عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال ... رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» . ---------------- قوله: «الطهور شطر الإيمان» ، أي: نصفه؛ لأن خصال الإيمان قسمان: ظاهرة، وباطنة، فالطهور من الخصال الظاهرة، والتوحيد من الخصال الباطنة. قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل في أيها شاء» . قوله: «والحمد لله تملأ الميزان» أي: أجرها يملأ ميزان الحامد لله تعالى. وفي الحديث الآخر: «التسبيح نصف الميزان، والحمد لله تملؤه، ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تصل إليه» . وسبب عظم فضل هذه الكلمات: ما اشتملت عليه من التنزيه لله تعالى، وتوحيده، والافتقار إليه. قوله: «والصلاة نور» أي: لصاحبها في الدنيا، وفي القبر، ويوم القيامة. «والصدقة برهان» أي: دليل واضح على صحة الإيمان. ... «والصبر ضياء» ، وهو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة؛ لأن الصبر لا يحصل إلا بمجاهدة النفس.«والقرآن حجة لك أو عليك» أي: إن عملت به فهو حجة لك، وإلا فهو حجة عليك. قوله: «كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» أي: كل إنسان يسعى، فمنهم من يبيع نفسه لله بطاعته فيعتقها من النار، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى فيهلكها. قال الحسن: «يا ابن آدم إنك تغدو وتروح في طلب الأرباح، فليكن همك نفسك، فإنك لن تربح مثلها أبدا» .
عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنهما: أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده: «ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله. وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر» . ---------------- في هذا الحديث: الحث على الاستعفاف، وأن من رزقه الله الصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا، فقد أعطاه خيرا كثيرا.
عن أبي يحيى صهيب بن سنان - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» . ---------------- في هذا الحديث: فضل الشكر على السراء والصبر على الضراء، فمن فعل ذلك حصل له خير الدارين، ومن لم يشكر على النعمة، ولم يصبر على المصيبة، فاته الأجر، وحصل له الوزر.
عن أنس - رضي الله عنه - قال: لما ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يتغشاه الكرب، فقالت فاطمة رضي الله عنها: واكرب أبتاه. فقال: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم» فلما مات، قالت: يا أبتاه، أجاب ربا دعاه! يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه! يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه! فلما دفن قالت فاطمة رضي الله عنها: أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب؟! ---------------- في هذا الحديث: جواز التوجع للميت عند احتضاره، وأنه ليس من النياحة. ومناسبة إيراده في باب الصبر: صبره - صلى الله عليه وسلم - على ما هو فيه من سكرات الموت، وشدائده، ورضاه بذلك، وتسكين ما نزل بالسيدة فاطمة من مشاهدة ذلك بقوله: «لا كرب على أبيك بعد اليوم» .
عن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبه وابن حبه رضي الله عنهما، قال: أرسلت بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - إن ابني قد احتضر فاشهدنا، فأرسل يقرئ السلام، ويقول: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب» فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها. فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال - رضي الله عنهم -، فرفع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الصبي، فأقعده في حجره ونفسه تقعقع، ففاضت عيناه فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ فقال: «هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده» وفي رواية: «في قلوب من شاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» . ---------------- ومعنى «تقعقع» : تتحرك وتضطرب. في هذا الحديث: جواز استحضار أهل الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم، واستحباب إبرار القسم، وأمر صاحب المصيبة بالصبر قبل وقوع الموت ليقع وهو مستشعر بالرضا مقاوما للحزن بالصبر , وفيه: جواز البكاء من غير نوح ونحوه.
وعن صهيب - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر؛ فبعث إليه غلاما يعلمه، وكان في طريقه إذا سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، وكان إذا أتى الساحر، مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خشيت الساحر، فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك، فقل: حبسني الساحر. فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرا، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره. فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي؛ وكان الغلام يبرىء الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء. فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال:ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك، فآمن بالله تعالى فشفاه الله تعالى، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بني، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل! فقال: إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله تعالى. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب؛ فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللهم أكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور وتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه. فذهبوا به، فقال: اللهم أكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى. فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهما من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع في صدغه، فوضع يده في صدغه فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك. قد آمن الناس. فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت وأضرم فيها النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، أو قيل له: اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق!» . ---------------- «ذروة الجبل» : أعلاه، وهي - بكسر الذال المعجمة وضمها - و «القرقور» : بضم القافين نوع من السفن و «الصعيد» هنا: الأرض البارزة و «الأخدود» الشقوق في الأرض كالنهر الصغير، و «أضرم» : أوقد، و «انكفأت» أي: انقلبت، و «تقاعست» : توقفت وجبنت. قال القرطبي: اسم الغلام عبد الله بن ثامر. وذكر عن ابن عباس أن الملك كان بنجران. وفي هذا الحديث: إثبات كرامة الأولياء. وفيه: نصر من توكل على الله سبحانه، وانتصر وخرج عن حول نفسه وقواها. وفيه: أن أعمى القلب لا يبصر الحق. وفيه: بيان شرف الصبر والثبات على الدين.
عن أنس - رضي الله عنه - قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر، فقال: «اتقي الله واصبري» فقالت: إليك عني؛ فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: «إنما الصبر عند الصدمة ... الأولى» . ---------------- في هذا الحديث: أن ثواب الصبر إنما يحصل عند مفاجأة المصيبة، بخلاف ما بعدها، فإن صاحبها يسلو كما تسلو البهائم.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة» . ---------------- هذا من الأحاديث القدسية، وفيه: أن من صبر على المصيبة واحتسب ثوابها عند الله تعالى، فإن جزاءه الجنة.
عن عائشة رضي الله عنها: أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطاعون، فأخبرها أنه كان عذابا يبعثه الله تعالى على من يشاء، فجعله الله تعالى رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد. ---------------- في هذا الحديث: فضل الصبر على الأقدار والاحتساب لثوابها. قال بعض العلماء: إن الصابر في الطاعون يأمن من فتان القبر؛ لأنه نظير المرابطة في سبيل الله. وقد صح ذلك في المرابط كما في (مسلم) وغيره.
عن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله - عز وجل -، قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة» يريد عينيه، ---------------- في هذا الحديث القدسي: أن من صبر على فقد بصره واحتسب أجره عند الله تعالى: عوضه عن ذلك الجنة.
عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله تعالى لي. قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك» فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها. ---------------- في هذا الحديث: فضل الصبر على البلاء، وعظم ثواب من فوض أمره إلى الله تعالى.
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيا من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، يقول: «اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون» . ---------------- في هذا الحديث: فضل الصبر على الأذي، ومقابلة الإساءة والجهل بالإحسان والحلم {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم 35}[فصلت (35) ]
عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه» ---------------- «الوصب» : المرض. في هذا الحديث: أن الأمراض وغيرها من المؤذيات مطهرة للمؤمن من الذنوب، فينبغي الصبر على ذلك ليحصل له الأجر، والمصاب من حرم الثواب.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك، فقلت: يا رسول الله، إنك توعك وعكا شديدا، قال: «أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم» . قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: «أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته، وحطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها» ---------------- (الوعك) : مغث الحمى، وقيل: الحمى. أجل: جواب مثل نعم، إلا أنه أحسن من نعم في التصديق، ونعم، أحسن في الاستفهام. وفي هذا الحديث: فضل الصبر على الأمراض والأعراض، وأنها تكفر السيئات، وتحط الذنوب.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به خيرا يصب منه» ---------------- في هذا الحديث: أن المؤمن لا يخلو من علة أو قلة، أو ذلة، وذلك خير له حالا ومآلا. قال الله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}[البقرة (155) ] .
ن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي» ---------------- في هذا الحديث: النهي عن تمني الموت جزعا من البلاء الدنيوي، بل يصبر على قدر الله ويسأله العافية، ويفوض أمره إلى الله.
عن أبي عبد الله خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: شكونا إلى ... رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ... لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» ---------------- في هذا الحديث: مدح الصبر على العذاب في الدين، وكراهة الاستعجال. قال الله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}[البقرة (214) ] .
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم حنين آثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مئة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك، وأعطى ناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة. فقال رجل: والله إن هذه قسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله، فقلت: والله لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتيته فأخبرته بما قال، فتغير وجهه حتى كان كالصرف. ثم قال: «فمن يعدل إذا لم يعدل ... الله ورسوله؟» ثم قال: «يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» . فقلت: لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا. ---------------- وقوله: «كالصرف» هو بكسر الصاد المهملة: وهو صبغ أحمر. في هذا الحديث: استحباب الإعراض عن الجاهل والصفح عن الأذى والتأسي بمن مضى من الصالحين، قال الله تعالى:{وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}[الفرقان (63) ] .
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل لهالعقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» . ---------------- في هذا الحديث: الحث على الصبر على ما تجري به الأقدار، وأنه خير للناس في الحال والمآل، فمن صبر فاز، ومن سخط فاته الأجر وثبت عليه الوزر، ومضى فيه القدر.