ليس لحفظ القرآن سن معينة , فالصحابة حفظوا القرآن كباراً, وإذا كان الأطفال أرسخ حفظاً وأسرع استجابة, فإن الشباب أكثر استيعاباً وإتقاناً, وكبار السن أكثر إدراكاً ووعياً.
وذاكرة الحفظ تعتمد على عوامل فطرية يستوي فيها الجميع , قوة وضعفاً وتوسطاً , وقدرات الناس في ذلك مختلفة, فمنهم بطيء الحفظ , ومنهم سريع الحفظ , ومنهم من يمسك الحفظ , ومنهم من يتفلّت منه سريعاً.
ولكن التجارب العملية أثبتت أن الحفظ بالنسبة للأطفال, قبل سن المراهقة , ميسّر لهم أكثر من غيرهم , وهو كالنقش في الحجر إن بقي متعاهداً له, مستمراً في مراجعته, وإلا ضاع وتفلّت.
وسوف أتكلم بحول الله تعالى, عن حفظ الصغار أولاً , ثم الكبار, يما يلي:
المبحث الأول: حفظ القرآن بالنسبة للصغار:
الحفظ بالنسبة للصغار , من 5 إلى 9 سنوات: وفيه تمهيد ومطلبان:
تمهيد: أنسب سن لحفظ القرآن الكريم هو الذي يبدأ من الخامسة إلى التاسعة , حيث قلة الصوارف , والشواغل, والدروس, وصفاء الذهن, وتقبّل النصائح, وسهولة التوجيه والانقياد, وهيمنة الأب الكاملة, وبعد هذه السن يقل من يتمكن من الحفظ الكامل للقرآن, فكيف يتم ذلك؟
فيه مطلبان:
المطلب الأول: طريقة حفظ القرآن:
يمكن استغلال سن الصبي على النحو التالي:
1- تعلم القراءة والكتابة أولاً:
يتعلم الصبي الهجاء والكتابة والإملاء وحُسن النطق, في العام السادس من عمره, والسنة الواحدة كافية لتعلم الهجاء, مع الجد والمثابرة, والعناية الخاصة بالصبي.
2- الحفظ الأول وكيفيته:
يبدأ الصبي من أول عامه السابع: يحفظ كل يوم سورة, من قصار السور, من أواخر المصحف, على يد قارئ - واحد لا يتغير - حافظ متقن, يصحح الشيخ للتلميذ القدر المراد حفظه في المصحف , أكثر من مرة حتى يتقوم لسانه, وينطق الحروف نطقا صحيحياً.
ثم يترك الصبي ليحفظ هذا القدر جملة جملة, وآية آية, ويضم بعضها إلى بعض, ثم يكرر المقدار المراد حفظه كله, نحو عشر مرات ويتركه هذا اليوم.
وفي اليوم التالي يحفظه من جديد , بلا خطأ واحد.
ثم يقرؤه ( غيباً ) على الشيخ , ولا يقبل من الشيخ خطأ واحداً , وبعد قراءته لواجب اليوم, يصحح على الشيخ المقدار المناسب المراد حفظه غداً , ليكرره اليوم جملة جملة, وآية آية, عدة مرات, تمهيداً للحفظ التام, كما فعل بالأمس.
ويأتي غداً ليقرأه ويصحح غيره, وهكذا.
وبعد قراءة الواجب اليومي غيباً , وتصحيحي واجب الغد نظراً , يقرأ غيباً على الشيخ ما سبق له أن حفظه في الأيام الماضية.
واختيار الشيخ المتقني, عربي اللسان, له تأثير كبير في إتقان الحفظ وحسن الأداء.
لابد كل يوم من ثلاثة أشياء:
أ- قراءة واجب اليوم غيباً.
ب- نلاوة واجب الغد وتكراره نظراً.
ج- قراءة الماضي الذي سبق له حفظه, ويقرأ بعضه فقط إن كان كثيراً, أو كله إن كان قليلاً. وكلما تم له حفظ سوره يقرؤها كاملة غيباً على الشيخ بالإضافة إلى الحفظ الجديد.
3- مقدار الحفظ اليومي:
يحفظ الصبي في بادئ الأمر مقدار سطر واحد كل يوم, وبعد شهر يحفظ سطرين, ويتضاعف مقدار الحفظ وهكذا.
بحيث يكون خمسة أسطر وهو في الجزء التاسع والعشرين.
وسبعة أسطر في الجزء الذي قبله.
وصفحة كاملة بعد ثلاثة أجزاء.
وربع الحزب كاملاً بعد عشرة أجزاء, من أسفل صعوداً, حتى ينتهي إلى أول القرآن, حيث إن البدء بالمفصّل أسهل.
المطلب الثاني: عوامل تساعد على الحفظ وتثبيته:
مما يساعد على الحفظ:
1- كتابة المراد حفظه:
يساعد على الحفظ كتابة القدر المراد حفظه, وأن يحفظ الطالب في طبعه معينة , ومصحف خاص فإن غيره فليكن من الطبعة ذاتها , فالرسم الواحد يُعين على الحفظ , لأن صورة الآيات ومواضعها تنطبع في الذهن.
2- فهم المعنى:
فهم الآيات, ومعرفة أسباب النزول, والأحكام الشرعية فيها, والقصص القرآني بالنسبة للكبار, من أهم العوامل المساعدة على الحفظ.
3- معرفة التشابه:
معرفة التشابه اللفظي , وتحديد كلمات الخلاف بين الألفاظ المتشابهة, والموازنة بينها, ومعرفة مواضعها, تكون بقوة الحفظ وجودته, وبكثرة المراجعة, وبالتأمل وإمعان النظر, وهذا أكبر عامل في ثبات الحفظ.
وهناك كُتب عنيت بدراسة التشابه بين ألفاظ القرآن والموازنة بينه , بحيث لا يخفى على القارئ معرفته.
وقد يكون التحليل اللفظي للتشابه وبيان فرق المعنى , ووجه البلاغة والإعراب , وحصر حروف وكلمات الخلاف أيسر طريق لذلك.
4- التفكير في الحفظ:
ويساعد على الحفظ : إمرار المحفوظ على الذهن عند النوم , وقراءته في الصلاة ولا سيما النافلة, والتكرار الدائم له, وقراءته على شخص آخر, وربط المعاني والآيات ببعضها , وإعادة الحفظ كله بصفة دورية كل أسبوعين على الأكثر مرة, بقراءة بعضه غيباً كل يوم, والتفكير فيه عند القيام من النوم.
وكل ذلك يُعين على الحفظ الجيد.
5- ضم أجزاء السورة إلى بعضها:
يقرأ الطالب (غيباً) الربع الأول من السورة في واجبه اليومي, وفي اليوم التالي بعد تلاوة واجبه يضم إليه واجب الأمس, وهكذا إلى نهاية السورة, ثم يقرأ السورة كلها غيباً, دون خطأ فيها دفعة واحدة, مع الواجب اليومي الجديد من السورة الأخرى, وهكذا.
6- مراجعة ما سبق حفظه:
يقرأ الطالب على الشيخ مما سبق له حفظه ما يعادل نصف جزء كل يوم على الأقل غيباً, وكلما وصل إلى حيث حفظ, يرجع من جديد, بحيث لا يمضي عليه أكثر من خمسة عشر يوماً, دون العودة من جديد.
7- الحفظ الثاني: (الإعادة):
المراد بالحفظ الثاني: هو إعادة القرآن الكريم للمرة الاولى بعد حفظه مجزءًا, ويكون ذلك بأن يقرأ الطالب على الشيخ غيباً في كل يوم نصف جزء مع مراجعته الشخصية, وتعاهده لما حفظه على الشيخ, بتلاوة جزء كل يوم على الأقل من الجهة العكسية لما يقرؤه على الشيخ, حتى لا يُركز على مكان معين, ويضيع الآخر.
فإذا فرغ من إعادة الختمة الأولى فليقرأ غيباً مرة ثالثة, كل يوم جزءًا كاملاً على المدرس, لتقويم اللسان, وتقويم النطق والحروف, وتحقيق المخارج والصفات, وحركات الإعراب, ومعرفة الوقف اللازم والممنوع, وعدم الوقوع في اللحن الجلي, والخلط بين الحروف في الحفظ .. إلخ.
8- المراجعة المستمرة للقرآن:
لكي يبقى الحفظ مستمراً في الذهن؛ لابد من تعاهده باستمرار, شأن الحال المرتحل , يبدأ ويعيد, بأن يقرأ على نفسه غيباً, أو على غيره, كل يوم جزأين, ويختم القرآن كل أسبوعين بصفة دورية معه مرتين في العام الأخير, ومراعاة أحكام التجويد في المراجعة تقوي الحفظ وتثبته.
وننصح بأن تكون القراءة بصوت مسموع عقب صلاة الفجر, أو كما يتيسر له, كما ننصح بتلاوة القرآن مرتباً في الصلاة , إماماً أو منفرداً, في الفرائض والنوافل , وقراءة الإنسان على نفسه في الحفظ لا تفيده كثيراً والأولى أن يقرأ على غيره - في المراجعة - ليُمسك عليه الخطأ.
أما القراءة قبل الحفظ, فلابد أن تكون على شيخ متخصص, ليصحح له المقدار المراد حفظه, ثم يقرؤه عليه بعد الحفظ, ليتبين له سلامة الألفاظ وصحة الأداء, أما إن حفظ من المصحف أو من السماع فقط, فقد يبذل جهداً في الحفظ , ويتبين له بعد ذلك أن حفظه فيه أخطاء لم يعرفها أثناء الحفظ, لأنه لم يصحح على شيخ, أما المراجعة مرات متكررة بعد الحفظ الأول؛ فلا بأس أن تكون على كل من يُحسن القراءة.
ومراجعة ما حفظه غيباً في المصحف, غير مُجدية في إبقاء الحفظ, وإنما تكون المراجعة عن ظهر قلب.
9- العمل بما في القرآن أهم من حفظه:
كما يهتم المسلم بحفظ كتاب الله تعالى, وتجويده, وتقويم لسانه في نطقه, بالنسبة له أو لولده, فإنه يجب عليه أن يصرف همته إلى فهم القرآن وتدبر معانيه ومعرفة أحكامه, وأسباب نزوله, وحلاله وحرامه, وقصصه, وأمره ونهيه, ومن ثم إلى العمل والتطبيق, وانعكاس الأثر عليه, ويجب أن يكون الحث على هذا في مناهج التعليم, كما كان الصحابة لا يتجاوزون العشر آيات حتى يتعلّموا حلالها وحرامها, والعمل بما فيها, فتعلّموا العلم والعمل معاً.
ومن الوبال على الإنسان أن يخالف عمله علمه, وقوله فعله, فتجد بعضهم يحفظ القرآن, ولكنه يرتكب المخالفات الشرعية, والنكرات الظاهرة, والأمة بحاجة إلى قرآن يمشي بين الناس لا إلى زيادة عدد المصاحف نسخة.
قال الحسن: قراء القرآن على ثلاثة أصناف:
صنف اتخذوه بضاعة يأكلون به.
وصنف أقامو حروفه وضيعوا حدوده.
وصنف عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم (1 ).
المبحث الثاني: الحفظ بالنسبة للكبار:
تختلف قدرات الناس وتتفاوت في الحفظ وكمياته, والإمساك به من عدمه, لذلك فإني سأضع عملية حسابية سهلة لمتوسطي الذكاء, مع ملاحظة : أن الشاب في سن العشررين أو الثلاثين مثلاً, عنده من الوعي والإدراك وفهم المعاني, والحفظ لبعض الآيات والسور, ما يسهل عليه إكمال المصحف حفظاً أكثر من الصغير إن تجرد من الهوى .
والقرآن الكريم ثلاثون جزءاً, وهي تسازي 240 ثمناً (ربعاً), أي أنه بالإمكان أن يحفظ في كل يوم ثمناً. وبهذا سوف يختم القرآن في 240 يوماً. لا مقطوعاً ولا ممنوعاً, إلا ما شاء الله تعالى.
فإذا كان مشغولاً, أو متوسط الخفظ فيقل المحفوظ , بحيث يحفظكل يوم صفحة واحدة (نصف الثمن9, وبذلك يتم له حفظ القرآن كله إن شاء الله في 480 يوماً أو نحوها, ويكون بتخصيص ساعة بعد صلاة الفجر أو غيرها في المسجد, وقبل الذهاب للبيت يومياً, يصحح الجديد, ويراجع القديم, ويتقن ما سبق حفظه مساءاً, مع الجد والمثابرة على ذلكو وتعاهد الحفظ على نحو ما سبق.
وطريقة حفظ الكبار لا تختلف عن الصغار, إلا في مقدار الحفظ اليومي, وإمكانية مراعاة تطبيق أحكام التجويد مع الحفظ, لقدرتهم على ذلك أكثر من الصغار.......
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع