ما أنه قال: أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض
.
وفي لفظ لمسلم عنه قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي
:
لا ينفرنّ أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت
.
ورواه أبو داود بلفظ:
حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت
. وفي الصحيحين عن أم سلمة
ا قالت: شكوت إلى النبي
أني أشتكي، فقال:
طوفي من وراء الناس وأنت راكبة
. فطفت ُ ورسول الله
يصلي إلى جانب البيت وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور.
وللنسائي عنها أنها قالت: يا رسول الله، والله ما طـُفـْتُ طواف الخروج؛ فقال:
إذا أقيمت الصلاة فطوفي على بعيرك من وراء الناس
.
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك
أن النبي
صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدة بالمُحَصّب، ثم ركب إلى البيت فطاف به
.
وفي الصحيحين عن عائشة
ا أن صفية
ا حاضت بعد طواف الإفاضة، فقال النبي
:
أحابستنا هي؟
قالوا: إنها قد أفاضت وطافت بالبيت، قال:
فلتنفر إذن
.
وفي الموطأ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن عمر
قال: لا يـَصـْدُرنَّ أحد من الحج حتى يطوف بالبيت، فإن آخر النسك الطواف بالبيت.
وفيه عن يحيى بن سعيد أن عمر
رد رجلاً من مرِّ الظهران لم يكن ودَّع البيت حتى ودع.
فالواجب أن يكون الطواف آخر عمل يقوم به الإنسان من أعمال الحج.
والناس يخطئون في طواف الوداع في أمور:
الأول: أن بعض الناس لا يجعل الطواف آخر أمره؛ بل ينزل إلى مكة ويطوف طواف الوداع، وقد بقي عليه رمي الجمرات، ثم يخرج إلى منى فيرمي الجمرات ثم يغادر، وهذا خطأ، ولا يجزئ طواف الوداع في مثل هذه الحال، وذلك لأنه لم يكن آخر عهد الإنسان بالبيت الطواف؛ بل كان آخر عهده رمي الجمرات.
الثاني: أن بعض الناس يطوف للوداع ويبقى في مكة بعده، وهذا يوجب إلغاء طواف الوداع، وأن يأتي ببدله عند سفره. نعم لو أقام الإنسان في مكة بعد طواف الوداع لشراء حاجة أو لتحميل العفش أو ما أشبه ذلك فهذا لا بأس به.
الثالث: أن بعض الناس إذا طاف للوداع وأراد الخروج من المسجد رجع القهقرى، أي : رجع على قفاه، يزعم أنه يتحاشى بذلك تولية الكعبة ظهره، وهذا بدعة لم يفعله رسول الله
ولا أحد من أصحابه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أشد منا تعظيما لله تعالى ولبيته، ولو كان هذا من تعظيم الله وبيته لفعله
. وحيئذ فإن السنة إذا طاف الإنسان للوداع أن يخرج على وجهه ولو ولى البيت ظهره في هذه الحالة.
الرابع: أن بعض الناس إذا طاف للوداع ثم انصرف ووصل إلى باب المسجد الحرام اتجه إلى الكعبة وكأنه يودّعها، فيدعو أو يـُسلـِّم أو ما أشبه ذلك، وهذا من البدع أيضا لأن الرسول
زيارة المسجد النبوي من الأمور المشروعة المستحبة، فهو ثاني المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها للصلاة فيها والعبادة.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة
أن النبي
قال:
لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى
.
وعن أبي هريرة
أن النبي
قال:
صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام
.
زاد الإمام أحمد من حديث عبد الله بن الزبير:
وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا
.
وعن ميمونة زوج النبي
قال: إني سمعت رسول الله
يقول:
صلاة فيه - أي : مسجد رسول الله
- أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة
.
وعن أبي هريرة
أن النبي
قال:
ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي
.
فَيُسنّ للحاج وغيره زيارة مسجد النبي
والصلاة فيه قبل الحج أو بعده، وليست هذه الزيارة من شروط الحج ولا أركانه ولا واجباته، ولا تعلق لها به.
فإذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى، وقال:
والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم
، ثم يصلي ركعتين تحية المسجد لقول النبي
:
وإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين
.
وعن كعب بن مالك
قال: وأصبح رسول الله
قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين
.
وعن جابر
قال: كنت مع رسول الله
في سفر فلما قدمنا المدينة قال:
ادْخُل فَصَلِّ ركعتين
.
وينبغي أن يتحرى الصلاة في الروضة من أجل فضيلتها إن تيسر له، وإن لم يتيسر له صلى في أي جهة من المسجد تتيسر له، وهذا في غير صلاة الجماعة، أما في صلاة الجماعة فليحافظ على الصف الأول الذي يلي الإمام لأنه أفضل؛ لقول النبي
:
خيرصفوف الرجال أولها
وقوله
:
لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا
بعد أن يصلي زائر المدينة في المسجد النبوي أول قدومه ما شاء الله له أن يصلي، يذهب للسلام على النبي
وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
1- فيقف أمام قبر النبي
مستقبلا للقبر مستدبرا للقبلة، فيقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وإن زاد شيئا مناسبا فلا بأس؛ مثل أن يقول: السلام عليك يا خليل الله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وأشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده وإن اقتصر على الأول فحسن.
وكان ابن عمر
ما إذا سلم يقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت ثم ينصرف.
2- ثم يخطو خطوة عن يمينه ليكون أمام أبي بكر
فيقول: السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا خليفة رسول الله
في أمته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيرا.
3- ثم يخطو خطوة عن يمينه ليكون أمام عمر
فيقول: السلام عليك يا عمر، السلام عليك يا أمير المؤمنين، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيرا .
وليكن سلامه على النبي
وصاحبيه بأدب وخفض صوت، فإن رفع الصوت في المساجد منهيٌّ عنه، لا سيما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند قبره
.
وفي صحيح البخاري عن السائب بن يزيد قال: كنت قائما أو نائما في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما فقال: من أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما جلدا، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
.
ولا ينبغي إطالة الوقوف والدعاء عند قبر الرسول
وقبري صاحبيه، فقد كرهه مالك وقال: هو بدعة لم يفعلها السلف، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكره مالك لأهل المدينة كلما دخل إنسان المسجد أن يأتي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك، بل كانوا يأتون إلى مسجده فيصلون فيه خلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي
م وهم يقولون في الصلاة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ثم إذا قضوا الصلاة قعدوا أو خرجوا، ولم يكونوا يأتون القبر للسلام، لعلمهم أن الصلاة والسلام عليه في الصلاة أكمل وأفضل.
وقال: وكان أصحابه خير القرون، وهم أعلم الأمة بسنته، وأطوع الأمة لأمره.
قلت: وأقواهم في تعظيمه ومحبته، وكانوا إذا دخلوا إلى مسجده لا يذهب أحد منهم إلى قبره، لا من داخل الحـُجرة ولا من خارجها، وكانت الحجرة في زمانهم يـُدخـَل إليها من الباب إلى أن بـُني الحائط الآخر، وهم مع ذلك التمكن من الوصول إلى قبره لا يدخلون إليه، لا لسلام، ولا لصلاة عليه، ولا لدعاء لأنفسهم، ولا لسؤال عن حديث أو علم!
ولم يكن أحد من الصحابة رضوان الله عليهم يأتيه ويسأله عن بعض ما تنازعوا فيه، كما أنهم أيضا لم يطمع الشيطان فيهم فيقول: اطلبوا منه أن يأتي لكم بالمطر، وأن يستنصر لكم، وأن يستغفر لكم؛ كما كانوا في حياتهم يطلبون منه أن يستسقي لهم، وأن يستنصر لهم.
وقال: وكان الصحابة إذا أراد أحد أن يدعو لنفسه، استقبل القبلة ودعا في مسجده كما كانوا يفعلون في حياته، لا يقصدون الدعاء عند الحجرة، ولا يدخل أحدهم إلى القبر.
وقال: وكانوا يقدمون من الأسفار للاجتماع بالخلفاء الراشدين وغير ذلك، فيصلـُّون في مسجده، ويسلمون عليه في الصلاة، وعند دخولهم المسجد والخروج منه، ولا يأتون القبر. إذ كان هذا عندهم مما لم يأمرهم به. ولكن ابن عمر كان يأتيه فيسلم عليه وعلى صاحبيه عند قدومه من السفر، وقد يكون فعله غير ابن عمر أيضا، ولم يكن جمهور الصحابة يفعلون كما فعل ابن عمر رضي الله عنهما.
ولا يتمسح بجدار الحجرة، ولا يقبله، فإن ذلك إن فعله عبادة لله وتعظيما لرسول الله
، فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة، وقد أنكر ابن عباس
ما على معاوية
مسح الركنين الشامي والغربي من الكعبة، مع أن جنس ذلك مشروع في الركنين اليمانيـَّين.
وليس تعظيم رسول الله
ومحبته بمسح جدران حجرة لم تـُبـْن َ إلا بعد عهده بقرون، وإنما محبته وتعظيمه باتباعه ظاهرا وباطنا، وعدم الابتداع في دينه ما لم يشرعه؛ قال الله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله
وأما إن كان مسح جدار الحجرة وتقبيله مجرد عاطفة أو عبث فهو سفه وضلال لا فائدة فيه؛ بل فيه ضررٌ وتغرير للجهال.
فهذا في حياته، فليس فيها دليل على طلب الاستغفار منه بعد موته؛ فإن الله قال: "إذ ظلموا" ولم يقل: إذا ظلموا أنفسهم، وإذ ظرف للماضي لا للمستقبل، فهي في قوم كانوا في عهد النبي
، فلا تكون لمن بعده.
فهذا ما ينبغي في زيارة قبر النبي
وقبري صاحبيه والسلام عليهم.
وينبغي أن يزور مقبرة البقيع، فيسلم على مَـن فيها من الصحابة والتابعين، مثل عثمان بن عفان
، فيقف أمامه ويسلم عليه فيقول: السلام عليك يا عثمان بن عفان، السلام عليك يا أمير المؤمنين، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيرا.
وإذا دخل المقبرة فليقل ما علـَّمه رسول الله
أمته كما في صحيح مسلم عن بريدة
قال:
كان النبي
يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية
.
وفيه أيضا عن عائشة
ا قالت: كان النبي
يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول:
السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجـَّلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد
.
وإن أحب أن يخرج إلى أحـُد ويزور الشهداء هناك فيسلم عليهم ويدعو لهم ويتذكر ما حصل في تلك الغزوة من الحكم والأسرار فحسن.
وينبغي أن يخرج إلى مسجد قباء، فيصلي فيه لقوله تعالى:
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيا وراكبا وكان ابن عمر يفعله، وفى رواية: فيصلي فيه ركعتين
.
وروى النسائي عن سهل بن حنيف
أن النبي
قال:
من خرج حتى يأتي هذا المسجد - مسجد قباء - فصلى فيه كان له عدل عمرة
.
وإذا انصرف إلى بلاده وأقبل عليها قال: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون؛ حتى يقدم، كما كان النبي
يفعل ذلك.
وليحمد الحاج الذي يسـَّر الله له الحج وزيارة المدينة، ليحمد الله على ذلك، وليقم بشكره، ويستقم على أمره، فاعلا ما أمر الله به ورسوله، تاركا ما نهى الله عنه ورسوله، ليكون من عباد الله الصالحين وأوليائه المتقين؛ قال تعالى
والأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في زيارة المسجد النبوي تكون في أمور:
الأول: اعتقاد بعض الحجاج بأن زيارة المسجد النبوي من متعلقات الحج وأن الحج لا يجوز بدونها بل ربما جعلها بعض الجهال أوكد من الحج! وهذا اعتقاد باطل؛ فلا علاقة بين الحج وزيارة المسجد النبوي، فالحج يتم بدونها، وهي تتم بدون الحج، ولكن الناس اعتادوا من قديم أن يجعلوها في سفر الحج لمشقة تكرار الأسفار عليهم، وكذا ليست أوكد من الحج؛ فالحج من أركان الإسلام ومبادئه العظام وليست الزيارة كذلك. ولا نعلم أحدا من أهل العلم قال بوجوب زيارة المسجد النبوي أو قبر النبي
.
وأما ما يروى عن النبي
أنه قال:
من حج ولم يزرني فقد جفاني
فحديث كـَذِب على الرسول
مـُناف للمعلوم من الدين إذ لو صح لكانت زيارة قبره من أوجب الواجبات.
الثاني: أن بعض الزائرين للمسجد النبوي يطوفون بقبر النبي
، ويتمسحون بشباك الحجرة وجدرانها، وربما قبلوها بشفاههم ووضعوا خدودهم عليها وكل هذا من البدع المنكرة؛ فإن الطواف بغير الكعبة بدعة محرمة، وكذلك الاستلام والتقبيل ووضع الخدود إنما يشرع في مكانه من الكعبة؛ فالتعبد لله تعالى بمثل ذلك في جدران الحجرة لا يـزيد المرء من الله إلا بعدا.
الثالث: أن بعض الزائرين يتمسح بالمحراب والمنبر وجدران المسجد، وكل هذا من البدع.
الرابع: وهو الأدهى والأعظم نكرا، أن بعض الزائرين يدعو النبي
لكشف الكربات أو حصول الرغبات، وهذا شرك أكبر مـُخرِجٌ عن الملة لا يرضى به الله ورسوله؛ قال الله تعالى:
فعلى المؤمن أن يعلق رجاءه ورغبته بخالقه وفاطره الذي يملك له تحقيق ما يرجوه وكشف ما يخافه، وأن يعرف لنبيه صلى الله عليه وسلم حقه من الإيمان به ومحبته واتباعه ظاهرا وباطنا، ويسأل الله الثبات على ذلك، ولا يتعبد لله تعالى بغير ما شرع.
لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى
. فيسافر الإنسان لزيارة المسجد النبوي؛ لأن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام
. ولكن إذا سافر إلى المدينة فينبغي أن يكون قصده الأول الصلاة في مسجد الرسول
، وإذا وصل إلى هناك زار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر
ما، على الوجه المشروع في ذلك من غير بدع ولا غلو.
وقولك في السؤال: هل له علاقة بالحج؟ جوابه: أنه لا علاقة له بالحج، وأن زيارة المسجد النبوي منفصلة، والحج والعمرة منفصلان عنه، لكن أهل العلم رحمهم الله يذكرونه في باب الحج، أو في آخر باب الحج، لأن الناس في عهد سبق يشقُّ عليهم أن يفردوا الحج والعمرة في سفر، وزيارة المسجد النبوي في سفر، فكانوا إذا حجوا واعتمروا مروا على المدينة لزيارة مسجد رسول الله
، وإلا فلا علاقة بين هذا وهذا.
آداب زيارة قبر الرسول
ما هي الآداب المشروعة لزيارة قبر الرسول
؟
الجواب: الآداب المشروعة: أن يزور الإنسان قبره
على وجه الأدب، وأن يقف أمام قبر رسول الله
فيسلم عليه فيقول: السلامعليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، صلى الله عليك وسلم وبارك، وجزاك عن أمتك خير الجزاء، ثم يخطو خطوة ثانية عن يمينه، ليكون مقابل وجه أبي بكر
، ويقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمد خيرا ، ثم يخطو خطوة عن يمينه، ليكون مقابل وجه عمر بن الخطاب
، فيقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمد خيرا ، ثم ينصرف، هذه هي الزيارة المشروعة.
وأما ما يفعله بعض الناس من التمسـُّح بجدران الحجرة، أو التبرك بها، أو ما أشبه ذلك، فكله من البدع. وأشد من ذلك وأنكر وأعظم أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لتفريج الكربات وحصول المرغوبات، فإن هذا شرك أكبر مُخرج عن الملة، والنبي
لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، ولا يملك لغيره كذلك نفعا ولا ضرا، ولا يعلم الغيب، وهو صلى الله عليه وسلم قد مات كما يموت غيره من بني آدم، فهو بشر يحيا كما يحيون ويموت كما يموتون، وليس له من تدبير الكون شيء أبدا ؛ قال الله تعالى له، أي : للرسول صلى الله عليه وسلم:
بشر محتاج إلى الله عز وجل، وليس به غـِنى عنه طرفة عين، ولا يملك أن يجلب نفعا لأحد أو يدفع ضررا عن أحد، بل هو عبد مربوب مـُكلـَّف كما يكلف بنو آدم، وإنما يمتاز بما مـَنَّ الله به عليه من الرسالة التي لم تكن لأحد قبله ولن تكون لأحد بعده، وهي الرسالة العظمي التي بعث بها إلى سائر الناس إلى يوم القيامة.
ما حكم زيارة بعض مقابر المدينة كالبقيع وشهداء أحد ؟
الجواب: زيارة القبور سنة في كل مكان، ولا سيما زيارة البقيع التي دُفن فيه كثير من الصحابة
م، ومنهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقبره هناك معروف. وكذلك يـُسنُّ أن يخرج إلى أُحد ليزور قبور الشهداء هنالك، ومنهم حمزة بن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك ينبغي أن يزور مسجد قباء، يخرج متطهرا فيصلي فيه ركعتين فإن في ذلك فضلا عظيما.
وليس هناك شيء يـُزار في المدينة سوى هذه: زيارة المسجد النبوي، وزيارة قبر النبي
، وزيارة البقيع، وزيارة شهداء أحد، وزيارة مسجد قباء. وما عدا ذلك من المزارات فإنه لا أصل له.
طلب الشفاعة من أصحاب القبور
ما الذي يلزم مـَن وجد في قلبه ميلا إلى طلب الشفاعة من أصحاب هذه القبور أو قضاء الحوائج أو الشفاء أو ما إلى ذلك؟
الجواب: الذي يجد في قلبه ميلا إلى طلب الشفاعة من أصحاب القبور، فإن كان أصحاب القبور من أهل الخير وكان الإنسان يؤمل أن يجعلهم الله شفعاء له يوم القيامة بدون أن يسألهم ذلك، ولكنه يرجو أن يكونوا شفعاء له، فهذا لا بأس به، فإننا كلنا نرجو أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم شفيعا لنا، ولكننا لا نقول له: يا رسول الله اشفع لنا، بل نسأل الله تعالى أن يجعله شفيعا لنا، وكذلك أهل الخير الذين يـُرجى منهم الصلاح، فإنهم يكونون شفعاء يوم القيامة، فإن الشفاعة يوم القيامة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: شفاعة خاصة برسول الله
، لا يشركه فيه أحد، وهي الشفاعة العظمى التي يشفع فيها
للخلق إلى ربهم ليقضي بينهم، فإن الناس يوم القيامة ينالهم من الكرب والغم ما لا يطيقون، فيقولون: ألا تذهبون إلى من يشفع لنا عند الله عز وجل؟ يعني يريحهم من هذا الموقف. فيأتون إلى آدم، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم، ثم إلى موسى، ثم إلى عيسى عليهم الصلاة والسلام، وكـُلـُّهم لا يشفع، حتى يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنتهي الشفاعة إليه، فيشفع عند الله عز وجل أن يقضي سبحانه وتعالى بين عباده، فيجيء الله عز وجل فيقضي بين عباده، ومن هذه الشفاعة شفاعته
في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة.
القسم الثاني: شفاعة عامة، وتكون للرسول
ولغيره من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فهذه تكون فيمن دخل النار أن يُخرَج منها، فإن عصاة المؤمنين إذا دخلوا النار بقدر ذنوبهم، فإن الله تعالى يأذن لمن شاء من عباده من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين أن يشفعوا في هؤلاء، بأن يخرجوا من النار.
المهم أن الإنسان إذا رجا الله عز وجل أن يشفع فيه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أو يشفع فيه أحد من الصالحين بدون أن يسألهم ذلك، فهذا لا بأس به، وأما أنه يسألهم فيقول: يا رسول الله، اشفع لي أو يا فلان اشفع لي . أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز؛ بل هو من دعاء غير الله عز وجل، ودعاء غير الله شرك.
حكم زيارة المزارات
ما حكم زيارة المساجد السبعة أو مسجد الغمامة ، أو بعض هذه المزارات التي يزورها بعض الحجاج؟
الجواب: نحن ذكرنا أنه لا يُزار سوى هذه الخمسة التي هي: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وقبره وقبر صاحبيه، وهذه القبور الثلاثة في مكان واحد، والبقيع وفيه قبر عثمان بن عفان رضي الله عنه، وشهداء أحد وفيهم قبر حمزة بن عبد المطلب
، ومسجد قباء، وما عدا ذلك فإنه لا يزار، وما أشرتُ إليه من المساجد السبعة، أو غيرها مما لم تذكر، فكل هذا لا أصل لزيارته، وزيارته بقصد التعبد لله تعالى بدعة، لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لأحد أن يـُثبـِت لزمان أو مكان أو عمل أن فـِعله أو قصده قـُربة إلا بدليل من الشرع.
ما الذي ينبغي لمن وفقه الله تعالى لإتمام نسكه من الحج والعمرة؟ وما الذي ينبغي له بعد ذلك؟
الجواب: الذي ينبغي له ولغيره ممن منَّ الله عليه بعبادة أن يشكر الله سبحانه وتعالى على توفيقه لهذه العبادة، وأن يسأل الله تعالى قبولها، وأن يعلم أن توفيق الله تعالى إياه لهذه العبادة نعمة يستحق سبحانه وتعالى الشكر عليها، فإذا شكر الله، وسأل الله القبول، فإنه حريٌّ بأن يقبل، لأن الإنسان إذا وُفِّـق للدعاء فهو حريٌّ بالإجابة، وإذا وفق للعبادة فهو حري بالقبول، وليحرص غاية الحرص أن يكون بعيدا عن الأعمال السيئة بعد أن مـَنَّ الله عليه بمحوها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة
.، ويقول
:
الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارة لما بينهن، ما اجتنبت الكبائر
.، ويقول
:
العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما
وهذه وظيفة كل إنسان يمنُّ الله تعالى عليه بفعل عبادة، أن يشكر الله على ذلك وأن يسأله القبول.
للطاعات علامات تظهر على صاحبها
هل هناك علامات يمكن أن تظهر على المقبولين في أداء الحج والعمرة ؟
الجواب: قد تكون هناك علامات لمن تقبـَّل الله منهم من الحجاج والصائمين والمتصدقين والمصلين، وهي انشراح الصدر، وسرور القلب، ونور الوجه، فإن للطاعات علامات تظهر على بدن صاحبها، بل على ظاهره وباطنه أيضا، وذكر بعض السلف أن من علامة قبول الحسنة أن يوفق الإنسان لحسنة بعدها، فإن توفيق الله إياه لحسنة بعدها يدل على أن الله عز وجل قبل عمله الأول، ومنَّ عليه بعمل آخر، ورضي به عنه.
الواجب على من عاد إلى بلاده تجاه أهله بعد أداء الحج
ما الذي يجب على المسلم إذا انتهى من حجه وسافر عن هذه الأماكن المقدسة؟ وما الذي يجب عليه تجاه أهله وجماعته ومن يعيش في وسطهم؟
الجواب: هذا الواجب الذي تشير إليه واجبٌ على من حج ومن لم يحج، واجب على كل من ولاه الله تعالى على رعية؛ أن يقوم بحق هذه الرعية، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن:
الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته
.
فعليه أن يقوم بتعليمهم وتأديبهم، كما أمر بذلك النبي
، أو كما كان يأمر بذلك الوفود الذين يفدون إليه أن يرجعوا إلى أهليهم فيعلموهم ويؤدبوهم، والإنسان مسئول عن أهله يوم القيامة؛ لأن الله تعالى ولاه عليهم، وأعطاه الولاية، فهو مسئول عن ذلك يوم القيامة، ويدل لهذا قوله تعالى:
فقرن الله تعالى الأهل بالنفس؛ فكما أن الإنسان مسئول عن نفسه يحرص كل الحرص على ما ينفعها، فإنه مسئول عن أهله كذلك، يجب عليه أن يحرص كل الحرص على أن يجلب لهم ما ينفعهم ويدفع عنهم بقدر ما يستطيع ما يضرهم.
آثار الحج على المسلم
ما هي آثار الحج على المسلم؟
الجواب: من آثار الحج: أن الإنسان يرى من نفسه راحة وطمأنينة وانشراح صدر ونور قلب. وكذلك قد يكون من آثار الحج، ما يكتسبه الإنسان من العلم النافع الذي يسمعه في المحاضرات وجلسات الدروس في المسجد الحرام، وفي المخيمات في منى وعرفة. وكذلك من آثاره أن يزداد الإنسان معرفة بأحوال العالم الإسلامي، إذا وُفـِّق لشخص ثقة يحدثه عن أوطان المسلمين. وكذلك من آثاره غرس المحبة في قلوب المؤمنين بعضهم لبعض، فإنك ترى الإنسان في الحج وعليه علامات الهدى والصلاح فتحبه وتسكن إليه وتألفه.
ومن آثار الحج أيضا: أن الإنسان يكتسب أمرا ماديا بالتكسـُّب بالتجارة وغيرها، لقوله تعالى:
وكم من إنسان اكتسب مالا بالتجارة في حجه، شراء وبيعا؛ وهذا من المنافع التي ذكرها الله سبحانه وتعالى.
ومن آثار الحج: أن يـُعَـوِّدَ الإنسان نفسه على الصبر على الخشونة والتعب، لا سيما إذا كان رجلا عاديا من غير أولئك الذين تكمل لهم الرفاهية في حجهم، فإنه يكتسب بذلك شيئا كثيرا، أعني : أن الذي يكون حجه عاديا يكتسب خيرا كثيرا بتعويد نفسه على الصبر والخشونة.
نصيحة لمن أدى الحج
ما هي نصيحتكم لمن أدى فريضة الحج؟
الجواب: نصيحتي له أن يتقي الله عز وجل في أداء ما ألزمه الله به من العبادات الأخرى؛ كالصلاة، والزكاة، والصوم، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الخلق وإلى المملوكات من البهائم، وغير هذا مما أمر الله به. وجـِماعُ ذلك كله قوله تعالى: