- إنضم
- 26 أغسطس 2010
- المشاركات
- 3,675
- النقاط
- 38
- الإقامة
- الامارات
- احفظ من كتاب الله
- القرءان كامل
- احب القراءة برواية
- بحميع الروايات
- القارئ المفضل
- الشيخ ابراهيم الأخضر
- الجنس
- أخت
الوقف والابتداء عند أهل الأداء وعلاقته بالمعنى القرآنى
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وبعد:
فالواقع أن باب الوقف والابتداء باب هام جداً يجب على قارئ القرآن الكريم أن يهتم به ، إذ هو دليل على فقهه وبصيرته ؛ لأن القارئ قد يقف أحياناً على ما يخل بالمعنى ، وهو لا يدرى. أو يبتدئ بما لا ينبغى الابتداء به.
فإن كان ذا بصيرة ، فإنه لن يقف إلا على ما يتم به المعنى ، اللهم إلا إذا اضطر إلى غير ذلك ، فإن عليه حينئذٍ أن يعالج أمره بأن يرجع كلمة أو أكثر أى إلى موضع يجوز الابتداء به ، فيستأنف قراءته بادئاً به ، ومنتهياً بجملة تفيد معنى يجوز الوقوف عليه.
ومثل ذلك قل أيضاً فى الابتداء.
والهدف من وراء ذلك كله هو عدم الإخلال بنظم القرآن ، ولا بما اشتمل عليه من معان.ولسوف يقف القارئ الكريم على أمثلة تطبيقية فيما هو آت – إن شاء الله تعالى - يدرك من خلالها ارتباط كل من الوقف والابتداء فى قراءة القرآن الكريم بالتفسير ، ولكن من حق قارئنا علينا - قبل ذلك - أن نوقفه على معنى كل من الوقف والابتداء وأهم ما يتعلق بهما من أحكام0
تعريف الوقف والابتداء:
الوقف: هو قطع النطق عن آخر الكلمة.
والابتداء: هو الشروع فى الكلام بعد قطع أو وقف.
علاقة الوقف والابتداء بالمعنى أو التفسير:
قال الصفاقسى فى كتابه تنبيه الغافلين مبيناً أهمية معرفة الوقف والابتداء:
ومعرفة الوقف والابتداء متأكد غاية التأكيد ، إذ لا يتبين معنى كلام الله ، ويتم على أكمل وجه إلا بذلك ، فربما قارئ يقرأ ويقف قبل تمام المعنى ، فلا يفهم هو ما يقرأ ومن يسمعه كذلك ، ويفوت بسبب ذلك ما لأجله يقرأ كتاب الله تعالى ، ولا يظهر مع ذلك وجه الإعجاز ، بل ربما يُفهم من ذلك غير المعنى المراد ، وهذا فساد عظيم ، ولهذا اعتنى بعلمه وتعليمه ، والعمل به المتقدمون والمتأخرون ، وألفوا فيه من الدواوين ( ) المطولة والمتوسطة والمختصرة ، ما لا يعد كثرة ، ومن لا يلتفت لهذا ، ويقف أين شاء ، فقد خرق الإجماع ، وحاد عن إتقان القراءة وتمام التجويد. ( )
وهذا الكلام من عالم صرف حياته لخدمة القرآن كالصفاقسى ، له وجاهته ، وهو يؤكد ما قلته آنفاً عن ارتباط الوقف والابتداء بالتفسير.
وقال السخاوى فى تأكيد ذلك أيضاً:
فى معرفة الوقف والابتداء الذى دونه العلماء تبيين معانى القرآن العظيم ، وتعريف مقاصده ، وإظهار فوائده ، وبه يتهيأ الغوص على درره وفرائده 00 وقد اختار العلماء ، وأئمة القراء تبيين معانى كلام الله تعالى وجعلوا الوقف منبهاً على المعنى ومفصلاً بعضه عن بعض ، وبذلك تلذ التلاوة ، ويحصل الفهم والدراية ، ويتضح منهاج الهداية. ( )
من الآثار الدالة على وجوب معرفة الوقف والابتداء:
1- حديث الخطيب الذى خطب بين يدى النبى - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما. ثم وقف على "يعصهما" ثم قال فقد غوى. هنا قال له النبى -صلى الله عليه وسلم -: "بئس الخطيب أنت" ( )
وقد قال له النبى - صلى الله عليه وسلم - ذلك لقبح لفظه فى وقفه ، إذ خلط الإيمان بالكفر فى إيجاب الرشد لهما ، وكان حقه أن يقول واصلاً: ومن يعصهما فقد غوى . أو يقف على "فقد رشد" ثم يستأنف بعد ذلك " ومن يعصهما ..الخ" فهذا دليل واضح على وجوب مراعاة محل الوقف.
2- روى عن ابن عمر - رضى الله عنهما - أنه قال: لقد غشينا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة على النبى - صلى الله عليه وسلم - فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزجرها وما ينبغى أن يوقف عنده منها.
3- وقال على - رضى الله عنه - لما سئل عن قوله تعالى: ((ورتل القرآن ترتيلاً )) ( ) قال: الترتيل معرفة الوقوف وتجويد الحروف. ( )
قال ابن الجزرى فى النشر: فى كلام على - رضى الله عنه - دليل على وجوب تعلم الوقف والابتداء ومعرفته.
وفى كلام ابن عمر برهان على أن تعلمه إجماع من الصحابة - رضى الله عنهم - أجمعين وصح بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبى جعفر يزيد
ابن القعقاع - أحد القراء العشرة - وإمام أهل المدينة الذى هو من أعيان التابعين ، وصاحبه الإمام نافع بن أبى نعيم وأبى عمرو بن العلاء ، ويعقوب الحضرمى ، وعاصم
بن أبى النجود - وهم من القراء العشرة - وغيرهم من الأئمة ، وكلامهم فى ذلك معروف ، ونصوصهم عليه مشهورة فى الكتب ومن ثم اشترطه كثير من أئمة الخلف على المجيز أن لا يجيز أحداً إلا بعد معرفته الوقف والابتداء ، وكان أئمتنا يوقفوننا عند كل حرف ، ويشيرون إلينا فيه بالأصابع سنة أخذوها كذلك عن شيوخهم الأولين -رحمة الله عليهم أجمعين. ا.هـ ( )
4- وروى أن عمر بن عبدالعزيز – رضى الله عنه – كان إذا دخل شهر رمضان قام أول ليلة منه خلف الإمام يريد أن يشهد افتتاح القرآن ، فإذا ختم أتاه أيضاً ليشهد ختمه فقرأ الإمام قوله تعالى: ((وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)) ( ) ثم توقف عن القراءة وركع فعابه عمر وقال: قطعت قبل تمام القصة إذ كان ينبغى عليه أن يكمل الآية التى بعدها إذ فيها رد القرآن على دعواهم هذه وهو قوله سبحانه: ((ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)) ( )
5- وأختم هذه الأدلة بحديث نبوى كما استهللتها به وهو حديث أبى بن كعب ، قال: أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الملك كان معى فقال: اقرأ القرآن ، فعد حتى بلغ سبعة أحرف فقال: ليس منها إلا شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة ، أو تختم رحمة بعذاب" ( )
قال أبو عمرو الدانى : هذا تعليم التمام من رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عن جبريل عليه السلام ، إذ ظاهره دالّ على أنه ينبغى أن تقطع الآية التى فيها ذكر النار والعقاب وتفصل مما بعدها إذا كان بعدها ذكر الجنة والثواب ، والأمر كذلك أيضاً إذا كانت الآية فيها ذكر الجنة والنار بأن يفصل الموضع الأول عن الثانى.
قال السخاوى معقباً: لأن القارئ إذا وصل غير المعنى ، فإذا قال: ((تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين)) ( ) غيرّ المعنى وصير الجنة عقبى الكافرين. ( )
مقدار الوقف:
روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن مقدار الوقف هو مقدار ما يشرب الشربة من الماء. وقيل: بل مقدار ما يقول: أعوذ بالله من النار ثلاث مرات أو سبع مرات.
مذاهب القراء فيما يعتبر فى تحديد مواضع الوقف والابتداء:
ذكر السيوطى فى الإتقان ( ) مذاهب أئمة القراء فى ذلك فقال:
لأئمة القراء مذاهب فى الوقف والابتداء ، فنافع كان يراعى تجانسهما بحسب المعنى ، وابن كثير وحمزة حيث ينقطع النفس - وهو الوقف الاضطرارى - واستثنى
ابن كثير قوله تعالى: ((وما يعلم تأويله إلا الله)) ( ) ، وقوله تعالى: ((وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم)) ( )،( ) ، وقوله تعالى : ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر)) ( ) وعاصم والكسائى - يقفان - حيث تم الكلام ، وأبو عمرو يتعمد رءوس الآيات ، وإن تعلقت بما بعدها ، اتباعاً لهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته - حيث - روى أبو داود وغيره عن أم سلمة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - " كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول: بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم يقف ، الحمد لله رب العالمين ، ثم يقف ، الرحمن الرحيم ، ثم يقف" ( )
أقسام الوقف
قسم العلماء الوقف إلى أقسام عدة مختلفين فى اتجاهاتهم نحو هذا التقسيم ، والذى يترجح لدى واستقر الرأى عندى على اختياره من بين ما ذكره العلماء من أقسام أن الوقف ينقسم إلى قسمين:
الأول : وقف اضطرارى:
وهو ما اضطر إليه بسبب ضيق تنفس ، ونحوه ، كعجز ونسيان ، فعلى القارئ وصله بعد أن يزول سببه ، وذلك بأن يبدأ من الكلمة التى وقف عليها إن صلحت للابتداء بها ، وإلا ابتدأ بعد وقف صالح مما قبلها.
الثانى: وقف اختيارى:
وهو ما قصد لذاته من غير عروض سبب من الأسباب فهو مما يختاره القارئ ويقصده للاستراحة والتنفس ، وهذا القسم الثانى هو المقصود بالحديث عن الوقف ، لأنه هو الذى يعتمد عليه فقه القارئ وبصيرته حيث تظهر فيه شخصيته فى اختيار ما يقف عليه وما يبتدئ به.
ثم إن هذا القسم ينقسم إلى أقسام هى:
1- الوقف التام ويسمى " المختار"
وهو الوقف على كلام لا تعلق له بما بعده لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ، أو الذى انفصل عما بعده لفظاً ومعنى. ( ) والتام نفسه يتفاوت فى درجة تمامه ما بين تام وأتم ، والأتم أدخل فى كمال المعنى من التام ؛ لأن التام قد يكون له تعلق بما بعده على احتمال مرجوح ، أو يكون بعده كلام فيه تنبيه وحث على النظر فى عواقب من هلك بسوء فعله فيكون الوقف عليه أتم من الوقف على آخر القصة.
ومثال ذلك قوله تعالى: ((وإنكم لتمرون عليهم مصبحين. وبالليل أفلا تعقلون))( ) حيث الوقف على "وبالليل" تام وعلى " أفلا تعقلون" أتم.
ومن أمثلة الوقف التام أيضاً قوله تعالى عن لسان بلقيس: ((إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون)) ( ) حيث أن الوقف على "أذلة " تام عند الجمهور ، وسيأتى تفصيل الكلام عن هذا المثال فيما هو آت إن شاء الله أثناء الحديث عن النماذج التطبيقية.
وقد يكون الوقف تاماً على قراءة دون قراءة ، ومن ذلك قوله تعالى:
((الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد. الله الذى له ما فى السموات وما فى الأرض)) ( ) حيث أن الوقف على ((صراط العزيز الحميد)) تام على قراءة من رفع لفظ الجلالة "الله". وأما على قراءة من خفض لفظ الجلالة "الله" فليس بتام بل هو وقف حسن.
وبالجملة فإن الوقف التام يتحقق تحققاً ثابتاً فى بعض المواضع منها - كما ذكر السيوطى-: آخر كل قصة ، وما قبل أولها ، وآخر كل سورة ، وقبل يا النداء ، وقبل فعل الأمر والقسم ولامه دون القول ، والشرط ما لم يتقدم جوابه ………. ( )
2- الوقف الكافى ويسمى "الصالح ، والمفهوم" ، والجائز" ( ) وهو الوقف على كلام لا تعلق له بما بعده من جهة اللفظ لكن له تعلق به من جهة المعنى.
ومعنى ما جاء فى التعريف من كون هذا الكلام الذى يوقف عليه وقفاً كافياً لا تعلق له بما بعده من جهة اللفظ يعنى أنه لم يفصل فيه بين المبتدأ وخبره ، ولا بين النعت ومنعوته ، ولا بين المستثنى والمستثنى منه ، ولا بين التمييز ومميزه ، ولا بين الفاعل وفعله ……. ونحو ذلك.
وأما كونه له تعلق به من جهة المعنى فكأن يكون الكلام الذى جاء بعد محل الوقف الكافى تماماً لقصة أو وعد أو وعيد أو حكم أو احتجاج أو إنكار.
وحكم هذا الوقف:
أنه كالوقف التام من حيث جواز الوقف عليه والابتداء بما بعده. وإن كان أقل تمكناً من هذا الجواز من التام. وقد ذكر الصفاقسى له مثالاً ودليلاً على جوازه فى ذات الوقت وهو ما جاء فى صحيح البخارى بالسند المتصل عن عبدالله بن مسعود - رضى الله عنه - قال: قال لى النبى - صلى الله عليه وسلم - " اقرأ علىّ القرآن . قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: فإنى أحب أن أسمعه من غيرى. فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت ((فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)) قال أمسك ، فإذا عيناه تَذْرِفان" ( ) قال الصفاقسى بعد ذكر هذا الحديث:
وهو استدلال ظاهر جلى باهر لأن القطع أبلغ من الوقف وقد أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن مسعود عند انتهائه إلى "شهيداً" والوقف عليه كاف وقيل: تام والأول هو المشهور ومذهب الجمهور ، وعليه اقتصر ابن الأنبارى والدانى والعمانى والقسطلانى وغيرهم.
وهذا هو الظاهر لأن ما بعده مرتبط به من جهة المعنى لأن الآية مسوقة لبيان حال الكفار يوم المجئ حتى إنهم من شدة الهول وفظاعة الأمر يودون أنهم كانوا تراباً وصاروا هم والأرض شيئاً واحداً ، ولا يتم هذا المعنى إلا بما بعده وهو قوله تعالى: ((يومئذٍ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً)) فلو كان الوقف عليه - أى على "شهيداً" - غير سايغ ما أمر به - صلى الله عليه وسلم - مع قرب التام المجمع عليه منه وهو تذييل الآية المذكورة آخراً وهو قوله سبحانه ((ولا يكتمون الله حديثاً)) ( )، ( )
وفى الإتقان: يدخل تحت هذا الوقف كل رأس آية بعدها لام كى وإلا بمعنى لكن - يعنى الاستثناء المنقطع - وإن المشددة المكسورة ، والاستفهام ، وبل ، ولا المخففة ، والسين وسوف ، ونعم وبئس وكيلا مالم يتقدمهن قول وقسم. ( )
3- الوقف الحسن:عرفه السيوطى بأنه "الذى يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده" ( ) لتعلقه به لفظاً ومعنى ( ) وذلك كأن تقف على كلام مفيد فى ذاته بحيث إذا لم تذكر ما بعده لأخذ منه معنى يحسن السكوت أو الوقف عليه. وذلك كأن يأخذ الفعل فاعله ، والمبتدأ خبره ، والشرط جوابه. كل ذلك الوقف عليه حسن ، وقد يرتقى فى الحسن إلى درجة الأحسنية بأن يضاف إلى ما ذكر وصف ونحوه.
ومثاله الوقف على ((الحمد لله ……..))( ) فإنه أفاد معنى بذاته ، لذلك فإن الوقف عليه حسن لكن لا يحسن الابتداء بما بعده لأنه صفة له ، فلا يحسن أن يبتدئ بــ((رب العالمين)) لأنه مجرور حيث هو نعت لما قبله ، فيترتب عليه الفصل بين النعت ومنعوته ، ويترتب عليه أيضاً البدء بمجرور والأصل أن يبتدأ بمرفوع. إذ المبتدأ مرفوع أما المجرور فلابد من ذكر عامله معه. والحاصل أنه إن حسن الوقف على (الحمد لله) فإن الابتداء بـ( رب العالمين) لا يحسن لكونه صفة لما قبله ، ويستثنى من هذه القاعدة كما يقول الصفاقسى ما لو كان "الموقوف عليه رأس آية ، فلا يعيد ما وقف عليه لأنهن فى أنفسهن مقاطع ؛ ولأن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ قطّع ، ويقف عليها ولم يفرق بين ما هو متعلق بما قبله وغيره ، بل جعل جماعة الوقف على رءوس الآى سنة ، واستدلوا على ذلك بالحديث الذى رواه الترمذى بسند صحيح "أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ قطّع قراءته آية آية يقول: بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقف ثم يقول: الحمد لله رب العالمين ثم يقف ثم يقول: الرحمن الرحيم ثم يقف ثم يقول : مالك يوم الدين ……." ( )
ثم يقول الصفاقسى أيضاً:
وإنما ذكروا هذا الحسن ليتسع الأمر على القارئ فربما ضاقت نفسه قبل الوصول إلى التام والكافى لا سيما ما كان من ضيق الحنجرة ، فللإنسان طاقة محدودة من الكلام الذى يجمعه فى نفس واحد. ( )
وبعد فهذه هى الأقسام الثلاثة التى يجوز فيها الوقف مع التفاوت بينها فى التمكن من هذا الجواز. فيندب فى حق القارئ الوقوف على الأتم وإلا فالتام ، فإن لم يستطع فعلى الأكفى وإلا فعلى الكافى ، فإن لم يستطع فعلى الجائز - الحسن - "ويعيد ما وقف عليه إلا أن يكون رأس آية ، ولا يعدل عن هذه إلى المواضع التى يكره الوقوف عليها إلا من ضرورة كانقطاع نفس ويرجع إلى ما قبله ليصله بما بعده فإن لم يفعل عوتب ولا إثم عليه" ( )
4- الوقف القبيح:
هذا هو القسم الرابع من أقسام الوقف الاختيارى وقد عرفه السيوطى بأنه "الذى لا يفهم المراد منه" ( ) وذلك كأن يقرأ سورة الفاتحة فيقول "الحمد" ويقف فإنه لم يفد معنى ، أو أن يفصل بين المضاف والمضاف إليه كأن يقف على (رب) دون (العالمين) أو على (مالك) دون (يوم الدين) فذلك قبيح أيضاً ؛ لأن المضاف والمضاف إليه كالشئ الواحد.
وبالجملة فإن كل ما لا يفيد معنى ولا يفهم المراد منه فإن الوقف عليه قبيح. وأقبح منه الوقف الذى يفسد المعنى ، ويثبت خلاف المقصود. وذلك كمن يقف على ( ولأبويه ) من قوله سبحانه: ((وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه)) ( ) فإنه يوهم أن للأبوين النصف كذلك ، وهذا خلاف المقصود ، حيث إن فى بقية الآية تفصيلاً لحق الأبوين ((ولأبويه لكل واحد منهما السدس ………)) الخ. فالوقف على (فلها النصف) وقف أكفى ، والوقف على (ولأبويه) وقف أقبح.
ومثاله أيضاً الوقف على (والموتى) من قوله سبحانه: ((إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى))( ) فهو يوهم أن الموتى يستجيبون كذلك. والمقطوع به أنه ليس هناك تكليف بعد الموت حتى يوصف الموتى بالاستجابة وعدمها. أو يوهم أن الموتى يسمعون لو جعلنا العطف على فاعل (يسمعون) وهو واو الجماعة.
قال الصفاقسى: وليس كذلك ، بل (الموتى) يستأنف ، سواء جعلته مفعولاً لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعده أى ويبعث الله الموتى ، أو جعلته مبتدأ وما بعده خبره ، فالوقف على (يسمعون) هو أكفى وقيل: تام. ( )
ومنه أيضاً أن يقف على قوله تعالى: ( قالوا ) من قوله سبحانه ((لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم)) ( ) أو قوله سبحانه ((لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)) ( ) لأن الابتداء بما بعد قالوا فى الآيتين يؤدى إلى إثبات ما هو كفر ، لذلك قال السيوطى: من تعمده وقصد معناه فقد كفر. ( )
ومنه أن يقف على ((فويل للمصلين)) ( ) مع أنه رأس آية ، ومنه أيضاً الوقف على المنفى دون المثبت فى نحو قوله سبحانه : ((فاعلم أنه لا إله إلا الله)) ( ) إذ الوقف على (لا إله) نفى للألوهية وهو كفر لو اعتقد القارئ ذلك أو تعمده. أو قوله سبحانه ((وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً)) ( ) فالوقف على (وما أرسلناك) نفى لرسالته - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يجوز تعمد ذلك ولا اعتقاده.
وهنا أنبه على أن كل ذلك قبيح أو أقبح فى حق من اختار الوقف ، ولا يدخل فى ذلك من اضطر إلى الوقف بسبب انقطاع النفس أو نسيان ونحوه ، فإن على القارئ حينئذٍ أن يرجع إلى موضع يجوز الابتداء به وصولاً إلى موضع يجوز الوقف عليه ، وبذلك يكون الكلام قد انتهى عن الوقف واقسامه.
الابتداء ومراتبه
مضى تعريف الابتداء وأنه: الشروع فى القراءة بعد قطع أو وقف. وإذا كان الذكر قد سبق بأن الوقف لا يكون إلا على ما يتم به المعنى ويوفى بالمقصود ، فإن الابتداء كذلك أيضاً لا يجوز أن يبتدأ إلا بما هو مستقل المعنى ، بل إن هذا الشأن فى الابتداء آكد واشد إلزاماً ؛ لأن الابتداء يكون باختيار القارئ لا تلجئه إليه ضرورة كما هو الحال فى الوقف أحياناً.
وتتفاوت مراتب الابتداء تماماً كتفاوت مراتب الوقف من حيث التمام والكفاية والحسن والقبح. والقبيح منه يتفاوت فى القبح ما بين قبيح وأقبح وذلك كمن يقف على قوله تعالى: ((لقد كفر الذين قالوا)) ثم يستأنف ((إن الله ثالث ثلاثة)) أو ((إن الله هو المسيح ابن مريم)) وقد مضت الإشارة إلى ذلك قريباً ، ويلحق بذلك أيضاً من وقف على قوله تعالى: ((لقد سمع الله قول الذين قالوا)) ثم يستأنف ((إن الله فقير ونحن أغنياء)) ( ) أو كمن يقف مضطراً على قوله تعالى: (( وما لى )) ثم يستأنف ((لا أعبد الذى فطرنى)) ( ) ونحو ذلك مما أفاض فى التمثيل له العلماء كالسيوطى والصفاقسى.
وتفاوت مراتب الوقف هذه إنما مرجعه إلى المعنى ، فما يكون مؤدياً لمعنى جديد مستأنف هو الذى يكون الابتداء به فى أرقى درجاته وهلم جرا.
قال السيوطى: لا يجوز - الابتداء- إلا بمستقل المعنى موف بالمقصود ، وهو فى أقسامه كأقسام الوقف الأربعة ويتفاوت تماماً وكفاية وحسناً وقبحاً ، بحسب التمام وعدمه وفساد المعنى وإحالته.
ثم ساق بعض الأمثلة للقبيح والأقبح فارجع إليه. ( ) حيث إن فيما ذكرناه غنية وكفاية.
والسلف الصالح - رضى الله عنهم - كانوا يراعون مواضع الوقف والابتداء تمام المراعاة خشية أن يقف الواحد منهم على مالا يجوز أو أن يبتدئ بما لا ينبغى بل إن بعضهم كان "إذا قرأ ما أخبر الله به من مقالات الكفار يخفض صوته بذلك حياءً من الله أن يتفوه بذلك بين يديه" ( ) وليس معنى ذلك أن من يجهر بمثل ذلك يكون مخطئاً أو لم يراع قواعد الأدب مع الله لأن السر والجهر بالنسبة إلى الله تعالى سواء. قال تعالى: ((وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور)) ( )
ومن العلماء الذين نبهوا على وجوب مراعاة ذلك الإمام مكى بن أبى طالب فى كتابه الكشف عن وجوه القراءات السبع ، وضرب على ذلك بعض الأمثلة على ما لا يجوز الابتداء به ومن ذلك الابتداء فى القراءة بقوله تعالى ((الله لا إله إلا هو)) ( ) بعد الاستعاذة مباشرة فإنه غير سائغ ؛ لأن القارئ يصل "الرجيم" بلفظ الجلالة وذلك قبيح فى اللفظ يجب الكف والامتناع عنه إجلالاً لله وتعظيماً له.
ومنه أيضاً الابتداء بقوله تعالى: ((إليه يرد علم الساعة)) ( ) بعد الاستعاذة مباشرة لأن القارئ يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إليه يرد علم الساعة" فيصل ذلك بالشيطان وهو قبيح جداً.( )
ما يشترط فيمن يقوم بتحديد مواضع الوقف والابتداء
ليس لكل واحد من الناس أن يحدد مواضع الوقف والابتداء بل ينبغى توفر شروط فيمن يقوم بشأن تحديد مواضع الوقف والابتداء منها:
1- العلم بالنحو : حتى لا يفصل -بالوقف - بين المبتدأ وخبره أو بين المتضايفين - أى المضاف والمضاف إليه - أو بين المستثنى والمستثنى منه اللهم إلا إذا كان هذا الاستثناء منقطعاً ، فإن العلماء قد اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال:
أ- قال بعضهم: يجوز الفصل مطلقاً ، لأنه فى معنى مبتدأ حذف خبره للدلالة عليه.
ب- وقيل: هو ممتنع مطلقاً لأن المستثنى فى حاجة إلى المستثنى منه - فى هذه الحالة - من جهة اللفظ والمعنى حيث لم يعهد استعمال إلا الاستثنائية وما فى معناها إلا متصلة بما قبلها لفظاً ، ومعنى كذلك لأن ما قبلها مشعر بتمام الكلام فى المعنى ، إذ قولك: ما فى الدار أحد هو الذى صحح: إلا الحمار. فلو قلت: إلا الحمار وحده لكان خطأ.
ج- وقيل: الأمر يحتاج إلى تفصيل ، فإن صرح بالخبر جاز لاستقلال الجملة واستغنائها عما قبلها ، وإن لم يصرح به - أى الخبر - فلا يجوز لافتقارها. ( )
وبالجملة ، فإن معرفته بعلم النحو تجعله لا يقف على العامل دون المعمول ، ولا على المعمول دون العامل ، ولا على الموصول دون صلته ، ولا على المتبوع دون تابعه ، ولا على الحكاية دون المحكى ، ولا على القسم دون المقسم به ، أو غير ذلك مما لا يتم به المعنى. يضاف إلى ذلك أن الوقف قد يكون تاماً على إعراب غير تام على إعراب آخر ، فظهر بذلك ضرورة العلم بالنحو لمن يقوم بتحديد مواضع الوقف والابتداء.
2- العلم بالقراءات: لأن الوقف قد يكون تاماً على قراءة ، غير تام على قراءة أخرى.
3- العلم بالتفسير: لأن الوقف قد يكون تاماً على تفسير معين ، غير تام على تفسير آخر.
4- العلم بالقصص: حتى لا يقطع قبل تمام قصة.
5- العلم باللغة: التى نزل عليها القرآن.
هذه الشروط اشترطها ابن مجاهد ، ونقلها عنه السيوطى موجزة. ( ) واشترط غير ابن مجاهد العلم بالفقه كذلك.
قال صاحب هذا الرأى: ولهذا فإن من لم يقبل شهادة القاذف وإن تاب فإنه يقف عند قوله تعالى: ((ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا)) ( ) ، وأما من قالوا بقبول شهادته إذا تاب ومن جملة ذلك إقامة الحد عليه ، أقول: هؤلاء يصلون الآية بالآية التى بعدها ((إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا))
قال النكزاوى مقرراً ضرورة علم الفقه للقارئ:
لابد للقارئ من معرفة بعض مذاهب الأئمة المشهورين فى الفقه ؛ لأن ذلك يعين على معرفة الوقف والابتداء ؛ لأن فى القرآن مواضع ينبغى الوقف على مذهب بعضهم فيها بينما يمتنع على مذهب آخرين.( )
والذى ينبغى علمه أن كلاً من التفسير والوقف مرتبط بالآخر ، وهذه الحقيقة نتصورها أحياناً فى القراءة الواحدة ، وأحياناً فى القراءات المختلفة.
قال السيوطى مقرراً هذه الأخيرة: الوقف قد يكون تاماً على قراءة غير تام على أخرى ….. والوقف يكون تاماً على تفسير وإعراب غير تام على تفسير وإعراب آخر.( ) ومثال هذا: الوقف على ((لا ريب))( ) فإنه يكون تاماً إن جعلنا ((فيه هدى)) مبتدأً وخبراً وهو اتجاه نافع وعاصم ، ولو جعلنا الجار والمجرور ( فيه) متعلقاً بــ( لا ريب ) فالوقف يكون على (لا ريب فيه ) ويستأنف بعد ذلك بـ(هدى للمتقين) أى: هو هدى ، فعلى الأول الوقف تام على قول أصحاب الوقف ، وعلى المعنى الثانى الوقف كاف.( )
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وبعد:
فالواقع أن باب الوقف والابتداء باب هام جداً يجب على قارئ القرآن الكريم أن يهتم به ، إذ هو دليل على فقهه وبصيرته ؛ لأن القارئ قد يقف أحياناً على ما يخل بالمعنى ، وهو لا يدرى. أو يبتدئ بما لا ينبغى الابتداء به.
فإن كان ذا بصيرة ، فإنه لن يقف إلا على ما يتم به المعنى ، اللهم إلا إذا اضطر إلى غير ذلك ، فإن عليه حينئذٍ أن يعالج أمره بأن يرجع كلمة أو أكثر أى إلى موضع يجوز الابتداء به ، فيستأنف قراءته بادئاً به ، ومنتهياً بجملة تفيد معنى يجوز الوقوف عليه.
ومثل ذلك قل أيضاً فى الابتداء.
والهدف من وراء ذلك كله هو عدم الإخلال بنظم القرآن ، ولا بما اشتمل عليه من معان.ولسوف يقف القارئ الكريم على أمثلة تطبيقية فيما هو آت – إن شاء الله تعالى - يدرك من خلالها ارتباط كل من الوقف والابتداء فى قراءة القرآن الكريم بالتفسير ، ولكن من حق قارئنا علينا - قبل ذلك - أن نوقفه على معنى كل من الوقف والابتداء وأهم ما يتعلق بهما من أحكام0
تعريف الوقف والابتداء:
الوقف: هو قطع النطق عن آخر الكلمة.
والابتداء: هو الشروع فى الكلام بعد قطع أو وقف.
علاقة الوقف والابتداء بالمعنى أو التفسير:
قال الصفاقسى فى كتابه تنبيه الغافلين مبيناً أهمية معرفة الوقف والابتداء:
ومعرفة الوقف والابتداء متأكد غاية التأكيد ، إذ لا يتبين معنى كلام الله ، ويتم على أكمل وجه إلا بذلك ، فربما قارئ يقرأ ويقف قبل تمام المعنى ، فلا يفهم هو ما يقرأ ومن يسمعه كذلك ، ويفوت بسبب ذلك ما لأجله يقرأ كتاب الله تعالى ، ولا يظهر مع ذلك وجه الإعجاز ، بل ربما يُفهم من ذلك غير المعنى المراد ، وهذا فساد عظيم ، ولهذا اعتنى بعلمه وتعليمه ، والعمل به المتقدمون والمتأخرون ، وألفوا فيه من الدواوين ( ) المطولة والمتوسطة والمختصرة ، ما لا يعد كثرة ، ومن لا يلتفت لهذا ، ويقف أين شاء ، فقد خرق الإجماع ، وحاد عن إتقان القراءة وتمام التجويد. ( )
وهذا الكلام من عالم صرف حياته لخدمة القرآن كالصفاقسى ، له وجاهته ، وهو يؤكد ما قلته آنفاً عن ارتباط الوقف والابتداء بالتفسير.
وقال السخاوى فى تأكيد ذلك أيضاً:
فى معرفة الوقف والابتداء الذى دونه العلماء تبيين معانى القرآن العظيم ، وتعريف مقاصده ، وإظهار فوائده ، وبه يتهيأ الغوص على درره وفرائده 00 وقد اختار العلماء ، وأئمة القراء تبيين معانى كلام الله تعالى وجعلوا الوقف منبهاً على المعنى ومفصلاً بعضه عن بعض ، وبذلك تلذ التلاوة ، ويحصل الفهم والدراية ، ويتضح منهاج الهداية. ( )
من الآثار الدالة على وجوب معرفة الوقف والابتداء:
1- حديث الخطيب الذى خطب بين يدى النبى - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما. ثم وقف على "يعصهما" ثم قال فقد غوى. هنا قال له النبى -صلى الله عليه وسلم -: "بئس الخطيب أنت" ( )
وقد قال له النبى - صلى الله عليه وسلم - ذلك لقبح لفظه فى وقفه ، إذ خلط الإيمان بالكفر فى إيجاب الرشد لهما ، وكان حقه أن يقول واصلاً: ومن يعصهما فقد غوى . أو يقف على "فقد رشد" ثم يستأنف بعد ذلك " ومن يعصهما ..الخ" فهذا دليل واضح على وجوب مراعاة محل الوقف.
2- روى عن ابن عمر - رضى الله عنهما - أنه قال: لقد غشينا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة على النبى - صلى الله عليه وسلم - فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزجرها وما ينبغى أن يوقف عنده منها.
3- وقال على - رضى الله عنه - لما سئل عن قوله تعالى: ((ورتل القرآن ترتيلاً )) ( ) قال: الترتيل معرفة الوقوف وتجويد الحروف. ( )
قال ابن الجزرى فى النشر: فى كلام على - رضى الله عنه - دليل على وجوب تعلم الوقف والابتداء ومعرفته.
وفى كلام ابن عمر برهان على أن تعلمه إجماع من الصحابة - رضى الله عنهم - أجمعين وصح بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبى جعفر يزيد
ابن القعقاع - أحد القراء العشرة - وإمام أهل المدينة الذى هو من أعيان التابعين ، وصاحبه الإمام نافع بن أبى نعيم وأبى عمرو بن العلاء ، ويعقوب الحضرمى ، وعاصم
بن أبى النجود - وهم من القراء العشرة - وغيرهم من الأئمة ، وكلامهم فى ذلك معروف ، ونصوصهم عليه مشهورة فى الكتب ومن ثم اشترطه كثير من أئمة الخلف على المجيز أن لا يجيز أحداً إلا بعد معرفته الوقف والابتداء ، وكان أئمتنا يوقفوننا عند كل حرف ، ويشيرون إلينا فيه بالأصابع سنة أخذوها كذلك عن شيوخهم الأولين -رحمة الله عليهم أجمعين. ا.هـ ( )
4- وروى أن عمر بن عبدالعزيز – رضى الله عنه – كان إذا دخل شهر رمضان قام أول ليلة منه خلف الإمام يريد أن يشهد افتتاح القرآن ، فإذا ختم أتاه أيضاً ليشهد ختمه فقرأ الإمام قوله تعالى: ((وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)) ( ) ثم توقف عن القراءة وركع فعابه عمر وقال: قطعت قبل تمام القصة إذ كان ينبغى عليه أن يكمل الآية التى بعدها إذ فيها رد القرآن على دعواهم هذه وهو قوله سبحانه: ((ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)) ( )
5- وأختم هذه الأدلة بحديث نبوى كما استهللتها به وهو حديث أبى بن كعب ، قال: أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الملك كان معى فقال: اقرأ القرآن ، فعد حتى بلغ سبعة أحرف فقال: ليس منها إلا شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة ، أو تختم رحمة بعذاب" ( )
قال أبو عمرو الدانى : هذا تعليم التمام من رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عن جبريل عليه السلام ، إذ ظاهره دالّ على أنه ينبغى أن تقطع الآية التى فيها ذكر النار والعقاب وتفصل مما بعدها إذا كان بعدها ذكر الجنة والثواب ، والأمر كذلك أيضاً إذا كانت الآية فيها ذكر الجنة والنار بأن يفصل الموضع الأول عن الثانى.
قال السخاوى معقباً: لأن القارئ إذا وصل غير المعنى ، فإذا قال: ((تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين)) ( ) غيرّ المعنى وصير الجنة عقبى الكافرين. ( )
مقدار الوقف:
روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن مقدار الوقف هو مقدار ما يشرب الشربة من الماء. وقيل: بل مقدار ما يقول: أعوذ بالله من النار ثلاث مرات أو سبع مرات.
مذاهب القراء فيما يعتبر فى تحديد مواضع الوقف والابتداء:
ذكر السيوطى فى الإتقان ( ) مذاهب أئمة القراء فى ذلك فقال:
لأئمة القراء مذاهب فى الوقف والابتداء ، فنافع كان يراعى تجانسهما بحسب المعنى ، وابن كثير وحمزة حيث ينقطع النفس - وهو الوقف الاضطرارى - واستثنى
ابن كثير قوله تعالى: ((وما يعلم تأويله إلا الله)) ( ) ، وقوله تعالى: ((وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم)) ( )،( ) ، وقوله تعالى : ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر)) ( ) وعاصم والكسائى - يقفان - حيث تم الكلام ، وأبو عمرو يتعمد رءوس الآيات ، وإن تعلقت بما بعدها ، اتباعاً لهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته - حيث - روى أبو داود وغيره عن أم سلمة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - " كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول: بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم يقف ، الحمد لله رب العالمين ، ثم يقف ، الرحمن الرحيم ، ثم يقف" ( )
أقسام الوقف
قسم العلماء الوقف إلى أقسام عدة مختلفين فى اتجاهاتهم نحو هذا التقسيم ، والذى يترجح لدى واستقر الرأى عندى على اختياره من بين ما ذكره العلماء من أقسام أن الوقف ينقسم إلى قسمين:
الأول : وقف اضطرارى:
وهو ما اضطر إليه بسبب ضيق تنفس ، ونحوه ، كعجز ونسيان ، فعلى القارئ وصله بعد أن يزول سببه ، وذلك بأن يبدأ من الكلمة التى وقف عليها إن صلحت للابتداء بها ، وإلا ابتدأ بعد وقف صالح مما قبلها.
الثانى: وقف اختيارى:
وهو ما قصد لذاته من غير عروض سبب من الأسباب فهو مما يختاره القارئ ويقصده للاستراحة والتنفس ، وهذا القسم الثانى هو المقصود بالحديث عن الوقف ، لأنه هو الذى يعتمد عليه فقه القارئ وبصيرته حيث تظهر فيه شخصيته فى اختيار ما يقف عليه وما يبتدئ به.
ثم إن هذا القسم ينقسم إلى أقسام هى:
1- الوقف التام ويسمى " المختار"
وهو الوقف على كلام لا تعلق له بما بعده لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ، أو الذى انفصل عما بعده لفظاً ومعنى. ( ) والتام نفسه يتفاوت فى درجة تمامه ما بين تام وأتم ، والأتم أدخل فى كمال المعنى من التام ؛ لأن التام قد يكون له تعلق بما بعده على احتمال مرجوح ، أو يكون بعده كلام فيه تنبيه وحث على النظر فى عواقب من هلك بسوء فعله فيكون الوقف عليه أتم من الوقف على آخر القصة.
ومثال ذلك قوله تعالى: ((وإنكم لتمرون عليهم مصبحين. وبالليل أفلا تعقلون))( ) حيث الوقف على "وبالليل" تام وعلى " أفلا تعقلون" أتم.
ومن أمثلة الوقف التام أيضاً قوله تعالى عن لسان بلقيس: ((إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون)) ( ) حيث أن الوقف على "أذلة " تام عند الجمهور ، وسيأتى تفصيل الكلام عن هذا المثال فيما هو آت إن شاء الله أثناء الحديث عن النماذج التطبيقية.
وقد يكون الوقف تاماً على قراءة دون قراءة ، ومن ذلك قوله تعالى:
((الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد. الله الذى له ما فى السموات وما فى الأرض)) ( ) حيث أن الوقف على ((صراط العزيز الحميد)) تام على قراءة من رفع لفظ الجلالة "الله". وأما على قراءة من خفض لفظ الجلالة "الله" فليس بتام بل هو وقف حسن.
وبالجملة فإن الوقف التام يتحقق تحققاً ثابتاً فى بعض المواضع منها - كما ذكر السيوطى-: آخر كل قصة ، وما قبل أولها ، وآخر كل سورة ، وقبل يا النداء ، وقبل فعل الأمر والقسم ولامه دون القول ، والشرط ما لم يتقدم جوابه ………. ( )
2- الوقف الكافى ويسمى "الصالح ، والمفهوم" ، والجائز" ( ) وهو الوقف على كلام لا تعلق له بما بعده من جهة اللفظ لكن له تعلق به من جهة المعنى.
ومعنى ما جاء فى التعريف من كون هذا الكلام الذى يوقف عليه وقفاً كافياً لا تعلق له بما بعده من جهة اللفظ يعنى أنه لم يفصل فيه بين المبتدأ وخبره ، ولا بين النعت ومنعوته ، ولا بين المستثنى والمستثنى منه ، ولا بين التمييز ومميزه ، ولا بين الفاعل وفعله ……. ونحو ذلك.
وأما كونه له تعلق به من جهة المعنى فكأن يكون الكلام الذى جاء بعد محل الوقف الكافى تماماً لقصة أو وعد أو وعيد أو حكم أو احتجاج أو إنكار.
وحكم هذا الوقف:
أنه كالوقف التام من حيث جواز الوقف عليه والابتداء بما بعده. وإن كان أقل تمكناً من هذا الجواز من التام. وقد ذكر الصفاقسى له مثالاً ودليلاً على جوازه فى ذات الوقت وهو ما جاء فى صحيح البخارى بالسند المتصل عن عبدالله بن مسعود - رضى الله عنه - قال: قال لى النبى - صلى الله عليه وسلم - " اقرأ علىّ القرآن . قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: فإنى أحب أن أسمعه من غيرى. فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت ((فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)) قال أمسك ، فإذا عيناه تَذْرِفان" ( ) قال الصفاقسى بعد ذكر هذا الحديث:
وهو استدلال ظاهر جلى باهر لأن القطع أبلغ من الوقف وقد أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن مسعود عند انتهائه إلى "شهيداً" والوقف عليه كاف وقيل: تام والأول هو المشهور ومذهب الجمهور ، وعليه اقتصر ابن الأنبارى والدانى والعمانى والقسطلانى وغيرهم.
وهذا هو الظاهر لأن ما بعده مرتبط به من جهة المعنى لأن الآية مسوقة لبيان حال الكفار يوم المجئ حتى إنهم من شدة الهول وفظاعة الأمر يودون أنهم كانوا تراباً وصاروا هم والأرض شيئاً واحداً ، ولا يتم هذا المعنى إلا بما بعده وهو قوله تعالى: ((يومئذٍ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً)) فلو كان الوقف عليه - أى على "شهيداً" - غير سايغ ما أمر به - صلى الله عليه وسلم - مع قرب التام المجمع عليه منه وهو تذييل الآية المذكورة آخراً وهو قوله سبحانه ((ولا يكتمون الله حديثاً)) ( )، ( )
وفى الإتقان: يدخل تحت هذا الوقف كل رأس آية بعدها لام كى وإلا بمعنى لكن - يعنى الاستثناء المنقطع - وإن المشددة المكسورة ، والاستفهام ، وبل ، ولا المخففة ، والسين وسوف ، ونعم وبئس وكيلا مالم يتقدمهن قول وقسم. ( )
3- الوقف الحسن:عرفه السيوطى بأنه "الذى يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده" ( ) لتعلقه به لفظاً ومعنى ( ) وذلك كأن تقف على كلام مفيد فى ذاته بحيث إذا لم تذكر ما بعده لأخذ منه معنى يحسن السكوت أو الوقف عليه. وذلك كأن يأخذ الفعل فاعله ، والمبتدأ خبره ، والشرط جوابه. كل ذلك الوقف عليه حسن ، وقد يرتقى فى الحسن إلى درجة الأحسنية بأن يضاف إلى ما ذكر وصف ونحوه.
ومثاله الوقف على ((الحمد لله ……..))( ) فإنه أفاد معنى بذاته ، لذلك فإن الوقف عليه حسن لكن لا يحسن الابتداء بما بعده لأنه صفة له ، فلا يحسن أن يبتدئ بــ((رب العالمين)) لأنه مجرور حيث هو نعت لما قبله ، فيترتب عليه الفصل بين النعت ومنعوته ، ويترتب عليه أيضاً البدء بمجرور والأصل أن يبتدأ بمرفوع. إذ المبتدأ مرفوع أما المجرور فلابد من ذكر عامله معه. والحاصل أنه إن حسن الوقف على (الحمد لله) فإن الابتداء بـ( رب العالمين) لا يحسن لكونه صفة لما قبله ، ويستثنى من هذه القاعدة كما يقول الصفاقسى ما لو كان "الموقوف عليه رأس آية ، فلا يعيد ما وقف عليه لأنهن فى أنفسهن مقاطع ؛ ولأن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ قطّع ، ويقف عليها ولم يفرق بين ما هو متعلق بما قبله وغيره ، بل جعل جماعة الوقف على رءوس الآى سنة ، واستدلوا على ذلك بالحديث الذى رواه الترمذى بسند صحيح "أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ قطّع قراءته آية آية يقول: بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقف ثم يقول: الحمد لله رب العالمين ثم يقف ثم يقول: الرحمن الرحيم ثم يقف ثم يقول : مالك يوم الدين ……." ( )
ثم يقول الصفاقسى أيضاً:
وإنما ذكروا هذا الحسن ليتسع الأمر على القارئ فربما ضاقت نفسه قبل الوصول إلى التام والكافى لا سيما ما كان من ضيق الحنجرة ، فللإنسان طاقة محدودة من الكلام الذى يجمعه فى نفس واحد. ( )
وبعد فهذه هى الأقسام الثلاثة التى يجوز فيها الوقف مع التفاوت بينها فى التمكن من هذا الجواز. فيندب فى حق القارئ الوقوف على الأتم وإلا فالتام ، فإن لم يستطع فعلى الأكفى وإلا فعلى الكافى ، فإن لم يستطع فعلى الجائز - الحسن - "ويعيد ما وقف عليه إلا أن يكون رأس آية ، ولا يعدل عن هذه إلى المواضع التى يكره الوقوف عليها إلا من ضرورة كانقطاع نفس ويرجع إلى ما قبله ليصله بما بعده فإن لم يفعل عوتب ولا إثم عليه" ( )
4- الوقف القبيح:
هذا هو القسم الرابع من أقسام الوقف الاختيارى وقد عرفه السيوطى بأنه "الذى لا يفهم المراد منه" ( ) وذلك كأن يقرأ سورة الفاتحة فيقول "الحمد" ويقف فإنه لم يفد معنى ، أو أن يفصل بين المضاف والمضاف إليه كأن يقف على (رب) دون (العالمين) أو على (مالك) دون (يوم الدين) فذلك قبيح أيضاً ؛ لأن المضاف والمضاف إليه كالشئ الواحد.
وبالجملة فإن كل ما لا يفيد معنى ولا يفهم المراد منه فإن الوقف عليه قبيح. وأقبح منه الوقف الذى يفسد المعنى ، ويثبت خلاف المقصود. وذلك كمن يقف على ( ولأبويه ) من قوله سبحانه: ((وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه)) ( ) فإنه يوهم أن للأبوين النصف كذلك ، وهذا خلاف المقصود ، حيث إن فى بقية الآية تفصيلاً لحق الأبوين ((ولأبويه لكل واحد منهما السدس ………)) الخ. فالوقف على (فلها النصف) وقف أكفى ، والوقف على (ولأبويه) وقف أقبح.
ومثاله أيضاً الوقف على (والموتى) من قوله سبحانه: ((إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى))( ) فهو يوهم أن الموتى يستجيبون كذلك. والمقطوع به أنه ليس هناك تكليف بعد الموت حتى يوصف الموتى بالاستجابة وعدمها. أو يوهم أن الموتى يسمعون لو جعلنا العطف على فاعل (يسمعون) وهو واو الجماعة.
قال الصفاقسى: وليس كذلك ، بل (الموتى) يستأنف ، سواء جعلته مفعولاً لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعده أى ويبعث الله الموتى ، أو جعلته مبتدأ وما بعده خبره ، فالوقف على (يسمعون) هو أكفى وقيل: تام. ( )
ومنه أيضاً أن يقف على قوله تعالى: ( قالوا ) من قوله سبحانه ((لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم)) ( ) أو قوله سبحانه ((لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)) ( ) لأن الابتداء بما بعد قالوا فى الآيتين يؤدى إلى إثبات ما هو كفر ، لذلك قال السيوطى: من تعمده وقصد معناه فقد كفر. ( )
ومنه أن يقف على ((فويل للمصلين)) ( ) مع أنه رأس آية ، ومنه أيضاً الوقف على المنفى دون المثبت فى نحو قوله سبحانه : ((فاعلم أنه لا إله إلا الله)) ( ) إذ الوقف على (لا إله) نفى للألوهية وهو كفر لو اعتقد القارئ ذلك أو تعمده. أو قوله سبحانه ((وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً)) ( ) فالوقف على (وما أرسلناك) نفى لرسالته - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يجوز تعمد ذلك ولا اعتقاده.
وهنا أنبه على أن كل ذلك قبيح أو أقبح فى حق من اختار الوقف ، ولا يدخل فى ذلك من اضطر إلى الوقف بسبب انقطاع النفس أو نسيان ونحوه ، فإن على القارئ حينئذٍ أن يرجع إلى موضع يجوز الابتداء به وصولاً إلى موضع يجوز الوقف عليه ، وبذلك يكون الكلام قد انتهى عن الوقف واقسامه.
الابتداء ومراتبه
مضى تعريف الابتداء وأنه: الشروع فى القراءة بعد قطع أو وقف. وإذا كان الذكر قد سبق بأن الوقف لا يكون إلا على ما يتم به المعنى ويوفى بالمقصود ، فإن الابتداء كذلك أيضاً لا يجوز أن يبتدأ إلا بما هو مستقل المعنى ، بل إن هذا الشأن فى الابتداء آكد واشد إلزاماً ؛ لأن الابتداء يكون باختيار القارئ لا تلجئه إليه ضرورة كما هو الحال فى الوقف أحياناً.
وتتفاوت مراتب الابتداء تماماً كتفاوت مراتب الوقف من حيث التمام والكفاية والحسن والقبح. والقبيح منه يتفاوت فى القبح ما بين قبيح وأقبح وذلك كمن يقف على قوله تعالى: ((لقد كفر الذين قالوا)) ثم يستأنف ((إن الله ثالث ثلاثة)) أو ((إن الله هو المسيح ابن مريم)) وقد مضت الإشارة إلى ذلك قريباً ، ويلحق بذلك أيضاً من وقف على قوله تعالى: ((لقد سمع الله قول الذين قالوا)) ثم يستأنف ((إن الله فقير ونحن أغنياء)) ( ) أو كمن يقف مضطراً على قوله تعالى: (( وما لى )) ثم يستأنف ((لا أعبد الذى فطرنى)) ( ) ونحو ذلك مما أفاض فى التمثيل له العلماء كالسيوطى والصفاقسى.
وتفاوت مراتب الوقف هذه إنما مرجعه إلى المعنى ، فما يكون مؤدياً لمعنى جديد مستأنف هو الذى يكون الابتداء به فى أرقى درجاته وهلم جرا.
قال السيوطى: لا يجوز - الابتداء- إلا بمستقل المعنى موف بالمقصود ، وهو فى أقسامه كأقسام الوقف الأربعة ويتفاوت تماماً وكفاية وحسناً وقبحاً ، بحسب التمام وعدمه وفساد المعنى وإحالته.
ثم ساق بعض الأمثلة للقبيح والأقبح فارجع إليه. ( ) حيث إن فيما ذكرناه غنية وكفاية.
والسلف الصالح - رضى الله عنهم - كانوا يراعون مواضع الوقف والابتداء تمام المراعاة خشية أن يقف الواحد منهم على مالا يجوز أو أن يبتدئ بما لا ينبغى بل إن بعضهم كان "إذا قرأ ما أخبر الله به من مقالات الكفار يخفض صوته بذلك حياءً من الله أن يتفوه بذلك بين يديه" ( ) وليس معنى ذلك أن من يجهر بمثل ذلك يكون مخطئاً أو لم يراع قواعد الأدب مع الله لأن السر والجهر بالنسبة إلى الله تعالى سواء. قال تعالى: ((وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور)) ( )
ومن العلماء الذين نبهوا على وجوب مراعاة ذلك الإمام مكى بن أبى طالب فى كتابه الكشف عن وجوه القراءات السبع ، وضرب على ذلك بعض الأمثلة على ما لا يجوز الابتداء به ومن ذلك الابتداء فى القراءة بقوله تعالى ((الله لا إله إلا هو)) ( ) بعد الاستعاذة مباشرة فإنه غير سائغ ؛ لأن القارئ يصل "الرجيم" بلفظ الجلالة وذلك قبيح فى اللفظ يجب الكف والامتناع عنه إجلالاً لله وتعظيماً له.
ومنه أيضاً الابتداء بقوله تعالى: ((إليه يرد علم الساعة)) ( ) بعد الاستعاذة مباشرة لأن القارئ يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إليه يرد علم الساعة" فيصل ذلك بالشيطان وهو قبيح جداً.( )
ما يشترط فيمن يقوم بتحديد مواضع الوقف والابتداء
ليس لكل واحد من الناس أن يحدد مواضع الوقف والابتداء بل ينبغى توفر شروط فيمن يقوم بشأن تحديد مواضع الوقف والابتداء منها:
1- العلم بالنحو : حتى لا يفصل -بالوقف - بين المبتدأ وخبره أو بين المتضايفين - أى المضاف والمضاف إليه - أو بين المستثنى والمستثنى منه اللهم إلا إذا كان هذا الاستثناء منقطعاً ، فإن العلماء قد اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال:
أ- قال بعضهم: يجوز الفصل مطلقاً ، لأنه فى معنى مبتدأ حذف خبره للدلالة عليه.
ب- وقيل: هو ممتنع مطلقاً لأن المستثنى فى حاجة إلى المستثنى منه - فى هذه الحالة - من جهة اللفظ والمعنى حيث لم يعهد استعمال إلا الاستثنائية وما فى معناها إلا متصلة بما قبلها لفظاً ، ومعنى كذلك لأن ما قبلها مشعر بتمام الكلام فى المعنى ، إذ قولك: ما فى الدار أحد هو الذى صحح: إلا الحمار. فلو قلت: إلا الحمار وحده لكان خطأ.
ج- وقيل: الأمر يحتاج إلى تفصيل ، فإن صرح بالخبر جاز لاستقلال الجملة واستغنائها عما قبلها ، وإن لم يصرح به - أى الخبر - فلا يجوز لافتقارها. ( )
وبالجملة ، فإن معرفته بعلم النحو تجعله لا يقف على العامل دون المعمول ، ولا على المعمول دون العامل ، ولا على الموصول دون صلته ، ولا على المتبوع دون تابعه ، ولا على الحكاية دون المحكى ، ولا على القسم دون المقسم به ، أو غير ذلك مما لا يتم به المعنى. يضاف إلى ذلك أن الوقف قد يكون تاماً على إعراب غير تام على إعراب آخر ، فظهر بذلك ضرورة العلم بالنحو لمن يقوم بتحديد مواضع الوقف والابتداء.
2- العلم بالقراءات: لأن الوقف قد يكون تاماً على قراءة ، غير تام على قراءة أخرى.
3- العلم بالتفسير: لأن الوقف قد يكون تاماً على تفسير معين ، غير تام على تفسير آخر.
4- العلم بالقصص: حتى لا يقطع قبل تمام قصة.
5- العلم باللغة: التى نزل عليها القرآن.
هذه الشروط اشترطها ابن مجاهد ، ونقلها عنه السيوطى موجزة. ( ) واشترط غير ابن مجاهد العلم بالفقه كذلك.
قال صاحب هذا الرأى: ولهذا فإن من لم يقبل شهادة القاذف وإن تاب فإنه يقف عند قوله تعالى: ((ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا)) ( ) ، وأما من قالوا بقبول شهادته إذا تاب ومن جملة ذلك إقامة الحد عليه ، أقول: هؤلاء يصلون الآية بالآية التى بعدها ((إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا))
قال النكزاوى مقرراً ضرورة علم الفقه للقارئ:
لابد للقارئ من معرفة بعض مذاهب الأئمة المشهورين فى الفقه ؛ لأن ذلك يعين على معرفة الوقف والابتداء ؛ لأن فى القرآن مواضع ينبغى الوقف على مذهب بعضهم فيها بينما يمتنع على مذهب آخرين.( )
والذى ينبغى علمه أن كلاً من التفسير والوقف مرتبط بالآخر ، وهذه الحقيقة نتصورها أحياناً فى القراءة الواحدة ، وأحياناً فى القراءات المختلفة.
قال السيوطى مقرراً هذه الأخيرة: الوقف قد يكون تاماً على قراءة غير تام على أخرى ….. والوقف يكون تاماً على تفسير وإعراب غير تام على تفسير وإعراب آخر.( ) ومثال هذا: الوقف على ((لا ريب))( ) فإنه يكون تاماً إن جعلنا ((فيه هدى)) مبتدأً وخبراً وهو اتجاه نافع وعاصم ، ولو جعلنا الجار والمجرور ( فيه) متعلقاً بــ( لا ريب ) فالوقف يكون على (لا ريب فيه ) ويستأنف بعد ذلك بـ(هدى للمتقين) أى: هو هدى ، فعلى الأول الوقف تام على قول أصحاب الوقف ، وعلى المعنى الثانى الوقف كاف.( )
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع