبيقه للحكم على الواقعة المسؤول عنها، فلا يغفل عن أي من الأوصاف المؤثرة في الحكم، ولا يعتقد تأثير ما لا أثر له.
7- الفطانة والتيقظ:
قال ابن عابدين[65]: شرط بعضهم تيقظ المفتي، قال: وهذا شرط في زماننا، فلابد أن يكون المفتي متيقظاً يعلم حيل الناس ودسائسهم، فإن لبعضهم مهارة في الحيل والتزوير، وقلب الكلام وتصوير الباطل في صورة الحق، فغفلة المفتي يلزم منها ضرر كبير في هذا الزمان.
وقال ابن القيم[66]:
بل ينبغي له أن يكون بصيراً بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم ... وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ، وكم من مسألة ظاهرها ظاهر جميل، وباطنها مكر وخداع وظلم؟ فالغرّ ينظر إلى ظاهرها ويقضي بجوازه، وذو البصيرة ينقد مقصدها وباطنها؛ فالأول يروج عليه زَغَل المسائل كما يروج على الجاهل بالنقد زَغَل الدراهم، والثاني يخرج زيفها كما يخرج الناقد زغل النقود، وكم من باطل يخرجه الرجل بحسن لفظه وتنميقه في صورة حق؟.. بل هذا أغلب أحوال الناس.
ومما يتعلق بهذا ما نبه إليه بعض العلماء من أنه يشترط في المفتي أن يكون على علم بالأعراف اللفظية للمستفتي، لئلا يفهم كلامه على غير وجهه ، وهذا إن كان إفتاؤه في ما يتعلق بالألفاظ كالأيمان والإقرار ونحوها[67].
ومن هذه الشروط نعلم أنه:
* لا يشترط في المفتي الحرية والذكورية والنطق اتفاقاً، فتصح فتيا العبد والمرأة والأخرس ويفتي بالكتابة أو بالإشارة المفهمة[68].
* وكذا الأعمى تصح فتياه كما صرّح بذلك المالكية[69].
* وأما السمع، فقد قال ابن عابدين[70]:لاشك أنه إذا كتب له السؤال وأجاب عنه جاز العمل بفتواه.
قال ابن الصلاح الشهرزوري[71]:
لا يُشترط في المفتي الحريَّةُ، والذكورة، كما في الراوي، وينبغي أن يكون كالراوي أيضاً في انه لا تؤثر فيه القرابة والعداوة، وجرُّ النفع، ودفع الضرر؛ لأن المفتي في حكم من يخبر عن الشرع بما لا اختصاص له بشخص، فكان في ذلك كالراوي، لا كالشاهد، وفتواهُ لا يرتبط بها إلزام، بخلاف القاضي.
ووجدت عن القاضي الماوردي[72]،فيما جاوب به القاضي أبا الطيب الطبري[73] عن رده عليه في فتواه: بالمنع عن التلقيب بملك الملوك. ما معناه: إن المفتي إذا نابذ في فتواه شخصاً معيناً صار خصماً معانداً تردُّ فتواه على من عاداه، كما تردُّ شهادته.
ولا بأس بأن يكونَ المفتي أعمى، أو أخرس مفهوم الإشارة أو كاتباً، والله أعلم.
وينبغي لمن نصب للفتوى أن يعتمد أصولاً محددة للفتوى يستند إليها في إصدار فتاويه؛ لأن الفتوى اجتهاد في بيان الأحكام، ولابد أن يكون الاجتهاد مبنيًا على أصول، وهذا هو المنهج الذي سار عليه العلماء الأعلام، ومثال ذلك ما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله عن أصول الفتوى عند الإمام أحمد رحمه الله حيث يقول:
«الأصل الأول: النصوص، فإذا وجد النص أفتى بموجبه ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا من خالفه كائنا من كان، ولهذا لم يُلتفت إلى خلاف عمر في المبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس[74]، ولا إلى خلافه في التيمم للجنب لحديث عمار بن ياسر[75]، ولا خلافه في استدامة المحرم الطيب الذي تطيب به قبل إحرامه لصحة حديث عائشة[76] في ذلك، ولا خلافه في منع المفرد والقارن من الفسخ إلى التمتع لصحة أحاديث الفسخ[77]، وكذلك لم يلتفت إلى قول علي وعثمان وطلحة وأبي أيوب وأبي بن كعب في ترك الغسل من الإكسال لصحة حديث عائشة أنها فعلته هي ورسول - صلى الله عليه وسلم- فاغتسلا [78]، ولم يلتفت إلى قول ابن عباس وإحدى الروايتين عن علي أن عدة المتوفى عنها الحامل أقصى الأجلين لصحة حديث سُبيعة الأسلمية[79]، ولم يلتفت إلى قول معاذ ومعاوية في توريث المسلم من الكافر لصحة الحديث المانع من التوارث بينهما[80]، ولم يلتفت إلى قول ابن عباس في الصرف لصحة الحديث بخلافه[81]، ولا إلى قوله بإباحة لحوم الحمر كذلك[82]، وهذا كثير جدا، ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ويقدمونه على الحديث الصحيح، وقد كذّب أحمد من ادعى هذا الإجماع ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي أيضا نص في رسالته الجديدة على أن ما لا يعلم فيه بخلاف لا يقال له إجماع، ولفظه ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعا، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول ما يدعي فيه الرجل الإجماع فهو كذب من ادعى الإجماع، فهو كاذب لعل الناس اختلفوا ما يدريه ولم ينته إليه، فليقل لا نعلم الناس اختلفوا هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكنه يقول: «لا نعلم الناس اختلفوا أو لم يبلغني ذلك»، هذا لفظه.
ونصوص رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص، فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع، لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده.
الأصل الثاني: من أصول فتاوى الإمام أحمد ما أفتى به الصحابة، فإنه إذا وجد لبعضهم فتوى لا يعرف له مخالف منهم فيها لم يعدها إلى غيرها، ولم يقل إن ذلك إجماع، بل من ورعه في العبارة يقول: لا أعلم شيئا يدفعه، أو نحو هذا، كما قال في رواية أبي طالب: لا أعلم شيئا يدفع قول ابن عباس وابن عمر وأحد عشر من التابعين عطاء ومجاهد وأهل المدينة على تسري العبد، وهكذا قال أنس بن مالك: لا أعلم أحدا رد شهادة العبد، حكاه عنه الإمام أحمد، وإذا وجد الإمام أحمد هذا النوع عن الصحابة لم يقدم عليه عملاً ولا رأيًا ولا قياسًا.
الأصل الثالث من أصوله: إذا اختلف الصحابة، تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكي الخلاف فيها ولم يجزم بقول.
قال إسحاق بن إبراهيم بن هانىء في "مسائله": «قيل لأبي عبد الله يكون الرجل في قومه فيسأل عن الشيء فيه اختلاف، قال يفتي بما وافق الكتاب والسنة، وما لم يوافق الكتاب والسنة أمسك عنه، قيل له: أفيجاب عليه، قيل: لا».
الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث والضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل، ولا المنكر، ولا ما في روايته متهم، بحيث لا يسوغ الذهاب إليه، فالعمل به بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثرا يدفعه، ولا قول صاحب، ولا إجماعا على خلافه، كان العمل به عنده أولى من القياس.
وليس أحد من الأئمة إلا وهو موافقه على هذا الأصل من حيث الجملة، فإنه ما منهم أحد إلا وقد قدّم الحديث الضعيف على القياس.
فقدّم أبو حنيفة حديث القهقهة[83]في الصلاة على محض القياس، وأجمع أهل الحديث على ضعفه، وقدّم حديث الوضوء بنبيذ التمر على القياس[84]، وأكثر أهل الحديث يضعّفه، وقدّم حديث أكثر الحيض عشرة أيام[85]، وهو ضعيف باتفاقهم على محض القياس، فإن الذي تراه في اليوم الثالث عشر مساو في الحد والحقيقة والصفة لدم اليوم العاشر، وقدّم حديث «لا مهر أقل من عشرة دراهم»[86]، وأجمعوا على ضعفه بل بطلانه على محض القياس، فإن بذل الصداق معاوضة في مقابلة بذل البضع فما تراضيا عليه جاز قليلا كان أو كثيرا.
وقدم الشافعي خبر تحريم صيد وج[87] مع ضعفه على القياس، وقدّم خبر جواز الصلاة بمكة في وقت النهي[88] مع ضعفه ومخالفته لقياس غيرها من البلاد، وقدّم في أحد قوليه حديث من قاء أو رعف: فليتوضأ وليبن على صلاته[89] على القياس مع ضعف الخبر وإرساله.
وأما مالك فإنه يقدم الحديث المرسل والمنقطع والبلاغات وقول الصحابى على القياس.
الأصل الخامس: القياس للضرورة:
فإذا لم يكن عند الإمام أحمد في المسألة نص ولا قول الصحابة أو واحد منهم ولا أثر مرسل أو ضعيف عدل إلى الأصل الخامس وهو القياس، فاستعمله للضرورة، وقد قال في كتاب الخلاّل: «سألت الشافعي عن القياس، فقال: إنما يصار إليه عند الضرورة»، أو ما هذا معناه.
فهذه الأصول الخمسة من أصول فتاويه وعليها مدارها، وقد يتوقف في الفتوى لتعارض الأدلة عنده، أو لاختلاف الصحابة فيها، أو لعدم اطلاعه فيها على أثر أو قول أحد من الصحابة والتابعين.
وكان شديد الكراهة والمنع للإفتاء بمسألة ليس فيها أثر عن السلف، كما قال لبعض أصحابه: «إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام»[90].
وبعد: فقد كانت تلك إلماحة تعريفية في علم الأصول ومقام الفتوى، أوردتها تمهيدًا للدخول في صلب البحث، مبتدءًا بالفصل الأول المتعلق بالأحكام وأثرها في صحة الفتوى.
نشر هذا البحث في العدد 81 من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.
إعداد الدكتور : عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة أم القرى وإمام الحرم المكي.
[1] "إعلام الموقعين" 1/10 .
[2] "إعلام الموقعين" 1/11 .
[3] هو: الإمام أبو عبد الله، شمس الدين بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي، المعروف بابن قيم الجوزية، قال القاضي الزرعي: ما تحت أديم السماء أوسع منه علمًا. له مؤلفات كثيرة منها ما هو مطبوع، ومنها ما هو في خزائن المخطوطات، ومن أشهرها وأنشرها :"زاد المعاد في هدي خير العباد"، و"إعلام الموقعين"، توفي في ليلة الخميس ثالث عشر رجب وقت أذان العشاء وصُلِّيَ عليه بعد صلاة الظهر من الغد بالجامع الأموي. ينظر: "الدرر الكامنة" لابن حجر العسقلاني 3/400، و"البداية والنهاية" لإسماعيل بن كثير 14/234، و"شذرات الذهب" لابن العماد الحنبلي 6/168.
[4] ينظر : "المصدر السابق" 1/12-14 .
[5] هو: عبدالرحمن بن أبي ليلى أبوعيسى الكوفي والد محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى القاضي ولد لست بقين من خلافة عمر بن الخطاب > مات سنة ثلاث وثمانين . ينظر : "الطبقات" لابن سعد 6/109 ، "تهذيب الكمال" 17/372 .
[6] أخرجه الدارمي في "السنن" في باب "من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع" برقم 135 .
[7] ينظر: "الرسالة" للإمام الشافعي 1/509.
[8] "البرهان في أصول الفقه" 2/870.
[9] هو: محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الإمام الجليل أبو حامد الغزالي حجّة الإسلام، ولد بطوس سنة 450هـ، توفي في مصر سنة 505هـ، له نحو مئتي مصنف من كتبه: "إحياء علوم الدين"، و"تهافت الفلاسفة"، و"الاقتصاد في الاعتقاد"، و"المستصفى من علم الأصول"، وغير ذلك. ينظر: "وفيات الأعيان" 1/463، و"طبقات الشافعية" للسبكي 4/101.
[10] "المستصفى" 1/342.
[11] أي: الجراءة في الإقدام عليهما. "اللسان" جسر.
[12] يهرفون، أي: يمدحون بلا خبرة، ومنه المثل:"لا تهرف، بما لا تعرف" أي: لا تمدح قبل التجربة. ينظر:"النهاية" و"اللسان" هرف.
[13] يسفسطون، أي: يستعملون السفسطة في كلامهم، والسفسطة: قياس مركب من الوهميات، والغرض منه تغليط الخصم وإسكاته. "التعريفات".
[14] رجل أفين، ومأفون، أي: ناقص العقل. "اللسان" أفن.
[15] الرويبضة: تصغير الرابضة، وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور، وقعد عن طلبها، وزيادة التاء للمبالغة. "النهاية" ربض.
[16] تنصل فلان من كذا، أي: تبرأ منه. "اللسان" نصل.
[17] البيت ذكره ابن القيم في "إعلام الموقعين"، ويكذلك، أي: يقول: كذلك قال فلان، بدون دليل من كتاب أوسنة. ينظر:"إعلام الموقعين" 4/208.
[18] الحجر: المنع من التصرف. "النهاية" حجر.
[19] الملاحون: جمع ملاح، وهو السفان الذي يوجه السفينة. "تاج العروس" ملح.
[20] "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" ص560.
[21] أي: أن أصحابها من المتجرئين على الحق، لا من المتحرين له.
[22] أشجاه الشيء: أغصه، وأشجاه العظم: إذا عرض في حلقه. "اللسان" شجو.
[23] اللأواء: المشقة والشدة. "اللسان" لأي.
[24] الغلواء بالضم، وفتح اللام: الغلو. "اللسان" غلو.
[25] البيت ذكره ابن القيم في "إعلام الموقعين" 4/208.
[26] الغوائل: جمع غائلة، وهي الداهية. "اللسان" غول.
[27] "نفائس الأصول في شرح المحصول" للقرافي 1/22، و"نهاية السول" للأسنوي 1/16، و"روضة الناظر" لابن قدامة 1/59.
[28] ينظر: "نثر الورود على مراقي السعود" للشنقيطي ص 36، 37.
[29] "الوجيز في أصول الفقه" للكراماستي ص2، "التقريب والإرشاد الصغير" للقاضي الباقلاني 1/172، "الإبهاج في شرح المنهاج" للسبكي 1/19، "رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب" للسبكي 1/242، و"أصول الفقه نشأته وتطوره" لشعبان محمد إسماعيل 10-12.
[30] هو: أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن أبو العباس، شهاب الدين الصنهاجي القرافي: من علماء المالكية. وهو مصري المولد والمنشأ والوفاة. له مصنفات جليلة في الفقه والأصول منها: "أنوار البروق في أنواع الفروق"، و"الإحكام في تمييز الفتاوى عن الإحكام"، و"الذخيرة" في فقه المالكية توفي عام 684هـ. ينظر: "الديباج المذهب" لابن فرحون 62-67، و"حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة" للسيوطي 1/316، و"الأعلام" للزركلي 1/94.
[31] "نفائس الأصول في شرح المحصول" للقرافي 1/18.
[32] ينظر: "صفة الفتوى والمستفتي" لابن حمدان ص4.
[33] ينظر: "المنخول" للغزالي 1/463.
[34] هو: يحيى بن شرف بن مِري بن حسن الحزامي الحوراني النووي الشافعي، أبوزكريا محي الدين، علامة بالفقه والحديث إماماً بارعاً حافظاً متقناً، من تصانيفه:"شرح مسلم"، و"الروضة"، و"شرح المهذب"، و"المنهاج"، و"التحقيق"، و"الأذكار" وغير ذلك. مات في سنة 676هـ. ينظر:"طبقات الشافعية" للسبكي 5/165، و"طبقات الحفاظ" ص539، و"شذرات الذهب" 5/345.
[35] ينظر: "آداب الفتوى والمفتي والمستفتي" للنووي ص13، 14، 16، و"المجموع شرح المهذب" 1/73، و"إعلام الموقعين" 1/10 وما بعدها.
[36] ينظر في تفسير هذه الآية: "تفسير ابن كثير" 3/250.
[37] أخرجه البخاري في باب "كيف يقبض العلم" برقم 100، ومسلم في "باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان" برقم 2673.
[38] هو: زُبيد بن الحارث بن عبدالكريم بن عمرو بن كعب الياميّ ويقال الإياميُّ أيضاً أبوعبدالرحمن ويقال: أبوعبدالله الكوفي، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة وقيل أربع وعشرين ومئة. ينظر: "الطبقات" لابن سعد 6/309، "تهذيب الكمال" للمزي 9/289.
[39] هو: إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبو عمران الكوفي، فقيه أهل الكوفة، مات وهو مختفٍ من الحجاج سنة ست وتسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك بالكوفة. ينظر: "الطبقات" لابن سعد 6/270، "تهذيب الكمال" للمزي 2/233.
[40] أخرجه الدارمي في "السنن" في باب "من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع" برقم 131.
[41] هو: عمر زكريا بن أبي زائدة الهمداني الوادعي الكوفي، مولى عمرو بن عبد الله الوادعي، ينظر: "تهذيب الكمال" للمزي 21/348، و"تاريخ الإسلام" للذهبي 6/255.
[42] هو: عامر بن شراحيل وقيل ابن عبدالله بن شراحيل الشعبي أبوعمرو الكوفي ولد لست سنين خلت من خلافة عمر بن الخطاب على المشهور، مات سنة ثلاث أو أربع أو خمس ومئة. ينظر: "الطبقات" لابن سعد 6/246، و"تهذيب الكمال" للمزي 14/28.
[43] أخرجه الدارمي في "السنن" في باب "من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع" برقم 132.
[44] أخرجه الدارمي في "السنن" في باب "من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع" برقم 136.
[45] هو: ابن أبي وحشيّة اليشكري، أبو بشر الواسطي، بصري الأصل وكان ينزل بني ثعلبة، مات سنة أربع وعشرين و مئة، وقيل غير ذلك، وكان ساجداً خلف المقام حين مات وقيل ثلاث وقيل خمس وقيل ست وعشرين و مئة. ينظر: "الطبقات" لابن سعد 7/253، و"تهذيب الكمال" 5/5.
[46] هو: سعيد بن جبير الأسدي بالولاء الكوفي، أبو عبد الله: من خيار التابعين، كان أعلمهم على الإطلاق، قتله الحجاج سنة 95هـ قال الإمام أحمد بن حنبل: قتل الحجاج سعيداً وما على وجه الأرض أحد إلاّ وهو مفتقر إلى علمه. ينظر: "طبقات ابن سعد" 6/178، و"تهذيب التهذيب" 4/11.
[47] أخرجه الدارمي في "السنن" في باب "من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع" برقم 134.
[48] أخرجه الدارمي في "السنن" في باب "من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع" برقم 135.
[49] هو: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي، أبومحمد ويقال: أبوعبدالرحمن المدني الفقيه المعروف، من خيار التابعين، مات في ولاية يزيد بن عبدالملك سنة إحدى واثنتين ومئة وقيل غير ذلك. ينظر: "طبقات بن سعد" 5/187، و "تهذيب الكمال" 23/427.
[50] ينظر: "إعلام الموقعين" 4/219.
[51] هو: عثمان بن عبدالرحمن صلاح الدين بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الشافعي أحد أئمة المسلمين علماً وديناً. ولد في شرخان قرب شهرزور، وتوفي سنة 643هـ. له كتاب: "معرفة أنواع علم الحديث" يعرف بمقدمة ابن الصلاح، و"الأمالي"، و"الفتاوى"، و"فوائد الرحلة"، و "أدب المفتي والمستفتي"، و"طبقات الفقهاء الشافعية". ينظر: "وفيات الأعيان" 1/312، و"طبقات الشافعية" للسبكي 5/137.
[52] ينظر: "أدب المفتي والمستفتي" ص74 وما بعدها باختصار.
[53] هو: عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي، الملقب بسحنون، قاض، فقيه، انتهت إليه رئاسة العلم في المغرب. روى "المدونة" في فروع المالكية عن عبد الرحمن بن قاسم عن الإمام مالك، ولد سنة 160هـ.
وتوفي في رجب سنة 240هـ. ينظر: "وفيات الأعيان" 1/291، و"هدية العارفين" 1/569، و "الأعلام" للزركلي 4/5.
[54] ينظر: "صفة الفتوى" ص10.
[55] ينظر: "صفة الفتوى" لابن حمدان ص29، و "المجموع" 1/41.
[56] ينظر: "إعلام الموقعين" 4/220 .
[57] هو: أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، أبوبكر المعروف بالخطيب، الحافظ الكبير محدث الشام والعراق، صاحب التصانيف. ومن مصنفاته: "تاريخ بغداد" أربعة عشر مجلدا، و"الكفاية في علم الرواية" في مصطلح الحديث، و"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"، و"شرف أصحاب الحديث"، وغير ذلك. مات سنة 463هـ. ينظر: "وفيات الأعيان" 1/92، و"طبقات الشافعية" للسبكي 3/12، و"طبقات الحفاظ" ص453.
[58] ينظر: "الفقيه والمتفقه" ص202.
[59] هو: محمد أمين بن عمر بن عبدالعزيز عابدين الدمشقي، فقيه الديار الشامية، وإمام الحنفية في عصره، مولده ووفاته في دمشق، له: "رد المحتار على الدر المختار" يعرف بحاشية ابن عابدين، و"العقود الدرية"، و"نسمات الأسحار على شرح المنار" في الأصول، توفي سنة 1252هـ. ينظر: "روض البِشر" 220، و"الأعلام" 6/42.
[60] ينظر: "حاشية ابن عابدين" 1/47.
[61] هو: محمد بن عبدالواحد بن عبدالحميد بن مسعود السيواسي ثم الإسكندري، كمال الدين المعروف بابن الهمام، إمام من علماء الحنفية عارف بأصول الديانات والتفسير والفرائض والفقه واللغة والمنطق، ولد بالاسكندرية، ونبغ في القاهرة وأقام بحلب مدة، وجاور بالحرمين، وكان معظماً عند الملوك، توفي بالقاهرة سنة 861هـ من كتبه: "فتح القدير" في شرح الهداية، و"التحرير" في أصول الفقه، و"زاد الفقير" مختصر فروع الحنفية. ينظر: "الضوء اللامع" 8/127، "شذرات الذهب" 7/289، و"الأعلام" للزركلي 6/255.
[62] ينظر : "أدب المفتي والمستفتي" ص90.
[63] هو: أحمد بن علي بن محمد الوكيل، أبو الفتح المعروف بابن بَرهَان، فقيه بغدادي غلب عليه علم الأصول، وكان على مذهب الإمام أحمد، وصحب أبا الوفاء علي بن عقيل ثم انتقل إلى مذهب الشافعي وتفقه على الشاشي والغزالي. توفي سنة 518هـ عن عمر يناهز الأربعين تقريباً. ينظر: "طبقات الشافعية" للسبكي 4/42، و "شذرات الذهب" 4/60.
[64] ينظر: "المجموع شرح المهذب" 1/41.
[65] ينظر: "حاشية ابن عابدين" 4/301.
[66] ينظر: "إعلام الموقعين" 4/229.
[67] ينظر: "المجموع شرح المهذب" 1/46.
[68] ينظر: "شرح منتهى الإرادات" 3/457، و"إعلام الموقعين" 4/220، وحاشية ابن عابدين 4/302، و"صفة الفتوى" لابن حمدان ص13، و"المجموع شرح المهذب" 1/75.
[69] ينظر: "حاشية الدسوقي" 4/130.
[70] ينظر: "حاشية ابن عابدين" 4/302.
[71] ينظر: "أدب المفتي والمستفتي" ص106-107.
[72] هو: علي بن محمد بن حبيب أبو الحسن الماوردي: أقضى قضاة عصره. من العلماء الباحثين. أصحاب التصانيف الكثيرة النافعة، ولد في البصرة وانتقل إلى بغداد، وولي القضاء في بلدان كثيرة ثم جعل "أقضى القضاة" في أيام القائم بأمر الله العباسي. من كتبه: "أدب الدنيا والدين"، و"الأحكام السلطانية"، و"الحاوي" في فقه الشافعية، وغير ذلك كثير. توفي سنة 450هـ، ينظر: "طبقات الشافعية الكبرى" 3/303، و"وفيات الأعيان" 3/282، و"شذرات الذهب" 3/285.
[73] هو: طاهر بن عبدالله بن طاهر الطبري أبو الطيب، قاضي من أعيان الشافعية، ولد في آمُل طبرستان، واستوطن بغداد، وولي القضاء بربع الكرخ، وتوفي ببغداد سنة 450هـ، له: "شرح مختصر المزني"، و"التعليقة الكبرى". ينظر: "طبقات الشافعية" 3/176، و"الأعلام" للزركلي 3/222.
[74] الذي أخرجه مسلم في باب "المطلقة ثلاثا لا نفقة لها" برقم 1480.
[75] الذي أخرجه البخاري في باب "المتيمم هل ينفخ فيهما" برقم 331.
[76] الذي أخرجه البخاري في باب "غسل المذي والوضوء منه" برقم 267.
[77] الذي أخرجه البخاري في باب "تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة" برقم 1568.
[78] الذي أخرجه الترمذي في باب "ماجاء : إذا التقى الختانان وجب الغسل" برقم 108، وقال " حسن صحيح".
[79] الذي أخرجه البخاري في باب "فضل من شهد بدرا" برقم 3770.
[80] الذي أخرجه البخاري في باب "أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح" برقم 4032.
[81] الذي أخرجه البخاري في باب "بيع الفضة بالفضة" برقم 2067.
[82] الذي أخرجه البخاري في باب "كسر الصليب وقتل الخنزير" برقم 2345.
[83] الذي أخرجه الدارقطني في باب "أحاديث القهقهة في الصلاة وعللها" برقم 11.
[84] الذي أخرجه أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار في باب "الرجل لا يجد إلا نبيذ التمر هل يتوضأ به أو يتيمم" برقم 572.
[85] الذي أخرجه الدارمي في باب "ما جاء في أكثر الحيض" برقم 832.
[86] الذي أخرجه الدارقطني في باب "المهر" برقم 16.
[87] الذي أخرجه أبو داود في باب رقم "97" برقم 2032.
[88] الذي أخرجه أبو داود في باب "الطواف بعد العصر" برقم 1894.
[89] الذي أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" في باب "ترك الوضوء من خروج الدم من غير مخرج الحدث" برقم 652.
[90] ينظر: "إعلام الموقعين عن رب العالمين" 1/29-32.
(الجزء الاول من5)
د.عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس
حمدًا لله على آلائه، والشكر له على نعمائه، وصلاة وسلامًا تامين دائبين على خاتم أنبيائه وأفضل أصفيائه وسيد أوليائه نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه وخلفائه وحزبه وجنده وحلفائه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لقائه.
أما بعد:
فإن أجل المنن والآلاء وأسبغ الخيرات والنعماء ما هدى الله إليه عباده من هذا الدين القويم والشريعة الغراء، التي امتازت كمالاً وشمولاً ووسعت الأعصار والأمصار، تأصيلاً وتفصيلا وانتظمت مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد، وزخرت بالعلوم النافعة والمعارف الجامعة في قضايا الدين والدنيا معًا، وحوت نصوصًا ومقاصدًا، وحكمًا وقواعدًا، ملأت البسيطة عدلاً وحكمة وتيسيرًا ورحمة، واستوعبت قضايا الاجتهاد والنوازل، فأبانت أحكامها، وأوضحت حلالها وحرامها عبر ميزان دقيق، ومعيار وثيق، وأصول محكمة، سار عليها علماء الإسلام، ومفتوا الأنام، مما كان له الأثر البالغ في تحقيق الخير للأفراد والمجتمعات، وإصابة الحق في الاجتهادات والمستجدات.
وبين يديك ـ أخي القارئ الكريم ـ بحث ينتظم هذه المعاني العظيمة، عبر ثلاث قضايا رئيسة هي:
أولاً: علم أصول الفقه. ثانيها: الفتوى. ثالثها: العلاقة بينهما والأثر الإيجابي من تلازمهما، في منظومة علمية متألقة، ونسيج معرفي متميز، وعقد وضاء مزدان بثلاث درر متلألأة، لا تستقل إحداها عن الأخرى، ولا يقل بعضها إشراقًا وجمالاً عن نظيره، كما لا غنى للأمة عنها كلها.
أما أولها: فهو عقد واسطة علوم الشريعة، وقطب رحى الفقه في الدين به يُعرف الحلال والحرام ، ويتبين الخاص والعام، ويعرف المطلق والمقيد، والمجمل والمبين ونحوها، ذلكم هو علم أصول الفقه.
ولا غرو فإنَّه من أشرف العلوم قدراً وأعظمها أجراً، وأتمِّها عائدة، وأعمِّها فائدة، وأعلاها مرتبة، وأسناها منقبة، يملأ العيون نوراً، والقلوب سروراً، والصدور انشراحاً، ويفيد الأمور اتساعاً وانفتاحاً، هذا لأن ما بالخاص والعام من الاستقرار على نهج الانتظام، والاستمرار على سنن الاجتماع والالتئام، إنما هو بمعرفة الحلال من الحرام، والتمييز بين الجائز والفاسد في وجوه الأحكام، بحوره زاخرة، ورياضه ناضرة، ونجومه زاهرة، وأصوله ثابتة، وفروعه نابتة، لا يفنى بكثرة الإنفاق كنزه، ولا يُبلى على طول الزمان عزّه.
أهله قِوام الدَّين وقُوَّامه، وبهم ائتلافه وانتظامه، وهم المرجع في التدريس والفتوى، ومحل الصدر عند النوازل والبلوى.
وإذا كان هذا الوصف لواسطة عقد علوم الشريعة فقهاً وأصولاً فإن علم أصول الفقه يحظى بالقسط الأكبر والنصيب الأوفر وما ذاك إلاّ لأنه يمكّن المجتهدين من النظر في أصول الشريعة ومقاصدها، وقواعد الدين ونصوصه، واستنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية بإتقان وبصيرة، فهو مأوى الأئمة، وملجأ المجتهدين، ومورد المفتين عند تحقيق المسائل وتحرير الأقوال، وتقرير الأدلة والتأصيل والتقعيد للحكم في النوازل، وما يجدُّ في حياة المسلمين، مسائله مبنية على أسس متينة، وقواعد راسخة تربط بين المنقول والمعقول.
ومن ذا الذي يعرف القواعد التي تضبط وصول المرء إلى معرفة حكم الشرع في كل فعل وترك؛ ومن الذي يعرف ما في الكتاب والسنة من مجمل ومبين، وعام وخاص، ومطلق ومقيد، ومحكم ومتشابه، ومنطوق ومفهوم، وناسخ ومنسوخ، وأمر ونهي، وقواعد ذلك؟
فمن الذي يدرأ التعارض بين نصوص الكتاب والسنة، ويكشف ذلك، ويرجح الأصوب، ويعلم الأحكام التكليفية والوضعية، وتفصيلاتها، والأدلة ومسائلها، والدلالات وغوامضها، وأحكام الاجتهاد، والنظر والاستنباط، ومقاصد الشريعة، والحكم على ما يجدُّ للناس من أقضية؟ غير الأصولي يعرف مصادر الأمور ومواردها، ويضع كل شيء في محله، عبر ميزان دقيق، يضبط المجتهد، ويعصمه ـ بتوفيق الله ـ من الخطأ في الاستنباط، والزلل في الاستدلال، إذ به يتبيَّن الصحيح وغيره من الاستنباطات الشرعية، والاستدلالات النقلية والعقلية .
تلك شذرة عن القضية الأولى في هذا البحث المهم.
ثانيها: مقام التوقيع عن رب العالمين الفتوى:
فمما لا شك فيه أن لعلماء الشريعة القدح المعلّى من المنازل، والدور المجلّى في الأمة لاسيما في المستجدات والنوازل، خاصّة إذا بلغ العالم مرتبة الفتوى، لما للفتوى من مكانة عظمى ومنزلة كبرى في هذا الدِّين، ويكفي أنّ مقام المفتين هو التوقيع عن ربِّ العالمين، وفي ذلك من التشريف والتكليف ما لا يخفى، يقول الإمام العلامة ابن قيم الجوزية: «إذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحلِّ الذي لاينكر فضله ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيّات فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات»[1].
ومما يدل على عظم مكانتها أن الله سبحانه وتعالى تولاها بنفسه، قال- عزّ من قائل- :
{قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }(النساء:176)، كما كان الرسول المصطفى- صلى الله عليه وسلم- يتولى هذا المنصب في حياته، وكان ذلك من مقتضى رسالته - عليه الصلاة والسلام[2]، ثم تولّى زمام ذلك بعده صحابته الأخيار؛ فقد كان جملة منهم ممن توارد على هذا المنصب العظيم لاسيما الخلفاء الأربعة وغيرهم ممن اشتهر بالعلم، وقد عدّ العلامة ابن القيم[3] منهم عدداً كبيراً، رضي الله عنهم وأرضاهم[4]، ومع اهتمام السلف بالفتوى فقد كانوا رضي الله عنهم ورحمهم يتهيبونها، ويودّون أن لو كفوا مؤونتها، كما قال عبدالرحمن بن أبي ليلى[5]: «أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما منهم من محدث إلاّ ودّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفت إلاّ ودّ أن أخاه كفاه الفتوى»[6]، ولعل هذا التورع المحمود المتمشي مع الضوابط الشرعية للفتوى، هو الذي جعل الفتوى الصادرة عن علماء الشريعة عبر عصور الإسلام الزاهرة متميزة بمزايا عديدة، تظهر بجلاء كمال هذه الشريعة وشمولها ومحاسنها، وصلاحيتها لكل الأزمنة والأمكنة.
وأما ثالث القضايا وواسطة عقد البحث فهو: الأثر الإيجابي الذي يترتب على العلاقة الحميمة بين علم الأصول ومقام الفتوى:
فمما لاشك فيه أن المفتي موقّعٌ عن رب العالمين، وهذه مكانة عظيمة القدر لا يمكن تبوؤها إلاّ بالتبحّر في علوم الشريعة والغوص في أعماقها، ومن أهم ما يحتاجه المفتي من العلوم ليصل إلى الفتوى الصحيحة، علم أصول الفقه وما يشتمل عليه من أحكام وأدلة شرعية، ودلالات مرعية، ومسائل جليلة القدر بالغة الأهمية؛ إذ كيف يتأتى للمفتي أن يصدر فتواه مبنية على دليل وهو لا يعلم هل هذا الدليل منسوخ، أو مخصوص أو مقيد بدليل آخر؟ وهل وقع عليه الإجماع؟ وإذا كان من النوازل، فهل يستطيع أن يقيسه على حكم ثابت؟
وهل يكون موافقًا لمقاصد الشريعة؟ وهل اعتبر في فتواه ما تؤول إليه من مصالح، وتدرأ من مفاسد وقبائح؟ كل ذلك يثبت بما لا يدع مجالاً للشك حاجة المفتي النبيل، الماسّة إلى هذا العلم الجليل.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:"لا يحل لأحد يفتي في دين الله إلا رجلاً عارفًا بكتاب الله: بناسخه ومنسوخه، وبمحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، وما أريد به، وفيما أنزل، ثم يكون بعد ذلك بصيرًا بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، وبالناسخ والمنسوخ، ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن، ويكون بصيرًا باللغة، بصيرًا بالشعر، وما يحتاج إليه للعلم والقرآن، ويستعمل مع هذا الإنصاف، وقلة الكلام، ويكون بعد هذا مشرفًا على اختلاف أهل الأمصار، ويكون له قريحة بعد هذا، فإذا كان هذا هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فله أن يتكلم في العلم ولا يفتي"[7].
ويقول إمام الحرمين رحمه الله:"وعلم الأصول أصل الباب حتى لا يقدم مؤخرًا ولا يؤخر مقدمًا، ويستبين مراتب الأدلة والحجج"[8].
وقد أوضح الغزالي9[9] رحمه الله أهمية معرفة أصول الفقه للمفتي في معرض حديثه عن المعارف التي يحتاج إليها قائلاً:"إنما يكون متمكنا من الفتوى بعد أن يعرف المدارك المثمرة للأحكام، وأن يعرف كيفية الاستثمار والمدارك المثمرة للأحكام كما فصلناها أربعة الكتاب والسنة والإجماع والعقل"[10].
وبهذا يتبين أهمية علم أصول الفقه للمفتي، والأثر البالغ للعلاقة الحميمة بينهما، مما يحقق صحة الفتوى والتزامها المنهج الصحيح، المتمشي مع نصوص الشريعة وأصولها ومقاصدها.
لذلك وانطلاقًا من الحرص على مقام التوقيع عن رب العالمين، إذ هو أعلى مراتب العلم كما لا يخفى، ولخطورة التجرؤ على الفتوى بغير علم راسخ، تأتي أهمية هذا البحث، وإن المتأمل في واقع الفتوى المعاصرة، لتتأكد له أهمية هذا الموضوع وطرحه والتذكير به، فكم يرى الناظر نزلاء في حلائب العلم والمعرفة، وهم ليسوا منهما في شيء؟! ديدنهم الجرأة على الفتوى، والتجاسر على التحليل والتحريم[11]، يتكلمون بما لا يعلمون، ويجملون ولا يفصلون، ويهرفون[12] ويسفسطون[13]، وهم من قليلي البضاعة في أحكام الشريعة، إذا سمعت أحدهم يتكلم، فكأنما ينزل عليه وحي، من جزمه فيما يقول وعدم تورعه، ولربما نسب ما يراه إلى الإسلام، ترى أحدهم يجيب في عظيم المسائل، مما لو عرض على عمر، لجمع له أهل بدر، وكم يتملكك العجب وأنت تسمع عبارات التعظيم لذواتهم، والتعالي في نفوسهم، قاموسهم: رأينا كذا، ترجيحنا، اختيارنا، والذي نراه، ونحن، وهلم جرا.
يقولون هذا عندنا غير جائز ومن أنتم حتى يكون لكم عند؟!
وما علم هؤلاء أن الجرأة على الفتوى جرأة على النار، وأن التجاسر عليها اقتحام لجراثيمها،والعياذ بالله! بل لقد وصل الحال ببعض العوام إلى أن يفتي بعضهم بعضا، وأصبح الحديث في علوم الشريعة بضاعة كل متعالم مأفون[14]، حتى ساموا باعة البقول عددا، وتكلم بعض الرويبضة[15]، واستطالوا على منازل العلماء، ومقامات العظماء والفقهاء، وعمدوا إلى أمور من الثوابت والمبادئ، وجعلوها عرضة للتغيير والتبديل، بدعوى تغير الفتوى بتغير الزمان، ووجد من يتنصل[16] من الفتوى بأمور جاء تحريمها مما علم من الدين بالضرورة، وكثر التحايل على الشريعة.
وطالب بعض مثقفي العصر بالترخيص؛ ليتفلت من الأحكام، فطالب بعضهم بإعادة النظر في حرمة الربا، أو بعض صوره، وآخرون بالتجاسر على حجاب المرأة المسلمة، وهكذا في سيل من التلاعب بأمور الشريعة، وعمدت بعض وسائل الإعلام، وقنواته المسموعة والمقروءة والمرئية، إلى إثارة قضايا كلية من الدين مع بعض المتعالمين ممن:
يمدون للإفتاء باعًا قصيرة وأكثرهم عند الفتاوى يكذلك[17]
ومما زاد الطين بلة والداء علّة، ما انتشر في هذا العصر من الفضائيات وشبكات المعلومات الانترنت، وما يطلق عليه فضائيات الفتوى، أو شبكات ومواقع الفتوى على الشبكة العنكبوتية، وما تعيشه من فوضى الفتاوى، وما تسببه من إثارة البلبلة والتشويه المتعمد، فهي بحق حوانيت في ناصية الجهل والقول على الله بغير علم، فبضاعتها الجرأة، وعملتها الإثارة، وأساطينها نكرات مجاهيل، يزينون سفك الدماء وتناثر الأشلاء، وأعمال العنف والإرهاب، وبعضها تعمد إلى مفتين من نوع خاص، همّها المتاجرة والتكسب بالفتوى دون اكتراث إلى حاجة الناس إلى فتاوى منضبطة بالضوابط الشرعية، ومبنية على الأسس العلمية والمقاصدية والقواعد الأصولية، مما كان له كبير الأثر، وخطيرهُ على الوعي الإسلامي الصحيح لدى عامة المسلمين، كل ذلك يؤكد أهمية طرح هذا الموضوع وتتابع الأبحاث والدراسات فيه؛ ليضع الغيورون على مقام التوقيع عن رب العالمين حلاً لهذه الفوضى العارمة، والإسهاب غير المنضبط في هذا المجال العظيم.
لذا فإن الواجب ـ حماية لبيضة الإسلام، ودفاعًا عن أحكامه وتشريعاته ـ أن يحجر على كل متكلم في الشريعة ـ تحليلاً وتحريما ـ وهو لا يحسن؛ فالحجر[18] لاستصلاح الأديان أولى من الحجر لاستصلاح الأموال والأبدان، والغيرة على الشريعة من المكارم؛ وهي أولى من الغيرة على المحارم، ووالله إنه ليحرم على من لا يهتدي لدلالة القرآن، ولا يعرف السنة والآثار، أن يتسنّم سدة العلم، ويتصدر في مجال الإفتاء، وقد قيل لسفيان الثوري ~ في ذلك؟ فقال:«إذا كثر الملاحون[19]، غرقت السفينة»[20].
وقد تناسى هؤلاء أنهم بكلامهم في الشريعة إنما يوقعون عن رب العالمين سبحانه، وأن الفتاوى نار تضطرم، فكم تسمع من فتاوى سردية إنشائية لا زمام لها ولا خطام، لا تنور بنور النص، ولا تزدان ببيان حكم الشريعة ومقاصدها وأصولها، تبنى على التجري لا على التحري[21]، لا تقوم على قدم الحق، فتعنت الخلق، وتشجي الحلق[22]، وحق لهؤلاء أن تسلم الأمة من لأوائهم[23]، وتحذر من غلوائهم[24].
وإن رغمت أنوف من أناس فقل يا رب لا ترغم سواها[25]
فالواجب أن يقوم بهذا العمل المؤهلون دون المتعالمين، والأصلاء دون الدخلاء؛ حفظًا لدين الأمة، وتوحيدًا لكلمتها، وضبطًا لمسالكها ومناهجها؛ لتكون مبنية على الكتاب والسنة؛ بفهم سلف الأمة ـ رحمهم الله ـ وبذلك تسلم الأمة من غوائل[26] المحن، وبواعث الفتن، وتوجد العواصم ـ بإذن الله ـ من قواصم الجريمة الشنيعة، وهي القول على الله بغير علم.
ومن مجموع ما سبق، وخاصة في واقع الفتوى، وما تحتاجه من البناء المحكم على هذا العلم المهم، ونظرًا لحاجة المكتبة الإسلامية لبحوث في هذا المجال، ولما منّ الله به عليّ من التخصص الدقيق في فنّ الأصول، وبعد استخارة الله عزوجل، واستشارة عدد من أهل العلم، أردت أن أدلي بدلوي لعلّي أن أوفق في إنارة الطريق للسالكين الباحثين عن الحق، في مثل هذه القضايا المهمة، والله الموفق والهادي سواء السبيل.
وبعد هذه الإلماحة اليسيرة عن أهمية الموضوع، أبين لك ـ أخي القارئ الكريم ـ الخطة المرسومة لهذا البحث:
خطة البحث
يشتمل البحث على: مقدمة، وتمهيد، وأربعة فصول، وخاتمة.
أولاً: المقدمة. وفيها: أهمية الموضوع، وخطته، ومنهجه.
ثانيًا: التمهيد: ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: التعريف بعلم أصول الفقه ومكانته وأهميته.
المطلب الثاني: التعريف بالفتوى ومكانتها وخطورتها.
ثالثًا: الفصل الأول: الأحكام وأثرها في صحة الفتوى.
ويشتمل على تمهيد وثلاثة مباحث هي:
المبحث الأول: الأحكام التكليفية.
المبحث الثاني: الأحكام الوضعية.
المبحث الثالث: ما لابد منه لتصور الأحكام التكليف.
الفصل الثاني: الأدلة وأثرها في صحة الفتوى.
ويشتمل على تمهيد وخمسة مباحث هي:
التمهيد: ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: مراعاة ما فهمه السلف الصالح من أجل أن تؤثر "أدلة الفقه" في صحة الفتوى.
المطلب الثاني: اعتبار العلاقة الجدلية بين النص والمقصد.
المبحث الأول: الكتاب القرآن.
المبحث الثاني: السنة.
المبحث الثالث: الإجماع.
المبحث الرابع: القياس.
المبحث الخامس: الاستدلال وأثره في صحة الفتوى:وفيه تمهيد وخمسة مطالب:
المطلب الأول: الاستدلال بالاستصحاب.
المطلب الثاني: الاستدلال بالمصلحة المرسلة.
المطلب الثالث: الاستدلال بالاستحسان.
المطلب الرابع: الاستدلال بسد الذرائع وبإبطال الحيل.
المطلب الخامس: الاستدلال بالعرف والعادة.
الفصل الثالث: الدلالات وأثرها في صحة الفتوى.
ويشتمل على تمهيد وثلاثة مباحث هي:
التمهيد: وفيه التعريف والأهمية.
المبحث الأول: أنواع الدلالات من حيث الاستعمال في المعنى الحقيقة والمجاز.
المبحث الثاني: أنواع الدلالات: باعتبار منطوقها ومفهومها.
وفيه مطلبان: المطلب الأول: دلالة المنطوق.
المطلب الثاني: دلالة المفهوم.
المبحث الثالث: منطوقات الدلالات باعتبارات أخرى.
وفيه مطلبان: المطلب الأول: النص، والظاهر، والتأويل، والمجمل، والمبيَّن.
المطلب الثاني: الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد.
الفصل الرابع: الاجتهاد والتقليد، والتعارض والترجيح وأثرها في صحة الفتوى.
وفيه ثلاثة مباحث هي:
المبحث الأول: الاجتهاد، وفيه تمهيد وخمسة مطالب:
المطلب الأول: تعريف الاجتهاد، والفرق بين الاجتهاد والفتوى والقضاء.
المطلب الثاني: المجتهد، وشروطه.
المطلب الثالث: مجالات الاجتهاد المجتهَد فيه.
المطلب الرابع: تجزؤ الاجتهاد.
المطلب الخامس: الاجتهاد الجماعي وأثره في صحة الفتوى في هذا العصر.
المبحث الثاني: التقليد، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريفه ومجاله.
المطلب الثاني: مراتب المقلِّدين.
المطلب الثالث: المقلَّد بفتح اللام.
المبحث الثالث: التعارض والترجيح.
رابعًا: الخاتمة.
وفيها: أهم النتائج والتوصيات.
التمهيـــــد
ويشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: التعريف بعلم أصول الفقه ومكانته وأهميته.
المطلب الثاني: التعريف بالفتوى ومكانتها وخطورتها.
المطلب الأول: تعريف علم أصول الفقه، ومكانته وأهميته:
وهو اصطلاحًا: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلة[27]. والمراد بالعلم بالأحكام: العلم بمعنى الصلاحية والتهيؤ لذلك بأن تكون له ملكة يقدر بها على إدراك جزيئات الأحكام، وقد اشتهر عرفًا إطلاق العلم على هذه الملكة[28]. ويمكن تعريف علم أصول الفقه باعتباره علما على هذا الفن بأنه: معرفة دلائل الفقه إجمالا، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد، قوله معرفة هي كالجنس في التعريف فيشمل أصول الفقه وغيره، قوله دلائل الفقه جمع مضاف يفيد العموم فيعم الأدلة المتفق عليها والمختلف فيها، قوله إجمالاً لأن المعتبر في حق الأصولي إنما هو معرفة الأدلة من حيث الإجمال ككون الإجماع حجة وكون الأمر للوجوب، وقوله وكيفية الاستفادة منها أي معرفة كيفية استفادة الفقه من تلك الدلائل أي: استنباط الأحكام الشرعية منها، قوله وحال المستفيد أي معرفة حال طالب حكم الله تعالى من الدليل وهو المجتهد فلا يدخل فيه المقلد[29].
وتتجلى مكانة علم أصول الفقه وأهميته في الأمور الآتية:
1- إذا كان الله - تبارك وتعالى - قد تكفل بحفظ القرآن الكريم مصدر هذه الشريعة الإسلامية الغراء حيث قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9)، فإنَّ استنباط التشريع منه يستلزم وضع قواعد وضوابط محددة وهي التي أطلق عليها "علم أصول الفقه ". يقول الإمام القرافي[30]: « لولا أصول الفقه لم يثبت من الشريعة لا قليل ولا كثير، فإن كل حكم شرعي لا بد له من سبب موضوع، ودليل يدل عليه وعلى سببه، فإذا ألغينا أصول الفقه لم يثبت من الشريعة لا قليل و لا كثير، فإذا ألغينا أصول الفقه ألغينا الأدلة فلا يبقى لنا حكم ولا سبب، فإن إثبات الشرع بغير أدلته وقواعده بمجرد الهوى خلاف الإجماع، ولعلهم لا يعبؤون بالإجماع، فإنه من جملة أصول الفقه، أو ما علموا أنه أول مراتب المجتهدين، فلو عدمه مجتهد لم يكن مجتهدًا قطعًا »[31].
2- علم أصول الفقه وتطبيق قواعده ومفاهيمه المختلفة يحقق القضية التي لا خلاف عليها بين المسلمين، من أن الشريعة الإسلامية خاتمة الشرائع كلها مما يؤكد صلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فما من قضية تعرض للمسلمين - خاصة النوازل والمستجدات - على المستوى الفردي أو الجماعي، إلا ويمكن تكييفها، وإعطاؤها الحكم الشرعي المستنبط من الأدلة بواسطة قواعد الأصول، وبذلك تتهاوى دعوى " سد باب الاجتهاد ".
3- هذا العلم من أكبر الوسائل لحفظ هذا الدين، والدفاع عن أدلته أمام الملحدين والمتشككين، فإن فارس هذا الميدان بحق هو الأصولي المتسلح بالمنهج العلمي المتمثل في الاستدلال لرأيه بالبراهين الدامغة التي لا تقبل التشكيك ونقد الرأي المخالف بالموضوعية المصطبغة بمقاصد الشريعة من العدل والإنصاف.
4- حاجة علماء الفقه المقارن إلى هذه المادة من الأهمية بمكان، فإن المقارنة تحتاج إلى تقوية بعض الأدلة على البعض الآخر، حتى يعمل أو يفتي بالمذهب الراجح. ولا يتحقق ذلك إلا بالاحتكام إلى القواعد الأصولية، كمعرفة دلالة المنطوق والمفهوم، وحجية كل منهما، وحكم التعارض بينهما، وأيهما المقدم.
5- هذا العلم يعين على فهم العلوم الأخرى، فالمفسر لا يستطيع أن يفسر آيات الأحكام في القرآن الكريم إلا في ضوء معرفة قواعد المفاهيم الأصولية، وكذلك الشارح لأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم- المتعلقة بالأحكام.
6- هذا العلم يفيد المتوسطين من أهل العلم الذين لم يصلوا إلى درجة المجتهدين، ولم ينزلوا إلى درجة العوام، حيث يعملون أدوات الترجيح بين أقوال المجتهدين في مسائل الخلاف، كما يفيدهم الاطمئنان إلى أن الأحكام قد بنيت على منهج سليم في النظر والاستدلال.
7- وفي العصر الحاضر حيث أفرزت المدنية الحديثة كثيرًا من المستجدات، وتتابعت النوازل والمتغيرات، الأمر الذي يجعل الحاجة إلى علم أصول الفقه من الأهمية بمكان بالنسبة للمجتهدين؛ مما يؤهلهم للحكم على هذه القضايا والمستجدات.
المطلب الثاني: التعريف بالفتوى ومكانتها وخطورتها.
هي اصطلاحاً: تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه[32].
والمفتي هو: المستقل بأحكام الشرع نصًا واستنباطًا[33].
وتتجلى مكانتها وخطورتها فيما يلي:
1- أن الله - تعالى-أفتى عباده، قال - تعالى-:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنّ} النساء: 127، وقال - سبحانه -:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} (النساء: 176).
2- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يتولى هذا المنصب في حياته، وكان ذلك من مقتضى رسالته، وقد كلّفه الله - تعالى - وشرفه بذلك حيث قال- عزّ من قائل -:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(النحل: 44).
فالمفتي خليفة النبي - صلى الله عليه وسلم- في أداء وظيفة البيان، وقد تولى هذه الخلافة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم-: أصحابه الكرام - رضوان الله عنهم -، ثم أهل العلم بعدهم.
3- أن موضع الفتوى هو بيان أحكام الله - تعالى - وتطبيقها على أفعال الناس.
وقد ذكر النووي34[34] وغيره أن المفتي موقع عن الله – تعالى[35].
وهذا يدل على مكانة الفتوى، كما يدل أيضاً على خطورتها ؛ لذلك كان السلف - رضوان الله عليهم - يتهيبون الإفتاء، فما منهم من أحد يُستفتى عن شيء إلاّ ودّ أن أخاه كفاه الفتيا ؛ لأنهم كانوا يدركون مكانة الفتوى وخطورتها في دين الله - تعالى - فالإفتاء بغير علم حرام ؛ لأنه يتضمن الكذب على الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم- ، ويتضمن إضلال الناس وهو من الكبائر لقوله - تعالى -:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 33) فقرنه - سبحانه - بالفواحش والبغي والشرك بالله عزوجل[36]، وقوله تعالى: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} (الزخرف: 19).
ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لايقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا بغير علم، فضلوا وأضلوا»[37].
لذلك كان السلف - رضوان الله عليهم - إذا سئل أحدهم عما لايعلم يقول للسائل: لا أدري.
وهذه بعض أقوال السلف في الحذر من الإقدام على الفتوى وعدم الجرأة عليها:
* عن زبيد[38] قال: ما سألت إبراهيم[39] عن شيء إلاّ عرفت الكراهية في وجهه[40].
* وعن عمر بن أبي زائدة[41] قال: ما رأيت أحداً أكثر أن يقول إذا سئل عن شيء: لا علم لي به من الشعبي[42][43].
* وعن داود قال: سألت الشعبي: كيف كنتم تصنعون إذا سئلتم، قال: على الخبير وقعت كان إذا سئل الرجل قال لصاحبه: أفتهم، فلا يزال حتى يرجع إلى الأول[44].
* عن جعفر بن إياس[45] قال: قلت لسعيد بن جبير[46]: مالك لاتقول في الطلاق شيئاً، قال: ما منه شيء إلاّ قد سألت عنه، ولكني أكره أن أحلَّ حراماً أو أحرّم حلالاً[47].
* وعن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار، وما منهم من أحد يحدِّث بحديث إلاّ ودَّ أن أخاه كفاه الحديث، ولايسأل عن فُتيا إلاّ ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا[48].
وسئل القاسم بن محمد[49] عن شيء، فقال: إني لا أحسنه، فقال له السائل: إني جئتك لا أعرف غيرك فقال له القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي، والله ما أحسنه، فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه: يا ابن أخي الزمها فو الله ما رأيناك في مجلس أنبل منك اليوم، فقال القاسم: والله لأن يُقطع لساني أحبَّ إلي من أن أتكلمَ بما لا علمَ لي به[50].
وقال ابن الصلاح الشهرزوري[51]:
«هاب الفتيا من هابها من أكابر العلماء العاملين وأفاضل السالفين والخالفين، وكان أحدهم لا تمنعه شهرته بالأمانة، واضطلاعه بمعرفة المعضلات في اعتقاد من يسأله من العامة من أن يدافع بالجواب، أو يقول: لا أدري، أو يؤخر الجواب إلى حين يدري» [52].
وجاء عن سحنون[53]:
أنه قال: «أشقى الناس من باع آخرته بدنياه، وأشقى منه من باع آخرته بدنيا غيره».
قال: ففكرت فيمن باع آخرته بدنيا غيره، فوجدته المفتي يأتيه الرجل قد حنث في امرأته ورقيقه، فيقول له: لا شيء عليك، فيذهب الحانث فيتمتع بامرأته ورقيقه. وقد باع دينه بدنيا هذا[54].
ولابد لمن يتصدّى للفتوى من توافر عدد من الشروط لتكون فتواه صحيحة مقبولة هي:
1- الإسلام: فلا تصح فتيا الكافر.
2- العقل: فلا تصح فتيا المجنون.
3- البلوغ: فلا تصح فتيا الصغير.
4- العدالة: فلا تصح فتيا الفاسق عند جمهور العلماء؛ لأن الإفتاء الإخبار عن الحكم الشرعي، وخبر الفاسق لايقبل[55].
وقال ابن القيم: تصح فتيا الفاسق إلاّ أن يكون معلناً بفسقه وداعياً إلى بدعته، وذلك إذا عمَّ الفسوق وغلب؛ لئلا تتعطل الأحكام، والواجب اعتبار الأصلح فالأصلح [56].
وأما المبتدعة، فإن كانت بدعتهم مكفرة أو مفسقة لم تصح فتواهم، وإلاّ صحَّتْ فيما لا يدعون فيه إلى بدعهم.
قال الخطيب البغدادي[57]:
تجوز فتاوى أهل الأهواء ومن لا نكفره ببدعته ولا نفسقه، وأما الشراة والرافضة الذين يشتمون الصحابة ويسبون السلف فإن فتاويهم مرذولة، وأقاويلهم غير مقبولة [58].
5- بلوغ رتبة المجتهد: وهو في اصطلاح الأصوليين: الفقيه المؤهل؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}(الأعراف:33).
قال ابن عابدين[59] [60] نقلاً عن ابن الهمام[61] :
وقد استقر رأي الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد، فأما غير المجتهد من يحفظ أقوال المجتهد فليس بمفت، والواجب عليه إذا سئل أن يذكر قول المجتهد على وجه الحكاية.
قال ابن الصلاح الشهرزوري[62]:
إنما يُشترط اجتماع العلوم المذكورة في المفتي المطلق في جميع أبواب الشرع، أما المفتي في باب خاص من العلم، نحو علم المناسك، أو علم الفرائض، أو غيرهما. فلا يشترط فيه جميع ذلك، ومن الجائز أن ينال الإنسان منصب الفتوى والاجتهاد في بعض الأبواب دون بعض، فمن عرف القياس وطرقه وليس عالماً بالحديث، فله أن يفتي في مسائل قياسية يعلم أن لا تعلق لها بالحديث. ومن عرف أحوال المواريث وأحكامها جاز أن يفتي فيها، وإن لم يكن عالماً بأحاديث النكاح، ولا عارفاً بما يجوَّز له الفتوى في غير ذلك من أبواب الفقه.
قطع بجواز هذا الغزالي وابن بَرهان[63] وغيرهما.
6- جودة القريحة: وهذه ملكة فطرية، وتنمي بالتمرّس.
قال النووي[64]:
شرط المفتي كونه: فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح النظر والاستنباط. أهـ.
وهذا يصحح فتياه من جهتين:
الأولى: صحة أخذه للحكم من أدلته.
الثانية: صحة تطبيقه للحكم على الواقعة المسؤول عنها، فلا يغفل عن أي من الأوصاف المؤثرة في الحكم، ولا يعتقد تأثير ما لا أثر له.
7- الفطانة والتيقظ:
قال ابن عابدين[65]: شرط بعضهم تيقظ المفتي، قال: وهذا شرط في زماننا، فلابد أن يكون المفتي متيقظاً يعلم حيل الناس ودسائسهم، فإن لبعضهم مهارة في الحيل والتزوير، وقلب الكلام وتصوير الباطل في صورة الحق، فغفلة المفتي يلزم منها ضرر كبير في هذا الزمان.
وقال ابن القيم[66]:
بل ينبغي له أن يكون بصيراً بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم ... وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ، وكم من مسألة ظاهرها ظاهر جميل، وباطنها مكر وخداع وظلم؟ فالغرّ ينظر إلى ظاهرها ويقضي بجوازه، وذو البصيرة ينقد مقصدها وباطنها؛ فالأول يروج عليه زَغَل المسائل كما يروج على الجاهل بالنقد زَغَل الدراهم، والثاني يخرج زيفها كما يخرج الناقد زغل النقود، وكم من باطل يخرجه الرجل بحسن لفظه وتنميقه في صورة حق؟.. بل هذا أغلب أحوال الناس.
ومما يتعلق بهذا ما نبه إليه بعض العلماء من أنه يشترط في المفتي أن يكون على علم بالأعراف اللفظية للمستفتي، لئلا يفهم كلامه على غير وجهه ، وهذا إن كان إفتاؤه في ما يتعلق بالألفاظ كالأيمان والإقرار ونحوها[67].
ومن هذه الشروط نعلم أنه:
* لا يشترط في المفتي الحرية والذكورية والنطق اتفاقاً، فتصح فتيا العبد والمرأة والأخرس ويفتي بالكتابة أو بالإشارة المفهمة[68].
* وكذا الأعمى تصح فتياه كما صرّح بذلك المالكية[69].
* وأما السمع، فقد قال ابن عابدين[70]:لاشك أنه إذا كتب له السؤال وأجاب عنه جاز العمل بفتواه.
قال ابن الصلاح الشهرزوري[71]:
لا يُشترط في المفتي الحريَّةُ، والذكورة، كما في الراوي، وينبغي أن يكون كالراوي أيضاً في انه لا تؤثر فيه القرابة والعداوة، وجرُّ النفع، ودفع الضرر؛ لأن المفتي في حكم من يخبر عن الشرع بما لا اختصاص له بشخص، فكان في ذلك كالراوي، لا كالشاهد، وفتواهُ لا يرتبط بها إلزام، بخلاف القاضي.
ووجدت عن القاضي الماوردي[72]،فيما جاوب به القاضي أبا الطيب الطبري[73] عن رده عليه في فتواه: بالمنع عن التلقيب بملك الملوك. ما معناه: إن المفتي إذا نابذ في فتواه شخصاً معيناً صار خصماً معانداً تردُّ فتواه على من عاداه، كما تردُّ شهادته.
ولا بأس بأن يكونَ المفتي أعمى، أو أخرس مفهوم الإشارة أو كاتباً، والله أعلم.
وينبغي لمن نصب للفتوى أن يعتمد أصولاً محددة للفتوى يستند إليها في إصدار فتاويه؛ لأن الفتوى اجتهاد في بيان الأحكام، ولابد أن يكون الاجتهاد مبنيًا على أصول، وهذا هو المنهج الذي سار عليه العلماء الأعلام، ومثال ذلك ما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله عن أصول الفتوى عند الإمام أحمد رحمه الله حيث يقول:
«الأصل الأول: النصوص، فإذا وجد النص أفتى بموجبه ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا من خالفه كائنا من كان، ولهذا لم يُلتفت إلى خلاف عمر في المبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس[74]، ولا إلى خلافه في التيمم للجنب لحديث عمار بن ياسر[75]، ولا خلافه في استدامة المحرم الطيب الذي تطيب به قبل إحرامه لصحة حديث عائشة[76] في ذلك، ولا خلافه في منع المفرد والقارن من الفسخ إلى التمتع لصحة أحاديث الفسخ[77]، وكذلك لم يلتفت إلى قول علي وعثمان وطلحة وأبي أيوب وأبي بن كعب في ترك الغسل من الإكسال لصحة حديث عائشة أنها فعلته هي ورسول - صلى الله عليه وسلم- فاغتسلا [78]، ولم يلتفت إلى قول ابن عباس وإحدى الروايتين عن علي أن عدة المتوفى عنها الحامل أقصى الأجلين لصحة حديث سُبيعة الأسلمية[79]، ولم يلتفت إلى قول معاذ ومعاوية في توريث المسلم من الكافر لصحة الحديث المانع من التوارث بينهما[80]، ولم يلتفت إلى قول ابن عباس في الصرف لصحة الحديث بخلافه[81]، ولا إلى قوله بإباحة لحوم الحمر كذلك[82]، وهذا كثير جدا، ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ويقدمونه على الحديث الصحيح، وقد كذّب أحمد من ادعى هذا الإجماع ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي أيضا نص في رسالته الجديدة على أن ما لا يعلم فيه بخلاف لا يقال له إجماع، ولفظه ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعا، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول ما يدعي فيه الرجل الإجماع فهو كذب من ادعى الإجماع، فهو كاذب لعل الناس اختلفوا ما يدريه ولم ينته إليه، فليقل لا نعلم الناس اختلفوا هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكنه يقول: «لا نعلم الناس اختلفوا أو لم يبلغني ذلك»، هذا لفظه.
ونصوص رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص، فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع، لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده.
الأصل الثاني: من أصول فتاوى الإمام أحمد ما أفتى به الصحابة، فإنه إذا وجد لبعضهم فتوى لا يعرف له مخالف منهم فيها لم يعدها إلى غيرها، ولم يقل إن ذلك إجماع، بل من ورعه في العبارة يقول: لا أعلم شيئا يدفعه، أو نحو هذا، كما قال في رواية أبي طالب: لا أعلم شيئا يدفع قول ابن عباس وابن عمر وأحد عشر من التابعين عطاء ومجاهد وأهل المدينة على تسري العبد، وهكذا قال أنس بن مالك: لا أعلم أحدا رد شهادة العبد، حكاه عنه الإمام أحمد، وإذا وجد الإمام أحمد هذا النوع عن الصحابة لم يقدم عليه عملاً ولا رأيًا ولا قياسًا.
الأصل الثالث من أصوله: إذا اختلف الصحابة، تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكي الخلاف فيها ولم يجزم بقول.
قال إسحاق بن إبراهيم بن هانىء في "مسائله": «قيل لأبي عبد الله يكون الرجل في قومه فيسأل عن الشيء فيه اختلاف، قال يفتي بما وافق الكتاب والسنة، وما لم يوافق الكتاب والسنة أمسك عنه، قيل له: أفيجاب عليه، قيل: لا».
الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث والضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل، ولا المنكر، ولا ما في روايته متهم، بحيث لا يسوغ الذهاب إليه، فالعمل به بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثرا يدفعه، ولا قول صاحب، ولا إجماعا على خلافه، كان العمل به عنده أولى من القياس.
وليس أحد من الأئمة إلا وهو موافقه على هذا الأصل من حيث الجملة، فإنه ما منهم أحد إلا وقد قدّم الحديث الضعيف على القياس.
فقدّم أبو حنيفة حديث القهقهة[83]في الصلاة على محض القياس، وأجمع أهل الحديث على ضعفه، وقدّم حديث الوضوء بنبيذ التمر على القياس[84]، وأكثر أهل الحديث يضعّفه، وقدّم حديث أكثر الحيض عشرة أيام[85]، وهو ضعيف باتفاقهم على محض القياس، فإن الذي تراه في اليوم الثالث عشر مساو في الحد والحقيقة والصفة لدم اليوم العاشر، وقدّم حديث «لا مهر أقل من عشرة دراهم»[86]، وأجمعوا على ضعفه بل بطلانه على محض القياس، فإن بذل الصداق معاوضة في مقابلة بذل البضع فما تراضيا عليه جاز قليلا كان أو كثيرا.
وقدم الشافعي خبر تحريم صيد وج[87] مع ضعفه على القياس، وقدّم خبر جواز الصلاة بمكة في وقت النهي[88] مع ضعفه ومخالفته لقياس غيرها من البلاد، وقدّم في أحد قوليه حديث من قاء أو رعف: فليتوضأ وليبن على صلاته[89] على القياس مع ضعف الخبر وإرساله.
وأما مالك فإنه يقدم الحديث المرسل والمنقطع والبلاغات وقول الصحابى على القياس.
الأصل الخامس: القياس للضرورة:
فإذا لم يكن عند الإمام أحمد في المسألة نص ولا قول الصحابة أو واحد منهم ولا أثر مرسل أو ضعيف عدل إلى الأصل الخامس وهو القياس، فاستعمله للضرورة، وقد قال في كتاب الخلاّل: «سألت الشافعي عن القياس، فقال: إنما يصار إليه عند الضرورة»، أو ما هذا معناه.
فهذه الأصول الخمسة من أصول فتاويه وعليها مدارها، وقد يتوقف في الفتوى لتعارض الأدلة عنده، أو لاختلاف الصحابة فيها، أو لعدم اطلاعه فيها على أثر أو قول أحد من الصحابة والتابعين.
وكان شديد الكراهة والمنع للإفتاء بمسألة ليس فيها أثر عن السلف، كما قال لبعض أصحابه: «إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام»[90].
وبعد: فقد كانت تلك إلماحة تعريفية في علم الأصول ومقام الفتوى، أوردتها تمهيدًا للدخول في صلب البحث، مبتدءًا بالفصل الأول المتعلق بالأحكام وأثرها في صحة الفتوى.
نشر هذا البحث في العدد 81 من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.
إعداد الدكتور : عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة أم القرى وإمام الحرم المكي.
[1] "إعلام الموقعين" 1/10 .
[2] "إعلام الموقعين" 1/11 .
[3] هو: الإمام أبو عبد الله، شمس الدين بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي، المعروف بابن قيم الجوزية، قال القاضي الزرعي: ما تحت أديم السماء أوسع منه علمًا. له مؤلفات كثيرة منها ما هو مطبوع، ومنها ما هو في خزائن المخطوطات، ومن أشهرها وأنشرها :"زاد المعاد في هدي خير العباد"، و"إعلام الموقعين"، توفي في ليلة الخميس ثالث عشر رجب وقت أذان العشاء وصُلِّيَ عليه بعد صلاة الظهر من الغد بالجامع الأموي. ينظر: "الدرر الكامنة" لابن حجر العسقلاني 3/400، و"البداية والنهاية" لإسماعيل بن كثير 14/234، و"شذرات الذهب" لابن العماد الحنبلي 6/168.
[4] ينظر : "المصدر السابق" 1/12-14 .
[5] هو: عبدالرحمن بن أبي ليلى أبوعيسى الكوفي والد محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى القاضي ولد لست بقين من خلافة عمر بن الخطاب > مات سنة ثلاث وثمانين . ينظر : "الطبقات" لابن سعد 6/109 ، "تهذيب الكمال" 17/372 .
[6] أخرجه الدارمي في "السنن" في باب "من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع" برقم 135 .
[7] ينظر: "الرسالة" للإمام الشافعي 1/509.
[8] "البرهان في أصول الفقه" 2/870.
[9] هو: محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الإمام الجليل أبو حامد الغزالي حجّة الإسلام، ولد بطوس سنة 450هـ، توفي في مصر سنة 505هـ، له نحو مئتي مصنف من كتبه: "إحياء علوم الدين"، و"تهافت الفلاسفة"، و"الاقتصاد في الاعتقاد"، و"المستصفى من علم الأصول"، وغير ذلك. ينظر: "وفيات الأعيان" 1/463، و"طبقات الشافعية" للسبكي 4/101.
[10] "المستصفى" 1/342.
[11] أي: الجراءة في الإقدام عليهما. "اللسان" جسر.
[12] يهرفون، أي: يمدحون بلا خبرة، ومنه المثل:"لا تهرف، بما لا تعرف" أي: لا تمدح قبل التجربة. ينظر:"النهاية" و"اللسان" هرف.
[13] يسفسطون، أي: يستعملون السفسطة في كلامهم، والسفسطة: قياس مركب من الوهميات، والغرض منه تغليط الخصم وإسكاته. "التعريفات".
[14] رجل أفين، ومأفون، أي: ناقص العقل. "اللسان" أفن.
[15] الرويبضة: تصغير الرابضة، وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور، وقعد عن طلبها، وزيادة التاء للمبالغة. "النهاية" ربض.
[16] تنصل فلان من كذا، أي: تبرأ منه. "اللسان" نصل.
[17] البيت ذكره ابن القيم في "إعلام الموقعين"، ويكذلك، أي: يقول: كذلك قال فلان، بدون دليل من كتاب أوسنة. ينظر:"إعلام الموقعين" 4/208.
[18] الحجر: المنع من التصرف. "النهاية" حجر.
[19] الملاحون: جمع ملاح، وهو السفان الذي يوجه السفينة. "تاج العروس" ملح.
[20] "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" ص560.
[21] أي: أن أصحابها من المتجرئين على الحق، لا من المتحرين له.
[22] أشجاه الشيء: أغصه، وأشجاه العظم: إذا عرض في حلقه. "اللسان" شجو.
[23] اللأواء: المشقة والشدة. "اللسان" لأي.
[24] الغلواء بالضم، وفتح اللام: الغلو. "اللسان" غلو.
[25] البيت ذكره ابن القيم في "إعلام الموقعين" 4/208.
[26] الغوائل: جمع غائلة، وهي الداهية. "اللسان" غول.
[27] "نفائس الأصول في شرح المحصول" للقرافي 1/22، و"نهاية السول" للأسنوي 1/16، و"روضة الناظر" لابن قدامة 1/59.
[28] ينظر: "نثر الورود على مراقي السعود" للشنقيطي ص 36، 37.
[29] "الوجيز في أصول الفقه" للكراماستي ص2، "التقريب والإرشاد الصغير" للقاضي الباقلاني 1/172، "الإبهاج في شرح المنهاج" للسبكي 1/19، "رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب" للسبكي 1/242، و"أصول الفقه نشأته وتطوره" لشعبان محمد إسماعيل 10-12.
[30] هو: أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن أبو العباس، شهاب الدين الصنهاجي القرافي: من علماء المالكية. وهو مصري المولد والمنشأ والوفاة. له مصنفات جليلة في الفقه والأصول منها: "أنوار البروق في أنواع الفروق"، و"الإحكام في تمييز الفتاوى عن الإحكام"، و"الذخيرة" في فقه المالكية توفي عام 684هـ. ينظر: "الديباج المذهب" لابن فرحون 62-67، و"حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة" للسيوطي 1/316، و"الأعلام" للزركلي 1/94.
[31] "نفائس الأصول في شرح المحصول" للقرافي 1/18.
[32] ينظر: "صفة الفتوى والمستفتي" لابن حمدان ص4.
[33] ينظر: "المنخول" للغزالي 1/463.
[34] هو: يحيى بن شرف بن مِري بن حسن الحزامي الحوراني النووي الشافعي، أبوزكريا محي الدين، علامة بالفقه والحديث إماماً بارعاً حافظاً متقناً، من تصانيفه:"شرح مسلم"، و"الروضة"، و"شرح المهذب"، و"المنهاج"، و"التحقيق"، و"الأذكار" وغير ذلك. مات في سنة 676هـ. ينظر:"طبقات الشافعية" للسبكي 5/165، و"طبقات الحفاظ" ص539، و"شذرات الذهب" 5/345.
[35] ينظر: "آداب الفتوى والمفتي والمستفتي" للنووي ص13، 14، 16، و"المجموع شرح المهذب" 1/73، و"إعلام الموقعين" 1/10 وما بعدها.
[36] ينظر في تفسير هذه الآية: "تفسير ابن كثير" 3/250.
[37] أخرجه البخاري في باب "كيف يقبض العلم" برقم 100، ومسلم في "باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان" برقم 2673.
[38] هو: زُبيد بن الحارث بن عبدالكريم بن عمرو بن كعب الياميّ ويقال الإياميُّ أيضاً أبوعبدالرحمن ويقال: أبوعبدالله الكوفي، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة وقيل أربع وعشرين ومئة. ينظر: "الطبقات" لابن سعد 6/309، "تهذيب الكمال" للمزي 9/289.
[39] هو: إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبو عمران الكوفي، فقيه أهل الكوفة، مات وهو مختفٍ من الحجاج سنة ست وتسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك بالكوفة. ينظر: "الطبقات" لابن سعد 6/270، "تهذيب الكمال" للمزي 2/233.
[40] أخرجه الدارمي في "السنن" في باب "من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع" برقم 131.
[41] هو: عمر زكريا بن أبي زائدة الهمداني الوادعي الكوفي، مولى عمرو بن عبد الله الوادعي، ينظر: "تهذيب الكمال" للمزي 21/348، و"تاريخ الإسلام" للذهبي 6/255.
[42] هو: عامر بن شراحيل وقيل ابن عبدالله بن شراحيل الشعبي أبوعمرو الكوفي ولد لست سنين خلت من خلافة عمر بن الخطاب على المشهور، مات سنة ثلاث أو أربع أو خمس ومئة. ينظر: "الطبقات" لابن سعد 6/246، و"تهذيب الكمال" للمزي 14/28.
[43] أخرجه الدارمي في "السنن" في باب "من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع" برقم 132.
[44] أخرجه الدارمي في "السنن" في باب "من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع" برقم 136.
[45] هو: ابن أبي وحشيّة اليشكري، أبو بشر الواسطي، بصري الأصل وكان ينزل بني ثعلبة، مات سنة أربع وعشرين و مئة، وقيل غير ذلك، وكان ساجداً خلف المقام حين مات وقيل ثلاث وقيل خمس وقيل ست وعشرين و مئة. ينظر: "الطبقات" لابن سعد 7/253، و"تهذيب الكمال" 5/5.
[46] هو: سعيد بن جبير الأسدي بالولاء الكوفي، أبو عبد الله: من خيار التابعين، كان أعلمهم على الإطلاق، قتله الحجاج سنة 95هـ قال الإمام أحمد بن حنبل: قتل الحجاج سعيداً وما على وجه الأرض أحد إلاّ وهو مفتقر إلى علمه. ينظر: "طبقات ابن سعد" 6/178، و"تهذيب التهذيب" 4/11.
[47] أخرجه الدارمي في "السنن" في باب "من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع" برقم 134.
[48] أخرجه الدارمي في "السنن" في باب "من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع" برقم 135.
[49] هو: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي، أبومحمد ويقال: أبوعبدالرحمن المدني الفقيه المعروف، من خيار التابعين، مات في ولاية يزيد بن عبدالملك سنة إحدى واثنتين ومئة وقيل غير ذلك. ينظر: "طبقات بن سعد" 5/187، و "تهذيب الكمال" 23/427.
[50] ينظر: "إعلام الموقعين" 4/219.
[51] هو: عثمان بن عبدالرحمن صلاح الدين بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الشافعي أحد أئمة المسلمين علماً وديناً. ولد في شرخان قرب شهرزور، وتوفي سنة 643هـ. له كتاب: "معرفة أنواع علم الحديث" يعرف بمقدمة ابن الصلاح، و"الأمالي"، و"الفتاوى"، و"فوائد الرحلة"، و "أدب المفتي والمستفتي"، و"طبقات الفقهاء الشافعية". ينظر: "وفيات الأعيان" 1/312، و"طبقات الشافعية" للسبكي 5/137.
[52] ينظر: "أدب المفتي والمستفتي" ص74 وما بعدها باختصار.
[53] هو: عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي، الملقب بسحنون، قاض، فقيه، انتهت إليه رئاسة العلم في المغرب. روى "المدونة" في فروع المالكية عن عبد الرحمن بن قاسم عن الإمام مالك، ولد سنة 160هـ.
وتوفي في رجب سنة 240هـ. ينظر: "وفيات الأعيان" 1/291، و"هدية العارفين" 1/569، و "الأعلام" للزركلي 4/5.
[54] ينظر: "صفة الفتوى" ص10.
[55] ينظر: "صفة الفتوى" لابن حمدان ص29، و "المجموع" 1/41.
[56] ينظر: "إعلام الموقعين" 4/220 .
[57] هو: أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، أبوبكر المعروف بالخطيب، الحافظ الكبير محدث الشام والعراق، صاحب التصانيف. ومن مصنفاته: "تاريخ بغداد" أربعة عشر مجلدا، و"الكفاية في علم الرواية" في مصطلح الحديث، و"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"، و"شرف أصحاب الحديث"، وغير ذلك. مات سنة 463هـ. ينظر: "وفيات الأعيان" 1/92، و"طبقات الشافعية" للسبكي 3/12، و"طبقات الحفاظ" ص453.
[58] ينظر: "الفقيه والمتفقه" ص202.
[59] هو: محمد أمين بن عمر بن عبدالعزيز عابدين الدمشقي، فقيه الديار الشامية، وإمام الحنفية في عصره، مولده ووفاته في دمشق، له: "رد المحتار على الدر المختار" يعرف بحاشية ابن عابدين، و"العقود الدرية"، و"نسمات الأسحار على شرح المنار" في الأصول، توفي سنة 1252هـ. ينظر: "روض البِشر" 220، و"الأعلام" 6/42.
[60] ينظر: "حاشية ابن عابدين" 1/47.
[61] هو: محمد بن عبدالواحد بن عبدالحميد بن مسعود السيواسي ثم الإسكندري، كمال الدين المعروف بابن الهمام، إمام من علماء الحنفية عارف بأصول الديانات والتفسير والفرائض والفقه واللغة والمنطق، ولد بالاسكندرية، ونبغ في القاهرة وأقام بحلب مدة، وجاور بالحرمين، وكان معظماً عند الملوك، توفي بالقاهرة سنة 861هـ من كتبه: "فتح القدير" في شرح الهداية، و"التحرير" في أصول الفقه، و"زاد الفقير" مختصر فروع الحنفية. ينظر: "الضوء اللامع" 8/127، "شذرات الذهب" 7/289، و"الأعلام" للزركلي 6/255.
[62] ينظر : "أدب المفتي والمستفتي" ص90.
[63] هو: أحمد بن علي بن محمد الوكيل، أبو الفتح المعروف بابن بَرهَان، فقيه بغدادي غلب عليه علم الأصول، وكان على مذهب الإمام أحمد، وصحب أبا الوفاء علي بن عقيل ثم انتقل إلى مذهب الشافعي وتفقه على الشاشي والغزالي. توفي سنة 518هـ عن عمر يناهز الأربعين تقريباً. ينظر: "طبقات الشافعية" للسبكي 4/42، و "شذرات الذهب" 4/60.
[64] ينظر: "المجموع شرح المهذب" 1/41.
[65] ينظر: "حاشية ابن عابدين" 4/301.
[66] ينظر: "إعلام الموقعين" 4/229.
[67] ينظر: "المجموع شرح المهذب" 1/46.
[68] ينظر: "شرح منتهى الإرادات" 3/457، و"إعلام الموقعين" 4/220، وحاشية ابن عابدين 4/302، و"صفة الفتوى" لابن حمدان ص13، و"المجموع شرح المهذب" 1/75.
[69] ينظر: "حاشية الدسوقي" 4/130.
[70] ينظر: "حاشية ابن عابدين" 4/302.
[71] ينظر: "أدب المفتي والمستفتي" ص106-107.
[72] هو: علي بن محمد بن حبيب أبو الحسن الماوردي: أقضى قضاة عصره. من العلماء الباحثين. أصحاب التصانيف الكثيرة النافعة، ولد في البصرة وانتقل إلى بغداد، وولي القضاء في بلدان كثيرة ثم جعل "أقضى القضاة" في أيام القائم بأمر الله العباسي. من كتبه: "أدب الدنيا والدين"، و"الأحكام السلطانية"، و"الحاوي" في فقه الشافعية، وغير ذلك كثير. توفي سنة 450هـ، ينظر: "طبقات الشافعية الكبرى" 3/303، و"وفيات الأعيان" 3/282، و"شذرات الذهب" 3/285.
[73] هو: طاهر بن عبدالله بن طاهر الطبري أبو الطيب، قاضي من أعيان الشافعية، ولد في آمُل طبرستان، واستوطن بغداد، وولي القضاء بربع الكرخ، وتوفي ببغداد سنة 450هـ، له: "شرح مختصر المزني"، و"التعليقة الكبرى". ينظر: "طبقات الشافعية" 3/176، و"الأعلام" للزركلي 3/222.
[74] الذي أخرجه مسلم في باب "المطلقة ثلاثا لا نفقة لها" برقم 1480.
[75] الذي أخرجه البخاري في باب "المتيمم هل ينفخ فيهما" برقم 331.
[76] الذي أخرجه البخاري في باب "غسل المذي والوضوء منه" برقم 267.
[77] الذي أخرجه البخاري في باب "تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة" برقم 1568.
[78] الذي أخرجه الترمذي في باب "ماجاء : إذا التقى الختانان وجب الغسل" برقم 108، وقال " حسن صحيح".
[79] الذي أخرجه البخاري في باب "فضل من شهد بدرا" برقم 3770.
[80] الذي أخرجه البخاري في باب "أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح" برقم 4032.
[81] الذي أخرجه البخاري في باب "بيع الفضة بالفضة" برقم 2067.
[82] الذي أخرجه البخاري في باب "كسر الصليب وقتل الخنزير" برقم 2345.
[83] الذي أخرجه الدارقطني في باب "أحاديث القهقهة في الصلاة وعللها" برقم 11.
[84] الذي أخرجه أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار في باب "الرجل لا يجد إلا نبيذ التمر هل يتوضأ به أو يتيمم" برقم 572.
[85] الذي أخرجه الدارمي في باب "ما جاء في أكثر الحيض" برقم 832.
[86] الذي أخرجه الدارقطني في باب "المهر" برقم 16.
[87] الذي أخرجه أبو داود في باب رقم "97" برقم 2032.
[88] الذي أخرجه أبو داود في باب "الطواف بعد العصر" برقم 1894.
[89] الذي أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" في باب "ترك الوضوء من خروج الدم من غير مخرج الحدث" برقم 652.
[90] ينظر: "إعلام الموقعين عن رب العالمين" 1/29-32.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع