أبو عبد الرحمان التونسي
عضو هيئة التدريس
- إنضم
- 9 مايو 2011
- المشاركات
- 412
- النقاط
- 16
- الإقامة
- islammodere.blogspot.com
- احفظ من كتاب الله
- 15 جزءا
- احب القراءة برواية
- قالون
- القارئ المفضل
- الحصري
- الجنس
- أخ
قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق)
الإجابــة
فهذا سؤال حسن لطيف، وهذا الحديث جدير بأن يعتني الإنسان بفهمه ومعرفة المقصود به عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل أن نشرح هذا الحديث ونبيِّن معناه نود أن نقدم له بمقدمة لتكون بعد ذلك كالمعينة على فهمه وعلى استيعاب مقصوده، بل لعلك إن شاء الله تفهم مقصوده والمراد منه بمجرد هذه المقدمة، وأصل ذلك أن تعلم أن الله جل وعلا خلق هذا الإنسان وهو العليم بكل ما يصلحه؛ فهو العليم بما يصلحه في دينه وهو العليم بما يصلحه كذلك في دنياه؛ قال تعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.
ومما سنَّه الله جل وعلا لعباده المؤمنين أن يتدرجوا في أمورهم؛ فخذ هذا المثال: لو أن لديك طفلاً صغيرًا –أخاك مثلاً– وهذا الولد الصغير تريد أن تعلمه على أمر ما، كأن تعلمه مثلاً أن يصلي، فهل تبدأ معه فورًا بجميع أحكام الصلاة وواجباتها وشروطها وكذلك كيفية الوضوء لها والطهارة لها والتحرز من النجاسات، أم تبدأ معه شيئًا فشيئًا؟ فتبدأ معه مثلاً بالترغيب في الصلاة وتذكيره بالأجر وتشجيعه على تعلم الوضوء ومكافأته على ذلك، ثم تنتقل به إلى صلاة خفيفة لطيفة كأن تقول له: صل معي وحاك حركاتي وقلِّدها، ثم تتدرج به شيئًا فشيئًا، وهكذا حتى تصل به إلى أن يؤدي الصلاة كما أمر الله تعالى، فلا ريب أنك ستقول إن الأمر كذلك، فلا بد من التدرج في مثل هذا.
والجواب: هذا هو الذي سنَّه الله تعالى وشرعه، وهو أن يتدرج الإنسان في الشيء شيئًا فشيئًا وأن يعود نفسه على الاقتصاد والتوسط، بحيث إذا دخل بشيء فلا يدخل فيه بالغلو ولا يدخل فيه بالإفراط، ولكن يدخله بالاعتدال مبتدئًا بالأيسر فالأيسر.
وهذا الدين الكريم دينٌ عظيم، ودين قويم، دين يحتاج إلى أن يعوِّد الإنسان نفسه على الأخذ بطاعة الرحمن وعلى أن يثبت على هذا، ولذلك يحتاج إلى أن يسوس نفسه سياسة لطيفة وأن يأخذها برفق، وذلك بأن يبدأ بالأعمال التي تكون سهلة على قلبه، نعم الفرائض لا بد من أدائها، ولكن لا بد كذلك من التعويد على طاعة الرحمن بهذه النوافل والسنن والمستحبات برفق وأناة، حتى يصل الإنسان إلى أن يثبت عليها وتكون عادة له مستمرة وخلقًا عليه، وهذا هو الذي بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم عندما بلغه أن امرأة تُذكر من كثرة صلاتها فقال: (مَهْ – أي فلتكفَّ عن ذلك – عليكم بما تطيقون – أي عليكم بما تحتملونه من طاعة الله عز وجل من هذه النوافل – فوالله لا يملَّ الله حتى تملُّوا) قالت عائشة رضي الله عنها: (وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه).
ومعنى (لا يملَّ الله حتى تملُّوا) أي أنك إن أوغلت – أي إن دخلت – في هذه العبادات بقوة وغلو وتعجل وأكثرت منها إكثارًا ترهق نفسك حصل لك الملل وحصلت لك السآمة فتقطعها بعد ذلك لا محالة، فإن قطعتها قطع الله عنك الأجر، وهذا معنى (لا يملَّ الله حتى تملُّوا) أي لا يقطع ثوابه عنكم وجزاء أعمالكم ويعاملكم معاملة المالَّ حتى تملُّوا أنتم وتتركوا ما أنتم عليه من الطاعة التي كنتم عليها.
لذلك كان حقًّا على العاقل المؤمن أن يأخذ من طاعة الله ما يستطيع الدوام عليه وما يستطيع أن يستمر عليه، وهذا هو الذي شرحته عائشة رضي الله عنها بأوجز عبارة وهو (وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه).
[frame="7 80"]وهذا أمر كثيرٌ بسطه في الكتاب والسنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الغلو، ولذلك خرَّج الإمام أحمد عن النبي – صلوات الله وسلامه عليه -: (إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) وخرَّج الإمام البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الدين يسرٌ ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلجة) وهذا الحديث يشرح الحديث الذي أشرت إليه، فكلاهما شارحٌ صاحبه.[/frame]
ومقصود الحديث الذي أشرت إليه وقد أخرجه الإمام أحمد في المسند وهو حديث حسنٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين متين) أي إن هذا الدين الكريم الذي أكرمنا الله تعالى به قوي عميق واسع، فيحتاج الإنسان أن يأخذ بالرفق في الدخول فيه، فيأخذ نفسه شيئًا فشيئًا بحيث يؤدي الفرائض ويحرص عليها ولا يتنازل عنها، وأما تكميلها بالنوافل والمستحبات فيقتصر في ذلك ويعتدل فيه ويعوِّد نفسه شيئًا فشيئًا، (فأوغلوا فيه) أي ادخلوا فيه برفق، أي لا تكن مسرفًا غاليًا في العبادات بحيث ترهق نفسك وتلزمها ما لم يلزمك الله جل وعلا به حتى تصل إلى درجة الملل ودرجة السآمة، ولكن ادخل فيه برفق وعامل نفسك معاملة الطفل الصغير الذي يعوَّد على الشيء حتى يصير خلقًا له وعادة، وهذا هو الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى، وهو الاقتصاد في الطاعة وعدم المغالاة فيها حتى تظل حبيبة إلى النفس مطلوبة مرغوبة.
وهذا له نظائر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وله أحاديث قد بسطت في هذا المعنى، فمن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما بلغه أن ابنته زينت – رضي الله عنها – قد مدت حبلاً بين الساريتين في المسجد؛ فقال: (ما هذا الحبل) قالوا: هذا حبلٌ لزينب فإذا فترت –أي تعبت وكسلت عن القيام إلى الصلاة- تعلقت به –أي من كثرة العبادة وحرصها عليه– فقال صلى الله عليه وسلم: (حلُّوه -أي فكوا هذا الحبل- ليصل أحدكم نشاطه –أي مدة نشاطه وإقباله على العبادة ورغبته فيها– فإذا فتر فليرقد) أي إذا شعر بالسآمة أو الملل أو التعب فليرقد وليأخذ حظه من الراحة.
ولتعلم اخي الكريم أن للنفس على الإنسان حقّا، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (صم وأفطر ونم وقم فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينيك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا، وإن لزورك – أي لضيفك - عليك حقًّا)وكذلك ثبت من كلام سلمان رضي الله عنه أنه قال: (إن لربك عليك حقًّا، وإن لنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه) فقال صلى الله عليه وسلم: (صدق سلمان).
وهذه إشارة لطيفة إلى هذا الحديث، وإلا فإنه يحتمل أكثر من هذا البسط والشرح، ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلك من أصحاب البصيرة في دينه، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك وبمراسلاتك الكريمة، ونود دوام مراسلتك إلى الشبكة الإسلامية وأن تشارك فيها بمشاركتك اللطيفة.
وبالله التوفيق.
الإجابــة
فهذا سؤال حسن لطيف، وهذا الحديث جدير بأن يعتني الإنسان بفهمه ومعرفة المقصود به عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل أن نشرح هذا الحديث ونبيِّن معناه نود أن نقدم له بمقدمة لتكون بعد ذلك كالمعينة على فهمه وعلى استيعاب مقصوده، بل لعلك إن شاء الله تفهم مقصوده والمراد منه بمجرد هذه المقدمة، وأصل ذلك أن تعلم أن الله جل وعلا خلق هذا الإنسان وهو العليم بكل ما يصلحه؛ فهو العليم بما يصلحه في دينه وهو العليم بما يصلحه كذلك في دنياه؛ قال تعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.
ومما سنَّه الله جل وعلا لعباده المؤمنين أن يتدرجوا في أمورهم؛ فخذ هذا المثال: لو أن لديك طفلاً صغيرًا –أخاك مثلاً– وهذا الولد الصغير تريد أن تعلمه على أمر ما، كأن تعلمه مثلاً أن يصلي، فهل تبدأ معه فورًا بجميع أحكام الصلاة وواجباتها وشروطها وكذلك كيفية الوضوء لها والطهارة لها والتحرز من النجاسات، أم تبدأ معه شيئًا فشيئًا؟ فتبدأ معه مثلاً بالترغيب في الصلاة وتذكيره بالأجر وتشجيعه على تعلم الوضوء ومكافأته على ذلك، ثم تنتقل به إلى صلاة خفيفة لطيفة كأن تقول له: صل معي وحاك حركاتي وقلِّدها، ثم تتدرج به شيئًا فشيئًا، وهكذا حتى تصل به إلى أن يؤدي الصلاة كما أمر الله تعالى، فلا ريب أنك ستقول إن الأمر كذلك، فلا بد من التدرج في مثل هذا.
والجواب: هذا هو الذي سنَّه الله تعالى وشرعه، وهو أن يتدرج الإنسان في الشيء شيئًا فشيئًا وأن يعود نفسه على الاقتصاد والتوسط، بحيث إذا دخل بشيء فلا يدخل فيه بالغلو ولا يدخل فيه بالإفراط، ولكن يدخله بالاعتدال مبتدئًا بالأيسر فالأيسر.
وهذا الدين الكريم دينٌ عظيم، ودين قويم، دين يحتاج إلى أن يعوِّد الإنسان نفسه على الأخذ بطاعة الرحمن وعلى أن يثبت على هذا، ولذلك يحتاج إلى أن يسوس نفسه سياسة لطيفة وأن يأخذها برفق، وذلك بأن يبدأ بالأعمال التي تكون سهلة على قلبه، نعم الفرائض لا بد من أدائها، ولكن لا بد كذلك من التعويد على طاعة الرحمن بهذه النوافل والسنن والمستحبات برفق وأناة، حتى يصل الإنسان إلى أن يثبت عليها وتكون عادة له مستمرة وخلقًا عليه، وهذا هو الذي بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم عندما بلغه أن امرأة تُذكر من كثرة صلاتها فقال: (مَهْ – أي فلتكفَّ عن ذلك – عليكم بما تطيقون – أي عليكم بما تحتملونه من طاعة الله عز وجل من هذه النوافل – فوالله لا يملَّ الله حتى تملُّوا) قالت عائشة رضي الله عنها: (وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه).
ومعنى (لا يملَّ الله حتى تملُّوا) أي أنك إن أوغلت – أي إن دخلت – في هذه العبادات بقوة وغلو وتعجل وأكثرت منها إكثارًا ترهق نفسك حصل لك الملل وحصلت لك السآمة فتقطعها بعد ذلك لا محالة، فإن قطعتها قطع الله عنك الأجر، وهذا معنى (لا يملَّ الله حتى تملُّوا) أي لا يقطع ثوابه عنكم وجزاء أعمالكم ويعاملكم معاملة المالَّ حتى تملُّوا أنتم وتتركوا ما أنتم عليه من الطاعة التي كنتم عليها.
لذلك كان حقًّا على العاقل المؤمن أن يأخذ من طاعة الله ما يستطيع الدوام عليه وما يستطيع أن يستمر عليه، وهذا هو الذي شرحته عائشة رضي الله عنها بأوجز عبارة وهو (وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه).
[frame="7 80"]وهذا أمر كثيرٌ بسطه في الكتاب والسنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الغلو، ولذلك خرَّج الإمام أحمد عن النبي – صلوات الله وسلامه عليه -: (إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) وخرَّج الإمام البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الدين يسرٌ ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلجة) وهذا الحديث يشرح الحديث الذي أشرت إليه، فكلاهما شارحٌ صاحبه.[/frame]
ومقصود الحديث الذي أشرت إليه وقد أخرجه الإمام أحمد في المسند وهو حديث حسنٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين متين) أي إن هذا الدين الكريم الذي أكرمنا الله تعالى به قوي عميق واسع، فيحتاج الإنسان أن يأخذ بالرفق في الدخول فيه، فيأخذ نفسه شيئًا فشيئًا بحيث يؤدي الفرائض ويحرص عليها ولا يتنازل عنها، وأما تكميلها بالنوافل والمستحبات فيقتصر في ذلك ويعتدل فيه ويعوِّد نفسه شيئًا فشيئًا، (فأوغلوا فيه) أي ادخلوا فيه برفق، أي لا تكن مسرفًا غاليًا في العبادات بحيث ترهق نفسك وتلزمها ما لم يلزمك الله جل وعلا به حتى تصل إلى درجة الملل ودرجة السآمة، ولكن ادخل فيه برفق وعامل نفسك معاملة الطفل الصغير الذي يعوَّد على الشيء حتى يصير خلقًا له وعادة، وهذا هو الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى، وهو الاقتصاد في الطاعة وعدم المغالاة فيها حتى تظل حبيبة إلى النفس مطلوبة مرغوبة.
وهذا له نظائر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وله أحاديث قد بسطت في هذا المعنى، فمن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما بلغه أن ابنته زينت – رضي الله عنها – قد مدت حبلاً بين الساريتين في المسجد؛ فقال: (ما هذا الحبل) قالوا: هذا حبلٌ لزينب فإذا فترت –أي تعبت وكسلت عن القيام إلى الصلاة- تعلقت به –أي من كثرة العبادة وحرصها عليه– فقال صلى الله عليه وسلم: (حلُّوه -أي فكوا هذا الحبل- ليصل أحدكم نشاطه –أي مدة نشاطه وإقباله على العبادة ورغبته فيها– فإذا فتر فليرقد) أي إذا شعر بالسآمة أو الملل أو التعب فليرقد وليأخذ حظه من الراحة.
ولتعلم اخي الكريم أن للنفس على الإنسان حقّا، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (صم وأفطر ونم وقم فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينيك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا، وإن لزورك – أي لضيفك - عليك حقًّا)وكذلك ثبت من كلام سلمان رضي الله عنه أنه قال: (إن لربك عليك حقًّا، وإن لنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه) فقال صلى الله عليه وسلم: (صدق سلمان).
وهذه إشارة لطيفة إلى هذا الحديث، وإلا فإنه يحتمل أكثر من هذا البسط والشرح، ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلك من أصحاب البصيرة في دينه، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك وبمراسلاتك الكريمة، ونود دوام مراسلتك إلى الشبكة الإسلامية وأن تشارك فيها بمشاركتك اللطيفة.
وبالله التوفيق.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع