ابن عامر الشامي
وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
- إنضم
- 20 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 10,237
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المملكة المغربية
- احفظ من كتاب الله
- بين الدفتين
- احب القراءة برواية
- رواية حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- سعود الشريم
- الجنس
- اخ
ثانياً : التّشهير من الحاكم :
تشهير الحاكم لبعض النّاس يكون في الحدود أو في التّعزير .
أ - بالنّسبة للحدود :
7 - قال الفقهاء : ينبغي أن تقام الحدود في ملأ من النّاس ، لقوله تعالى : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهما طَائِفَةٌ من المُؤْمنين } ، قال الكاسانيّ : والنّصّ وإن ورد في حدّ الزّنى ، لكنّ النّصّ الوارد فيه يكون واردا في سائر الحدود دلالة ، لأنّ المقصود من الحدود كلّها واحد ، وهو زجر العامّة ، وذلك لا يحصل إلّا وأن تكون الإقامة على رأس العامّة ، لأنّ الحضور ينزجرون بأنفسهم بالمعاينة ، والغائبين ينزجرون بإخبار الحضور ، فيحصل الزّجر للكلّ . وقال عبد الملك بن حبيب : ينبغي أن يكون إقامة الحدّ علانية وغير سرّ ، ليتناهى النّاس عمّا حرّم اللّه عليهم . وقال مطرّف : ومن أمر النّاس عندنا الشّهر لأهل الفسق رجالا ونساء ، والإعلام بجلدهم في الحدود وما يلزمهم من العقوبة وكشف وجه المرأة .
وسئل الإمام مالك عن المجلود في الخمر والفِرية : أترى أن يطاف بهم وبشُرّاب الخمر ؟ قال : إذا كان فاسقاً مدمناً فأرى أن يطاف بهم ، ونعلن أمرهم ويفضحون .
وفي حدّ السّرقة قال الفقهاء : يندب أن يعلّق العضو المقطوع في عنق المحدود ، لأنّ في ذلك ردعا للنّاس ، وقد روى فضالة بن عبيد رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أُتيَ بسارق قطعت يده ، ثمّ أمر بها فعلّقت في عنقه » وفعل ذلك عليّ رضي الله عنه.
وذكر في الدّرّ المختار حديث : « ما بالُ العاملِ نبعثه ، فيأتي فيقول : هذا لك وهذا لي . فهلا جلس في بيت أبيه وأمّه فينظرُ أيهدى له أم لا ؟ والّذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ، إن كان بعيراً له رُغاء ، أو بقرة لها خُوار ، أو شاة تَيْعَرُ » . قال ابن عابدين : ويؤخذ من هذا الحديث - كما قال ابن المنير - أنّ الحكّام أخذوا بالتّجريس بالسّارق ونحوه من هذا الحديث .
كذلك قال الفقهاء في قاطع الطّريق إذا صلب : يصلب ثلاثة أيّام ليشتهر الحال ويتمّ النّكال . قال ابن قدامة : إنّما شرع الصّلب ردعا لغيره ليشتهر أمره .
ب - بالنّسبة للتّعزير :
8 - التّشهير نوع من أنواع التّعزير ، أي أنّه عقوبة تعزيريّة .
ومعلوم أنّ التّعزير يرجع في تحديد جنسه وقدره إلى نظر الحاكم ، فقد يكون بالضّرب أو الحبس أو التّوبيخ أو التّشهير أو غير ذلك ، حسب اختلاف مراتب النّاس ، واختلاف المعاصي ، واختلاف الأعصار والأمصار . وعلى ذلك فالتّعزير بالتّشهير جائز إذا علم الحاكم أنّ المصلحة فيه ، وهذا الحكم هو بالنّسبة لكلّ معصية لا حدّ فيها ولا كفّارة في الجملة . يقول الماورديّ : للأمير إذا رأى من الصّلاح في ردع السّفلة : أن يشهّرهم وينادي عليهم بجرائمهم ، ساغ له ذلك . ويقول : يجوز في نكال التّعزير أن يجرّد من ثيابه ، إلا قدر ما يستر عورته ، ويشهّر في النّاس ، وينادى عليه بذنبه إذا تكرّر منه ولم يتب .
وفي التّبصرة لابن فرحون : إن رأى القاضي المصلحة في قمع السّفلة بإشهارهم بجرائمهم فعل . ويقول ابن فرحون أيضا : إذا حكم القاضي بالجور ، وثبت ذلك عليه بالبيّنة ، فإنّه يعاقب العقوبة الموجعة ، وعزل ويشهّر ويفضح .
وفي كشّاف القناع : القوّادة - الّتي تفسد النّساء والرّجال - أقلّ ما يجب فيها الضّرب البليغ ، وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض في الرّجال والنّساء لتجتنب .
غير أنّه يلاحظ أنّ الفقهاء دائما يذكرون التّشهير في تعزير شاهد الزّور ممّا يوحي بأنّ التّشهير واجب بالنّسبة لشاهد الزّور ، وذلك لاعتبار هذه المعصية من الكبائر .
قال الإمام أبو حنيفة في شاهد الزّور في المشهور : يطاف به ويشهّر ، ولا يضرب استنادا إلى ما فعله القاضي شريح ، وزاد الصّاحبان ضربه وحبسه .
ويذكر ابن قدامة حديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ألا أُنَبِّئكُم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسولَ اللّه قال : الإشراكُ باللّه وعقوق الوالدين ، وكان متّكئاً فجلس ، فقال : ألا وقولُ الزّور وشهادة الزّور . فما زال يكرّرها حتّى قلنا : ليته سكت » .
ثمّ يقول ابن قدامة : فمتى ثبت عند الحاكم عن رجل أنّه شهد بزور عمدا عزّره وشهّره في قول أكثر أهل العلم . روي ذلك عن عمر رضي الله عنه ، وبه يقول شريح والقاسم بن محمّد وسالم بن عبد اللّه والأوزاعيّ وابن أبي ليلى ومالك والشّافعيّ وعبد الملك بن يعلى قاضي البصرة . وفي كشّاف القناع : إذا عزّر من وجب عليه التّعزير وجب على الحاكم أن يشهّره لمصلحة كشاهد زور ليجتنب .
وجاء في التّبصرة : التّعزير لا يختصّ بالسّوط واليد والحبس ، وإنّما ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام . قال أبو بكر الطّرطوشيّ في أخبار الخلفاء المتقدّمين : إنّهم كانوا يعاملون الرّجل على قدره وقدر جنايته ، فمنهم من يضرب ، ومنهم من يحبس ، ومنهم من يقام واقفاً على قدميه في المحافل ، ومنهم من تنزع عمامته . قال القرافيّ : إنّ التّعزير يختلف باختلاف الأعصار والأمصار ، فربّ تعزير في بلد يكون إكراماً في بلد آخر ، كقطع الطّيلسان ليس تعزيراً في الشّام فإنّه إكرام ، وكشف الرّأس بالأندلس ليس هواناً وبمصر والعراق هوان . ثمّ قال صاحب التّبصرة : والتّعزير لا يختصّ بفعل معيّن ولا قول معيّن ، فقد « عزّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالهجر » ، وذلك في حقّ الثّلاثة الّذين ذكرهم اللّه تعالى في القرآن الكريم ، فهجروا خمسين يوماً لا يكلّمهم أحد . « وعزّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالنّفي ، فأمر بإخراج المخنّثين من المدينة ونفيهم » .
وفي مغني المحتاج : يجتهد الإمام في جنس التّعزير وقدره ، لأنّه غير مقدّر شرعاً ، فيجتهد في سلوك الأصحّ ، فله أن يشهّر في النّاس من أدّى اجتهاده إليه .
ويجوز له حلق رأسه ، ويجوز أن يصلب حيّاً ، وهو ربطه في مكان عال لما لا يزيد عن ثلاثة أيّام ثمّ يرسل ، ولا يمنع في تلك المدّة عن الطّعام والشّراب والصّلاة .
وهذه النّصوص تدلّ على أنّه يجوز أن يكتفى بالتّشهير كعقوبة تعزيريّة إذا رأى الإمام ذلك ، ويجوز أن يضمّ إليه عقوبة أخرى كالضّرب والحبس .
وقد كان أبو بكر البحتريّ - وهو أمير المدينة - إذا أتي برجل ، قد أخذ معه الجرّة من المسكر ، أمر به فصبّ على رأسه عند بابه ، كيما يعرف بذلك ويشهّر به .
تشوّف *
التّعريف :
1 - التّشوّف لغة : مصدر تشوّف . يقال : تشوّفتِ الأوعالُ : إذا علت رءوس الجبال تنظر السّهل وخلوّه ممّا تخافه لتَرِدَ الماء .
ومنه قيل تشوّف فلان لكذا : إذا طمح بصره إليه . ثمّ استعمل في تعلّق الآمال ، والتّطلّب .
والمُشوِّفة من النّساء : الّتي تظهر نفسها ليراها النّاس .
وتشوّفت المرأة : تزيّنت وتطلّعت للخطاب - من شفّت الدّرهم : إذا جلوته . ودينار مشوّف : أي مجلوّ - وهو أن تجلو المرأة وجهها وتصقل خدّيها .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ للفظ تشوّف عن معانيه الواردة في اللّغة .
وقيل : التّشوّف بمعنى التّزيّن خاصّ بالوجه ، والتّزيّن عامّ يستعمل في الوجه وغيره .
الحكم الإجماليّ :
أ - تشوّف الشّارع لإثبات النّسب :
2 - من القواعد المقرّرة في الشّريعة الإسلاميّة : أنّ الشّارع متشوّف للحاق النّسب ، لأنّ النّسب أقوى الدّعائم الّتي تقوم عليها الأسرة ، ويرتبط به أفرادها ، قال تعالى : { وَهو الّذي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرَاً فَجَعَلَهُ نَسَبَاً وَصِهْرَاً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرَاً } .
ولاعتناء الشّريعة بحفظ النّسب وتشوّفها لإثباته تكرّر فيها الأمر بحفظه عن تطرّق الشّكّ إليه ، والتّحذير من ذرائع التّهاون به . ولمراعاة هذا المقصد اتّفق الفقهاء على اعتبار الأحوال النّادرة في إلحاق النّسب ، لتشوّف الشّارع لإثباته . وللتّفصيل ( ر : نسب ) .
ب - التّشوّف إلى العتق :
3 - من محاسن الإعتاق أنّه إحياء حكميّ ، يخرج العبد من كونه ملحقا بالجمادات إلى كونه أهلا للكرامات البشريّة ، من قبول الشّهادة والولاية والقضاء .
ويقع العتق عند الفقهاء من كلّ : مكلّف مسلم - ولو سكران أو هازلا ولو دون نيّة - لتشوّف الشّارع إلى الحرّيّة بلا خلاف بين الفقهاء .
وقد أجمعوا على أنّه من حيث الأصل تصرّف مندوب إليه ، ويجب لعارض ، ويحصل به القربة لقوله تعالى : { فتحرير رقبة مؤمنة } وقوله عزّ وجلّ { فكّ رقبة } . ولخبر « أيّما مسلم أعتق مؤمنا أعتق اللّه بكلّ عضو منه عضوا من النّار » ( ر : عتق ، إعتاق ) .
ج - التّشوّف في العدّة :
4 - المطلّقة الرّجعيّة لها أن تتزيّن ، لأنّها حلال للزّوج ، لقيام نكاحها ما دامت في العدّة ، والرّجعة مستحبّة ، والتّزيّن حامل عليها فيكون مشروعاً .
وهذا عند الحنفيّة ، والمالكيّة ، والحنابلة .
أمّا الشّافعيّة : فيرون أنّه يستحبّ لها الإحداد . فلا يستحبّ لها التّزيّن . ومنهم من قال : الأولى أن تتزيّن بما يدعو الزّوج إلى رجعتها . ( ر : عدّة ) ولا خلاف بين الفقهاء في تحريم الزّينة على المتوفّى عنها زوجها مدّة عدّتها ، لوجوب الإحداد عليها .
وأمّا المبانة في الحياة بينونة كبرى ، فقد اختلف الفقهاء فيها على أقوال : فذهب الحنفيّة ، والشّافعيّة في قول إلى أنّه يحرم عليها الزّينة ، حدادا وأسفا على زوجها ، وإظهارا للتّأسّف على فوت نعمة النّكاح ، الّذي هو سبب لصونها وكفاية مئونتها ، ولحرمة النّظر إليها ، وعدم مشروعيّة الرّجعة . وقال الشّافعيّة : يستحبّ لها الإحداد .
وفي قول : الإحداد واجب على ما تقدّم ، وأمّا المالكيّة فقالوا : لا إحداد إلا على المتوفّى عنها زوجها فقط . ومفاده : لا إحداد على المبانة وإن استحبّ لها في عدّتها .
ولا يسنّ لها الإحداد عند الحنابلة ، ولهذا لا يلزمها أن تتجنّب ما يرغّب في النّظر إليها من الزّينة . وللتّفصيل ( ر : عدّة ) .
د - التّشوّف للخطاب :
5 - يرى الفقهاء أنّه لا يجوز للّتي تكون صالحة للخطبة والزّواج أن تتزيّن استعداداً لرؤية من يرغب في خطبتها والزّواج بها .
وأجمعوا على أنّه يجوز للخاطب أن يرى بنفسه من يرغب في زواجها لكي يقدم على العقد إن أعجبته ، ويحجم عنه إن لم تعجبه ، لخبر « إذا خطب أحدكم امرأة ، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل » وذلك لأنّه من أسباب الألفة والوئام .
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه « أنّه خطب امرأة ، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم : أنظرتَ إليها ؟ قال : لا . فقال : اذهب فانظر إليها ، فإنّه أحرى أن يُؤْدَم بينكما » .
ويرى أكثر الفقهاء أنّ للخاطب أن ينظر إلى الوجه والكفّين فقط ، لأنّ رؤيتهما تحقّق المطلوب من الجمال وخصوبة الجسد وعدمها . فيدلّ الوجه على الجمال أو ضدّه لأنّه مجمع المحاسن ، والكفّان على خصوبة البدن . وأجاز بعض الحنفيّة النّظر إلى الرّقبة والقدمين . وأجاز الحنابلة النّظر إلى ما يظهر عند القيام بالأعمال ، وهي ستّة أعضاء : الوجه ، والرّأس ، والرّقبة ، واليد ، والقدم ، والسّاق ، لأنّ الحاجة داعية إلى ذلك ، ولإطلاق الأحاديث السّابقة . وللتّفصيل ( ر : نكاح ، خطبة ) .
تشييع الجنازة *
انظر : جنازة .
تصادق *
التّعريف :
1 - التّصادق لغة واصطلاحاً : ضدّ التّكاذب يقال : تصادقا في الحديث والمودّة ضدّ تكاذبا ومادّة تفاعل لا تكون غالباً إلا بين اثنين يقال : تحابّا وتخاصما ، أي أحبّ أو خاصم كلّ منهما الآخر . واستعمل المالكيّة أيضاً ( التّقارر ) بمعنى التّصادق .
حكم التّصادق :
2 - حكم التّصادق في الجملة - في حقّ المتصادقين إذا تعلّقت به حقوق العباد ، أو كان في حقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات - اللّزوم ، وهو أبلغ من الشّهادة ، لأنّه نوع من الإقرار . قال أشهب : قول كلّ أحد على نفسه أوجب من دعواه على غيره .
أمّا بالنّسبة لحقوق اللّه تعالى الّتي تدرأ بالشّبهات فليس بلازم .
من يعتبر تصادقه :
3 - التّصادق الّذي يعتدّ به ويترتّب عليه حكم يكون من البالغ العاقل المختار ، فلا يعتبر تصديق الصّغير وغير العاقل .
صفة التّصادق :
4 - صفة التّصديق لفظ أو ما يقوم مقامه يدلّ على توجّه الحقّ قبل المقرّ ( المصدّق ) . ويقوم مقام اللّفظ : الإشارة والكتابة والسّكوت . فالإشارة من الأبكم ومن المريض . فإذا قيل للمريض : لفلان عندك كذا ، فأشار برأسه أن نعم ، فهذا تصديق إذا فهم عنه مراده .
ما يشترط في المصادق :
5 - يشترط في المصادق أن يكون أهلاً للاستحقاق ، وألا يكذّبه المصادق ، فإذا كذّب المصادق المصادق ثمّ رجع لم يفد رجوعه ، إلّا أن يرجع المصادق إلى ما أقرّ به .
محلّ التّصادق :
6 - يكون التّصديق في النّسب والمال . والتّصديق في النّسب ينظر تحت عنوان ( نسب ) . والتّصديق في المال نوعان : مطلق ومقيّد .
فالمطلق : ما صدر غير مقترن بما يقيّده أو يرفع حكمه أو حكم بعضه ، فإذا كان التّصديق على هذا الوجه فهو ملزم لمن صدّق، وعليه أداء ما صدّق فيه ، ولا يجوز له الرّجوع عنه. وإذا كان التّصديق مقيّداً بقيد ففي لزومه أو عدمه تفصيل ينظر في مصطلح ( إقرار ) .
التّصادق في حقوق اللّه تعالى :
7 - إذا تصادق اثنان أو أكثر على إسقاط حقّ من حقوق اللّه تعالى فلا عبرة بتصادقهم ، ولا يترتّب عليه حكم ، إلّا إذا قامت بيّنة على هذا التّصادق ، فيكون الحكم في هذه الحال ثابتا بالبيّنة لا بالتّصادق ، ويتّضح ذلك من الأمثلة الآتية :
إن طلّق الزّوج زوجته قبل الدّخول ، وكان قد خلا بها ، لزمتها العدّة إن كان الزّوج بالغاً ، وكانت المرأة مطيقة للوطء ، سواء أكانت خلوة اهتداء أم خلوة زيارة .
وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة . وتجب العدّة حينئذ ولو تصادقا على نفي الوطء ، لأنّ العدّة حقّ اللّه تعالى ، فلا تسقط بالتّصادق .
ويؤخذ بتصادقهما على نفي الوطء فيما هو حقّ لهما : فلا نفقة لها ، ولا يتكمّل لها الصّداق ، ولا رجعة له عليها . أي كلّ من أقرّ منهما أخذ بإقراره اجتماعاً أو انفراداً .
ويترتّب على قبول التّصادق أو ردّه أحكام كثيرة ، كثبوت النّسب من تاريخ الخلوة ، وتأكيد المهر ، والنّفقة والسّكن والعدّة ، وحرمة نكاح أختها في عدّتها وأربع سواها . وفي هذه المذاهب اختلاف في الحقوق الّتي تترتّب على الخلوة . تفصيله في باب : ( النّكاح ) .
وعند الشّافعيّة في القديم قولان أحدهما : الخلوة مؤثّرة ، وتصدّق المرأة في ادّعاء الإصابة ( الوطء ) والقول الثّاني أنّها كالوطء . وفي الجديد : إنّ الخلوة وحدها لا تؤثّر في المهر . وعلى هذا لو اتّفقا على حصول الخلوة ، وادّعت الإصابة لم يترجّح جانبها ، بل القول قوله بيمينه . ويفهم من ذلك أنّه لو صدّقها يتقرّر المهر كلّه .
التّصادق في النّكاح :
8 - لا يثبت النّكاح بالتّصادق ، لأنّ الشّهادة شرط فيه ، ووقتها عند غير المالكيّة وقت العقد ، وعند المالكيّة يندب الإشهاد وقت العقد ، فإن لم يشهد عند العقد اشترط وجوبا عند الدّخول ، ولا حدّ عندهم إن فشا النّكاح بوليمة أو ضرب دفّ أو دخان ، أو كان على العقد أو الدّخول شاهد واحد غير الوليّ ، لصحّة النّكاح في هذه الصّور .
وقال المالكيّة : تثبت الزّوجيّة بالتّقارر - أي التّصادق - حقّ الزّوجين إذا كانا بلديّين ، أو كان أحدهما بلديّا ، وأمّا الطّارئان - أي من لم يكونا من أهل البلد ، سواء قدما معاً أو مفترقين - فلا تثبت الزّوجيّة بينهما بمجرّد التّصادق .
حكم تصادق الزّوجين على طلاق سابق :
9 - إذا أقرّ رجل في حالة الصّحّة بطلاق بائن أو رجعيّ متقدّم على وقت إقراره ، ولا بيّنة له ، استأنفت امرأته العدّة من وقت إقراره ، فيصدّق في الطّلاق ، لا في إسناده للوقت السّابق ولو صدّقته ، لأنّه يتّهم على إسقاط العدّة وهي حقّ للّه تعالى . فإن كانت له بيّنة ، فالعدّة من الوقت الّذي أسندت إليه البيّنة . هذا بالنّسبة للعدّة لأنّها حقّ اللّه تعالى .
أمّا بالنّسبة لحقوق الزّوجين فيعامل كلّ حسب إقراره ، فلو ماتت الزّوجة ، وكانت العدّة قد انقضت بحسب إقراره ، فلا يرثها لأنّها صارت أجنبيّة على مقتضى دعواه ، ولا رجعة له عليها إن كان الطّلاق رجعيّاً ، وورثته إن مات في العدّة المستأنفة ، حيث كان الطّلاق رجعيّا إن لم تصدّقه . ولا يتزوّج أختها ولا أربعا سواها في العدّة ، ولو صادقته على حصول الطّلاق في الماضي نفيا لتهمة التّواطؤ بينهما .
وإن صدّقته فلا نفقة لها معاملة لها بتصديقها إيّاه . وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة .
وعند الشّافعيّة : أنّه لو أسند الزّوج الطّلاق إلى زمن ماض ، وصدّقت الزّوجة الزّوج في الإسناد ، فالعدّة من التّاريخ الّذي أسند إليه الطّلاق ، ولو لم يقم على ذلك بيّنة .
والمفهوم من كلام الحنابلة أنّ الحكم عندهم كذلك . فقد جاء في شرح منتهى الإرادات : لو جاءت امرأة حاكماً وادّعت أنّ زوجها طلّقها وانتهت عدّتها ، فله تزويجها بشرطه إن ظنّ صدقها ، ولا سيّما إن كان الزّوج لا يعرف ، لأنّ الإقرار ( أي بالزّوجيّة ) لمجهول لا يصحّ. وأيضاً الأصل صدقها - أي فيما ادّعته من خلوّها عن الزّوجيّة - ولا منازع .
حكم مصادقة الزّوجة على إعسار الزّوج :
10 - يكتفى بتصديق الزّوجة زوجها في دعواه الإعسار ، وتصديقها يقوم مقام البيّنة ، ويترتّب عليه ما يترتّب على ثبوت الإعسار بالبيّنة من حيث الحكم بالتّطليق بشروطه المفصّلة في أبوابها وينظر ( إعسار ، نفقة ، مهر ) .
الرّجوع في التّصديق :
11 - تقدّم أنّ التّصديق ملزم لمن صدّق ، وعلى ذلك فلا يجوز الرّجوع فيه بالنّسبة لحقوق العباد وحقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات ، كالزّكاة ، فمن صدّق المدّعي فيما ادّعاه عليه من حقّ فلا يجوز له الرّجوع متى توافرت شروط التّصديق .
ولو أقرّ بنسب ، وصدّقه المقرّ له ، ثمّ رجع المقرّ عن إقراره لا يقبل منه الرّجوع .
أمّا بالنّسبة لحقوق اللّه تعالى الّتي تدرأ بالشّبهات كالحدود فإنّه إذا ثبت الحدّ بالإقرار فقط ، فإنّه يجوز للمقرّ الرّجوع ، سواء أكان الرّجوع قبل الحدّ أم بعده ، وسقط الحدّ ، « لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عرّض لماعز بالرّجوع » ، فلولا أنّه يفيد لما عرّض له به .
وعلّل الفقهاء عدم جواز الرّجوع في التّصديق بحقوق الآدميّين وحقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات : بأنّ رجوعه نقض لما صدر منه وتعلّق به حقّ الغير ، فإذا قال : هذه الدّار لزيد ، لا بل لعمرو ، أو ادّعى زيد على ميّت شيئا معيّنا من تركته فصدّقه ابنه ، ثمّ ادّعاه عمرو فصدّقه ، حكم به لزيد ، ووجبت عليه غرامته لعمرو ، وهذا ظاهر أحد قولي الشّافعيّ . وفي القول الآخر : لا يغرم لعمرو شيئا ، وهو قول أبي حنيفة ، لأنّه أقرّ له بما عليه الإقرار به وإنّما منعه الحكم من قبوله وذلك لا يوجب الضّمان .
تصحيح *
التّعريف :
1 - التّصحيح لغة : مصدر صحّح ، يقال : صحّحت الكتاب والحساب تصحيحاً : إذا أصلحت خطأه ، وصحّحته فصحّ . والتّصحيح عند المحدّثين هو : الحكم على الحديث بالصّحّة ، إذا استوفى شرائط الصّحّة الّتي وضعها المحدّثون . ويطلق التّصحيح أيضاً عندهم على كتابة
( صحّ ) على كلام يحتمل الشّكّ بأن كرّر لفظ مثلا لا يخلّ تركه .
والتّصحيح عند أهل الفرائض : إزالة الكسور الواقعة بين السّهام والرّءوس .
والتّصحيح عند الفقهاء هو : رفع أو حذف ما يفسد العبادة أو العقد .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - التّعديل :
2 - التّعديل : مصدر عدّل ، يقال : عدّلت الشّيء تعديلا فاعتدل : إذا سوّيته فاستوى . ومنه قسمة التّعديل . وعدّلت الشّاهد : نسبته إلى العدالة . وتعديل الشّيء : تقويمه .
ب - التّصويب :
3 - التّصويب : مصدر صوّب من الصّواب ، الّذي هو ضدّ الخطأ ، والتّصويب بهذا المعنى يرادف التّصحيح ، وصوّبت قوله : قلت : إنّه صواب .
ج - التّهذيب :
4 - التّهذيب كالتّنقية ، يقال : هذّب الشّيء ، إذا نقّاه وأخلصه . وقيل : أصلحه .
د - الإصلاح :
5 - الإصلاح ضدّ الإفساد ، وأصلح الشّيء بعد فساده : أقامه، وأصلح الدّابّة : أحسن إليها. هـ – التّحرير :
6 - تحرير الكتابة : إقامة حروفها وإصلاح السّقط وتحرير الحساب : إثباته مستوياً لا غلت فيه ، ولا سقط ولا محو . وتحرير الرّقبة : عتقها .
الحكم التّكليفيّ :
7 - تصحيح الفساد والخطأ أمر واجب شرعا متى عرفه الإنسان ، سواء أكان ذلك في العبادات : كمن اجتهد في معرفة القبلة وصلّى ، ثمّ تبيّن الخطأ أثناء الصّلاة ، فيجب تصحيح هذا الخطأ بالاتّجاه إلى القبلة ، وإلا فسدت الصّلاة .
أم كان ذلك في المعاملات : كالبيع بشرط مفسد للعقد ، فيجب إسقاط هذا الشّرط ليصحّ البيع ، وإلا وجب فسخ البيع دفعاً للفساد.
ما يتعلّق بالتّصحيح من أحكام :
أوّلا : تصحيح الحديث :
8 - تصحيح الحديث هو : الحكم عليه بالصّحّة لتوافر شروط خاصّة اشترطها علماء الحديث . وقد يختلف المحدّثون في صحّة بعض الأحاديث لاختلافهم في بعض الشّروط ، وفي تقديم بعضها على بعض .
فقد قرّر ابن الصّلاح والنّوويّ وغيرهما أنّه يحكم بصحّة الحديث المسند الّذي يتّصل إسناده بنقل العدل الضّابط عن العدل الضّابط إلى منتهاه ، ولا يكون شاذّاً ولا معلَّلاً .
قال ابن الصّلاح : فهذا هو الحديث الّذي يحكم له بالصّحّة بلا خلاف بين أهل الحديث . فإذا وجدت الشّروط المذكورة حكم للحديث بالصّحّة ، ما لم يظهر بعد ذلك أنّ فيه شذوذاً . والحكم بتواتر الحديث حكم بصحّته . وقال بعض المحدّثين : يحكم للحديث بالصّحّة إذا تلقّاه النّاس بالقبول ، وإن لم يكن له إسناد صحيح . قال ابن عبد البرّ - لما حكى عن التّرمذيّ أنّ البخاريّ صحّح حديث البحر : « هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته » وأهل الحديث لا يصحّحون مثل إسناده - لكنّ الحديث عندي صحيح ، لأنّ العلماء تلقّوه بالقبول .
وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايينيّ : تعرف صحّة الحديث إذا اشتهر عند أئمّة الحديث بغير نكير منهم . وقال نحوه ابن فورك .
على أنّ هناك من اشترط غير ذلك للحكم بالصّحّة ، كاشتراط الحاكم أن يكون راوي الحديث مشهوراً بالطّلب - أي طلب الحديث وتتبّع رواياته - وعن مالك نحوه ، وكاشتراط أبي حنيفة فقه الرّاوي ، وكاشتراط بعض المحدّثين العلم بمعاني الحديث ، حيث يروى بالمعنى ، قال السّيوطيّ : وهو شرط لا بدّ منه ، لكنّه داخل في الضّبط ، وكاشتراط البخاريّ ثبوت السّماع لكلّ راو من شيخه ، ولم يكتف بإمكان اللّقاء والمعاصرة .
أثر عمل العالم وفتياه في التّصحيح :
9 - قال النّوويّ والسّيوطيّ : عمل العالم وفتياه على وفق حديث رواه ليس حكماً منه بصحّة الحديث ولا بتعديل رواته ، لإمكان أن يكون ذلك منه احتياطا ، أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر . وصحّح الآمديّ وغيره من الأصوليّين أنّه حكم بذلك . وقال إمام الحرمين : إن لم يكن في مسالك الاحتياط - أي لم تكن الفتيا بمقتضى صحّة الحديث ، بل للاحتياط - . وفرّق ابن تيميّة بين أن يعمل به في التّرغيب وغيره . كما أنّ مخالفة العالم للحديث لا تعتبر قدحا منه في صحّته ولا في رواته ، لإمكان أن يكون ذلك لمانع من معارض أو غيره .
وقد روى الإمام مالك حديث الخيار ، ولم يعمل به لعمل أهل المدينة بخلافه ، ولم يكن ذلك قدحاً في نافعٍ راويه . وممّا لا يدلّ على صحّة الحديث أيضا - كما ذكر أهل الأصول - موافقة الإجماع له على الأصحّ ، لجواز أن يكون المستند غيره .
وقيل : يدلّ على صحّة الحديث .
تصحيح المتأخّرين من علماء الحديث :
10 - يرى الشّيخ ابن الصّلاح أنّه قد انقطع التّصحيح في هذه الأعصار ، فليس لأحد أن يصحّح ، بل يقتصر في الحكم بصحّة الحديث على ما اعتمده السّابقون ، كما يرى عدم اعتبار الحديث صحيحا بمجرّد صحّة إسناده ما لم يوجد في مصنّفات أئمّة الحديث المعتمدة المشهورة ، فأغلب الظّنّ أنّه لو صحّ عندهم لما أهملوه لشدّة فحصهم واجتهادهم .
وقد خالف الإمام النّوويّ ابن الصّلاح في ذلك ، فقال : والأظهر عندي جوازه لمن تمكّن وقويت معرفته . قال الحافظ العراقيّ : وهو الّذي عليه عمل أهل الحديث .
وقد صحّح جماعة من العلماء المتأخّرين أحاديث لم يعرف تصحيحهما عن الأقدمين .
ثانياً : تصحيح العقد الفاسد :
11 - الفقهاء عدا الحنفيّة لا يفرّقون في الجملة بين العقد الباطل والعقد الفاسد ، فالحكم عند الشّافعيّة والحنابلة : أنّ العقد لا ينقلب صحيحاً برفع المفسد .
ففي كتب الشّافعيّة : لو حذف العاقدان المفسد للعقد - ولو في مجلس الخيار - لم ينقلب العقد صحيحاً ، إذ لا عبرة بالفاسد .
وفي المغني لابن قدامة : لو باعه بشرط أن يسلّفه أو يقرضه ، أو شرط المشتري ذلك عليه ، فهو محرّم والعقد باطل ، لما روى عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن ، وعن بيع ما لم يقبض ، وعن بيعتين في بيعة ، وعن شرطين في بيع ، وعن بيع وسلف » . ولأنّه اشترط عقدا في عقد ففسد كبيعتين في بيعة ، ولأنّه إذا اشترط القرض زاد في الثّمن لأجله ، فتصير الزّيادة في الثّمن عوضا عن القرض وربحا له ، وذلك ربا محرّم ، ففسد كما لو صرّح به ، ولأنّه بيع فاسد فلا يعود صحيحا كما لو باع درهما بدرهمين ثمّ ترك أحدهما . وفي باب الرّهن قال : لو بطل العقد لما عاد صحيحا . وفي شرح منتهى الإرادات : العقد الفاسد لا ينقلب صحيحاً .
وعند المالكيّة يصحّ العقد إذا حذف الشّرط المفسد للعقد ، سواء أكان شرطا ينافي مقتضى العقد ، أم كان شرطا يخلّ بالثّمن في البيع ، إلّا أربعة شروط فلا يصحّ البيع معها ولو حذف الشّرط ، وهي :
أ - من ابتاع سلعة بثمن مؤجّل على أنّه إن مات فالثّمن صدقة عليه ، فإنّه يفسخ البيع ولو أسقط هذا الشّرط لأنّه غرر ، وكذا لو شرط : إن مات فلا يطالب البائع ورثته بالثّمن .
ب - شرط ما لا يجوز من أمد الخيار، فيلزم فسخه وإن أسقط لجواز كون إسقاطه أخذاً به. ج - من باع أمة وشرط على المبتاع أن لا يطأها ، وأنّه إن فعل فهي حرّة ، أو عليه دينار مثلا ، فيفسخ ولو أسقط الشّرط لأنّه يمين .
د - شرط الثّنيا يفسد البيع ولو أسقط الشّرط . وزاد ابن الحاجب شرطا خامسا وهو :
هـ - شرط النّقد ( أي تعجيل الثّمن ) في بيع الخيار قال ابن الحاجب : لو أسقط شرط النّقد فلا يصحّ . وفي الإجارة جاء في الشّرح الصّغير : تفسد الإجارة بالشّرط الّذي يناقض مقتضى العقد ، ومحلّ الفساد إن لم يسقط الشّرط ، فإن أسقط الشّرط صحّت .
ويوضّح ابن رشد سبب اختلاف الفقهاء في صحّة العقد بارتفاع المفسد أو عدم صحّته . فيقول : هل إذا لحق الفساد بالبيع من قبل الشّرط يرتفع الفساد إذا ارتفع الشّرط ، أو لا يرتفع ؟ كما لا يرتفع الفساد اللاحق للبيع الحلال من أجل اقتران المحرّم العين به ، كمن باع غلاما بمائة دينار وزقّ خمر ، فلمّا عقد البيع قال : أدّع الزّقّ . وهذا البيع مفسوخ عند العلماء بإجماع . وهذا أيضا ينبني على أصل آخر . هو : هل هذا الفساد معقول المعنى أو غير معقول ؟ فإن قلنا : هو غير معقول المعنى ، لم يرتفع الفساد بارتفاع الشّرط .
وإن قلنا : معقول ، ارتفع الفساد بارتفاع الشّرط . فمالك رآه معقولا ، والجمهور رأوه غير معقول ، والفساد الّذي يوجد في بيوع الرّبا والغرر هو أكثر ذلك غير معقول المعنى ، ولذلك ليس ينعقد عندهم أصلا ، وإن ترك الرّبا بعد البيع وارتفع الغرر .
12 - ويفرّق الحنفيّة بين العقد الباطل والعقد الفاسد فيصحّ عندهم - خلافا لزفر - تصحيح العقد الفاسد ، بارتفاع المفسد دون الباطل ، ويقولون في عقد البيع : إنّ ارتفاع المفسد في الفاسد يردّه صحيحاً ، لأنّ البيع قائم مع الفساد ، ومع البطلان لم يكن قائماً بصفة البطلان ، بل كان معدوماً . وعند زفر : العقد الفاسد لا يحتمل الجواز برفع المفسد .
لكنّ تصحيح العقد الفاسد عند الحنفيّة مقيّد بما إذا كان الفساد ضعيفا . يقول الكاسانيّ : الأصل عندنا أنّه ينظر إلى الفساد ، فإن كان قويّا بأن دخل في صلب العقد - وهو البدل أو المبدل - لا يحتمل الجواز برفع المفسد ، كما إذا باع عبدا ألف درهم ورطل من خمر ، فحطّ الخمر عن المشتري فهو فاسد ولا ينقلب صحيحاً .
وإن كان الفساد ضعيفاً ، وهو ما لم يدخل في صلب العقد ، بل في شرط جائز يحتمل الجواز برفع المفسد ، كما في البيع بشرط خيار لم يوقّت ، أو وقّت إلى وقت مجهول كالحصاد ، أو لم يذكر الوقت ، وكما في البيع بثمن مؤجّل إلى أجل مجهول ، فإذا أسقط الأجل من له الحقّ فيه قبل حلوله وقبل فسخه جاز البيع لزوال المفسد ، ولو كان إسقاط الأجل بعد الافتراق على ما حرّره ابن عابدين .
وعلى هذا سائر البياعات الفاسدة بسبب ضرر يلحق بالبائع في التّسليم إذا سلّم البائع برضاه واختياره - كما إذا باع جذعا له في سقف ، أو آجرّا له في حائط ، أو ذراعا في ديباج - أنّه لا يجوز لأنّه لا يمكنه تسليمه إلّا بالنّزع والقطع ، وفيه ضرر بالبائع ، والضّرر غير مستحقّ بالعقد ، فكان هذا على التّقدير بيع ما لا يجب تسليمه شرعا ، فيكون فاسدا . فإن نزعه البائع أو قطعه وسلّمه إلى المشتري قبل أن يفسخ المشتري البيع جاز البيع ، لأنّ المانع من الجواز ضرر البائع بالتّسليم ، فإذا سلّم باختياره ورضاه فقد زال المانع ، فجاز البيع ولزم . وعلى هذا سائر العقود الفاسدة عند الحنفيّة طبقا لقاعدة : إذا زال المانع مع وجود المقتضي عاد الحكم . ومن ذلك أنّ هبة المشاع فاسدة ، فإن قسّمه وسلّمه جاز . واللّبن في الضّرع ، والصّوف على ظهر الغنم ، والزّرع والنّخل في الأرض ، والتّمر في النّخيل بمنزلة المشاع ، لأنّها موجودة ، وامتناع الجواز للاتّصال ، فإذا فصّلها وسلّمها جاز لزوال المانع . ومثل ذلك : إذا رهن الأرض بدون البناء ، أو بدون الزّرع والشّجر ، أو رهن الزّرع والشّجر بدون الأرض ، أو رهن الشّجر بدون الثّمر ، أو رهن الثّمر بدون الشّجر أنّه لا يجوز ، لأنّ المرهون متّصل بما ليس بمرهون ، وهذا يمنع صحّة القبض . ولو جذّ الثّمر وحصد الزّرع وسلّم منفصلا جاز لزوال المانع .
تصحيح العقد باعتباره عقداً آخر :
13 - هذا ، ويمكن تصحيح العقد الفاسد إذا أمكن تحويله إلى عقد آخر صحيح لتوافر أسباب الصّحّة فيه ، سواء أكانت الصّحّة عن طريق المعنى عند بعض الفقهاء ، أم عن طريق اللّفظ عند البعض الآخر نظراً لاختلافهم في قاعدة " هل العبرة بصيغ العقود أو معانيها " . ونوضّح ذلك بالأمثلة الآتية :
14 - في الأشباه لابن نجيم : الاعتبار للمعنى لا للألفاظ ، صرّحوا به في مواضع منها : الكفالة ، فهي بشرط براءة الأصيل حوالة ، وهي بشرط عدم براءته كفالة .
وفي الاختيار : شركة المفاوضة يشترط فيها أن يتساوى الشّريكان في التّصرّف والدّين والمال الّذي تصحّ فيه الشّركة . . فلا تنعقد المفاوضة بين المسلم والذّمّيّ عند أبي حنيفة ومحمّد ، فإذا عقد المسلم والذّمّيّ المفاوضة صارت عنانا عندهما ، لفوات شرط المفاوضة ووجود شرط العنان ، وكذلك كلّ ما فات من شرائط المفاوضة يجعل عنانا إذا أمكن ، تصحيحاً لتصرّفهما بقدر الإمكان .
وفي الاختيار أيضاً : عقد المضاربة ، إن شرط فيه الرّبح للمضارب فهو قرض ، لأنّ كلّ ربح لا يملك إلّا بملك رأس المال ، فلمّا شرط له جميع الرّبح فقد ملّكه رأس المال ، وإن شرط الرّبح لربّ المال كان إبضاعا ، وهذا معناه عرفاً وشرعاً .
وجاء في منح الجليل : من أحال على من ليس له عليه دين ، وأعلم المحال ، صحّ عقد الحوالة ، فإن لم يعلمه لم تصحّ ، وتنقلب حمالة أي كفالة . وفي أشباه السّيوطيّ : هل العبرة بصيغ العقود أو معانيها ؟ خلاف . التّرجيح مختلف في الفروع .
ومن ذلك : إذا قال : أنت حرّ غدا على ألف . إن قلنا : بيع فسد ولا تجب قيمة العبد ، وإن قلنا : عتق بعوض ، صحّ ووجب المسمّى .
ومنها : لو باع المبيع للبائع قبل قبضه بمثل الثّمن الأوّل ، فهو إقالة بلفظ البيع ، وخرّجه السّبكيّ على القاعدة ، والتّخريج للقاضي حسين قال : إن اعتبرنا اللّفظ لم يصحّ ، وإن اعتبرنا المعنى فإقالة .
ثالثاً - تصحيح العبادة إذا طرأ عليها ما يفسدها :
15 - من الأمور الّتي تطرأ على العبادة ما لا يمكن إزالته أو تلافيه كالأكل والشّرب والكلام والحدث والجماع ، فهذه الأمور لا يمكن تلافيها، وهي تعتبر من مفسدات العبادة في الجملة. هذا مع اختلاف الفقهاء في التّفصيل فيها بين القليل والكثير ، وبين العمد والسّهو والجهل ، وما هو معفوّ عنه أو غير معفوّ عنه . فإذا طرأ شيء من ذلك على العبادة ففسدت فعلا - عند من يعتبر ذلك مفسدا - فلا مجال لتصحيح هذه العبادة ، ويلزم إعادتها إن اتّسع وقتها ، أو قضاؤها إن خرج الوقت . وينظر تفصيل ذلك في : ( إعادة - قضاء ) .
والكلام هنا إنّما هو فيما يطرأ على العبادة ممّا يعتبر من المفسدات مع إمكان إزالة المفسد أو تلافيه لتصحّ العبادة ، مثل طروء النّجاسة أو كشف العورة وما شابه ذلك .
والفقهاء متّفقون في الجملة على : أنّه إذا طرأ على العبادة ما شأنه أن يفسدها لو استمرّ وأمكن تلافيه وإزالته وجب فعل ذلك لتصحيح العبادة . ونظراً لتعذّر حصر مثل هذه المسائل لكثرة فروعها في أبواب العبادة المختلفة ، فيكتفى بذكر بعض الأمثلة الّتي توضّح ذلك :
16 - من اجتهد في معرفة القِبلة ، وتغيّر اجتهاده أثناء الصّلاة استدار إلى الجهة الثّانية الّتي تغيّر اجتهاده إليها ، وبنى على ما مضى من صلاته .
وكذلك إذا اجتهد فأخطأ ، وبان له يقين الخطأ وهو في الصّلاة ، بمشاهدة أو خبر عن يقين فإنّه يستدير إلى جهة الصّواب ويبني على ما مضى .
والدّليل على ذلك أنّ أهل قباء لمّا بلغهم نسخ القبلة وهم في صلاة الفجر استداروا إليها ،
« واستحسن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فعل أهل قباء ، ولم يأمرهم بالإعادة » .
وينظر تفصيل ذلك في : ( استقبال - قبلة - صلاة ) .
17 - من وقعت عليه نجاسة يابسة - وهو في الصّلاة - فأزالها سريعاً صحّت صلاته ، لحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال : « بينما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلّي بأصحابه ، إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره ، فلمّا رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم ، فلمّا قضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلاته قال : ما حملكم على إلقاء نعالكم ؟ . قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا . فقال صلى الله عليه وسلم : إنّ جبريل أتاني ، فأخبرني أنّ فيهما قذراً » . وينظر تفصيل ذلك في : ( نجاسة - صلاة ) .
18 - من انكشفت عورته وهو في الصّلاة - بأن أطارت الرّيح سترته فانكشفت عورته - فإن أعادها سريعاً صحّت صلاته .
ولو صلّى عرياناً لعدم وجود سترة ، ثمّ وجد سترة قريبة منه ستر بها ما وجب ستره ، وبنى على ما مضى من صلاته ، قياساً على أهل قباء لمّا علموا بتحويل القبلة استداروا إليها وأتمّوا صلاتهم . وينظر تفصيل ذلك في : ( عورة - صلاة ) .
19 - إن خفّ في الصّلاة معذور بعذر مسوّغ للاستناد أو الجلوس أو الاضطجاع انتقل للأعلى ، كمستند قدر على الاستقلال ، وجالس قدر على القيام انتقل وجوباً ، فإن تركه بطلت صلاته . وينظر تفصيل ذلك في : ( عذر - صلاة ) .
20 - من علم في أثناء طوافه بنجس في بدنه أو ثوبه طرحه أو غسلهما ، وبنى على ما تقدّم من طوافه إن لم يطل ، وإلا بطل طوافه لعدم الموالاة .
وينظر تفصيل ذلك في ( طواف ) .
21 - هذا ، ومن تصحيح العبادة ما يدخل تحت قاعدة : بطلان الخصوص لا يبطل العموم . جاء في المنثور : لو تحرّم بالفرض منفردا فحضرت جماعة ، قال الشّافعيّ : أحببت أن يسلّم من ركعتين وتكون نافلة ، ويصلّي الفرض ، فصحّح النّفل مع إبطال الفرض .
وإذا تحرّم بالصّلاة المفروضة قبل وقتها ظانّا دخوله بطل خصوص كونها ظهرا ، ويبقى عموم كونها نفلا في الأصحّ .
تشهير الحاكم لبعض النّاس يكون في الحدود أو في التّعزير .
أ - بالنّسبة للحدود :
7 - قال الفقهاء : ينبغي أن تقام الحدود في ملأ من النّاس ، لقوله تعالى : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهما طَائِفَةٌ من المُؤْمنين } ، قال الكاسانيّ : والنّصّ وإن ورد في حدّ الزّنى ، لكنّ النّصّ الوارد فيه يكون واردا في سائر الحدود دلالة ، لأنّ المقصود من الحدود كلّها واحد ، وهو زجر العامّة ، وذلك لا يحصل إلّا وأن تكون الإقامة على رأس العامّة ، لأنّ الحضور ينزجرون بأنفسهم بالمعاينة ، والغائبين ينزجرون بإخبار الحضور ، فيحصل الزّجر للكلّ . وقال عبد الملك بن حبيب : ينبغي أن يكون إقامة الحدّ علانية وغير سرّ ، ليتناهى النّاس عمّا حرّم اللّه عليهم . وقال مطرّف : ومن أمر النّاس عندنا الشّهر لأهل الفسق رجالا ونساء ، والإعلام بجلدهم في الحدود وما يلزمهم من العقوبة وكشف وجه المرأة .
وسئل الإمام مالك عن المجلود في الخمر والفِرية : أترى أن يطاف بهم وبشُرّاب الخمر ؟ قال : إذا كان فاسقاً مدمناً فأرى أن يطاف بهم ، ونعلن أمرهم ويفضحون .
وفي حدّ السّرقة قال الفقهاء : يندب أن يعلّق العضو المقطوع في عنق المحدود ، لأنّ في ذلك ردعا للنّاس ، وقد روى فضالة بن عبيد رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أُتيَ بسارق قطعت يده ، ثمّ أمر بها فعلّقت في عنقه » وفعل ذلك عليّ رضي الله عنه.
وذكر في الدّرّ المختار حديث : « ما بالُ العاملِ نبعثه ، فيأتي فيقول : هذا لك وهذا لي . فهلا جلس في بيت أبيه وأمّه فينظرُ أيهدى له أم لا ؟ والّذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ، إن كان بعيراً له رُغاء ، أو بقرة لها خُوار ، أو شاة تَيْعَرُ » . قال ابن عابدين : ويؤخذ من هذا الحديث - كما قال ابن المنير - أنّ الحكّام أخذوا بالتّجريس بالسّارق ونحوه من هذا الحديث .
كذلك قال الفقهاء في قاطع الطّريق إذا صلب : يصلب ثلاثة أيّام ليشتهر الحال ويتمّ النّكال . قال ابن قدامة : إنّما شرع الصّلب ردعا لغيره ليشتهر أمره .
ب - بالنّسبة للتّعزير :
8 - التّشهير نوع من أنواع التّعزير ، أي أنّه عقوبة تعزيريّة .
ومعلوم أنّ التّعزير يرجع في تحديد جنسه وقدره إلى نظر الحاكم ، فقد يكون بالضّرب أو الحبس أو التّوبيخ أو التّشهير أو غير ذلك ، حسب اختلاف مراتب النّاس ، واختلاف المعاصي ، واختلاف الأعصار والأمصار . وعلى ذلك فالتّعزير بالتّشهير جائز إذا علم الحاكم أنّ المصلحة فيه ، وهذا الحكم هو بالنّسبة لكلّ معصية لا حدّ فيها ولا كفّارة في الجملة . يقول الماورديّ : للأمير إذا رأى من الصّلاح في ردع السّفلة : أن يشهّرهم وينادي عليهم بجرائمهم ، ساغ له ذلك . ويقول : يجوز في نكال التّعزير أن يجرّد من ثيابه ، إلا قدر ما يستر عورته ، ويشهّر في النّاس ، وينادى عليه بذنبه إذا تكرّر منه ولم يتب .
وفي التّبصرة لابن فرحون : إن رأى القاضي المصلحة في قمع السّفلة بإشهارهم بجرائمهم فعل . ويقول ابن فرحون أيضا : إذا حكم القاضي بالجور ، وثبت ذلك عليه بالبيّنة ، فإنّه يعاقب العقوبة الموجعة ، وعزل ويشهّر ويفضح .
وفي كشّاف القناع : القوّادة - الّتي تفسد النّساء والرّجال - أقلّ ما يجب فيها الضّرب البليغ ، وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض في الرّجال والنّساء لتجتنب .
غير أنّه يلاحظ أنّ الفقهاء دائما يذكرون التّشهير في تعزير شاهد الزّور ممّا يوحي بأنّ التّشهير واجب بالنّسبة لشاهد الزّور ، وذلك لاعتبار هذه المعصية من الكبائر .
قال الإمام أبو حنيفة في شاهد الزّور في المشهور : يطاف به ويشهّر ، ولا يضرب استنادا إلى ما فعله القاضي شريح ، وزاد الصّاحبان ضربه وحبسه .
ويذكر ابن قدامة حديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ألا أُنَبِّئكُم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسولَ اللّه قال : الإشراكُ باللّه وعقوق الوالدين ، وكان متّكئاً فجلس ، فقال : ألا وقولُ الزّور وشهادة الزّور . فما زال يكرّرها حتّى قلنا : ليته سكت » .
ثمّ يقول ابن قدامة : فمتى ثبت عند الحاكم عن رجل أنّه شهد بزور عمدا عزّره وشهّره في قول أكثر أهل العلم . روي ذلك عن عمر رضي الله عنه ، وبه يقول شريح والقاسم بن محمّد وسالم بن عبد اللّه والأوزاعيّ وابن أبي ليلى ومالك والشّافعيّ وعبد الملك بن يعلى قاضي البصرة . وفي كشّاف القناع : إذا عزّر من وجب عليه التّعزير وجب على الحاكم أن يشهّره لمصلحة كشاهد زور ليجتنب .
وجاء في التّبصرة : التّعزير لا يختصّ بالسّوط واليد والحبس ، وإنّما ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام . قال أبو بكر الطّرطوشيّ في أخبار الخلفاء المتقدّمين : إنّهم كانوا يعاملون الرّجل على قدره وقدر جنايته ، فمنهم من يضرب ، ومنهم من يحبس ، ومنهم من يقام واقفاً على قدميه في المحافل ، ومنهم من تنزع عمامته . قال القرافيّ : إنّ التّعزير يختلف باختلاف الأعصار والأمصار ، فربّ تعزير في بلد يكون إكراماً في بلد آخر ، كقطع الطّيلسان ليس تعزيراً في الشّام فإنّه إكرام ، وكشف الرّأس بالأندلس ليس هواناً وبمصر والعراق هوان . ثمّ قال صاحب التّبصرة : والتّعزير لا يختصّ بفعل معيّن ولا قول معيّن ، فقد « عزّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالهجر » ، وذلك في حقّ الثّلاثة الّذين ذكرهم اللّه تعالى في القرآن الكريم ، فهجروا خمسين يوماً لا يكلّمهم أحد . « وعزّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالنّفي ، فأمر بإخراج المخنّثين من المدينة ونفيهم » .
وفي مغني المحتاج : يجتهد الإمام في جنس التّعزير وقدره ، لأنّه غير مقدّر شرعاً ، فيجتهد في سلوك الأصحّ ، فله أن يشهّر في النّاس من أدّى اجتهاده إليه .
ويجوز له حلق رأسه ، ويجوز أن يصلب حيّاً ، وهو ربطه في مكان عال لما لا يزيد عن ثلاثة أيّام ثمّ يرسل ، ولا يمنع في تلك المدّة عن الطّعام والشّراب والصّلاة .
وهذه النّصوص تدلّ على أنّه يجوز أن يكتفى بالتّشهير كعقوبة تعزيريّة إذا رأى الإمام ذلك ، ويجوز أن يضمّ إليه عقوبة أخرى كالضّرب والحبس .
وقد كان أبو بكر البحتريّ - وهو أمير المدينة - إذا أتي برجل ، قد أخذ معه الجرّة من المسكر ، أمر به فصبّ على رأسه عند بابه ، كيما يعرف بذلك ويشهّر به .
تشوّف *
التّعريف :
1 - التّشوّف لغة : مصدر تشوّف . يقال : تشوّفتِ الأوعالُ : إذا علت رءوس الجبال تنظر السّهل وخلوّه ممّا تخافه لتَرِدَ الماء .
ومنه قيل تشوّف فلان لكذا : إذا طمح بصره إليه . ثمّ استعمل في تعلّق الآمال ، والتّطلّب .
والمُشوِّفة من النّساء : الّتي تظهر نفسها ليراها النّاس .
وتشوّفت المرأة : تزيّنت وتطلّعت للخطاب - من شفّت الدّرهم : إذا جلوته . ودينار مشوّف : أي مجلوّ - وهو أن تجلو المرأة وجهها وتصقل خدّيها .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ للفظ تشوّف عن معانيه الواردة في اللّغة .
وقيل : التّشوّف بمعنى التّزيّن خاصّ بالوجه ، والتّزيّن عامّ يستعمل في الوجه وغيره .
الحكم الإجماليّ :
أ - تشوّف الشّارع لإثبات النّسب :
2 - من القواعد المقرّرة في الشّريعة الإسلاميّة : أنّ الشّارع متشوّف للحاق النّسب ، لأنّ النّسب أقوى الدّعائم الّتي تقوم عليها الأسرة ، ويرتبط به أفرادها ، قال تعالى : { وَهو الّذي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرَاً فَجَعَلَهُ نَسَبَاً وَصِهْرَاً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرَاً } .
ولاعتناء الشّريعة بحفظ النّسب وتشوّفها لإثباته تكرّر فيها الأمر بحفظه عن تطرّق الشّكّ إليه ، والتّحذير من ذرائع التّهاون به . ولمراعاة هذا المقصد اتّفق الفقهاء على اعتبار الأحوال النّادرة في إلحاق النّسب ، لتشوّف الشّارع لإثباته . وللتّفصيل ( ر : نسب ) .
ب - التّشوّف إلى العتق :
3 - من محاسن الإعتاق أنّه إحياء حكميّ ، يخرج العبد من كونه ملحقا بالجمادات إلى كونه أهلا للكرامات البشريّة ، من قبول الشّهادة والولاية والقضاء .
ويقع العتق عند الفقهاء من كلّ : مكلّف مسلم - ولو سكران أو هازلا ولو دون نيّة - لتشوّف الشّارع إلى الحرّيّة بلا خلاف بين الفقهاء .
وقد أجمعوا على أنّه من حيث الأصل تصرّف مندوب إليه ، ويجب لعارض ، ويحصل به القربة لقوله تعالى : { فتحرير رقبة مؤمنة } وقوله عزّ وجلّ { فكّ رقبة } . ولخبر « أيّما مسلم أعتق مؤمنا أعتق اللّه بكلّ عضو منه عضوا من النّار » ( ر : عتق ، إعتاق ) .
ج - التّشوّف في العدّة :
4 - المطلّقة الرّجعيّة لها أن تتزيّن ، لأنّها حلال للزّوج ، لقيام نكاحها ما دامت في العدّة ، والرّجعة مستحبّة ، والتّزيّن حامل عليها فيكون مشروعاً .
وهذا عند الحنفيّة ، والمالكيّة ، والحنابلة .
أمّا الشّافعيّة : فيرون أنّه يستحبّ لها الإحداد . فلا يستحبّ لها التّزيّن . ومنهم من قال : الأولى أن تتزيّن بما يدعو الزّوج إلى رجعتها . ( ر : عدّة ) ولا خلاف بين الفقهاء في تحريم الزّينة على المتوفّى عنها زوجها مدّة عدّتها ، لوجوب الإحداد عليها .
وأمّا المبانة في الحياة بينونة كبرى ، فقد اختلف الفقهاء فيها على أقوال : فذهب الحنفيّة ، والشّافعيّة في قول إلى أنّه يحرم عليها الزّينة ، حدادا وأسفا على زوجها ، وإظهارا للتّأسّف على فوت نعمة النّكاح ، الّذي هو سبب لصونها وكفاية مئونتها ، ولحرمة النّظر إليها ، وعدم مشروعيّة الرّجعة . وقال الشّافعيّة : يستحبّ لها الإحداد .
وفي قول : الإحداد واجب على ما تقدّم ، وأمّا المالكيّة فقالوا : لا إحداد إلا على المتوفّى عنها زوجها فقط . ومفاده : لا إحداد على المبانة وإن استحبّ لها في عدّتها .
ولا يسنّ لها الإحداد عند الحنابلة ، ولهذا لا يلزمها أن تتجنّب ما يرغّب في النّظر إليها من الزّينة . وللتّفصيل ( ر : عدّة ) .
د - التّشوّف للخطاب :
5 - يرى الفقهاء أنّه لا يجوز للّتي تكون صالحة للخطبة والزّواج أن تتزيّن استعداداً لرؤية من يرغب في خطبتها والزّواج بها .
وأجمعوا على أنّه يجوز للخاطب أن يرى بنفسه من يرغب في زواجها لكي يقدم على العقد إن أعجبته ، ويحجم عنه إن لم تعجبه ، لخبر « إذا خطب أحدكم امرأة ، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل » وذلك لأنّه من أسباب الألفة والوئام .
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه « أنّه خطب امرأة ، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم : أنظرتَ إليها ؟ قال : لا . فقال : اذهب فانظر إليها ، فإنّه أحرى أن يُؤْدَم بينكما » .
ويرى أكثر الفقهاء أنّ للخاطب أن ينظر إلى الوجه والكفّين فقط ، لأنّ رؤيتهما تحقّق المطلوب من الجمال وخصوبة الجسد وعدمها . فيدلّ الوجه على الجمال أو ضدّه لأنّه مجمع المحاسن ، والكفّان على خصوبة البدن . وأجاز بعض الحنفيّة النّظر إلى الرّقبة والقدمين . وأجاز الحنابلة النّظر إلى ما يظهر عند القيام بالأعمال ، وهي ستّة أعضاء : الوجه ، والرّأس ، والرّقبة ، واليد ، والقدم ، والسّاق ، لأنّ الحاجة داعية إلى ذلك ، ولإطلاق الأحاديث السّابقة . وللتّفصيل ( ر : نكاح ، خطبة ) .
تشييع الجنازة *
انظر : جنازة .
تصادق *
التّعريف :
1 - التّصادق لغة واصطلاحاً : ضدّ التّكاذب يقال : تصادقا في الحديث والمودّة ضدّ تكاذبا ومادّة تفاعل لا تكون غالباً إلا بين اثنين يقال : تحابّا وتخاصما ، أي أحبّ أو خاصم كلّ منهما الآخر . واستعمل المالكيّة أيضاً ( التّقارر ) بمعنى التّصادق .
حكم التّصادق :
2 - حكم التّصادق في الجملة - في حقّ المتصادقين إذا تعلّقت به حقوق العباد ، أو كان في حقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات - اللّزوم ، وهو أبلغ من الشّهادة ، لأنّه نوع من الإقرار . قال أشهب : قول كلّ أحد على نفسه أوجب من دعواه على غيره .
أمّا بالنّسبة لحقوق اللّه تعالى الّتي تدرأ بالشّبهات فليس بلازم .
من يعتبر تصادقه :
3 - التّصادق الّذي يعتدّ به ويترتّب عليه حكم يكون من البالغ العاقل المختار ، فلا يعتبر تصديق الصّغير وغير العاقل .
صفة التّصادق :
4 - صفة التّصديق لفظ أو ما يقوم مقامه يدلّ على توجّه الحقّ قبل المقرّ ( المصدّق ) . ويقوم مقام اللّفظ : الإشارة والكتابة والسّكوت . فالإشارة من الأبكم ومن المريض . فإذا قيل للمريض : لفلان عندك كذا ، فأشار برأسه أن نعم ، فهذا تصديق إذا فهم عنه مراده .
ما يشترط في المصادق :
5 - يشترط في المصادق أن يكون أهلاً للاستحقاق ، وألا يكذّبه المصادق ، فإذا كذّب المصادق المصادق ثمّ رجع لم يفد رجوعه ، إلّا أن يرجع المصادق إلى ما أقرّ به .
محلّ التّصادق :
6 - يكون التّصديق في النّسب والمال . والتّصديق في النّسب ينظر تحت عنوان ( نسب ) . والتّصديق في المال نوعان : مطلق ومقيّد .
فالمطلق : ما صدر غير مقترن بما يقيّده أو يرفع حكمه أو حكم بعضه ، فإذا كان التّصديق على هذا الوجه فهو ملزم لمن صدّق، وعليه أداء ما صدّق فيه ، ولا يجوز له الرّجوع عنه. وإذا كان التّصديق مقيّداً بقيد ففي لزومه أو عدمه تفصيل ينظر في مصطلح ( إقرار ) .
التّصادق في حقوق اللّه تعالى :
7 - إذا تصادق اثنان أو أكثر على إسقاط حقّ من حقوق اللّه تعالى فلا عبرة بتصادقهم ، ولا يترتّب عليه حكم ، إلّا إذا قامت بيّنة على هذا التّصادق ، فيكون الحكم في هذه الحال ثابتا بالبيّنة لا بالتّصادق ، ويتّضح ذلك من الأمثلة الآتية :
إن طلّق الزّوج زوجته قبل الدّخول ، وكان قد خلا بها ، لزمتها العدّة إن كان الزّوج بالغاً ، وكانت المرأة مطيقة للوطء ، سواء أكانت خلوة اهتداء أم خلوة زيارة .
وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة . وتجب العدّة حينئذ ولو تصادقا على نفي الوطء ، لأنّ العدّة حقّ اللّه تعالى ، فلا تسقط بالتّصادق .
ويؤخذ بتصادقهما على نفي الوطء فيما هو حقّ لهما : فلا نفقة لها ، ولا يتكمّل لها الصّداق ، ولا رجعة له عليها . أي كلّ من أقرّ منهما أخذ بإقراره اجتماعاً أو انفراداً .
ويترتّب على قبول التّصادق أو ردّه أحكام كثيرة ، كثبوت النّسب من تاريخ الخلوة ، وتأكيد المهر ، والنّفقة والسّكن والعدّة ، وحرمة نكاح أختها في عدّتها وأربع سواها . وفي هذه المذاهب اختلاف في الحقوق الّتي تترتّب على الخلوة . تفصيله في باب : ( النّكاح ) .
وعند الشّافعيّة في القديم قولان أحدهما : الخلوة مؤثّرة ، وتصدّق المرأة في ادّعاء الإصابة ( الوطء ) والقول الثّاني أنّها كالوطء . وفي الجديد : إنّ الخلوة وحدها لا تؤثّر في المهر . وعلى هذا لو اتّفقا على حصول الخلوة ، وادّعت الإصابة لم يترجّح جانبها ، بل القول قوله بيمينه . ويفهم من ذلك أنّه لو صدّقها يتقرّر المهر كلّه .
التّصادق في النّكاح :
8 - لا يثبت النّكاح بالتّصادق ، لأنّ الشّهادة شرط فيه ، ووقتها عند غير المالكيّة وقت العقد ، وعند المالكيّة يندب الإشهاد وقت العقد ، فإن لم يشهد عند العقد اشترط وجوبا عند الدّخول ، ولا حدّ عندهم إن فشا النّكاح بوليمة أو ضرب دفّ أو دخان ، أو كان على العقد أو الدّخول شاهد واحد غير الوليّ ، لصحّة النّكاح في هذه الصّور .
وقال المالكيّة : تثبت الزّوجيّة بالتّقارر - أي التّصادق - حقّ الزّوجين إذا كانا بلديّين ، أو كان أحدهما بلديّا ، وأمّا الطّارئان - أي من لم يكونا من أهل البلد ، سواء قدما معاً أو مفترقين - فلا تثبت الزّوجيّة بينهما بمجرّد التّصادق .
حكم تصادق الزّوجين على طلاق سابق :
9 - إذا أقرّ رجل في حالة الصّحّة بطلاق بائن أو رجعيّ متقدّم على وقت إقراره ، ولا بيّنة له ، استأنفت امرأته العدّة من وقت إقراره ، فيصدّق في الطّلاق ، لا في إسناده للوقت السّابق ولو صدّقته ، لأنّه يتّهم على إسقاط العدّة وهي حقّ للّه تعالى . فإن كانت له بيّنة ، فالعدّة من الوقت الّذي أسندت إليه البيّنة . هذا بالنّسبة للعدّة لأنّها حقّ اللّه تعالى .
أمّا بالنّسبة لحقوق الزّوجين فيعامل كلّ حسب إقراره ، فلو ماتت الزّوجة ، وكانت العدّة قد انقضت بحسب إقراره ، فلا يرثها لأنّها صارت أجنبيّة على مقتضى دعواه ، ولا رجعة له عليها إن كان الطّلاق رجعيّاً ، وورثته إن مات في العدّة المستأنفة ، حيث كان الطّلاق رجعيّا إن لم تصدّقه . ولا يتزوّج أختها ولا أربعا سواها في العدّة ، ولو صادقته على حصول الطّلاق في الماضي نفيا لتهمة التّواطؤ بينهما .
وإن صدّقته فلا نفقة لها معاملة لها بتصديقها إيّاه . وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة .
وعند الشّافعيّة : أنّه لو أسند الزّوج الطّلاق إلى زمن ماض ، وصدّقت الزّوجة الزّوج في الإسناد ، فالعدّة من التّاريخ الّذي أسند إليه الطّلاق ، ولو لم يقم على ذلك بيّنة .
والمفهوم من كلام الحنابلة أنّ الحكم عندهم كذلك . فقد جاء في شرح منتهى الإرادات : لو جاءت امرأة حاكماً وادّعت أنّ زوجها طلّقها وانتهت عدّتها ، فله تزويجها بشرطه إن ظنّ صدقها ، ولا سيّما إن كان الزّوج لا يعرف ، لأنّ الإقرار ( أي بالزّوجيّة ) لمجهول لا يصحّ. وأيضاً الأصل صدقها - أي فيما ادّعته من خلوّها عن الزّوجيّة - ولا منازع .
حكم مصادقة الزّوجة على إعسار الزّوج :
10 - يكتفى بتصديق الزّوجة زوجها في دعواه الإعسار ، وتصديقها يقوم مقام البيّنة ، ويترتّب عليه ما يترتّب على ثبوت الإعسار بالبيّنة من حيث الحكم بالتّطليق بشروطه المفصّلة في أبوابها وينظر ( إعسار ، نفقة ، مهر ) .
الرّجوع في التّصديق :
11 - تقدّم أنّ التّصديق ملزم لمن صدّق ، وعلى ذلك فلا يجوز الرّجوع فيه بالنّسبة لحقوق العباد وحقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات ، كالزّكاة ، فمن صدّق المدّعي فيما ادّعاه عليه من حقّ فلا يجوز له الرّجوع متى توافرت شروط التّصديق .
ولو أقرّ بنسب ، وصدّقه المقرّ له ، ثمّ رجع المقرّ عن إقراره لا يقبل منه الرّجوع .
أمّا بالنّسبة لحقوق اللّه تعالى الّتي تدرأ بالشّبهات كالحدود فإنّه إذا ثبت الحدّ بالإقرار فقط ، فإنّه يجوز للمقرّ الرّجوع ، سواء أكان الرّجوع قبل الحدّ أم بعده ، وسقط الحدّ ، « لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عرّض لماعز بالرّجوع » ، فلولا أنّه يفيد لما عرّض له به .
وعلّل الفقهاء عدم جواز الرّجوع في التّصديق بحقوق الآدميّين وحقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات : بأنّ رجوعه نقض لما صدر منه وتعلّق به حقّ الغير ، فإذا قال : هذه الدّار لزيد ، لا بل لعمرو ، أو ادّعى زيد على ميّت شيئا معيّنا من تركته فصدّقه ابنه ، ثمّ ادّعاه عمرو فصدّقه ، حكم به لزيد ، ووجبت عليه غرامته لعمرو ، وهذا ظاهر أحد قولي الشّافعيّ . وفي القول الآخر : لا يغرم لعمرو شيئا ، وهو قول أبي حنيفة ، لأنّه أقرّ له بما عليه الإقرار به وإنّما منعه الحكم من قبوله وذلك لا يوجب الضّمان .
تصحيح *
التّعريف :
1 - التّصحيح لغة : مصدر صحّح ، يقال : صحّحت الكتاب والحساب تصحيحاً : إذا أصلحت خطأه ، وصحّحته فصحّ . والتّصحيح عند المحدّثين هو : الحكم على الحديث بالصّحّة ، إذا استوفى شرائط الصّحّة الّتي وضعها المحدّثون . ويطلق التّصحيح أيضاً عندهم على كتابة
( صحّ ) على كلام يحتمل الشّكّ بأن كرّر لفظ مثلا لا يخلّ تركه .
والتّصحيح عند أهل الفرائض : إزالة الكسور الواقعة بين السّهام والرّءوس .
والتّصحيح عند الفقهاء هو : رفع أو حذف ما يفسد العبادة أو العقد .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - التّعديل :
2 - التّعديل : مصدر عدّل ، يقال : عدّلت الشّيء تعديلا فاعتدل : إذا سوّيته فاستوى . ومنه قسمة التّعديل . وعدّلت الشّاهد : نسبته إلى العدالة . وتعديل الشّيء : تقويمه .
ب - التّصويب :
3 - التّصويب : مصدر صوّب من الصّواب ، الّذي هو ضدّ الخطأ ، والتّصويب بهذا المعنى يرادف التّصحيح ، وصوّبت قوله : قلت : إنّه صواب .
ج - التّهذيب :
4 - التّهذيب كالتّنقية ، يقال : هذّب الشّيء ، إذا نقّاه وأخلصه . وقيل : أصلحه .
د - الإصلاح :
5 - الإصلاح ضدّ الإفساد ، وأصلح الشّيء بعد فساده : أقامه، وأصلح الدّابّة : أحسن إليها. هـ – التّحرير :
6 - تحرير الكتابة : إقامة حروفها وإصلاح السّقط وتحرير الحساب : إثباته مستوياً لا غلت فيه ، ولا سقط ولا محو . وتحرير الرّقبة : عتقها .
الحكم التّكليفيّ :
7 - تصحيح الفساد والخطأ أمر واجب شرعا متى عرفه الإنسان ، سواء أكان ذلك في العبادات : كمن اجتهد في معرفة القبلة وصلّى ، ثمّ تبيّن الخطأ أثناء الصّلاة ، فيجب تصحيح هذا الخطأ بالاتّجاه إلى القبلة ، وإلا فسدت الصّلاة .
أم كان ذلك في المعاملات : كالبيع بشرط مفسد للعقد ، فيجب إسقاط هذا الشّرط ليصحّ البيع ، وإلا وجب فسخ البيع دفعاً للفساد.
ما يتعلّق بالتّصحيح من أحكام :
أوّلا : تصحيح الحديث :
8 - تصحيح الحديث هو : الحكم عليه بالصّحّة لتوافر شروط خاصّة اشترطها علماء الحديث . وقد يختلف المحدّثون في صحّة بعض الأحاديث لاختلافهم في بعض الشّروط ، وفي تقديم بعضها على بعض .
فقد قرّر ابن الصّلاح والنّوويّ وغيرهما أنّه يحكم بصحّة الحديث المسند الّذي يتّصل إسناده بنقل العدل الضّابط عن العدل الضّابط إلى منتهاه ، ولا يكون شاذّاً ولا معلَّلاً .
قال ابن الصّلاح : فهذا هو الحديث الّذي يحكم له بالصّحّة بلا خلاف بين أهل الحديث . فإذا وجدت الشّروط المذكورة حكم للحديث بالصّحّة ، ما لم يظهر بعد ذلك أنّ فيه شذوذاً . والحكم بتواتر الحديث حكم بصحّته . وقال بعض المحدّثين : يحكم للحديث بالصّحّة إذا تلقّاه النّاس بالقبول ، وإن لم يكن له إسناد صحيح . قال ابن عبد البرّ - لما حكى عن التّرمذيّ أنّ البخاريّ صحّح حديث البحر : « هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته » وأهل الحديث لا يصحّحون مثل إسناده - لكنّ الحديث عندي صحيح ، لأنّ العلماء تلقّوه بالقبول .
وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايينيّ : تعرف صحّة الحديث إذا اشتهر عند أئمّة الحديث بغير نكير منهم . وقال نحوه ابن فورك .
على أنّ هناك من اشترط غير ذلك للحكم بالصّحّة ، كاشتراط الحاكم أن يكون راوي الحديث مشهوراً بالطّلب - أي طلب الحديث وتتبّع رواياته - وعن مالك نحوه ، وكاشتراط أبي حنيفة فقه الرّاوي ، وكاشتراط بعض المحدّثين العلم بمعاني الحديث ، حيث يروى بالمعنى ، قال السّيوطيّ : وهو شرط لا بدّ منه ، لكنّه داخل في الضّبط ، وكاشتراط البخاريّ ثبوت السّماع لكلّ راو من شيخه ، ولم يكتف بإمكان اللّقاء والمعاصرة .
أثر عمل العالم وفتياه في التّصحيح :
9 - قال النّوويّ والسّيوطيّ : عمل العالم وفتياه على وفق حديث رواه ليس حكماً منه بصحّة الحديث ولا بتعديل رواته ، لإمكان أن يكون ذلك منه احتياطا ، أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر . وصحّح الآمديّ وغيره من الأصوليّين أنّه حكم بذلك . وقال إمام الحرمين : إن لم يكن في مسالك الاحتياط - أي لم تكن الفتيا بمقتضى صحّة الحديث ، بل للاحتياط - . وفرّق ابن تيميّة بين أن يعمل به في التّرغيب وغيره . كما أنّ مخالفة العالم للحديث لا تعتبر قدحا منه في صحّته ولا في رواته ، لإمكان أن يكون ذلك لمانع من معارض أو غيره .
وقد روى الإمام مالك حديث الخيار ، ولم يعمل به لعمل أهل المدينة بخلافه ، ولم يكن ذلك قدحاً في نافعٍ راويه . وممّا لا يدلّ على صحّة الحديث أيضا - كما ذكر أهل الأصول - موافقة الإجماع له على الأصحّ ، لجواز أن يكون المستند غيره .
وقيل : يدلّ على صحّة الحديث .
تصحيح المتأخّرين من علماء الحديث :
10 - يرى الشّيخ ابن الصّلاح أنّه قد انقطع التّصحيح في هذه الأعصار ، فليس لأحد أن يصحّح ، بل يقتصر في الحكم بصحّة الحديث على ما اعتمده السّابقون ، كما يرى عدم اعتبار الحديث صحيحا بمجرّد صحّة إسناده ما لم يوجد في مصنّفات أئمّة الحديث المعتمدة المشهورة ، فأغلب الظّنّ أنّه لو صحّ عندهم لما أهملوه لشدّة فحصهم واجتهادهم .
وقد خالف الإمام النّوويّ ابن الصّلاح في ذلك ، فقال : والأظهر عندي جوازه لمن تمكّن وقويت معرفته . قال الحافظ العراقيّ : وهو الّذي عليه عمل أهل الحديث .
وقد صحّح جماعة من العلماء المتأخّرين أحاديث لم يعرف تصحيحهما عن الأقدمين .
ثانياً : تصحيح العقد الفاسد :
11 - الفقهاء عدا الحنفيّة لا يفرّقون في الجملة بين العقد الباطل والعقد الفاسد ، فالحكم عند الشّافعيّة والحنابلة : أنّ العقد لا ينقلب صحيحاً برفع المفسد .
ففي كتب الشّافعيّة : لو حذف العاقدان المفسد للعقد - ولو في مجلس الخيار - لم ينقلب العقد صحيحاً ، إذ لا عبرة بالفاسد .
وفي المغني لابن قدامة : لو باعه بشرط أن يسلّفه أو يقرضه ، أو شرط المشتري ذلك عليه ، فهو محرّم والعقد باطل ، لما روى عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن ، وعن بيع ما لم يقبض ، وعن بيعتين في بيعة ، وعن شرطين في بيع ، وعن بيع وسلف » . ولأنّه اشترط عقدا في عقد ففسد كبيعتين في بيعة ، ولأنّه إذا اشترط القرض زاد في الثّمن لأجله ، فتصير الزّيادة في الثّمن عوضا عن القرض وربحا له ، وذلك ربا محرّم ، ففسد كما لو صرّح به ، ولأنّه بيع فاسد فلا يعود صحيحا كما لو باع درهما بدرهمين ثمّ ترك أحدهما . وفي باب الرّهن قال : لو بطل العقد لما عاد صحيحا . وفي شرح منتهى الإرادات : العقد الفاسد لا ينقلب صحيحاً .
وعند المالكيّة يصحّ العقد إذا حذف الشّرط المفسد للعقد ، سواء أكان شرطا ينافي مقتضى العقد ، أم كان شرطا يخلّ بالثّمن في البيع ، إلّا أربعة شروط فلا يصحّ البيع معها ولو حذف الشّرط ، وهي :
أ - من ابتاع سلعة بثمن مؤجّل على أنّه إن مات فالثّمن صدقة عليه ، فإنّه يفسخ البيع ولو أسقط هذا الشّرط لأنّه غرر ، وكذا لو شرط : إن مات فلا يطالب البائع ورثته بالثّمن .
ب - شرط ما لا يجوز من أمد الخيار، فيلزم فسخه وإن أسقط لجواز كون إسقاطه أخذاً به. ج - من باع أمة وشرط على المبتاع أن لا يطأها ، وأنّه إن فعل فهي حرّة ، أو عليه دينار مثلا ، فيفسخ ولو أسقط الشّرط لأنّه يمين .
د - شرط الثّنيا يفسد البيع ولو أسقط الشّرط . وزاد ابن الحاجب شرطا خامسا وهو :
هـ - شرط النّقد ( أي تعجيل الثّمن ) في بيع الخيار قال ابن الحاجب : لو أسقط شرط النّقد فلا يصحّ . وفي الإجارة جاء في الشّرح الصّغير : تفسد الإجارة بالشّرط الّذي يناقض مقتضى العقد ، ومحلّ الفساد إن لم يسقط الشّرط ، فإن أسقط الشّرط صحّت .
ويوضّح ابن رشد سبب اختلاف الفقهاء في صحّة العقد بارتفاع المفسد أو عدم صحّته . فيقول : هل إذا لحق الفساد بالبيع من قبل الشّرط يرتفع الفساد إذا ارتفع الشّرط ، أو لا يرتفع ؟ كما لا يرتفع الفساد اللاحق للبيع الحلال من أجل اقتران المحرّم العين به ، كمن باع غلاما بمائة دينار وزقّ خمر ، فلمّا عقد البيع قال : أدّع الزّقّ . وهذا البيع مفسوخ عند العلماء بإجماع . وهذا أيضا ينبني على أصل آخر . هو : هل هذا الفساد معقول المعنى أو غير معقول ؟ فإن قلنا : هو غير معقول المعنى ، لم يرتفع الفساد بارتفاع الشّرط .
وإن قلنا : معقول ، ارتفع الفساد بارتفاع الشّرط . فمالك رآه معقولا ، والجمهور رأوه غير معقول ، والفساد الّذي يوجد في بيوع الرّبا والغرر هو أكثر ذلك غير معقول المعنى ، ولذلك ليس ينعقد عندهم أصلا ، وإن ترك الرّبا بعد البيع وارتفع الغرر .
12 - ويفرّق الحنفيّة بين العقد الباطل والعقد الفاسد فيصحّ عندهم - خلافا لزفر - تصحيح العقد الفاسد ، بارتفاع المفسد دون الباطل ، ويقولون في عقد البيع : إنّ ارتفاع المفسد في الفاسد يردّه صحيحاً ، لأنّ البيع قائم مع الفساد ، ومع البطلان لم يكن قائماً بصفة البطلان ، بل كان معدوماً . وعند زفر : العقد الفاسد لا يحتمل الجواز برفع المفسد .
لكنّ تصحيح العقد الفاسد عند الحنفيّة مقيّد بما إذا كان الفساد ضعيفا . يقول الكاسانيّ : الأصل عندنا أنّه ينظر إلى الفساد ، فإن كان قويّا بأن دخل في صلب العقد - وهو البدل أو المبدل - لا يحتمل الجواز برفع المفسد ، كما إذا باع عبدا ألف درهم ورطل من خمر ، فحطّ الخمر عن المشتري فهو فاسد ولا ينقلب صحيحاً .
وإن كان الفساد ضعيفاً ، وهو ما لم يدخل في صلب العقد ، بل في شرط جائز يحتمل الجواز برفع المفسد ، كما في البيع بشرط خيار لم يوقّت ، أو وقّت إلى وقت مجهول كالحصاد ، أو لم يذكر الوقت ، وكما في البيع بثمن مؤجّل إلى أجل مجهول ، فإذا أسقط الأجل من له الحقّ فيه قبل حلوله وقبل فسخه جاز البيع لزوال المفسد ، ولو كان إسقاط الأجل بعد الافتراق على ما حرّره ابن عابدين .
وعلى هذا سائر البياعات الفاسدة بسبب ضرر يلحق بالبائع في التّسليم إذا سلّم البائع برضاه واختياره - كما إذا باع جذعا له في سقف ، أو آجرّا له في حائط ، أو ذراعا في ديباج - أنّه لا يجوز لأنّه لا يمكنه تسليمه إلّا بالنّزع والقطع ، وفيه ضرر بالبائع ، والضّرر غير مستحقّ بالعقد ، فكان هذا على التّقدير بيع ما لا يجب تسليمه شرعا ، فيكون فاسدا . فإن نزعه البائع أو قطعه وسلّمه إلى المشتري قبل أن يفسخ المشتري البيع جاز البيع ، لأنّ المانع من الجواز ضرر البائع بالتّسليم ، فإذا سلّم باختياره ورضاه فقد زال المانع ، فجاز البيع ولزم . وعلى هذا سائر العقود الفاسدة عند الحنفيّة طبقا لقاعدة : إذا زال المانع مع وجود المقتضي عاد الحكم . ومن ذلك أنّ هبة المشاع فاسدة ، فإن قسّمه وسلّمه جاز . واللّبن في الضّرع ، والصّوف على ظهر الغنم ، والزّرع والنّخل في الأرض ، والتّمر في النّخيل بمنزلة المشاع ، لأنّها موجودة ، وامتناع الجواز للاتّصال ، فإذا فصّلها وسلّمها جاز لزوال المانع . ومثل ذلك : إذا رهن الأرض بدون البناء ، أو بدون الزّرع والشّجر ، أو رهن الزّرع والشّجر بدون الأرض ، أو رهن الشّجر بدون الثّمر ، أو رهن الثّمر بدون الشّجر أنّه لا يجوز ، لأنّ المرهون متّصل بما ليس بمرهون ، وهذا يمنع صحّة القبض . ولو جذّ الثّمر وحصد الزّرع وسلّم منفصلا جاز لزوال المانع .
تصحيح العقد باعتباره عقداً آخر :
13 - هذا ، ويمكن تصحيح العقد الفاسد إذا أمكن تحويله إلى عقد آخر صحيح لتوافر أسباب الصّحّة فيه ، سواء أكانت الصّحّة عن طريق المعنى عند بعض الفقهاء ، أم عن طريق اللّفظ عند البعض الآخر نظراً لاختلافهم في قاعدة " هل العبرة بصيغ العقود أو معانيها " . ونوضّح ذلك بالأمثلة الآتية :
14 - في الأشباه لابن نجيم : الاعتبار للمعنى لا للألفاظ ، صرّحوا به في مواضع منها : الكفالة ، فهي بشرط براءة الأصيل حوالة ، وهي بشرط عدم براءته كفالة .
وفي الاختيار : شركة المفاوضة يشترط فيها أن يتساوى الشّريكان في التّصرّف والدّين والمال الّذي تصحّ فيه الشّركة . . فلا تنعقد المفاوضة بين المسلم والذّمّيّ عند أبي حنيفة ومحمّد ، فإذا عقد المسلم والذّمّيّ المفاوضة صارت عنانا عندهما ، لفوات شرط المفاوضة ووجود شرط العنان ، وكذلك كلّ ما فات من شرائط المفاوضة يجعل عنانا إذا أمكن ، تصحيحاً لتصرّفهما بقدر الإمكان .
وفي الاختيار أيضاً : عقد المضاربة ، إن شرط فيه الرّبح للمضارب فهو قرض ، لأنّ كلّ ربح لا يملك إلّا بملك رأس المال ، فلمّا شرط له جميع الرّبح فقد ملّكه رأس المال ، وإن شرط الرّبح لربّ المال كان إبضاعا ، وهذا معناه عرفاً وشرعاً .
وجاء في منح الجليل : من أحال على من ليس له عليه دين ، وأعلم المحال ، صحّ عقد الحوالة ، فإن لم يعلمه لم تصحّ ، وتنقلب حمالة أي كفالة . وفي أشباه السّيوطيّ : هل العبرة بصيغ العقود أو معانيها ؟ خلاف . التّرجيح مختلف في الفروع .
ومن ذلك : إذا قال : أنت حرّ غدا على ألف . إن قلنا : بيع فسد ولا تجب قيمة العبد ، وإن قلنا : عتق بعوض ، صحّ ووجب المسمّى .
ومنها : لو باع المبيع للبائع قبل قبضه بمثل الثّمن الأوّل ، فهو إقالة بلفظ البيع ، وخرّجه السّبكيّ على القاعدة ، والتّخريج للقاضي حسين قال : إن اعتبرنا اللّفظ لم يصحّ ، وإن اعتبرنا المعنى فإقالة .
ثالثاً - تصحيح العبادة إذا طرأ عليها ما يفسدها :
15 - من الأمور الّتي تطرأ على العبادة ما لا يمكن إزالته أو تلافيه كالأكل والشّرب والكلام والحدث والجماع ، فهذه الأمور لا يمكن تلافيها، وهي تعتبر من مفسدات العبادة في الجملة. هذا مع اختلاف الفقهاء في التّفصيل فيها بين القليل والكثير ، وبين العمد والسّهو والجهل ، وما هو معفوّ عنه أو غير معفوّ عنه . فإذا طرأ شيء من ذلك على العبادة ففسدت فعلا - عند من يعتبر ذلك مفسدا - فلا مجال لتصحيح هذه العبادة ، ويلزم إعادتها إن اتّسع وقتها ، أو قضاؤها إن خرج الوقت . وينظر تفصيل ذلك في : ( إعادة - قضاء ) .
والكلام هنا إنّما هو فيما يطرأ على العبادة ممّا يعتبر من المفسدات مع إمكان إزالة المفسد أو تلافيه لتصحّ العبادة ، مثل طروء النّجاسة أو كشف العورة وما شابه ذلك .
والفقهاء متّفقون في الجملة على : أنّه إذا طرأ على العبادة ما شأنه أن يفسدها لو استمرّ وأمكن تلافيه وإزالته وجب فعل ذلك لتصحيح العبادة . ونظراً لتعذّر حصر مثل هذه المسائل لكثرة فروعها في أبواب العبادة المختلفة ، فيكتفى بذكر بعض الأمثلة الّتي توضّح ذلك :
16 - من اجتهد في معرفة القِبلة ، وتغيّر اجتهاده أثناء الصّلاة استدار إلى الجهة الثّانية الّتي تغيّر اجتهاده إليها ، وبنى على ما مضى من صلاته .
وكذلك إذا اجتهد فأخطأ ، وبان له يقين الخطأ وهو في الصّلاة ، بمشاهدة أو خبر عن يقين فإنّه يستدير إلى جهة الصّواب ويبني على ما مضى .
والدّليل على ذلك أنّ أهل قباء لمّا بلغهم نسخ القبلة وهم في صلاة الفجر استداروا إليها ،
« واستحسن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فعل أهل قباء ، ولم يأمرهم بالإعادة » .
وينظر تفصيل ذلك في : ( استقبال - قبلة - صلاة ) .
17 - من وقعت عليه نجاسة يابسة - وهو في الصّلاة - فأزالها سريعاً صحّت صلاته ، لحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال : « بينما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلّي بأصحابه ، إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره ، فلمّا رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم ، فلمّا قضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلاته قال : ما حملكم على إلقاء نعالكم ؟ . قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا . فقال صلى الله عليه وسلم : إنّ جبريل أتاني ، فأخبرني أنّ فيهما قذراً » . وينظر تفصيل ذلك في : ( نجاسة - صلاة ) .
18 - من انكشفت عورته وهو في الصّلاة - بأن أطارت الرّيح سترته فانكشفت عورته - فإن أعادها سريعاً صحّت صلاته .
ولو صلّى عرياناً لعدم وجود سترة ، ثمّ وجد سترة قريبة منه ستر بها ما وجب ستره ، وبنى على ما مضى من صلاته ، قياساً على أهل قباء لمّا علموا بتحويل القبلة استداروا إليها وأتمّوا صلاتهم . وينظر تفصيل ذلك في : ( عورة - صلاة ) .
19 - إن خفّ في الصّلاة معذور بعذر مسوّغ للاستناد أو الجلوس أو الاضطجاع انتقل للأعلى ، كمستند قدر على الاستقلال ، وجالس قدر على القيام انتقل وجوباً ، فإن تركه بطلت صلاته . وينظر تفصيل ذلك في : ( عذر - صلاة ) .
20 - من علم في أثناء طوافه بنجس في بدنه أو ثوبه طرحه أو غسلهما ، وبنى على ما تقدّم من طوافه إن لم يطل ، وإلا بطل طوافه لعدم الموالاة .
وينظر تفصيل ذلك في ( طواف ) .
21 - هذا ، ومن تصحيح العبادة ما يدخل تحت قاعدة : بطلان الخصوص لا يبطل العموم . جاء في المنثور : لو تحرّم بالفرض منفردا فحضرت جماعة ، قال الشّافعيّ : أحببت أن يسلّم من ركعتين وتكون نافلة ، ويصلّي الفرض ، فصحّح النّفل مع إبطال الفرض .
وإذا تحرّم بالصّلاة المفروضة قبل وقتها ظانّا دخوله بطل خصوص كونها ظهرا ، ويبقى عموم كونها نفلا في الأصحّ .