حكم تسمو بالهمم فوق القمم

طباعة الموضوع
إنضم
23 يونيو 2011
المشاركات
2,069
النقاط
38
الإقامة
مصر
احفظ من كتاب الله
القرآن كاملا
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
الشيخ محمود خليل الحصري
الجنس
أخ
حكم تسمو بالهمم فوق القمم
نقلت لكم هذه الحكم لروعتها
*********************
شرح حكم الإمام ابن عطاء السكندري للشيخ راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ،
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ،
وزدنا علمًا ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ،
واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

أيها الأخوة الكرام ؛ انطلاقاً من قول الله عز وجل : { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } البقرة269
الحكمة أن تعرف الحقيقة ! والحكمة أن تعرف سرّ وجودك وأن تعرف لماذا أنت في الدنيا ،
وأن تتاجر مع الله ، وأن تكسب الدار الآخرة ، وأن تزكي نفسك ،
وأن تسعد بربك ، كلمة جامعة مانعة ، ولأن خالق الأكوان يقول لنا :
{ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً }ولأن خالق الأكوان يقول لنا : { قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ }النساء77
فلو ملكت البلاد وجاءك ملك الموت فلابد من مفارقة الدنيا :{ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ }ولذلك
فإنَّ الأنبياء كُتِب عليهم الموت ، وإنّ المؤمنين والكفار كتب عليهم الموت ،
لأن الموت مغادرة ، فالبطولة أن يكون لك عند الله ما بعد الموت حظٌ كبير،
فمن يؤتى الحكمة يعمل للدار الآخرة ، والكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ،
والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
لقد اشتهر في العالم الإسلامي الحكم العطائية ، وهي في الحقيقة من أجَلِّ الحِكَم ،
وقد درّستها قبل سنوات عديدة ، وأخ كريم تمنى علي أن نقف وقفة عند
بعض حكم ابن عطاء الله السكندري ، الحقيقة أنّي تصفحت هذه الحكم ، واخترت لكم بعضها :

" بَسَطَكَ كي لا يبقيك مع القبض ، وقَبَضَك كي لا يتركك مع البسط ،

وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيء دونه "


فالإنسان تعتريه أحوال ، وفي بعض الأحيان يشعر بانشراح وامتداد وسرور وطمأنينة ،
والحديث عن المؤمنين ، وعن طلاب العلم ، عمن يطلب ويرجو الله واليوم الآخر ،
فأنا أخاطب طلاب علم ، وأخاطب رواد مسجد ، و أخاطب أناسًا إن شاء الله
لهم باع طويل في معرفة الله ، فالحديث ليس عاماً ، بل هو خاص بالمؤمنين ،
ففي بعض الأحيان تشعر بانشراح وامتداد وتألق وطمأنينة وسعادة ، وأنتَ أنتْ ،
وأنت مستقيم ، وتؤدِّي عباداتك كلها ، وأنت وقّاف عند كتاب الله،
وأنت مطبق لمنهج الله تشعر بالقبض فما الذي حصل ؟ الذي حصل هو
أن الله سبحانه وتعالى ربّ العالمين ، فلو أن هذا الانبساط استمر ،
فالانبساط من لوازمه أن تضعف عبادة الإنسان ، وأن تضعف همته ،
وأن يكسل عن بعض الطاعات ، ويأتي الانقباض .

فالله عز وجل يتجلَّى تارة باسم الجليل فتنقبض ، ويتجلى تارة باسم الجميل فتنشرح ،
فقد يأتي القبض ، وقد يأتي البسط ، والحقيقة أن الله عز وجل يريدك أن تكون معه ،
لا أن تكون عبدًا للأحوال ، فيجب أن تقدم له الأعمال ، أمّا الأحوال فمرَغِّبة معينة أحياناً ،
ولكن ليست مقياساً ، والعلم حَكَم على الحال ، فبسطك كي لا يبقيك مع القبض ،
فالله حكيم ، ولو استمر القبضُ لضجر الإنسانُ ، يأتي القبض فيضيق الإنسانُ به ذرعاً ،
فيأتي البسط فيرتاح ، ولو استمر البسط نحن لسنا كالصادقين والأنبياء المقربين لا ،
فنحن حينما نرتاح نضعف ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يصلي الليل حتى تتورم قدماه ‍
! ويمضي النهار في الدعوة إلى الله .

فَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ ،
فَقِيلَ لَهُ : أَتَكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟
فَقَالَ : أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا * (صحيح مسلم)
فأحدنا إذا عمل عملاً صالحاً ، أولاً يعلن عنه كثيراً ، ويملأ الدنيا صخباً ،
ثم يرتاح بعدها راحة عفوية ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يجهد النهار
ويجهد الليل ويقول : " أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا " فربنا عز وجل يعالجنا
بالقبض والبسط ، فإذا تبحبحنا يأتي القبض ، وإذا كدنا نيأس يأتي البسط ،
أنت ما مهمتك ؟ مهمتك أن تعبده وأن تدع أمر القبض والبسط إليه ،
والدليل على ذلك أن الله عز وجل يقول : { وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ }الأعراف144
فهذه مهمتك ، ارتَحْ وأَرِحْ ، فأنا عليّ أن أطيعه ، وهو ليفعل بي ما يشاء ،
فهو رحيم وحكيم وعليم وقدير ، وأنا علي أن أطيعه ،
وتمثلوا قول النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف :" اللهم إني أشكو إليك ضعف
قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين،
وأنت ربي، لمن تكلني إلى عبد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك
غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك من أن
ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى،
ولا حول ولا قوة إلا بك "(الطبراني في الكبير عن عبد الله بن جعفر )
ولا يوجد كلام أروع ولا أدق ولا أجمل ولا أعبق ولا أكثر أدبًا مع الله عز وجل
من هذا الكلام ! " إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ،
ولكن عافيتك أوسع لي" فإذا أعطاك فالحمد لله ، وإذا منعك فالحمد لله ،
وإذا بسطك فالحمد لله ، وإذا قبضك فالحمد لله ، وإذا رفعك فالحمد لله ،
وإذا خفضك فالحمد لله ، وإذا ضيّق عليك فالحمد لله ، فهذا المؤمن الصادق ،
والله عز وجل الذي تحبه وتعبده وتؤثره وتشتاق إليه ، فهذا الذي أنت فيه هو قراره ،
وقل مع الإمام الغزالي رحمه الله تعالى : ليس في الإمكان أبدع مما كان ،
ولو كشف الغطاء لاخترتم الواقع ، ولو أن كل إنسان انزعج من شيء ساقه الله إليه ،
ثم كشف الله له علم الغيب لمَا تمنَّى إلا أن يكون كما هو .

ومرة قرأت مثلاً دقيقًا ؛ أب عنده بنت جميلة ، عمرها اثنتا عشرة سنة ،
قطعة من الجمال والحيوية ، تملأ البيت حبوراً ، لو أنها ماتت فموتُها شيء لا يحتمل ،
وشيء مؤلم ، لا سمح الله ولا قدر ، ولو أن الله كشف له أن هذه إذا عاشت
عمرًا مديداً كانت زانية ، والأب صاحب دين ومؤمن ماذا يسأل الله ؟ يا رب اقبضها !
لو أن الله كشف لك ما سيكون لما أردت إلا ما هو كائن ، ولا تمنيت إلا ما هو كائن ،
ولذلك استسلمْ دائماً، وعندنا حالة اسمها القبول ، فالمؤمن يقبل واقعه ،
وهذا القبول مسعد ، عبَّر عنه علماء القلوب بالرضا ، فهو راضٍ عن الله ، قال له :
يا رب هل أنت راض عني ؟ وكان وراءه الإمام الشافعي فقال له :
هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له : يا سبحان الله من أنت ؟
فقال : أنا محمد بن إدريس ، قال : كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه ؟
قال له : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله .
إذا كنتَ تستقبل مكروه القضاء بالرضا فأنت تعرف الله ، فأنا لا أحب أن
ينشغل المؤمن بالأحوال ، فأحياناً تجد إنسانًا مشروحًا مسرورًا منبسطًا ممتدًّا ،
يتكلم بطلاقة ، وفي عينيه تألق ، عينان زئبقيتان ، وخده متورّد ،
وكلامه دقيق ، ومرتاح ، وأحياناً تجده كابتًا ، فإذا اعتمر الإنسان،
فربنا عز وجل لحكمة بالغة يذيقه أحياناً الانقباض ، وهناك أمام رسول الله ،
وأمام سيد الخلق لا شيء أبداً ، مثل الحائط ، لقد كان قادمًا من باب عالٍ ،
ويقول في نفسه : أنا وأنا ، وأنا لي أعمال صالحة ، وأنا مؤمن ،
والآن سأبكي أمام رسول الله ، ثم لا يبكي أبداً ، بل ينكسر ،
يأتي في اليوم الثاني منكسرًا ، يفتح الله عليه ، فيقول لك :
ذقت لقاء مع رسول الله لا أنساه حتى الموت ، فأول يوم لم يتحقق اللقاء ،
فكان فيه اعتداد وانبساط ، ومع الانبساط يوجد اعتداد ،
وفي اليوم الثاني أصيب بانقباض ، ومع الانقباض وُجِدَ تذلل ، فالله فتح عليه .
ولذلك الأحوال مسعدة ، والانقباض صعب ، ولكن الله يربِّينا عن طريق الانبساط والانقباض ،
وعن طريق البسط والقبض ، والله عز وجل من أسمائه الباسط والقابض ،
يفهمون هذين الاسمين على أنهما بمعنى مادي ، أي يعطي المال أو يأخذه ،
وهذا معنى مقبول ، لكن هناك معنى أرقى فهو قابض ، أي يقبض نفسك ،
فإذا هي تضجر ، وباسط ، أي يبسطها ، فإذا هي تتألق ، لقد بَسَطك كي
لا يبقيك مع القبض ، وقبضك كي لا يتركك مع البسط ، وأنت له ،
أنت عبد الفتاح ، لا عبد الفتح ، وأنت عبد الله ، لا عبد الأحوال ،
فإذا قام إنسان بخدمة كبيرة للمسلمين ، وليس عنده أحوال ، فسيدنا خالد
كان يحارب ويفتح البلاد ، وهو في أثناء الفتح منهمكٌ بوضع الخطط ،
ورسم الطرائق الناجعة لكسب المعارك ، ويهتم لضعف العدد وقلة العُدد ،
فلا توجد الأحوال ، ولكن توجد الهموم ، وهذه الهموم مقدسة ،
أي أنت فوق الأحوال ! والأحوال يستمتع بها الأشخاص الذين ليس
عندهم غير الأحوال ، وهي مسعدة ممتعة ، وبالتقريب إذا جلس إنسان
في حمام وملأ الحوض ماًء فاترًا ، واستلقى ، فارتاح ، فهو شيء مريح ،
ولكنه لا يصبح تاجرًا عقب هذه الاستلقاءات ، ولو أمضى كل يوم ثماني
ساعات لا يكون عالمًا ، والاستمتاع ليس له أيّة ثمرة، فلو أنّ إنسانًا
كان هدفه الأحوال فقط دون الأعمال فلا يرقى عند الله ، والذي يرفعك
عند الله هو العمل ، قال تعالى : { وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} فاطر10ولكن
لا مانع من أن الله عز وجل يربِّي هذا الإنسان عن طريق الأحوال ؛ عن
طريق القبض تارة وعن طريق البسط تارة أخرى ،
والإمام علي كرم الله وجهه يقول :" النفس لها إدبار ولها إقبال ،
فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل ، وإذا أدبرت فاحملوها على الفرائض "
، وفي حالة القبض يجب أن تحافظ على الفرائض ، وفي حالة الانبساط ينبغي
أن تسعى إلى النوافل ، لكن هناك أشخاص إيمانهم ضعيف ، فما دام في بسط
فهو مرتاح ، فإذا أصيب بالقبض تجده يقصّر ، وحينما تقصر مع القبض فهذه بادرة غير طيبة إطلاقاً .
يتوجب عليك تسجيل الدخول او تسجيل لروئية الموضوع
 
التعديل الأخير:

أم حذيفة

وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتي
طاقم الإدارة
إنضم
26 أغسطس 2010
المشاركات
3,675
النقاط
38
الإقامة
الامارات
احفظ من كتاب الله
القرءان كامل
احب القراءة برواية
بحميع الروايات
القارئ المفضل
الشيخ ابراهيم الأخضر
الجنس
أخت
لأن الموت مغادرة ، فالبطولة أن يكون لك عند الله ما بعد الموت حظٌ كبير،
فمن يؤتى الحكمة يعمل للدار الآخرة ، والكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ،
والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.

قال تعالى :
braket_r.gif
مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ
braket_l.gif
[الشورى:20].


لذلك ينبغى لنا ان نعلم انه من الواجب علينا ان نكون على جناح سفر نهيئ زادنا ومتاعنا ،،،، مستعدين لهذا السفر في كل لحظة ،،،، ومهيئين زادنا ومتاعنا للرحيل المحتوم .

ولاننسى ان هذه الدار الفانية دار سفر ..لادار بقاء

ومنزل عبور ..لاموطن حبور .


فالسعيد من اتخذ لهذا السفر زاداً يبلغه إلى رضوان الله تعالى والفوز بالجنة والنجاة من النار.

إنما الدنيا إلى الجنة والنـــــار طريق *** والليالي متجر الإنسان والأيام سوق


جزيت الفردوس الاعلى اخى على هذه التذكرة ،، رزقنا الله واياكم الفردوس الاعلى ولذة النظر الى وجهه الكريم وهو راض عنا اجمعين .
 
إنضم
23 يونيو 2011
المشاركات
2,069
النقاط
38
الإقامة
مصر
احفظ من كتاب الله
القرآن كاملا
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
الشيخ محمود خليل الحصري
الجنس
أخ
جزاكم الله الخير لمرورك العطر ودعواتكم الطيبة وكلماتكم الجميلة
رزقنا الله و اياكم الفردوس الاعلى
 

تسابيح ساجدة

لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
إنضم
16 أكتوبر 2010
المشاركات
8,111
النقاط
38
الإقامة
المعهد
احفظ من كتاب الله
اللهم إجعلنا من العاملين به... آمين
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
هم كُثر ,,,
الجنس
أخت
تذكرة حسنه
بارك المولى جل وعلا فيكم
ونفع بكم جل شأنه وكتب اجركم عز وجل

 

الموحدة

عضو مميز
إنضم
5 يناير 2012
المشاركات
806
النقاط
18
الإقامة
المغرب
احفظ من كتاب الله
ما تيسر منه
احب القراءة برواية
برواية ورش عن نافع
القارئ المفضل
الشيخ ياسر الدوسري/عمر القزابري/مشاري العفاسي/المنشاوي
الجنس
أخت
بوووركتم ورفع الله قدركم وجعله في ميزان حسناتكم
 
إنضم
23 يونيو 2011
المشاركات
2,069
النقاط
38
الإقامة
مصر
احفظ من كتاب الله
القرآن كاملا
احب القراءة برواية
حفص
القارئ المفضل
الشيخ محمود خليل الحصري
الجنس
أخ
"
ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك "​



كلام طيب ودقيق ، فقد تجد مثلاً بلادًا تنعم بغنى كبير ، ورفاهية كبيرة ،
والأمور ميسرة إلى درجة مذهلة ، وكل شيء متوافر ، فهذه الدنيا العريضة هي في
الحقيقة حجاب بين هؤلاء وبين الله ، وقد تجد مجتمعًا آخر في ضائقة ،
وهذه المشكلات تكون لهم دافعًا كبيرًا إلى الله ! فالمجتمعات التي فيها قسوة وضعف ،
وفقر وشدة تجد مساجدها ممتلئة ، ودروس العلم عامرة ، والناس ملتفتون
إلى الله عز وجل ، فمن أدراك أن هذه الشدة التي ساقها الله لهؤلاء الناس هي سبب قربهم من الله ؟
وهناك رجلٌ عانى من أمراض كثيرةٍ طوال حياته ، فيبدو بساعة مناجاة لله بدأ
نوع من العتاب ، يقول : يا رب أنا لم أرتح يومًا في حياتي ، فما الحكمة من ذلك ؟
هكذا قال لي ، توفي رحمه الله ، قال : وقع في قلبي لولا هذا الحال لما كنت في هذا الحال ! فكل رجل له ظروف نشأ فيها ، وهذه الظروف هي أفضل شيء له ، ولولاها لما كان في هذه الأحوال التي ينعم بها ،
وأحياناً ينشأ الولدُ يتيمًا، وليس معه ثمن طعام ، فيدرس ، فيأخذ أعلى شهادة ،
فيتألق ويعيش حياة كريمة ، وهناك رجل قوي وغني ، والابن ليس لديه الدافع ليدرس ،
وكل شيء موجود ؛ سيارة وبيت ، وطعام ، وشرب ، ومال ، يموت الأب
فيصبح ابنَه وراء الناس في المؤخرة ، فبربك هل اليُتم والفقر خيرٌ أم الغنى والدلال ؟
إنّ الغنى والدلال جعله في المؤخرة ، واليتم والفقر جعله في المقدمة ، أليس كذلك ؟
هذا معنى قول بن عطاء الله السكندري : ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ".
واللهِ أيها الأخوة ؛ ما مِن آية في القرآن الكريم تهز مشاعر المؤمن كقوله تعالى :
{ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة216 دع الأمر لله عز وجل ، واستسلم لقضائه ، وارضَ بما أنت فيه ، واقبَل واقعك، وقل :
يا رب لك الحمد الذي أوجدتني ، ولك الحمد الذي أمددتني ،
ولك الحمد الذي هديتني ، "ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك "، ويوجد آباء
ليسوا حكماء في تربية أولادهم ، فيعطونهم كلَّ شيء ، وهذا العطاء غير المعقول
وغير المدروس وغير الحكيم سببُ حرمان الأولاد من مستقبل زاهر ، ويوجد آباء بالعكس ،
في معاملتهم قسوة ظاهرة على أولادهم ، وهذه القسوة الظاهرة سبب تألق الأولاد في مستقبلهم !



ويوجد حكمة متعلقة بالحكمة السابقة : قال :






"متى فتح لك باب الفهم في المنع ، عاد المنع عين العطاء" ،


وينبغي لك أنْ توقن أنّ الأشياء التي حُرِمتَ منها لو كشف الغطاء لشكرت الله على حرمانك منها ! وهذا هو الإيمان ، الإيمان معه راحة . وإخواننا الأطباء يذكرون لي أنه كلما تقدم العلم الطبي يكتشف أن وراء معظم الأمراض الشدة النفسية ، فالقلق والخوف والندم ، ومشاعر الأسى كلها وراء أكثر الأمراض ، وأما الذي يرضى عن الله عز وجل فقدْ حقق أول شرط في الصحة النفسية ، وبالتالي للصحة الجسمية . "متى فتح لك باب الفهم في المنع ، عاد المنع عين العطاء " ، ولذلك فالمشكلة أن المصيبة تقع ، والعبرة لا أن تتأكد من وقوعها ، فوقوعها سهل ، فأحياناً يقع زلزال ، وتتناقل وكالات الأنباء أخبار هذا الزلزال ، ويذاع في كل إذاعة ، وينشر في كل صحيفة ، ويُرى في كل الأخبار المصورة ، فهل العبرة أن ترى حوادث الزلزال ، أم أن تفهم حكمة الزلزال ؟ العبرة أن تفهم الحكمة ، والبطولة لا أن تتأكد من وقوع مصيبة ، إنما البطولة أن تعرف الحكمة من هذه المصيبة، والآية الكريمة : { وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ }(سورة التغابن 11)
فمِن حكمة المصيبة ، إذا آمن الإنسان بالله يهدي قلبه.​
 
أعلى