أحكام اللّمس في الطّهارة

طباعة الموضوع

الصحبة الطيبة

عضو مميز
إنضم
16 أبريل 2013
المشاركات
199
النقاط
16
الإقامة
القاهرة - مصر
الموقع الالكتروني
nasrtawfik.blogspot.com
احفظ من كتاب الله
اللهم أعينني علي دوام التلاوة والتدبر وحفظ القرآن كاملا
احب القراءة برواية
حفص عن عاصم
القارئ المفضل
محمد صديق المنشاوي والحصري والسديسي
الجنس
أخ وأسرتي
أحكام اللّمس في الطّهارة

المقـدمـة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .
أما بـعـد:
فإن التفقه في الدين أمر يجلُّ قدره، ويعظم شأنه، نوه الله تعالى بفضله في محكم تنـزيله، فقال عز وجل: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين} وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيرية في التفقه في الدين حيث قال: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" فتبين بذلك ما للفقه في الدين من مكانة ومنزلة مرموقة، فأشرف العلوم علوم أحكام أفعال العباد، إذ الله لم يخلق الخلق عبثاً بل خلقهم لتحقيق أسمى الغايات وهي العبادة ولا يتحقق ذلك إلا بالتفقه في الدين ألا وإن من الأمور التي ينبغي للمرء معرفتها وفقهها أحكام اللمس ما تنتقض به الطهارة فلا تصح معه العبادة وما لا تنتقض به، فأحببت أن أفرد هذا الموضوع ببحث مستقل أبين فيه مباحثه ومسائله وما يتعلق به سائلاً الله عز وجل الإعانة والتوفيق.
خـطـة البحـث
قسمت هذا البحث إلى مقدمة، وتمهيد، وثلاثة فصول:
المقدمة:
وتشتمل على الافتتاحية، وخطة البحث ومنهجه.
التمهيد:
ويشتمل على تعريف اللمس والفرق بينه وبين المس ومفهومهما في الكتاب والسنة.
الفصل الأول:
في لمس العورة، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: في لمس الفرج، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في لمس الرجل فرجه.
المطلب الثاني: في لمس فرج الغير.
المطلب الثالث: في لمس المرأة فرجها.
المبحث الثاني: في لمس غير الفرج من العورة، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في لمس الدبر.
المطلب الثاني: في لمس الأنثيين والألية والعانة.
المطلب الثالث: في لمس فرج البهيمة.
المبحث الثالث: في كيفية اللمس، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في اللمس ببطن الكف وبظهره.
المطلب الثاني: في اللمس بقصد وبغير قصد.
المطلب الثالث: في اللمس من وراء حائل.
الفصل الثاني:
في لمس غير العورة من البدن، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: في لمس المرأة والرجل، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: في لمس الرجل للمرأة والمراة للرجل.
المطلب الثاني: في لمس الأمرد.
المطلب الثالث: في لمس الرجل للرجل.
المطلب الرابع: في لمس المرأة للمرأة.
المبحث الثاني: في لمس المحارم والصغير وما اتصل بالجسم ووضوء الملموس، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في لمس المحارم والصغيرة.
المطلب الثاني: في لمس ما اتصل بالجسم كالشعر والظفر والسن.
المطلب الثالث: في وضوء الملموس.
الفصل الثالث:
في لمس الميت والمصحف، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: في لمس الميت، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في لمس الميت أثناء تغسيله.
المطلب الثاني: في لمس الميت أثناء حمله أو غيره.
المبحث الثاني: في لمس المصحف، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في لمس المصحف باليد مباشرة.
المطلب الثاني: في حمل المصحف بدون ملامسته باليد مباشرة.
الخـاتمـة
منهـج البحـث
سلكت في إعداد هذا البحث المنهج الآتي:
1- جمعت المادة العلمية المتعلقة بأحكام اللمس في الطهارة.
2- درست المسائل الواردة في هذا البحث دراسة موازنة، وحرصت على بيان المذاهب الأربعة في كل مسألة، وقد أذكر في المسألة أقوال بعض الصحابة والتابعين وغيرهم من الفقهاء كما أنني ذكرت قول الظاهرية في بعض المسائل مراعياً في ذلك الترتيب الزمني بين الفقهاء.
3- حرصاً مني على إخراج المسائل بأسلوب مبسط، يسهل معه معرفة الحكم في المسألة، صدرتها بالإجماع إن كانت من المسائل المجمع عليها، كما أنني إن رأيت الخلاف ليس قوياً في المسألة صدرت المسألة بقول أكثر أهل العلم وبعد ذلك أشير إلى القول المخالف ثم أذكر أدلة كل قول وما قد يرد عليه من نقاش إن وجـد، ثم أختم المسألة بالقول الراجح وقد أؤخر المناقشة مع الترجيح.
4- حرصت على نقل أقوال الفقهاء من مصادرها الأصلية.
5- ذكرت أرقام الآيات القرآنية الواردة في البحث مع بيان أسماء سورها.
6- خرجت الأحاديث الواردة في البحث مبيناً الكتاب والباب والجزء والصفحة، فإن كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بتخريجه منهما أو من أحدهما، وإن لم يكن فيهما أو في أحدهما اجتهدت في تخريجه من كتب السنة الأخرى مع ذكر درجة الحديث صحة أو ضعفاً معتمداً على الكتب التي تعنى بذلك.
7- بينت معاني الكلمات التي تحتاج إلى بيان معتمداً على الكتب التي تعنى بذلك.
8- لم أترجم للأعلام الواردة في البحث خشية الإطالة.
9- بينت في نهاية البحث في الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها.
10- وضعت فهرساً للمصادر التي اعتمدت عليها مرتباً حسب الحروف الهجائية، وآخر للموضوعات.
التمهيد
في التعريف باللمس والفرق بينه وبين المس و اللمس في الكتاب والسنة.
تعريف اللمس في اللغة:
لمس: بفتح فسكون مصدر لمس الشيء، أمسه بيده فهو لا مس، ولمس المرأة باشرها.
واللام والميم والسين أصل واحد يدل على تطلب شيء ومسيسه أيضاً. تقول: تلمست الشيءإذا تطلبته، ويأتي بمعنى الحس.
وقال ابن الأعرابي: اللمس قد يكون مس الشيء بالشيء ويكون معرفة الشيء وإن لم يكن ثم جوهر.
وقال الراغب الأصفهاني: "اللمس مطلقاً ؛ لأنه يقال المس إدراك بظاهر البشرة، واللمس والملامسة المجامعة مجازاً" .
تعريف اللمس في اصطلاح الفقهاء:
هـو: قوة منبثقة في جميع البدن تدرك بها الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ونحو ذلك عند التماس الاتصال به .
وقيل هو: إلصاق الجارحة بالشيء وهو عرف باليد ؛ لأنها آلته الغالبة،ويستعمل كناية عن الجماع .
وقيل هو: أن يلمس الرجل بشرة المرأة والمرأة بشرة الرجل بلا حائل بينهما .
وقيل: حقيقة اللمس ملاقاة البشرتين .
وكما هو واضح من هذه التعاريف كلها تدل على أن المراد من اللمس ملاقاة البشرتين.
الفرق بين اللمس والمس:
ذُكرت بعض الفروق بين اللمس والمس ومن ذلك:
أن مطلق التقاء الجسمين يسمى مساً، فإن كان بالجسد سمي مباشرة، وإن كان باليد سمي مساً، وإن كان بالفم على وجه مخصوص سمي قبلة .
أن المس كاللمس لكن اللمس قد يقال لطلب شيء وإن لم يوجد والمس يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس .
أن اللمس لصوق بإحساس، والمس أقل تمكناً من الإصابة وهو أقل درجاتها.
أنه يكنى بالمس عن النكاح والجنون، ويقال في كل ما ينال الإنسان من أذى مس، ولا اختصاص له باليد لأنه لصوق فقط، وهذا بخلاف اللمس فإنه يكون باليد .
أن اللمس أخص من المس إذ لا يطلق إلا على مس لطلب معنى من حرارة مثلاً.
أن المس لا يكون إلا بباطن الكف، واللمس يكون بأي جزء من البدن.
أن المس يكون من شخص واحد بخلاف اللمس فإنه لا يكون إلا بين اثنـين.
أن المس يختص بالفرج بخلاف اللمس فلا يختص به .
مفهوم اللمس في القرآن الكريم:
ورد ذكر اللمس والمس في عدة آيات من القرآن الكريم:
1- قول الله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ … } .
2- قول الله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} .
3- قول الله تعالى: {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً... } .
4- قول الله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} .
واللمس في القرآن الكريم ليس مقصوراً على معنى واحد أو مفهوم واحد فإنه يكنى به عن النكاح حيث يقال مسَّها وماسها ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} والمسيس كناية عن النكاح.
ويكنى به عن المس بالجنون قال تعالى: {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} .
والمس يقال في كل ما ينال من أذى كقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَعْدُودَةً} .وكقوله تعالى: {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} .
وكقوله تعالى: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} .
ويكنى باللمس عن الجس باليد كقوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} .
ويكنى باللمس عن الطلب كقوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} .
ويطلـق اللمس والمـس على المباشرة في الفرج ومنه قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} .
أمـا قولـه تعالـى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} . وقريء: {أو لمستم النساء} . فاختلف المفسرون والأئمة في معنى ذلـك على قولين:
أحدهما: أن ذلك كناية عن الجماع.
الثانـي: أن المراد بذلك: كل لمس بيد كان أو بغيرها من أعضاء الإنسان.
قال ابن جرير: "وأولى القولين بالصواب قول من قال عنى الله بقوله: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} الجماع دون غيره من معاني اللمس لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنـه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ" .
وفسره بذلك حبر الأمة ابن عباس - رضي الله عنهما - الذي علمه الله تأويل كتابه واستجاب فيه دعوة رسوله صلى الله عليه وسلم وتفسيره أولى من تفسير غيره لتلك المزية .
وبناء على هذا الاختلاف في مفهوم اللمس اختلف الفقهاء في أثر هذا اللمس هل ينتقض به الوضوء أو لا ؟ وسيأتي الكلام عليه مفصلاً إن شاء الله في الفصل الثاني من هذا البحث.
مفهوم اللمس في السنة:
ورد ذكر اللمس في عدة أحاديث من ذلك:
1- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة: وهي طرح الرجل ثوبه إلى رجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه ؛ ونهى عن الملامسة والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه .
قال ابن الأثير: "هو أن يقول: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع" .
2- حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟"
3- ما جاء عن عائشة رضي الله عنها في حديث البيعة أنها قالت: "ولا والله ما مست يده امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك" .
ويظهر من هذه الأحاديث أن اللمس الوارد فيها هو اللمس باليد وهو ليس مقصوراً على ذلك.
بل ورد اللمس بمعنى البحث والتحري ومنه:
1- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة مـن الفـراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان" .
2- حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في شأن ليلة القدر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان" .
الفصل الأول
فـي لمـس الـعـورة
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: في لمس الفرج.
المبحث الثاني: في لمس غير الفرج من العورة.
المبحث الثالث: في كيفية اللمس.
المبحث الأول
فـي لمـس الـفــرج
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في لمس الرجل فرجه.
المطلب الثاني: في لمس فرج الغير.
المطلب الثالث: في لمس المرأة فرجها.
المطلب الأول
فـي لمـس الـرجـل فـرجـه
اتفق الفقهاء على أن من لمس فرجه بغير يده من أعضائه أنه لا ينتقض وضوءه .
واختلفوا فيمن مس فرجه بيده على قولين:
القول الأول: أن من لمس ذكره انتقض وضوءه، وهو مروي عن عمر ابن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وابن عمر، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبدالله، وعائشة، وأم حبيبة، وبسرة بنت صفوان، وبه قال مكحول، وسعيد بن المسيب، وعطاء، ومجاهد، وعروة، وسليمان بن يسار، والزهري، ويحيى بن أبي كثير، والشعبي، وأبو العالية، والأوزاعي، والليث.
وهو المشهور من مذهب الإمام مالك والشافعي إذا كان اللمس بباطن الكف، وأحمد في المذهب، وداود وابن حزم .
القول الثاني: أن من لمس ذكره لا ينتقض وضوءه، وهو مروي عن علي، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وابن عباس، وحذيفة، وعمران بن حصين، وأبي الدرداء، وهو قول سعيد بن جبير، وطاووس والنخعي، والحسن بن حيي، وشريك، وابن المبارك، ويحيى بن معين، والحسن البصري، وقتادة، والثوري.
وإليه ذهب أبو حنيفة، ومالك في قول، وأحمد في رواية، واختاره ابن المنذر، وابن تيمية .
الأدلـة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة التالية:
1- حديث بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مس ذكره فليتوضأ" .
2- حديث أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قـال: "من مس فرجه فليتوضأ" .
3- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما شيء فليتوضأ وضوءه للصلاة" .
4- ولأنه لمس يفضي إلى خروج المذي فأشبه مس الفرج بالفرج .
5- أن الذكر يختلف عن سائر الجسد لأنه تتعلق به أحكام ينفرد بها من وجوب الغسل بإيلاجه والحد والمهر وغير ذلك .
وقد اعترض على هذه الأدلة بما يأتي:
حديث بسرة اعترض عليه بعدة اعتراضات أهمها:
1- رواه عنها مروان بن الحكم وهو كان يحدث في زمانه مناكير ولذلك لم يقبل عروة منه .
2- أن ربيعه شيخ مالك قال: "ويحكم مثل هذا يأخذ به أحد ويعمل بحديث بسرة ؟ والله لو أن بسرة شهدت على هذا النعل لما أجزت شهادتها، وإنما قوام الدين الصلاة، وإنما قوام الصلاة الطهور، فلم يكن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقيم هذا الدين إلا بسرة" .
3- قال ابن معين: لم يصح في مس الذكر حديث .
4- رواية ابن وهب عن مالك أن الوضوء من مس الذكر سنة فكيف يصح عنده هذا الحديث ثم يستجيز هذا القول؟
5- أن الرجل أولى بنقله من بسرة .
6- أنه مما تعم به البلوى فينبغي أن ينقل مستفيضاً ولما لم يكن كذلك دل على ضعفه .
7- إنكار كبار الصحابة لحكمه كعلي وابن مسعود وغيرهما كما تقدم في القول الثاني .
8- أنه مخالف لإجماع الصحابة .
9- لو سلم بصحته يحمل على غسل اليد لأنهم كانوا يستجمرون ثـم يعرقون ثم يؤمر من مس موضع الحدث بالوضوء الذي هو النظافة .
10- أنه معارض بحديث طلق، والقياس على سائر الأعضاء .
وقد أجيب على هذه الاعتراضات بما يأتي:
1- أن مروان كان عدلاً ولذلك كانت الصحابة تأتم به وتغشى طعامه وما فعل شيئاً إلا عن اجتهاد، وإنكار عروة لعدم اطلاعه .
2- أن عدم استقلال المرأة في الشهادة لا يدل على عدم قبول روايتها وإلا لما قبلت رواية كثير من الصحابيات.
قال الشافعي: "والذي يعيب علينا الرواية عن بسرة يروي عـن عائشة بنت عجرد وأم خداش وعدة من النساء لسن بمعروفات ويحتج بروايتهن ويضعف بسرة مع سابقتها وقديم هجرتها وصحبتها النبي صلى الله عليه وسلم وقد حدثت بهذا في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون ولم يدفعه
منهم أحد بل علمنا بعضهم صار إليه منهم عروة بن الزبير" .
3- إذا لم يصح الحديث عند ابن معين فقد صح عند غيره فقد صححه الجماهير من الأئمة الحفاظ واحتج به الأوزاعي والشافعي وأحمد وهم أعلام الحديث والفقه فلو كان باطلاً لم يحتجوا به، لكنه مع هذا لم يثبت عند ابن معين كما قال الحافظ ابن حجر وابن الجوزي .
4- أن مالكاً لم يطعن في الصحة وإنما تردد في دلالة اللفظ هل هي للوجوب أم للندب ؟
5- أن بسرة لم تنفرد بروايته بل رواه نحو خمسة عشر من الرجال والنساء فإن في الباب عن أم حبيبة وأبي هريرة وأروى بنت أنس وعائشة وجابر وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو وسعد بن أبي وقاص وأم سلمة وابن عباس وابن عمر والنعمان بن بشير وأنس وأُبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة رضي الله عنه .
6- أن الخبر نقل مستفيضاً .
7 - أن الحديث لم يثبت عندهم أو لم يبلغهم، وقد بلغهم حديث طلق ولم يبلغهم ما ينسخه ولو بلغهم لقالوا به ولا يجب على الصحابي أن يطلع على سائر الأحاديث .
8 -أنـه لم ينعقد في هذه المسألة إجماع وإلاَّ لما ساغ الخلاف فيها ومن أراد الاطلاع على معرفة قدر اختلاف الصحابة فيها فليراجع المصادر التي ذكرتها عند عرض الأقوال في أول المسألة .
9- أن حديث طلق الذي استدل به أصحاب القول الثاني لا يصح والقياس الذي ذكروه في قبالة النص فيكون فاسداً .
10-أن الألفاظ الشرعية الأصل فيها أن تحمل على الحقيقة إلا إذا ورد دليل يصرفها عنها ولم يرد بل ورد هنا ما يخالفه كما تقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره - ليس بينهما شيء - فليتوضأ وضوءه للصلاة" .
قال البيهقي وغيره: "ويكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يحتج الشيخان بأحد من رواته، وحديث بسرة قد احتجا بسائر رواة حديثها، وهذا وجه رجحان حديثها على حديث طلق من طريق الإسناد ؛ لأن الرجحان إنما يقع بوجود شرائط الصحة والعدالة في حق هؤلاء الرواة دون من خالفهم" .
واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية:
1- حديث قيس بن طلق، عن أبيه قال: "قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله، ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ ؟ فقال:"هـل هـو إلا مضغـة منه؟ أو قال: بضعـة منـه"
2- ما روى جعفر بن الزبير عن القاسم، عن أبي أمامه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مسست ذكري وأنا أصلي، فقال: "لا بأس إنما هو حذية منك"
3- إجماع أهل العلم على أن لا وضوء على من مس بولاً أو غائطاً أو دماً فمس الذكر أولى أن لا يوجب وضوءاً .
وقد اعترض على هذه الأدلة بما يأتي:
1- أن حديث طلق ضعيف باتفاق المحدثين وقد بين البيهقي وجوهاً من ضعفه .
2- أنه منسوخ بحديث بسرة لأن أبا هريرة قد رواه وهو متأخر الإسلام ووفادة طلق على النبي صلى الله عليه وسلم كانت في السنة الأولى من الهجرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبني مسجده وقدوم أبي هريرة وإسلامه كان في السنة السابعة من الهجرة .
3- أنه محمول على المس من فوق حائل لأنه قال: سألته عن مس الذكر في الصلاة، والظاهر أن الإنسان لا يمس ذكره في الصلاة بدون حائل .
4- أن حديث بسرة أكثر رواة من حديث طلق كما تقدم .
5- أن حديث بسرة فيه احتياط للعبادة .
6- أن حديـث جعفـر بن الزبير حديث ضعيف كما تقدم في تخريجه .
7- أن القياس الذي ذكروه قياس في مقابل النص فيكون فاسداً .
وقد أجيب عن هذه الاعتراضات بما يلي:
1- القول بأن حديث طلق حديث ضعيف باتفاق المحدثين غير مسلم فقد صححه كما سبق في تخريجه الطحاوي، وابن حبان، وابن حزم وغيرهم .
2- دعـوى النسخ لا تقبل إذ ليس في حديث بسرة ما يدل على النسخ
3- أن كثرة الرواة لا أثر لها في باب الترجيحات لأن طريق كل واحد منهما غلبه الظن فصار كشهادة شاهدين مع شهادة أربعة .
الـراجـح:
أطال أهل العلم النقاش حول هذه المسألة وأكثروا الاحتجاج لها وذهب كل فريق يرجح حديثه الذي احتج به بمرجحات ومبررات وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - الجمع بين الأدلة فحمل الأمر بالوضوء من مس الذكر على الاستحبـاب وأخذ به الشيخ محمد ابن عثيمين - رحمه الله - للقرينة الصارفة في حديث طلق السابق ذكره وهي: "وهل هو إلا بضعة منك" وليس فيه نسخ، وحمل الأمر على الاستحباب أولى من النسخ.
وأما دعوى أن حديث طلق منسوخ لأنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني المسجد أول الهجرة، ولم يعد إليه بعد، فهذا غير مسلم لما يأتي:
1- أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن ومن أوجه الجمع:
أ‌- حمل حديث بسرة وما شابهه على ما كان لشهوة، وحديث طلق على ما إذا كان لغير شهوة.
ب‌- أن يكون الأمر في حديث بسرة للاستحباب، وحديث طلق السؤال فيه للوجوب، فهو سأل عن الواجب "أعليه" وكلمة "على" ظاهرة في الوجوب .
2- أن في حديث طلق علة لا يمكن أن تزول، وإذا ربط الحكم بعلة لا يمكن أن تزول، فإن الحكم لا يمكن أن يزول لأن الحكم يدور مع علته، والعلة قوله: "إنماهو بضعة منك" ولا يمكن في يوم من الأيام أن يكون ذكر الإنسان ليس بضعة منه، فلا يمكن النسخ.
3- أن أهل العلم قالوا: إن التاريخ لا يعلم بتقدم إسلام الراوي أو تقدم أخذه، لجواز أن يكون الراوي حدث به عن غيره .
وخلاصة القول في المسألة كما ذكر الشيخ محمد العثيمين: "أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقاً سواء مس بشهوة أو بغير شهوة وإذا مسه لشهوة فالقول بالوجوب قوي جداً وهو الأحوط" والله تعالى أعلم.
المطلب الثاني
فـي مـس ذكـر الغيـر
بينت في المطلب السابق حكم انتقاض وضوء الإنسان بمس ذكره وفي هذا المطلب أذكر حكم مس الإنسان لذكر غيره.
والكلام في هذه المسألة مبني على الكلام في مسألة من مس ذكره.
فذهب الفقهاء القائلون بنقض الوضوء من مس الإنسان ذكره إلى أنه لا فرق بين مس الإنسان ذكره وذكر غيره
وذهـب داود وابن حـزم إلى أن من مس ذكـر غيره لا ينتقض وضـوءه
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
1- حديث بسرة فقد ورد في بعض ألفاظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مس الذكر فليتوضأ" .
وجه الدلالة: أن الحديث على عمومه يدخل تحت عمومه ذكره وذكر غيره .
2- أن مس ذكر غيره معصية، وأدعى إلى الشهوة، وخروج الخارج، وحاجة الإنسان تدعو إلى مس ذكر نفسه، فإذا انتقض بمس ذكر نفسه فمس ذكر غيره أولى وهذا تنبيه يقدم على الدليل .
3- ولأن من مس فرج غيره أغلظ من مس فرجه لما يتعلق به من هتك حرمة الغير فكان بالنقض أحق .
واستدل أصحاب القول الثاني بالآتي:
أنـه لا نص فيه، والأخبـار إنما وردت في ذكـر نفسه، فيقتصر عليه .
واعترض على هذا الاستدلال:
أن ادعاء أنه لا نص فيه غير صحيح فقد ورد في بعض ألفاظ حديث بسرة كما سبق قوله صلى الله عليه وسلم: "من مس الذكر فليتوضأ".
والراجح في المسألة:
هو كما تقدم في المسألة السابقة أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقاً سواء مس بشهوة أو بغير شهوة، وإذا مس بشهوة فالقول بالوجوب قوي جداً وهو الأحوط فإذا كان هذا في مس ذكره ففي مس ذكر غيره من باب أولى، والله تعالى أعلم.
المطلب الثالـث
لمـس المـرأة فـرجـها
تقدم الكلام في المطلب الأول على حكم لمس الرجل ذكره وفي هذا المطلب أبين حكم لمس المرأة لفرجها أهو كحكم لمس الرجل لفرجه أم أن بينهما اختلافاً؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن لمس المرأة فرجها ينتقض به الوضوء، وهو قول مالك في المشهور عنه، والشافعي إذا كان المس بباطن الكف، وأحمد في الصحيح من المذاهب .
القول الثاني: أن لمس المرأة فرجها لا ينقض الوضوء، وهو قول أبي حنيفة ومالك في رواية، وأحمد في رواية .
الأدلـة:
1- حديث أم حبيبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مس فرجه فليتوضأ" .
وجه الدلالة: أن الفرج هنا اسم جنس فيدخل فيه قبل المرأة لأن الفرج في اللغة الفرج بين الشيئين ويطلق على القبل والدبر من الرجل والمرأة وكثر استعماله في العـرف في القبل، فعـلى هذا ينتقض وضوء المرأة بلمسها فرجها .
2- حديث عمـرو بن شعيب،عـن أبيه، عـن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيـما رجل مس فرجه فليتوضأ،وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ" .
3- حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ويل للذين يمسون ذكورهم ويصلون ولا يتوضئون" قالت عائشة: "فهذا للرجال فما بال النساء قال عليه الصلاة والسلام: "إذا مست إحداكن فرجها توضأت .
1. ولأن المرأة آدمي مس فرجه فانتقض وضوءه كالرجل .
واستدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
1- أن الأصل عدم ورود دليل يدل على النقض .
2- أن الحديث المشهور في مس الذكر وليس مس المرأة فرجها في معناه .
3- أن مس الفرج لا يدعو إلى خروج خارج فلا ينقض الوضوء .
4- أنه عضو منها فأشبه لمسه لمس سائر بدنها .
وقد أجابوا عن حديث أم حبيبة بأن فيه انقطاعاً ، وحديث عمرو بن شعيب قالوا: إن الإمام أحمد سئل عنه فقال: ليس بذاك .
وقد أجاب أصحاب القول الأول عن ذلك بأن حديث أم حبيبة حديث صحيح كما سبق تخريجه، وأن حديث عمرو بن شعيب حسن الإسناد صحيح المتن بما قبله كما سبق تخريجه.
والراجح في المسألة: أن المرأة إذا مست فرجها استحب لها الوضوء مطلقاً سواء مست بشهوة أم بغير شهوة، وإذا مست بشهوة فالقول بالوجوب قوي جداً وهو الأحوط.
المبحث الثاني
في لمس غير الفرج من العـورة
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في لمس الـدبــر.
المطلب الثاني: في لمس الأنثيين والألية والعانة.
المطلب الثالث: في لمس فـرج البهيمة.
المطلب الأول
فـي لمـس الـدبـر
تقدم في المبحث الأول الكلام على حكم لمس الفرج ولما كان الدبر يدخل في مسمى الفرج فقد يتبادر إلى الذهن أنه يأخذ حكم القبل وحيث إن الدبر يختلف في بعض الصفات عن القبل كالشهوة وخروج المذي والمني فهل يأخذ حكم القبل أو لا ؟
اختلف العلماء في لمس الدبر على قولين:
القول الأول: أن الوضوء لا ينتقض بلمس الدبر وهو مروي عن قتادة وسفيان الثوري وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي في القديم وأحمد في رواية، وداود .
القول الثاني: أن الوضوء ينتقض بلمس الدبر وهو مروي عن عطاء والزهري، والأوزاعي، والشافعي في الجديد وهو الصحيح، وأحمد في الصحيح من المذهب، وإسحاق .
الأدلــة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
1- حديث بسرة بنت صفـوان أنها سمعـت رسـول الله صلى الله عليه وسلم يقـول: "من مس ذكره فليتوضأ" .
وجه الدلالة: أنه خص الذكر بالحكم وهذا ليس في معناه لأنه لا يقصد مسه .
2- أن مس القبل إذا كان على سبيل الشهوة يفضي إلى خروج المذي وغيره فأقيم مسه مقام خروج الخارج بخلاف الدبر .
3- أنه لا يلتذ بمسه كالقبل فأشبه سائر الأعضاء .
واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية:
1-حديث أم حبيبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مس فرجه فليتوضأ" .
وجه الدلالة: أن اسم الفرج يطلق على القبل والدبر جميعاً .
3- أنه أحد سبيلي الحدث فوجب أن يكون مسه حدثاً كالقبل .
واعترض على هذين الدليلين بما يأتي:
1- حديث أم حبيبة اعترض عليه بأن بعض الأحاديث أطلق فيها الفرج وبعضها صرح فيها بالذكر فتحمل الأحاديث التي جاءت بلفظ الفرج أنه يراد به الذكر الذي صرح به في بعض الأحاديث ويحمل الفرج الذي أمرت المرأة بالوضوء إذا هي مسته على ما يقابل ذكر الرجل وهو القبل منها.
2- دليلهم الثاني اعترض عليه بوجود الفارق بين القبل والدبر حيث إن الدبر ليس محلاً للشهوة بخلاف القبل فإن الشهوة تثور بلمسه غالباً ومن أجل هذا أمر بالوضوء من مسه، أما الدبر فهو كأي جزء آخر من البدن لا تثور الشهوة بمسه فلا يلزم من مسه الوضوء .
الـراجـح:
هو القول بعدم انتقاض الوضوء بمس الدبر لأن الأحاديث التي جاء فيها ذكر الفرج مطلقاً تحمل على الفرج المصرح به في حديث بسرة ولأن القبل يختلف عن الدبر في كثير من الأحكام وهو المراد في كثير من النصوص كقول تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُم} خطاب للرجال بحفظ فروجهم من الزنا والمراد الذكر وقوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُن} خطاب للنساء بحفظ فروجهن من الزنا والمراد القبل، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} بيان لحال المؤمنين الذين حصنوا فروجهم من الزنا، والمراد الرجال بدلالة قوله تعالى بعد ذلك: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} فعلى هذا فإن المراد بالفرج في النصوص هو القبل الذي هو محل الشهوة دون الدبر، والله أعلم.
المطلب الثاني
فـي لمـس الأنثيين والألـية والـعـانـة
عامة أهـل العلم يرون أن الوضوء لا ينتقض بلمس الأنثيين والألية والعانة .
وروى عن عروة أن الوضوء ينتقض بلمسها، وقال الزهري: "أحب إليَّ أن يتوضأ"، وقال عكرمة: "من مس ما بين الفرجين فليتوضأ" .
استدل عامة أهل العلم بما يأتي:
1- أنه لا نـص في هذا ولا هـو في معنى المنصوص عليه فلا يثبت الحكم فيه .
2- ولأنهـا مواضـع من البدن لا لذة في مسها فأشبهت سائر الأعضاء .
واستدل من رأى انتقاض الوضوء بلمسها:
بما روي عن بسرة بنت صفـوان قالت: سمعت رسـول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من مس ذكره أو أنثييه أو رفغيه فليتوضأ"
وقد اعترض على هذا بأنه من قول عروة غير مرفوع، كذلك رواه الثقات، عن هشام منهم: أيوب السختياني، وحماد بن زيد وغيرهما وكلا الطريقين صحيح .
وقال البيهقي: "القياس أن لا وضوء في المس، وإنما اتبعنا السنة في إيجابه بمس الفرج فلا يجب بغيره" .
وقال النووي: "وهذا حديث باطل موضوع إنما هو من كلام عروة كذا قاله أهل الحديث والأصل أن لا نقض إلا بدليل" .
بل نقل ابن هبيرة الإجماع على عدم النقض فقال: "وأجمعوا على أنه لا وضوء على من مس أنثييه سواء كان من وراء حائل أو من غير وراء حائل" .
وعلى هذا فيكون الراجح هو قول عامة العلماء أن الوضوء لا ينتقض بلمس الأنثيين والألية والعانة، والله أعلم.
المطلب الثالث
فـي لمـس فـرج البهيمة
جمهور العلماء على أن لمس فرج البهيمة لا ينقض الوضوء
وذهب الليث إلى أن لمس فرج البهيمة ينقض الوضوء، وفرق عطاء بين لمس البهيمة مأكولة اللحم وغير مأكولة اللحم فقال بالوضوء من مس مأكولة اللحم ولم يقل بالوضوء من لمس غير مأكولة اللحم .
الأدلــة:
استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
1- أن لمس فرج البهيمة ليس بمنصوص على النقض به، ولا هو في معنى المنصوص عليه .
2- أنه لا حرمة لها ولا تعبد عليها أي لا حرمة لها في وجوب ستر فرجها وتحريم النظر إليه ولا تعبد عليها أي أن الخارج من فرجها لا ينقض طهراً ولا يوجب وضوءاً .
3- أنه لمس لا لذة فيه فأشبه لمس الجماد .
واستدل للقول الثاني بما يأتي:
قياس لمس فرج البهيمة على لمس فرج الآدمي .
واعترض على هذا الدليل:
أن نقض الوضوء بلمس فرج الآدمي قد ورد فيه نص بخلاف لمس فرج البهيمة .
والراجح قول جمهور العلماء، لأن لمس فرج البهيمة مما لم يرد النص على النقض به وقياسه على فرج الآدمي قياس مردود.
المبحث الثالث
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في اللمس ببطن الكف وظهره.
المطلب الثاني: في اللمس بقصد وبغير قصد.
المطلب الثالث: في اللمس من وراء حائل.
المطلب الأول
فـي اللمـس ببطـن الكـف أم بظهـره
تقدم الكلام على حكم لمس العورة وفي هذا المبحث أبين هل اللمس المقصود ببطن الكف أم بظهره ؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن اللمس لا ينتقض به الوضوء إلا إذا كان ببطن الكف وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد في رواية، والليث , وإسحاق .
القول الثاني: أن اللمس ينتقض به الوضوء سواء كان ببطن الكف أم بظهره وهو قول أحمد فيما عليه المذهب وعطاء والأوزاعي .
الأدلـــة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس بينهما سترة فليتوضأ" وفي لفظ "إذا أفضى أحدكم إلى ذكره فقد وجب عليه الوضوء" .
وجه الدلالة: أن الإفضاء لا يكون إلا ببطن الكف .
2- أن ظاهر الكف ليس بآلة للمس، فأشبه ما لو مسه بفخذه .
3- أن المعنى الذي اختصت به اليد في مسه ينقض الوضوء دون سائر الجسد إما أن يكون لحصول اللذة المقتضي إلى نقض الطهر وإما لأن اليد آلة الطعام فخيف تنجيسها بآثار الاستنجاء، وكلا المعنيين مختص بباطن الكف دون ظاهرها كما كان مختصاً باليد دون غيرها .
واعترض على هذا:
أن الإفضاء يكون بظاهر الكف كما يكون بباطنها وحتى لو كان الإفضاء بباطـن الكف لما كان في ذلك ما يسقط النقض عن غير الإفضاء .
واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية:
1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما سترة فليتوضأ" وفي لفظ "إذا أفضى أحدكم إلى ذكره فقد وجب عليه الوضوء" .
وجـه الدلالة: أن ظاهر كفه من يده والإفضاء اللمس مـن غـير حائل .
2- أن ظهر الكف جزء من يده تتعلق به الأحكام المعلقة على مطلق اليد فأشبه باطن الكف .
والراجــح:
أن اللمس حاصل سواء كان بظهر الكف أم بباطنه ولكن لا ينتقض وضوءه ما لم ينزل منه شيء كما سبق ترجيح ذلك.
المطلب الثاني
اللمـس بقصد وبـغـيـر قـصـد
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن لمس الفرج لا ينقض الوضوء إلا إذا كان بقصد وهو قول مكحول، وطاووس، وسعيد بن جبير، ومالك، وأحمد في رواية .
القول الثاني: أن لمس الفـرج ينقـض مطلقاً بقصد وبغير قصد وهو قول الشافعي، وأحمـد في الصحيح من المذهب، والأوزاعي وإسحاق .
الأدلــة:
استدل أصحاب القول الأول بالآتي:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما سترة فليتوضأ" وفي لفظ "إذا أفضى أحدكم إلى ذكره فقد وجب عليه الوضوء" .
وجه الدلالة: أن الحديث ورد فيمن مس فرجه أو ذكره ولا يكون ماساً إلا من قصد إلى المس، لأن الفاعل حقيقة هو من قصد إلى الفعل وأراده .
واعترض على هذا:
أن لفظ الحديث يفيد العموم على كل حال ولا يوجد ما يقيده بالعمد .
واستدل أصحاب القول الثاني بالآتي:
1-عموم أحاديث مس الفرج فإنها لم تقيد المس بعمد أو غير عمد بل رتبت الوضوء على حصول اللمس .
2 - ولأنه لمس يؤثر في نقض الطهر فاستوى عمده وسهوه أصله مس النسـاء .
الـراجـح:
أنه لا فرق في اللمس بين القصد وغير القصد لأن كل معنى نقض الطهر مع القصد نقضه مع غير القصد أصله الحدث .
المطلب الثالث
فـي اللمـس مـن وراء حـائـل
تقدم في المطلبين السابقين الكلام على اللمس ببطن الكف وظهره واللمس بقصد وبغير قصد وفي هذا المطلب أبين حكم اللمس من وراء حائل.
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن اللمس من وراء حائل لا ينقض الوضوء وهو قول الحنفية، وابن عبد البر، والشافعية، والحنابلة في المذهب .
القول الثاني: أن اللمس من وراء حائل ينقض الوضوء إذا كان الحائل رقيقاً لا يمنع اللذة وهـو قول ربيعـة، والليث، والمالكية،والحنابلة في رواية .
الأدلــة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
1- قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} .
وجـه الدلالة من الآية أن حقيقة الملامسة هي ملاقاة البشرة بدون
حائل .
2- أنه لم يلمس الجسم وإنما لمس الثياب والشهوة بمجردها لا تكفي كما لو مس رجلاً أو وجدت الشهوة من دون لمس .
3- أنه لمس دون حائل فوجب أن لا ينقض الوضوء كلمس الخف .
استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
1- عموم قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} .
وجه الدلالة: أنه ملتذ بلمس يوجب الوضوء وهما متلامسان والمعنى فيهما وجود اللذة .
2- أن الشهوة موجودة ولا يمنعها الحائل الرقيق .
واعترض على هذا: بأن حقيقة الملامسة ملاقاة البشرة وإلا كان لامساً ثوباً ولم يكن لامساً جسماً وعلى هذا لو حلف لا يلمس امرأة فلمس ثوبها لم يحنث، فإذا انتفى اللمس عنه لم يتعلق به الحكم
والـراجـح:
أن اللمس من وراء حائل لا ينقض الوضوء، ما لم ينزل منه شيء.
فقد سبق أن اللمس من دون حائل لا ينقض الوضوء ما لم ينزل منه شيء فهذا من باب أولى.
الفصل الثانـي
في لمس غير العورة من البدن
وفـيـه مبحـثــان:
المبحث الأول: في لمس المـرأة والرجـل.
المبحث الثاني: في لمس المحارم والصغيرة وما اتصل بالجسم ووضوء الملموس.
المبحث الأول
فـي لمـس المـرأة والـرجـل
وفيه أربعـة مطالب:
المطلب الأول: في لمـس الرجـل للمرأة والمرأة للـرجــل.
المطلب الثاني: في لمـس الأمــرد.
المطلب الثالث: في لمـس الـرجـل للـرجـل.
المطلب الرابع: في لمـس المــرأة للمــرأة.
المطلب الأول
في لمس الرجـل للمرأة والمرأة للرجـل
اختلف العلماء في هذه المسألة إلى أقوال أوصلها بعضهم إلى سبعة أقوال وأشهرها ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كان بشهوة أو بغير شهوة وهو مروي عن علي، وابن عباس، وعطاء، ومسروق، والحسن البصري، وسفيان الثوري، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف ولكن إذا باشرها وليس بينهما ثوب وتماس الفرجان وانتشر استحب له الوضوء استحساناً والقياس أن لا يكون حدثاً وهو قول محمد بن الحسن، وهو رواية عن أحمد اختارها ابن تيمية .
القول الثاني: أن لمس المرأة ينقض الوضوء إذا كان بشهوة ولا ينقض إذا كان بغير شهوة، وهو مروي عن الحكم، وعلقمة، والنخعي والليث، وإسحاق وهو قول مالك، وأحمد في المذهب .
القول الثالث: أن لمس المرأة ينقض مطلقاً بمجرد التقاء البشرتين ولو بغير شهوة أو قصد وهو مروي عن عمر وابنه، وابن مسعود ومكحول، والشعبي، والنخعي، ويحيى الأنصاري، وسعيد بن عبدالعزيز، وهو قول الشافعي وأحمد في رواية، وابن حزم إلا أنه قيده بالعمد دون الخطأ .
الأدلــة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
1- حديث حبيب بن أبي ثابت عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قبـل امـرأة من نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ" قال عروة: قلت لها: "من هي إلا أنت" .
وجه الدلالة من الحديث: أن القبلة إذا كانت لا تنقض الوضوء فمن باب أولى أن لا ينقض اللمس الوضوء.
2- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أنام بين يدي رسول الله ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتها" .
وفي رواية: "فإذا أراد أن يوتر مسني برجله" .
3- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان" .
وجه الدلالة من الحديثين: أنهما دلا على أن اللمس لا يؤثر في الوضوء، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد السجود - كما ورد في الحديث - غمز عائشة، والغمز لمس بلا شك، ولم يرد أنه صلى الله عليه وسلم قطع صلاته لذلك وهذا عام لم يفرق فيه بينما إذا كان بشهوة أو بغير شهوة.
4- حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينب بنت رسول صلى الله عليه وسلم فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها" .
وجه الدلالة من الحديث: أن الظاهر أنه لا يسلم من مسها .
5- أن اللمس ليس بحدث بنفسه ولا سبب لوجود الحدث غالباً فأشبه مس الرجل الرجل والمرأة المرأة ومس المحارم والشعر، وأن لمس الزوجين مما يكثر وجوده فلو جعل حدثاً لوقع الناس في الحرج .
وقد اعترض على هذه الأدلة بما يأتي:
1- حديث حبيب بن أبي ثابت اعترض عليه من أربعة أوجه:
أ-أنه ضعيف وعروة المذكور في سنده هو عروة المزني ولم يدرك عائشة، وممن ضعفه الثوري ويحيى بن سعيد القطان وأحمد والترمذي وأبو داود والبيهقي والبخاري وأبو حاتم وغيرهم .
ب-ما ذكره الإمام أحمد وغيره أن حبيب بن أبي ثابت غلط فيه من الصيام إلى الوضوء .
ج-أنه لو صح الحديث فهو محمول على أن القبلة كانت لغير شهوة براً بها وإكراماً لها ورحمة، أو كانت من وراء حائل جمعاً بين الأدلة
د-إذا صح الحديث يكون ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يملك إربه كما ذكرت عائشة في تقبيله صائماً .
وأجيب عن هذه الاعتراضات:
أن تضعيف بعض الحفاظ لهذا الحديث قابله تصحيح البعض له كابن عبد البر، والزيلعي، والتركماني وغيرهم، وله طرق وشواهد متعددة يقوي بعضها بعضاً وتجعل له أصلاً فيصلح للاستدلال .
أما ما ذكره الإمام أحمد وغيره ففيه نظر، وحمل القبلة على أنها كانت لغير شهوة أو كانت من وراء حائل غير مسلم ولا دليل عليه .
أما القول بأنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم فغير مسلم لأن التخصيص يحتاج إلى دليل ولا دليل .
2- و 3- حديث عائشة رضي الله عنها أن يدها وقعت على بطن قدمي النبي صلى الله عليه وسلم اعترض عليه من ثلاثة أوجه:
أ-أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ملموساً ولا وضوء عليه.
ب-أنه كان داعياً ولم يكن في صلاة وذلك يجوز للمحدث، وليس من شرط الدعاء ألا يكون إلا في الصلاة.
ج-أنه يحتمل أن لمسه لها فوق حائل وهذا هو الظاهر فيمن هو نائم في فراشه .
وأجيب عن هذه الاعتراضات:
بأنها احتمالات فيها نظر ولا دليل عليها، ولو قيل إن اللمس كان بغير شهوة لكان أقرب .
3- حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامه
اعترض عليه من ثلاثة أوجه:
أ-أظهرها أنه لا يلزم من ذلك التقاء البشرتين فحملها لا يقتضي مباشرة بدنها.
ب-أنها صغيرة لمسها لا ينقض الوضوء.
ج-أنها من ذوات المحارم .
وأجيب عما ذكروه بأنه ادعاء يحتاج إلى دليل، ودعوى أنها صغيرة لم يرد دليل يدل على أن لمس الصغيرة لا ينقض الوضوء .
أدلة أصحاب القول الثاني:
1-قـول الله تعالـى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} .
وجـه الدلالة من الآية: أن اللمس هو الجس باليد لكنه مقيد في الآية بقصد الشهوة دون غيره للجمع بين الآية والأحاديث، ولما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمس زوجته في الصلاة، وتمسه، ولو كان ذلك ناقضاً لما فعله صلى الله عليه وسلم .
2- حديثي عائشة وحديث أبي قتادة السابقة في أدلة أصحاب القول الأول.
وجه الدلالة من الأحاديث المذكورة :
أن اللمس لا ينقض الوضوء ولو كان ناقضاً لانتقض وضوء النبي صلى الله عليه وسلم واستأنف الصلاة؛ لأن الظاهر من غمزه رجليها كان من غير حائل.
وكذلك الظاهر أنه لا يسلم من لمس أمامه عند حملها في الصلاة، ولكن لم يكن ذلك ناقضاً للوضوء، لأنه كان من غير شهوة .
3-أن اللمس ضربان أعلى وأدنى، والطهر نوعان أعلى وأدنى، فلما وجب بالأعلى - وهو التقاء الختانين - أعلى الطهرين، وجب أن يجب بالأدنى - وهو ما دونه - أدناهما وهو الوضوء .
4-أن المس ليس بحدث في نفسه، وإنما هو داع إلى الحدث، فاعتبرت الحالة التي يدعو فيها إلى الحدث وهي حالة الشهوة .
5-أن إيجاب الوضوء بمجرد اللمس فيه مشقة عظيمة، وما كان فيه حرج ومشقة فإنه منفي شرعاً .
واعترض على هذه الأدلة بما يأتي:
1-استدلالهم بالآية: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} اعترض عليه بأن تقييد اللمس في الآية بالشهوة غير مسلم إذ لا دليل عليه .
وأجيـب عن هذا: بأن الشهـوة مظنة فوجب حمل الآية على ذلـك .
2- حديثي عائشة وحديث أبي قتادة سبق الاعتراض عليها والإجابة عليها في أدلة أصحاب القول الأول .
3- ما استدلوا به من المعقول اعترض عليه بأنه في مقابل نصوص من الكتاب والسنـة والاستدلال بالنصوص مقدم على الاستدلال بالمعقول.
أدلة أصحاب القول الثالث:
1- قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} وقـرأ حمزة الكسائي {أو لمستم} بمعنى أو لمستم أنتم أيها الرجال نساءكم وهما قراءتان متقاربتا المعنى، لأنه لا يكون الرجل لامساً امرأته إلا وهي لامسته .
قال ابن المنذر: "فجائز أن يقال لمن قبل امرأته أو لمسها بيده قد لمس فلان زوجته" .
ويدل على أن اللمس قد يكون باليد قوله تعالى: {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} وقوله صلى الله عليه وسلم لماعز: "لعلك قبلت أو غمزت" فظاهر الكتاب والسنة واللغة تدل على أن اللمس يكون باليد وغيره .
والله تعالى أمر اللامس بأن يتيمم عند عدم الماء حيث قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا… } .
ففي ذلك دلالة على انتقاض وضوء الرجل بملامسة المرأة .
2- حديث عبدالرحمن بن أبي ليلى عن معاذ رضي الله عنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: يا رسول الله ما تقول في رجل لقي امرأة لا يعرفها وليس يأتي الرجل من امرأته شيئاً إلا أتاه منها غير أنه لم يجامعها قال: فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْل… } الآية، قـال: فقـال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "توضأ وصل" قال معاذ فقلـت: يا رسول الله أَلَهُ خاصة أم للمؤمنين عامة ؟ فقال: "بل للمؤمنين عامة" .
وجه الدلالة من الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر السائل بالوضوء لأنه لمس المرأة ولم يجامعها .
3- ما روي عن عمر رضي الله عنه قال: القبلة من اللمس فتوضّؤوا منها .
4- ما روي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء .
1-أنه لمس يوجب الفدية على المحرم فنقض كالجماع .
واعترض على هذه الأدلة بما يأتي:
1-استدلالهم بالآية: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ… }
اعترض عليه: أنه جائز في اللغة أن يقال لمن لمس امرأته بيده قد لمسها ولكن الملامسة التي ذكرها الله في قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} الجماع الموجب للجنابـة دون غيره، بدليل قولـه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} يعني: وقد أحدثتم قبل ذلك {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} فأوجب الله عز وجل غسل الأعضاء التي ذكرها بالماء ثم قـال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} يريد الاغتسال بالماء، فأوجب الوضوء من الأحداث، والاغتسال بالماء من الجنابة، ثم قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} يريـد الجماع الذي يوجب الجنابة {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} تتوضؤن به من الغائط أو تغتسلون به من الجنابة كما أمرتم به في أول الآية {فَتَيَمَّمُوا} فإنما أوجب في آخر الآية التيمم على ما كان أوجـب عليه الوضوء والاغتسال بالماء في أولها وقد تأكد هذا التفسير بفعله صلى الله عليه وسلم كما ذكرت في الأحاديث السابقة في أدلة أصحاب القول الأول أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل ويلمس زوجته ولا يتوضأ .
ويؤيد هذا أن ابن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة وترجمان القرآن والذي استجاب الله فيه دعوة نبيّه صلى الله عليه وسلم قد فسر اللمس في الآية بالجماع وهو قول جمهور المفسرين وصوبه واختاره الإمام الطبري
وورد عن أهل اللغة أن اللمس إذا قرن بالنساء يراد به الوطء تقول العرب: لمست المرأة أي جامعتها .
2-استدلالهم بحديث عبدالرحمن بن أبي ليلى عن معاذ اعترض عليه من وجهين:
أ-أن الحديث منقطع كما تقدم في تخريجه .
ب-أنه لم يثبـت أن السائل كان متوضأ قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوضـوء ولا يثبـت أنه كان متوضأ عند اللمس فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد انتقض وضوءه
2-ما روي عن عمر وابن عمر رضي الله عنهما، اعترض عليه:
أنه لا حجة في قول الصحابي لا سيما إذا وقع معارضاً لما ورد عن الشارع وعلى فرض حجيته يحمل على القبلة التي تكون بشهوة
واعترض على قياس اللمس على الفدية.
أنه قياس مع الفارق لأن لمس المحرم بدون شهوة لا يؤثر في الحج ولا يوجب شيئاً .
الـراجـح:
هو أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء سواء كان لشهوة أو لغير شهوة إلا إذا أمنى أو أمذى وذلك لما يلي:
1) أنه لم يرد دليل على أن مجرد اللمس حدث ينقض الوضوء والملامسة الواردة في الآية المراد بها الجماع فسرها بذلك حبر الأمة وترجمان القرآن الذي علمه الله تأويل كتابه واستجاب فيه دعوة نبيّه صلى الله عليه وسلم وقد ثبت هذا التفسير بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير كما ذكره ابن حجر .
2) أكد هذا التفسير فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يلمس زوجته وهو في الصلاة ولو كان ذلك ناقضاً للطهارة لما فعله وثبت أنه قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ .
3) أن الأدلة التي استدل بها على أن اللمس ينقض الوضوء تدل على أن مجرد اللمس لا ينقض الوضوء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فأما تعليق النقض بمجرد اللمس فهذا خلاف الأصول وخلاف إجماع الصحابة وخلاف الآثار وليس مع قائله نص ولا قياس فإن كان اللمس في قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} إذا أريد به اللمس باليد والقبلة ونحو ذلك كما قال ابن عمر وغيره - فقد علم أنه حيث ذكر مثل ذلك في الكتاب والسنة فإنما يراد به ما كان لشهوة مثل قوله تعالى في آية الاعتكاف {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد} ومباشرة المعتكف لغير شهوة لا تحرم عليه بخلاف المباشرة لشهوة وكذلك المحرم الذي هو أشد - لو باشر المرأة لغير شهوة لم يحرم عليه ولـم يجب عليه به دم فمن زعم أن قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} يتناول اللمس وإن لم يكن لشهوة فقد خرج عن اللغة التي جاء بها القرآن بل وعن لغة الناس في عرفهم فإنه إذا ذكر المس الذي يقرن فيه بين الرجل والمرأة علم أنه مس الشهوة كما أنه إذا ذكر الوطء المقرون بين الرجل والمرأة علم أنه الوطء بالفرج لا بالقدم ومن المعلوم أن مس الناس نساءهم مما تعم به البلوى ولا يزال الرجل يمس امرأته فلو كان هذا مما ينقض الوضوء لكان النبي صلى الله عليه وسلم بينه لأمته وكان مشهوراً بين الصحابة … فعلم أنه قول باطل .
وقـد رجـح هذا القـول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - ومما قال: "إن الأصل عدم النقض حتى يقوم دليل صحيح صريح على ذلك ولم يرد حديث صحيح صريح ولا صحيح غير صريح يوجب على من لمس امرأته الوضوء أما الاستدلال بالآية على وجوب الوضوء من لمس المرأة فهو في غير موضعه، وأن الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي ولا دليل على ذلك، وهذا الأمر مما تعم به البلوى، فلو أوجبنا الوضوء به لكان في ذلك حرج ومشقة، وما كان كذلك فإنه منفي شرعاً، ولأن تقييد النقض بالشهوة لا أعلم له دليلاً أصلاً .
والمرأة كالرجل لا ينتقض وضوءها إذا لمست الرجل سواء كان اللمس بشهوة أو بغير شهوة ما لم ينزل منها شيء
المطلب الثانـي
فـي لمـس الأمـرد
اختلف العلماء في حكم لمس الأمرد على قولين:
القول الأول: أن لمس الأمرد لا ينقض الوضوء سواء كان بشهوة أو بغير شهوة وبه قال الشافعية في الأصح، والحنابلة في المذهب .
القول الثاني: أن لمس الأمرد ينقض الوضوء وبه قال المالكية والشافعية في وجه، والحنابلة في رواية .
الأدلــة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
1-قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} .
وجه الدلالة: أن الآية لا تتناوله ولا هو داخل في معناها .
2-أنه من جنس لا ينتقض الوضوء بلمسه فكان ما شذ منه ملحقاً بعموم الجنس .
3-أنه ليس محلاً للشهوة، والمرأة محل لشهوة الرجل شرعاً وطبعاً .
واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية:
1-أنه مما يلتذ بلمسه .
2-أنه محل للشهوة كالمرأة ولأن من الناس - والعياذ بالله - من قلب الله حسه وفطرته فأصبح يشتهي الذكور دون النساء.
وهذا خلاف الفطرة التي فطر الناس عليها، وقد قال بعض أهل العلم إن النظر إلى الأمرد حرام كالنظر إلى المرأة مطلقاً، ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية: لا تجوز الخلوة بالأمرد ولو بقصد التعليم .
الـراجـح:
أن لمس الأمرد لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج من اللامس شيء كما سبق ترجيح ذلك في مسألة لمس المرأة وهذا من باب أولى.
المطلب الثالـث
فـي لمـس الرجل للرجـل
لمس الرجل للرجل لا ينقض الوضوء فيجوز للرجل أن يمس بدن رجل آخر عدا عورته وهي ما بين السرة والركبة .
لحديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما قبل أن يتفرقا"
وعن ثابت البناني أن أنساً كان إذا أصبح دهن يده بدهن طيب لمصافحة إخوانه .
وجه الدلالة: أن في ذلك دلالة على جواز مصافحة الرجل لصاحبه ويلزم من ذلك المس إذ لا مصافحة بدون مس .
ولفقد اللذة غالباً في لمسه .
أما عدم جواز مس العورة فلحديث أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد" .
وجه الدلالة: أن فيه دليلاً على تحريم لمس عورة الغير بأي موضع من بدنه كان وهذا متفق عليه .
المطلب الـرابـع
فـي لمـس المـرأة للمـرأة
حكم المرأة مع المرأة كحكم الرجل مع الرجل على حد سواء فكل ما يجوز للرجل أن يمسه من الرجل يجوز للمرأة أن تمسه من المرأة ولا ينتقض به الوضوء فالرجل لا يجوز له أن يرى عورة الرجل ولا أن يمسها وكذلك المرأة لا يجوز لها أن ترى عورة المرأة ولا أن تمسها .
لحديـث أبي سعيـد الخدري عن أبيه أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد" .
قال النووي: "فيه دليل على تحريم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان، وهذا متفق عليه" .
في لمس المحارم وما اتصل بالجسم ووضوء الملموس
وفيه ثـلاثـة مطالب:
المطلب الأول: في لمـس المحارم والصغيـرة.
المطلب الثاني: في لمس ما اتصل بالجسم كالشعر والظفر والسن.
المطلب الثالث: في وضـوء الملمـوس.
المطلب الأول
في لمس المحارم كالأم والبنت والأخت والخالة
وغيرهن من المحارم والصغيرة
تقدم في المبحث الأول قبل هذا المبحث الكلام على لمس المرأة عموماً ولما كان لمس المحارم والصغيرة قد يتوهم أنه لا خلاف فيه افردته بمطلب مستقل بينت فيه خلاف العلماء وهو كما يأتي:
اختلف العلماء في لمس المحارم والصغيرة هل ينقض الوضوء أم لا ؟ على قولين:
القول الأول: أن لمس المحارم والصغيرة لا ينقض الوضوء، وبه قال الحنفية والشافعية في المذهب، والحنابلة في رواية .
القول الثاني: أن لمس المحارم والصغيرة كلمس الأجنبية ينتقض به الوضوء إذا كان بشهوة، وبه قال المالكية والشافعية في قول، والحنابلة في المذهب .
الأدلــة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
1- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت أحداً من الناس كان أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم كلاماً ولا حديثاً ولا جلسة من فاطمة، قالت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآها قد أقبلت رحب بها ثم قام إليها ثم أخذ بيدها فجاء بها حتى يجلسها في مكانه، وكانت إذا أتاها النبي صلى الله عليه وسلم رحبت به ثم قامت إليه ثم أخذت بيده" .
2- حديث أبي قتادة الأنصاري صلى الله عليه وسلم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينب - بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم - فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها" .
وجـه الدلالة من الحديثين: أنهما قد دلا على جواز لمس المحارم وأن ذلك لا يؤثـر في نقض الوضوء لا سيما حمل النبي صلى الله عليه وسلم لأمامه وهو يصلي
3- أن لمس المحارم والصغيرة لا يفضي إلى خروج شيء فأشبه لمس الرجل الرجل
4- أن الاعتبـار في اللمس في الغالب أنه للشهوة وهذا مفقود في المحارم 5) وقد سبق في مسألة لمس الرجل للمرأة ما على هذه الأدلة من اعتراضات والجواب عليها .
واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية:
1- عموم قول الله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} .
وجه الدلالة: أن الشهوة مظنة الحدث فوجب حمل الآية عليه، وهي لم تفرق بين الأجنبية وغيرها من النساء .
قال ابن قدامة: "واللمس الناقض تعتبر فيه الشهوة، ومتى وجدت الشهوة فلا فرق بين الجميع" .
2- أن اللمس يؤثر في نقض الوضوء فلا فرق فيه بين المحارم والأجنبيات والصغائر والعجائز كالإيلاج .
3- ولأن ما نقض الطهر من الأجانب نقضه من ذوات المحارم كلمس الفرج والتقاء الختانين .
وقد سبق في مسألة لمس المرأة ما على هذه الأدلة من اعتراضات والجواب عليها.
الـراجـح:
هو عدم نقض الوضوء بمس المحارم والصغيرة إلا إذا خرج منه شيء لما ذكرت في عدم النقض بلمس المرأة ما لم ينزل شيء وهنا عدم النقض من باب أولى.
المطلب الثاني
فـي لمس ما اتصل بالجسـم
كالشعر والظفر والسن
تقدم الكلام على لمس العورة وغيرها من البدن، وهنا أبين حكم ما اتصل بالبدن هل له حكم البدن في نقض الطهارة وعدم النقض أم لا؟
اختلف العلماء في نقض الوضوء بلمس ما اتصل بالبدن كالشعر والظفر والسن على قولين:
القول الأول: أن لمس ما اتصل بالبدن كالشعر والظفر والسن لا ينقض الوضوء وهو قول الحنفية والشافعية في المذهب والحنابلة .
القول الثاني: أن لمس ما اتصل بالبدن ينقض الوضوء وهو قول المالكية وبعض الشافعية .
الأدلــة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
1- أنه لا يلتذ بلمس هذه الأشياء وإنما يلتذ بالنظر إليها .
2- أن هذه الأشياء لا يقصد لمسها للشهوة غالباً وإنما تحصل اللذة وتثور الشهوة عند التقاء البشرتين للإحساس .
3- أن هذه الأشياء في حكم المنفصل ولا حياة فيها ولا شعور وهي إنما تحدث بعد كمال الخلقة فهي باللباس أشبه .
4- أن ذلك مما لا يقع الطلاق على المرأة بتطليقه ولا الظهار، ولا ينجس الشعر بموت الحيوان، ولا بقطعه منه في حياته .
واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية:
1- عموم قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} .
وجه الدلالة: أن له حكم البدن لاتصاله بالبدن .
2- ولأن الشعر له حكم البدن في الحل بالنكاح ووقوع الطلاق بإيقاعـه عليه ووجـوب غسل الجنابـة وغير ذلك من الأحكام فأُلحق به .
3- أنه جزء من البدن متصل به اتصال خلقه فأشبه اللحم .
وقد سبق الاعتراض على بعض هذه الأدلة والإجابة عليها في مسألة لمس المرأة .
والراجح في المسألـة:
هو عدم انتقاض الوضوء بلمس هذه الأشياء فقد سبق في مسألة لمس المرأة عدم انتقاض الوضوء ما لم ينزل منه شيء فعدم النقض بلمس هذه الأشياء من باب أولى.
المطلب الثالـث
حكم وضوء الملموس
تبين فيما سبق حكم وضوء اللامس وفي هذا المطلب أبين حكم وضوء الملموس ولا شك أن أثر اللمس على الملموس بالنسبة لنقض الطهارة أقل منه على اللامس.
وقد اختلف العلماء في انتقاض وضوء الملموس باللمس على قولين:
القول الأول: أن وضوء الملموس لا ينتقض سواء كان رجلاً أو امرأة، وهو قول الحنفية والشافعية في وجه، والحنابلة في المذهب .
القول الثاني: أن وضوء الملموس ينتقض وهو قول المالكية والشافعية في الأصح، والحنابلة في رواية .
الأدلــة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
1- قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} .
وجه الدلالة: أن النص إنما ورد بالنقض بملامسة النساء فيتناول اللامس من الرجال فيختص به النقض كلمس الفرج .
2- أن عائشـة رضي الله عنهـا لمست قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، فما أنكر ذلك .
3- ولأن اللمس الموجب للوضوء يختص باللامس دون الملموس .
4- ولأن الشهـوة من اللامس أشد منها في الملموس وأدعى إلى الخروج، فلا يصح القياس عليه، وإذا امتنع النص والقياس لم يثبت الدليل .
5- ولأن الملموس لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص
واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية:
1- قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} .
وجه الدلالة: من الآية: أن الله أوجب الوضوء على اللامس والملموس لاشتقاقه من المفاعلة .
2- أنه لمس بين رجل وامرأة ينقض طهر اللامس فنقض طهر الملموس كالجماع .
3- ولأنهما قد اشتركا في الالتذاذ به فوجب أن يشتركا في انتقاض الوضوء به كالتقاء الختانين .
4- ولأن الملموس مظنة لنزول الحدث وهو المذي كاللامس .
الـراجـح:
هـو عدم انتقاض وضوء الملموس ما لم ينزل منه شيء كما سبق في مسألة لمس المرأة وعدم انتقاض الوضوء في الملموس من باب أولى.
الفصل الثالـث
في لمـس الميـت والمصحـف
وفـيـه مبحـثــان:
المبحث الأول: في لمس الميت.
المبحث الثاني: في لمس المصحف.
المبحث الأول
في لمس الميت
وفيه مطـلـبـان:
المطلب الأول: في لمـس الميت أثناء تغسيله.
المطلب الثاني: في لمـس الميت أثناء حمله أو غيره.
المطلب الأول
في لمس الميت أثناء تغسيله
مـن المسائـل المتعلقة باللمس لمس الميت أثناء الغسـل يجب به الغسل أو لا؟.

اختلف العلماء في لمس الميت أثناء تغسيله على قولين:
القول الأول: أن الغسل لمن غسل الميت سنة وليس بواجب، وبه قال أكثر أهل العلم روي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، والحسن، والنخعي، وإسحاق، وأبي ثور، وابن المنذر وهو قول أبي حنيفة، ومالك والشافعي، وأحمد
القول الثاني: أن الغسل لمن غسل الميت واجب وهو مروي عن علي، وأبي هريرة، وبه قال سعيد بن المسيب، وابن سيرين، والزهري وهو قول الشافعي في القديم، وأحمد في رواية، وابن حزم .
الأدلــة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
1- حديث صفوان بن عسال قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم" .
وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنزع الخفاف من الجنابة لوجوب الغسل الذي لا يتحقق إلا بالنزع ولم يأمر بنزع الخفاف من غسل الميت فدل على عدم وجوب الغسل من غسله.
2- حديث عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما أن أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر رضي الله عنهما غسلت أبا بكر حين توفي ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت: "إن هذا يوم شديد البرد وأنا صائمة فهل عليَّ من غسل؟ قالوا: لا" .
قال الإمام الشوكاني في كلامه على هذا الحديث: "وهو من الأدلة الدالة على استحباب الغسل دون وجوبه، وهو أيضاً من القرائن الصارفة من الوجوب، فإنه يبعد غاية البعد أن يجهل ذلك الجمع الذين هم أعيان المهاجرين والأنصار واجباً من الواجبات الشرعية .
3- عن ابن عباس رضي الله عنهما "ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه، فإن ميتكم ليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم" .
4- عن ابن عمر رضي الله عنهما "كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل" .
5- أن الميت آدمي فلم يجب الغسل من غسله كغسل الحي .
واستدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ" .
وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاغتسال من غسل الميت والأصل في الأمر الوجوب.
وقد اعترض على الاستدلال بحديث أبي هريرة بما يأتي:
أ-أنه موقوف على أبي هريرة .
ب-على فرض صحته ورفعه يحمل الأمر فيه على الندب .
الـراجـح:
عدم وجوب الغسل على من غسل ميتاً ويؤيد حمل الأمر في الحديث على الندب ما سبق من الأدلة على عدم الوجوب، ولأنه يستبعد أن يجهل أهل ذلك الجمع الذين هم أعيان المهاجرين والأنصار واجباً من الواجبات الشرعية ، ولأن الحديث فيه شيء من الضعف فلا يكون دليلاً على الوجوب وهذا مبني على قاعدة وهي أن النهي إذا كان في حديث ضعيف لا يكون للتحريم، والأمر لا يكون للوجوب، لأن الإلزام بالمنع أو الفعل يحتاج إلى دليل تبرأ به الذمة لإلزام العباد .
المطلب الثانـي
في لمس الميت أثناء الحمل أو غيره
تقدم في المطلب السابق حكم الغسل بالنسبة لمن غسل ميتاً وفي هذا المطلب أبين حكم الوضوء لمن لمس الميت:
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن لمـس الميت لا ينتقض به الوضوء وهو قول أبي حنيفة ومالك، والشافعي، وأحمد في رواية .
القول الثاني: أن لمس الميت ينقض الوضوء وهو قول إسحاق، والنخعي، وأحمد في المذهب
الأدلــة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
1- أن الوضوء ثبت بدليل شرعي والنقض يحتاج إلى دليل شرعي يرتفع به الوضوء ولا دليل على ذلك من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا من الإجماع فيبقى على الأصل .
2- أن الميت المسلم طاهر، ومس الطاهر ليس بحدث ولو كان نجساً فمس النجس ليس بحدث أيضاً .
3- أنه غسل آدمي فأشبه غسل الحي .
واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية:
1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ" .
وجه الدلالة من الحديث: أنه قد دل على أن لمس الميت ناقض للوضوء.
2- أن الغالـب فـي الغاسل أن لا يسلم أن تقع يده على فرج الميت - ومس الفرج من نواقض الوضوء - فكان مظنة ذلك قائماً مقام حقيقته كما أقيم النوم مقام الحدث .
وقد اعترض على هذين الدليلين بما يأتي:
حديث أبي هريرة اعترض عليه بأنه ضعيف ولو ثبت فالـمراد من قوله "من غسل ميتاً فليغتسل" أي إذا أصابته الغسالات النجسة. وقوله: "ومن حمله فليتوضأ" إذا كان محدثاً ليتمكن من أداء الصلاة عليه .
واعترض على دليلهم الثاني: بأنه قياس غير صحيح فإنه لا يسلم أن مس الفرج ينقض الوضوء .
والـراجـح:
أن لمس الميت لا ينقض الوضوء، وهو اختيار كثير من العلماء فقد نقل الإمام النووي عن المزني قوله: وقد اجمعوا على أن من مس حريراً أو ميتة ليس عليه وضوء ولا غسل فالمؤمن أولى ثم قال وهو قوي. وقال ابن قدامة عن هذا القول: وهو الصحيح إن شاء الله، وحمل ما نقل عن الإمام أحمد على الاستحباب دون الإيجاب حيث قال: وما روي عن الإمـام أحمد في هذا يحمل على الاستحباب دون الإيجاب، فإن كلامه
يقتضـي نفي الوجوب، فإنه ترك العمل بالحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم "من غسل ميتاً فليغتسل" وعلل ذلك بأن الصحيح أنه موقوف على أبي هريرة فإذا كان لم يوجب الغسل بقول أبي هريرة رضي الله عنه مع احتمال أن يكون من قول رسول صلى الله عليه وسلم فلأن لا يوجب الوضوء بقوله مع عدم ذلك الاحتمال أولى وأحـرى .
المبحث الثـانـي
فـي لمـــس المـصـحـــف
وفيه مطـلـبـان:
المطلب الأول: في لمس المصحـف باليـد مباشرة.
المطلب الثاني: في حمل المصحـف بـدون ملامستـه بالـيـد مباشـرة.
المطلب الأول
في لمس المصحف باليد مباشرة
من المسائل المتعلقة باللمس لمس المصحف؟
اختلـف العلمـاء في لمس المصحف باليد مباشرة بدون طهارة على قولين:
القول الأول: أنه لا يجوز لمس المصحف باليد مباشرة بدون طهارة وهذا قول جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة .
القول الثاني: أنه يجوز لمس المصحف بدون طهارة وهو مروي عن أنس، وابن عباس، وسعيد بن جبير، وحماد، والحكم وهو قول الظاهرية .
الأدلــة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة الآتية:
1- قوله تـعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وجـه الدلالة من الآية: أن الخبر في قوله: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} بمعنى النهي ولا يمكن أن يقال إن المقصود الإخبار فقط لأنه يحدث أن يمسه غير طاهر فقوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. دليل على أن المقصود هو القرآن والمطهر هو الذي أتى بالوضوء والغسل من الجنابة بدليل قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} ولا يحمل على غير ذلك إلاَّ بدليل صحيح صريح. .
2- حديـث عبدالله بن عمررضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلا طاهر" .
3- ماجاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن: "ألا يمس القرآن إلا طاهر" .
وجه الدلالة من الحديث: أن الطاهر: هو المتطهر طهارة حسية من الحدث بالوضوء أو الغسل، لأن المؤمن طهارته معنوية كاملة، والمصحف لا يقرأه غالباً إلا المؤمنون، فلما قال: "إلاَّ طاهر" علم أنها طهارة غير الطهارة المعنوية، بل المراد الطهارة من الحدث ويدل لهذا قوله تعالى: {ما مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} أي طهـارة حسية لأنه قال ذلك في آية الوضوء والغسل .
4- أن تعظيم القرآن واجب وليس من التعظيم مس المصحف بيد حلها الحدث .
5- أنه ليس في الوجود كلام أشرف من كلام الله، فإذا أوجب الله الطهارة للطواف في بيته، فالطهارة لتلاوة كتابه الذي تكلم به من باب أولى .
وقد اعترض على هذه الأدلة بما يأتي:
1) استدلالهم بالآية {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ… }. اعترض عليه أنه لا حجة فيه لأنه ليس أمراً وإنما هو خبر والله تعالى لا يقول إلاَّ حقاً، ولا يحوز أن يصرف لفظ الخبر إلى معنى الأمر إلاَّ بنص جلي أو إجماع متيقن، فلما رأينا المصحف يمسه الطاهر وغير الطاهر علمنا أنه لم يعن المصحف وإنما عنى كتاباً آخر، والمطهرون هم الملائكة .
1) اعترض على حديث عمرو بن حزم بأنه ضعيف لأنه مرسل والمرسل من أقسام الضعيف .
2) اعترض على استدلالهم بالقياس لا يقر به الظاهرية أصلاً
وقد أجيب على هذه الاعتراضات بما يأتي:
1) اعتراضهم على الاستدلال بالآية: أجيب عنه بأنه قد يأتي الخبر بمعنى النهي، بل إن الخبر المراد به النهي أقوى من النهي المجرد، لأنه يصور الشيء كأنه مفروغ منه، ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} .
وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يبيع الرجل على بيع أخيه" بلفظ الخبر والمراد النهي .
2) اعتراضهم على حديث عمرو بن حزم، أجيب عنه بأن من العلماء من صححه كما تقدم في تخريجه، وقبول الناس له واستنادهم عليه فيما جاء فيه من أحكام الزكاة، والديات وغيرها، وتلقيهم له بالقبول يدل على أن له أصلاً، وكثيراً ما يكون قبول الناس للحديث سواء كان علمياً أو عملياً يكون قائماً مقام السند أو أكثر، والحديث يستدل به من زمن التابعين إلى الوقت الحاضر ثم يقال لا أصل له هذا بعيد جداً .
3) أما اعتراضهم على الاستدلال بالقياس فغير مسلم ؛ لأن القياس دليل من الأدلة الشرعية المعتبرة.
واستدل أصحاب القول الثاني بالأدلة الآتية:
1. حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه" .
وجه الدلالة من الحديث: أن القرآن ذكر ففي ذلك دلالة على أنه يجوز الذكر دون فرق بين متطهر وغير متطهر .
2. حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى هرقل عظيم الروم كتاباً فيه آية من القرآن الكريم" .
وجه الدلالة من الحديث: أنه يعلم أنهم سيمسونه على غير طهارة فلو كان ذلك غير جائز لما بعثه إليهم، وإذا جاز مس الآية جاز مس ما هو أكثر منها قياساً عليها .
3. حديث أبي هريرة وحذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن المؤمن لا ينجس" .
4. ولأن الصبيان يحملون الألواح محدثين بلا إنكار، كما أنه إذا لم تحرم القراءة فالمس أولى .
وقد اعترض على هذه الأدلة بما يأتي:
1) حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه.
اعترض عليه: أن المقصود بالذكر فيه غير القرآن، لأنه هو المفهوم من الذكر عند الإطلاق .
2) استدلالهم بحديث ابن عباس في قصة هرقل:اعترض عليه بأن الذي أرسل إليه هو كتاب فيه آية قصد به المراسلة،والآية في الرسالة أو كتاب فقه ونحوه لا يسمى بها الكتاب مصحفاً ولا تثبت له بها حرمة فهو خارج عن محل النزاع .
3) استدلالهم بقوله:"إن المؤمن لا ينجس" اعترض عليه أنه ليس فيه ما يدل على جواز القراءة بدون طهارة، لأن الحديث دل على طهارة المسلم وأنه لا يصير نجساً إذا أجنب أما إباحة الأفعال التي تشترط لها الطهارة فلم يتعرض لها بدليل أنه لم يحتج به أحد على صحة الصلاة بدون طهارة .
4) استدلالهم بحمل الصبيان للألواح: اعترض عليه بأن إباحته كانت للضرورة .
والـراجـح:
هو عدم جواز مس المصحف بغير طهارة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلاَّ طاهر" والطاهر يطلق على الطاهر من الحدث الأصغر والأكبر لقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} ولم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبر عن المؤمن بالطاهر لأن وصفه بالإيمان أبلغ، فتبين من ذلك أنه لا يجوز أن يمس القرآن من كان محدثاً حدثاً أصغر أو أكبر ولأن القرآن كلام الله وهو أشرف الكلام وأعظمه فكان جديراً بمن يريد مسه أن يكون على طهارة ولأن أدلة من أجاز مسه بدون طهارة ليست صريحة في الدلالة على ذلك ولم تسلم من الاعتراض.
المطلب الثانـي
في حمل المصحف بدون ملامسته باليد مباشرة
كحمله بعلاقة أو مسه بحائل كثوب ونحوه
وقد اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: عدم جواز ذلك إلا بطهارة وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد في رواية .
القول الثاني: جـواز ذلك وهو قول أبي حنيفة، وأحمد في المشهور .
الأدلــة:
استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
1-عموم الأدلة في منع مس المصحف لغير الطاهر
2-أن الحمل أبلغ من المس .
واستدل أصحاب القول الثاني بما يأتي:
1-أن من حمل المصحف بعلاقة ونحوها غير ماس له، فلم يمنع منه كما لو حمله في رحله .
2-أن الأدلة التي ورد فيها المنع إنما تتناول المس والحمل ليس بمس فلا يتناوله المنع .
والـراجـح:
هو جـواز ذلك لوجاهة ما استـدل به من قال به ولأن الحاجة قد تستدعي ذلك وقد أفتى بهذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث أجاب وقد سئل عن ذلك ؟ فقـال: "ومن كان معه مصحف فله أن يحمله بين قماشة وفي خرجه وحمله ولا بـأس أن يحمله بكمه ولكن لا يمسه بيديه" ورجح هذا القول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
الـخـاتـمــة
في ختام هذا البحث أحمد الله وأشكره أولاً وآخراً على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ومنها ما منَّ به عليَّ من إتمام هذا البحث الذي أحب أن أختمه بذكر أهم ما توصلت إليه من نتائج وتتلخص فيما يأتي:
1- أن من لمس فرجه بغير يده من أعضائه لا ينتقض وضوؤه.
2- أن من مس ذكره استحب له الوضوء مطلقاً سواء مسه بشهوة أو بغير شهوة، وإذا مسه بشهوة فالأحوط وجوب الوضوء. وهذا فيمن مس ذكره ومن مس ذكر غيره من باب أولى.
3- أن المرأة إذا مست فرجها استحب لها الوضوء مطلقاً سواء مست بشهوة أو بغير شهوة وإذا مست بشهوة فالقول بالوجوب أحوط.
4- أن لمس الأنثيين والألية والعانة لا ينقض الوضوء.
5- أن لمس فرج البهيمة لا ينقض الوضوء.
6- أنه لا فرق في اللمس بين بطن الكف وظهره وأنه لا ينتقض وضوؤه ما لم ينزل منه شيء.
7- أنه لا فرق في اللمس بين القصد وغير القصد إذ كل معنى نقض الطهر مع القصد نقضه مع غير القصد أصله الحدث.
8- أن اللمس من وراء حائل لا ينقض الوضوء ما لم ينزل منه شيء.
9- أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء سواء كان لشهوة أو لغير شهوة إلاَّ إذا أمنى أو أمذى.
10- أن لمس الأمرد لا ينقض الوضوء إلاَّ إذا خرج منه شيء.
11- جواز مس الرجل للرجل عدا عورته وكذلك مس المرأة للمرأة عدا عورتها.
12- أن لمس المحارم والصغيرة لا ينقض الوضوء ما لم ينزل منه شيء.
13- أن لمس ما اتصـل بالجسم كالشعر والسن والظفر لا ينقض الوضوء.
14- عدم انتقاض وضوء الملموس ما لم ينزل منه شيء.
15- عدم وجوب الغسل على من غسل ميتاً.
16- أن لمس الميت لا ينقض الوضوء.
17- عدم جواز مس المصحف بدون طهارة.
18- جواز حمل المصحف بدون ملامسته باليد كحمله بعلاقة ونحوه.
[/size]
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 

يقين

اللهم إجعل عملي كله صالحًا
إنضم
15 سبتمبر 2013
المشاركات
22
النقاط
3
الإقامة
المعهد
احفظ من كتاب الله
الحمد لله رب العالمين
احب القراءة برواية
حفص، ورش
القارئ المفضل
السديس، الحذيفي
الجنس
أخت
أعلى