ابن عامر الشامي
وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
- إنضم
- 20 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 10,237
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المملكة المغربية
- احفظ من كتاب الله
- بين الدفتين
- احب القراءة برواية
- رواية حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- سعود الشريم
- الجنس
- اخ
ما تراه المرأة من الدّم بين الولادتين : إن كانت حاملاً بتوأمين :
23 - التّوأم : اسم ولدٍ إذا كان معه آخر في بطنٍ واحدٍ ، فالتّوأمان هما الولدان في بطنٍ واحدٍ إذا كان بينهما أقلّ من ستّة أشهرٍ ، يقال لكلّ واحدٍ توأمٌ ، وللأنثى توأمةٌ . فإن كان بين الأوّل والثّاني أقلّ من ستّة أشهرٍ فالدّم الّذي تراه النّفساء بين الولادتين دمٌ صحيحٌ ، أي نفاسٌ في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمّدٍ وزفر دمٌ فاسدٌ أي استحاضةٌ ، وذلك بناءً على أنّ المرأة إذا ولدت وفي بطنها ولدٌ آخر ، فالنّفاس من الولد الأوّل عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمّدٍ وزفر من الولد الثّاني ، وانقضاء العدّة بالولد الثّاني بالإجماع . وجه قول محمّدٍ وزفر : أنّ النّفاس يتعلّق بوضع ما في البطن ، كانقضاء العدّة ، فيتعلّق بالولد الأخير ، وهذا لأنّها لا تزال حبلى ، وكما لا يتصوّر انقضاء عدّة الحمل بدون وضع الحمل ، لا يتصوّر وجود النّفاس من الحبلى ؛ لأنّ النّفاس بمنزلة الحيض ، فكان الموجود قبل وضع الولد الثّاني نفاساً من وجهٍ دون وجهٍ ، فلا تسقط الصّلاة عنها بالشّكّ . ولأبي حنيفة وأبي يوسف : أنّ النّفاس إن كان دماً يخرج عقيب الولادة فقد وجد بولادة الأوّل ، بخلاف انقضاء العدّة ؛ لأنّه يتعلّق بفراغ الرّحم ولم يوجد ، وبقاء الولد الثّاني في البطن لا ينافي النّفاس . ويتّفق الحنابلة في إحدى الرّوايتين مع الشّيخين ، وفي الرّواية الثّانية مع محمّدٍ وزفر وذكر أبو الخطّاب أنّ أوّل النّفاس من الولد الأوّل . وتبدأ للثّاني بنفاسٍ جديدٍ .
24 - وعند المالكيّة : الدّم الّذي بين التّوأمين نفاسٌ ، وقيل حيضٌ ، والقولان في المدوّنة . وعند الشّافعيّة : ثلاثة أوجهٍ كالّتي رويت عن الحنابلة .
أحكام المستحاضة :
25 - دم الاستحاضة حكمه كالرّعاف الدّائم ، أو كسلس البول ، حيث تطالب المستحاضة بأحكامٍ خاصّةٍ تختلف عن أحكام الأصحّاء ، وعن أحكام الحيض والنّفاس ، وهي :
أ - يجب ردّ دم الاستحاضة ، أو تخفيفه إذا تعذّر ردّه بالكلّيّة ، وذلك برباطٍ أو حشوٍ أو بالقيام أو بالقعود ، كما إذا سال أثناء السّجود ولم يسل بدونه ، فتومئ من قيامٍ أو من قعودٍ ، وكذا لو سال الدّم عند القيام صلّت من قعودٍ ؛ لأنّ ترك السّجود أو القيام أو القعود أهون من الصّلاة مع الحدث . وهكذا إذا كانت المستحاضة تستطيع منع سيلان الدّم بالاحتشاء فيلزمها ذلك ، فإذا نفذت البلّة أو أخرجت الحشوة المبتلّة انتقض وضوءها . فإذا ردّت المستحاضة الدّم بسببٍ من الأسباب المذكورة أو نحوها خرجت عن أن تكون صاحبة عذرٍ . واعتبر المالكيّة المستحاضة صاحبة عذرٍ كمن به سلسٌ ، فإذا فارقها الدّم أكثر زمن وقت الصّلاة لم تعدّ صاحبة عذرٍ . ونصّ المالكيّة على أنّها إذا رأت الدّم عند الوضوء فإذا قامت ذهب عنها ، قال مالكٌ : تشدّ ذلك بشيءٍ ولا تترك الصّلاة . ويستثنى من وجوب الشّدّ أو الاحتشاء أمران : الأوّل : أن تتضرّر المستحاضة من الشّدّ أو الاحتشاء . الثّاني : أن تكون صائمةً فتترك الاحتشاء نهاراً لئلاّ يفسد صومها . وإذا قامت المستحاضة ومن في حكمها من المعذورين بالشّدّ أو الاحتشاء ثمّ خرج الدّم رغم ذلك ولم يرتدّ ، أو تعذّر ردّه واستمرّ وقت صلاةٍ كاملٍ ، فلا يمنع خروج الدّم أو وجوده من صحّة الطّهارة والصّلاة ، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : « قالت فاطمة بنت أبي حبيشٍ لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم : إنّي امرأةٌ أستحاض فلا أطهر ، أفأدع الصّلاة ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : إنّ ذلك عرقٌ ، وليس بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصّلاة ، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدّم وصلّي » ، وفي روايةٍ : « توضّئي لكلّ صلاةٍ » ، وفي روايةٍ : « توضّئي لوقت كلّ صلاةٍ » ، وفي روايةٍ أخرى : « وإن قطر الدّم على الحصير » . وذكر الحنفيّة للمستحاضة ولغيرها من المعذورين ثلاثة شروطٍ : الأوّل : شرط الثّبوت : حيث لا يصير من ابتلي بالعذر معذوراً ، ولا تسري عليه أحكام المعذورين ، حتّى يستوعبه العذر وقتاً كاملاً لصلاةٍ مفروضةٍ ولو حكماً ، وليس فيه انقطاعٌ - في جميع ذلك الوقت - زمناً بقدر الطّهارة والصّلاة ، وهذا شرطٌ متّفقٌ عليه بين الفقهاء . الثّاني : شرط الدّوام ، وهو أن يوجد العذر في كلّ وقتٍ آخر ، سوى الوقت الأوّل الّذي ثبت به العذر ولو مرّةً واحدةً . الثّالث : شرط الانقطاع ، وبه يخرج صاحبه عن كونه معذوراً ، وذلك بأن يستمرّ الانقطاع وقتاً كاملاً فيثبت له حينئذٍ حكم الأصحّاء من وقت الانقطاع .
ما تمتنع عنه المستحاضة :
26 - قال البركويّ من علماء الحنفيّة : الاستحاضة حدثٌ أصغر كالرّعاف . فلا تسقط بها الصّلاة ولا تمنع صحّتها أي على سبيل الرّخصة للضّرورة ، ولا تحرّم الصّوم فرضاً أو نفلاً ، ولا تمنع الجماع - لحديث حمنة : أنّها كانت مستحاضةً وكان زوجها يأتيها - ولا قراءة قرآنٍ ، ولا مسّ مصحفٍ ، ولا دخول مسجدٍ ، ولا طوافاً إذا أمنت التّلويث . وحكم الاستحاضة كالرّعاف الدّائم ، فتطالب المستحاضة بالصّلاة والصّوم . وكذلك الشّافعيّة ، والحنابلة ، قالوا : لا تمنع المستحاضة عن شيءٍ ، وحكمها حكم الطّاهرات في وجوب العبادات ، واختلف عن أحمد في الوطء ، فهناك روايةٌ أخرى عنه بالمنع كالحيض ما لم يخف على نفسه الوقوع في محظورٍ . وقال المالكيّة كما في الشّرح الصّغير : هي طاهرٌ حقيقةً . وهذا في غير المستحاضة المتحيّرة ، فإنّ لها أحكاماً خاصّةً تنظر تحت عنوان ( متحيّرةٌ ) .
طهارة المستحاضة :
27 - يجب على المستحاضة عند الشّافعيّة ، والحنابلة الاحتياط في طهارتي الحدث والنّجس ، فتغسل عنها الدّم ، وتحتشي بقطنةٍ أو خرقةٍ دفعاً للنّجاسة أو تقليلاً لها ، فإن لم يندفع الدّم بذلك وحده تحفّظت بالشّدّ والتّعصيب . وهذا الفعل يسمّى استثفاراً وتلجّماً ، وسمّاه الشّافعيّ التّعصيب . قال الشّافعيّة : وهذا الحشو والشّدّ واجبٌ إلاّ في موضعين : أحدهما أن تتأذّى بالشّدّ . والثّاني : أن تكون صائمةً فتترك الحشو نهاراً وتقتصر على الشّدّ والتّلجّم فإذا استوثقت على الصّفة المذكورة ، ثمّ خرج دمها بلا تفريطٍ لم تبطل طهارتها ولا صلاتها 28 - وأمّا إذا خرج الدّم لتقصيرها في التّحفّظ فإنّه يبطل طهرها . وأمّا عند الحنفيّة فيجب على المعذور ردّ عذره ، أو تقليله إن لم يمكن ردّه بالكلّيّة . وبردّه لا يبقى ذا عذرٍ . أمّا إن كان لا يقدر على الرّبط أو منع النّشّ فهو معذورٌ . وأمّا غسل المحلّ وتجديد العصابة والحشو لكلّ فرضٍ ، فقال الشّافعيّة : ينظر إن زالت العصابة عن موضعها زوالاً له تأثيرٌ ، أو ظهر الدّم على جوانبها ، وجب التّجديد بلا خلافٍ ؛ لأنّ النّجاسة كثرت وأمكن تقليلها والاحتراز عنها . فإن لم تزل العصابة عن موضعها ولا ظهر الدّم ، فوجهان عند الشّافعيّة ، أصحّهما : وجوب التّجديد كما يجب تجديد الوضوء ، والثّاني : إذ لا معنى للأمر بإزالة النّجاسة مع استمرارها ، بخلاف الأمر بتجديد طهارة الحدث مع استمراره فإنّه معهودٌ في التّيمّم . وعند الحنابلة لا يلزمها إعادة الغسل والعصب لكلّ صلاةٍ إن لم تفرّط ، قالوا : لأنّ الحدث مع قوّته وغلبته لا يمكن التّحرّز منه ، ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت « اعتكف مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم امرأةٌ من أزواجه ، فكانت ترى الدّم والصّفرة والطّست تحتها وهي تصلّي » رواه البخاريّ .
ب - حكم ما يسيل من دم المستحاضة على الثّوب :
28ـ إذا أصاب الثّوب من الدّم مقدار مقعّر الكفّ فأكثر وجب عند الحنفيّة غسله ، إذا كان الغسل مفيداً ، بأن كان لا يصيبه مرّةً بعد أخرى ، حتّى لو لم تغسل وصلّت لا يجوز ، وإن لم يكن مفيداً لا يجب ما دام العذر قائماً . أي إن كان لو غسلت الثّوب تنجّس ثانياً قبل الفراغ من الصّلاة ، جاز ألاّ تغسل ؛ لأنّ في إلزامها التّطهير مشقّةً وحرجاً . وإن كان لو غسلته لا يتنجّس قبل الفراغ من الصّلاة ، فلا يجوز لها أن تصلّي مع بقائه ، إلاّ في قولٍ مرجوحٍ . وعند الشّافعيّة إذا تحفّظت لم يضرّ خروج الدّم ، ولو لوّث ملبوسها في تلك الصّلاة خاصّةً . ولا يضرّ كذلك عند الحنابلة ؛ لقولهم : إن غلب الدّم وقطر بعد ذلك لم تبطل طهارتها .
متى يلزم المستحاضة أن تغتسل :
29 - نقل صاحب المغني في ذلك أقوالاً : الأوّل : تغتسل عندما يحكم بانقضاء حيضها أو نفاسها . وليس عليها بعد ذلك إلاّ الوضوء ويجزيها ذلك . وهذا رأي جمهور العلماء . « لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيشٍ : إنّما ذلك عرقٌ وليست بالحيضة ، فإذا أقبلت فدعي الصّلاة ، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدّم وصلّي ، وتوضّئي لكلّ صلاةٍ » قال التّرمذيّ : هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ . ولحديث عديّ بن ثابتٍ عن أبيه عن جدّه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال في المستحاضة : تدع الصّلاة أيّام أقرائها ثمّ تغتسل وتصلّي ، وتتوضّأ لكلّ صلاةٍ » . الثّاني : أنّها تغتسل لكلّ صلاةٍ . روي ذلك عن عليٍّ وابن عمر وابن عبّاسٍ وابن الزّبير ، وهو أحد قولي الشّافعيّ في المتحيّرة ؛ لأنّ عائشة روت « أنّ أمّ حبيبة استحيضت ، فأمرها النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن تغتسل لكلّ صلاةٍ » متّفقٌ عليه . إلاّ أنّ أصحاب القول الأوّل قالوا : إنّ ذكر الوضوء لكلّ صلاةٍ زيادةٌ يجب قبولها . ومن هنا قال المالكيّة والحنابلة : يستحبّ لها أن تغتسل لكلّ صلاةٍ . ويكون الأمر في الحديث للاستحباب . الثّالث : أنّها تغتسل لكلّ يومٍ غسلاً واحداً ، روي هذا عن عائشة وابن عمر وسعيد بن المسيّب . الرّابع : تجمع بين كلّ صلاتي جمعٍ بغسلٍ واحدٍ ، وتغتسل للصّبح .
وضوء المستحاضة وعبادتها :
30 - قال الشّافعيّ : تتوضّأ المستحاضة لكلّ فرضٍ وتصلّي ما شاءت من النّوافل ، لحديث فاطمة بنت أبي حبيشٍ السّابق ؛ ولأنّ اعتبار طهارتها ضرورةٌ لأداء المكتوبة ، فلا تبقى بعد الفراغ منها . وقال مالكٌ في أحد قولين : تتوضّأ لكلّ صلاةٍ ، واحتجّ بالحديث المذكور . فمالكٌ عمل بمطلق اسم الصّلاة ، والشّافعيّ قيّده بالفرض ؛ لأنّ الصّلاة عند الإطلاق تنصرف إلى الفرض ، والنّوافل أتباع الفرائض ؛ لأنّها شرعت لتكميل الفرائض جبراً للنّقصان المتمكّن فيها ، فكانت ملحقةً بأجزائها ، والطّهارة الواقعة لصلاةٍ مفروضةٍ واقعةٌ لها بجميع أجزائها ، بخلاف فرضٍ آخر لأنّه ليس بتبعٍ ، بل هو أصلٌ بنفسه . والقول الثّاني للمالكيّة : أنّ تجديد الوضوء لوقت كلّ صلاةٍ مستحبٌّ ، وهو طريقة العراقيّين من المالكيّة . وعند الحنفيّة والحنابلة : تتوضّأ المستحاضة وأمثالها من المعذورين لوقت كلّ صلاةٍ مفروضةٍ ، وتصلّي به في الوقت ما شاءت من الفرائض والنّذور والنّوافل والواجبات ، كالوتر والعيد وصلاة الجنازة والطّواف ومسّ المصحف . واستدلّ الحنفيّة بقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيشٍ : « وتوضّئي لوقت كلّ صلاةٍ » . ولا ينتقض وضوء المستحاضة بتجدّد العذر ، بعد أن يكون الوضوء في حال سيلان الدّم . قال الحنفيّة : فلو توضّأت مع الانقطاع ثمّ سال الدّم انتقض الوضوء . ولو توضّأت من حدثٍ آخر - غير العذر - في فترة انقطاع العذر ، ثمّ سال الدّم انتقض الوضوء أيضاً . وكذا لو توضّأت من عذر الدّم ، ثمّ أحدثت حدثاً آخر انتقض الوضوء . بيان ذلك : لو كان معها سيلانٌ دائمٌ مثلاً ، وتوضّأت له ، ثمّ أحدثت بخروج بولٍ انتقض الوضوء .
31 - ثمّ اختلف الحنفيّة في طهارة المستحاضة ، هل تنتقض عند خروج الوقت ؟ أم عند دخوله ؟ أم عند كلٍّ من الخروج والدّخول ؟ قال أبو حنيفة ومحمّدٌ : تنتقض عند خروج الوقت لا غير ؛ لأنّ طهارة المعذور مقيّدةٌ بالوقت فإذا خرج ظهر الحدث . وقال زفر : عند دخول الوقت لا غير ، وهو ظاهر كلام أحمد ؛ لحديث « توضّئي لكلّ صلاةٍ » وفي روايةٍ « لوقت كلّ صلاةٍ » . وقال أبو يوسف : عند كلٍّ منهما ، أي للاحتياط . وهو قول أبي يعلى من الحنابلة . وثمرة الخلاف تظهر في موضعين : أحدهما : أن يوجد الخروج بلا دخولٍ ، كما إذا توضّأت في وقت الفجر ثمّ طلعت الشّمس ، فإنّ طهارتها تنتقض عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّدٍ لوجود الخروج ، وعند زفر وأحمد لا تنتقض لعدم دخول الوقت ؛ لأنّ من طلوع الشّمس إلى الظّهر ليس بوقت صلاةٍ ، بل هو وقتٌ مهملٌ . والثّاني : أن يوجد الدّخول بلا خروجٍ ، كما إذا توضّأت قبل الزّوال ثمّ زالت الشّمس ، فإنّ طهارتها لا تنتقض عند أبي حنيفة ومحمّدٍ لعدم الخروج ، وعند أبي يوسف وزفر وأحمد تنتقض لوجود الدّخول . فلو توضّأت لصلاة الضّحى أو لصلاة العيد فلا يجوز لها أن تصلّي الظّهر بتلك الطّهارة ، على قول أبي يوسف وزفر وأحمد ، بل تنتقض الطّهارة لدخول وقت الظّهر . وأمّا على قول أبي حنيفة ومحمّدٍ فتجوز لعدم خروج الوقت . أمّا عند الشّافعيّة فينتقض وضوءها بمجرّد أداء أيّ فرضٍ ، ولو لم يخرج الوقت أو يدخل كما تقدّم . وأمّا عند المالكيّة فهي طاهرٌ حقيقةً على ما سبق .
برء المستحاضة وشفاؤها :
32 - عند الشّافعيّة إذا انقطع دم المستحاضة انقطاعاً محقّقاً حصل معه برؤها وشفاؤها من علّتها ، وزالت استحاضتها ، نظر : إن حصل هذا خارج الصّلاة :
أ - فإن كان بعد صلاتها ، فقد مضت صلاتها صحيحةً ، وبطلت طهارتها فلا تستبيح بها بعد ذلك نافلةً .
ب - وإن كان ذلك قبل الصّلاة بطلت طهارتها ، ولم تستبح تلك الصّلاة ولا غيرها . أمّا إذا حصل الانقطاع في نفس الصّلاة ففيه قولان : أحدهما : بطلان طهارتها وصلاتها . والثّاني : لا تبطل كالتّيمّم . والرّاجح الأوّل . وإذا تطهّرت المستحاضة وصلّت فلا إعادة عليها . ولا يتصوّر هذا التّفصيل عند الحنفيّة ؛ لأنّهم يعتبرونها معذورةً لوجود العذر في الوقت ولو لحظةً كما سبق . ولا يتصوّر هذا عند المالكيّة أيضاً ؛ لأنّها طاهرٌ حقيقةً . أمّا الحنابلة فعندهم تفصيلٌ . قالوا : إن كان لها عادةٌ بانقطاعٍ زمناً يتّسع للوضوء والصّلاة تعيّن فعلهما فيه . وإن عرض هذا الانقطاع لمن عادتها الاتّصال بطلت طهارتها ، ولزم استئنافها . فإن وجد الانقطاع قبل الدّخول في الصّلاة لم يجز الشّروع فيها . وإن عرض الانقطاع في أثناء الصّلاة أبطلها مع الوضوء . ومجرّد الانقطاع يوجب الانصراف إلاّ أن يكون لها عادةٌ بانقطاعٍ يسيرٍ . ولو توضّأت ثمّ برئت بطل وضوءها إن وجد منها دمٌ بعد الوضوء .
عدّة المستحاضة :
33 - سبقت الإشارة إلى بعض أحكامها . وتفصيل ذلك في مصطلح ( عدّةٌ ) .
*استحالةٌ
التّعريف
1 - من معاني الاستحالة لغةً : تغيّر الشّيء عن طبعه ووصفه ، أو عدم الإمكان . ولا يخرج استعمال الفقهاء والأصوليّين للفظ ( استحالةٍ ) عن هذين المعنيين اللّغويّين .
الحكم الإجماليّ وموطن البحث :
يختلف الحكم تبعاً للاستعمالات الفقهيّة أو الأصوليّة :
2 - الاستعمال الفقهيّ الأوّل : بمعنى تحوّل الشّيء وتغيّره عن وصفه . ومن ذلك استحالة العين النّجسة . وبم تكون الاستحالة ؟ الأعيان النّجسة ، كالعذرة ، والخمر ، والخنزير ، قد تتحوّل عن أعيانها وتتغيّر أوصافها ، وذلك بالاحتراق أو بالتّخليل ، أو بالوقوع في شيءٍ طاهرٍ ، كالخنزير يقع في الملاحة ، فيصير ملحاً . وقد اتّفق الفقهاء على طهارة الخمر باستحالتها بنفسها خلاًّ ، ويختلفون في طهارتها بالتّخليل . أمّا النّجاسات الأخرى الّتي تتحوّل عن أصلها فقد اختلفوا في طهارتها . ويفصّل ذلك الفقهاء في مبحث الأنجاس ، وكيفيّة تطهيرها ، فمن يحكم بطهارتها يقول : إنّ استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتّب عليها عند بعض الفقهاء . ويرتّبون على ذلك فروعاً كثيرةً ، تفصيلها في مصطلح ( تحوّلٌ ) .
3 - الاستعمال الفقهيّ الثّاني : بمعنى عدم إمكان الوقوع . ومن ذلك استحالة وقوع المحلوف عليه ، أو استحالة الشّرط الّذي علّق عليه الطّلاق ونحوه . فمن الشّرائط الّتي ذكرها الفقهاء في المحلوف عليه : ألاّ يكون مستحيل التّحقّق عقلاً أو عادةً ، أي بأن يكون متصوّر الوجود حقيقةً أو عادةً ، ويضربون لذلك أمثلةً ، كمن يحلف : لأشربنّ الماء الّذي في الكوز ، ولا ماء فيه ، وهذا في المستحيل حقيقةً . وكحلفه ليصعدنّ إلى السّماء ، فهو مستحيلٌ عادةً . وهم يختلفون في الحنث وعدمه ، والكفّارة وعدمها ، وهل يكون ذلك في يمين البرّ أو الحنث ؟ وهل الحكم يستوي في ذلك إن كانت اليمين مؤقّتةً أو مطلقةً ؟ ويفصّل الفقهاء ذلك في مسائل الأيمان ، ومسائل الطّلاق ، ومسائل العتق .
الاستعمال الأصوليّ :
4 - يستعمل الأصوليّون لفظ استحالةٍ بمعنى : عدم إمكان الوقوع ، ومن ذلك حكم التّكليف بالمستحيل لذاته أو لغيره وقد اختلف الأصوليّون في جواز التّكليف بالممتنع ، وقسّموه إلى : ممتنعٍ لذاته ، وممتنعٍ لغيره . فالممتنع لذاته ، كالجمع بين الضّدّين . اختار جمهور الأصوليّين أنّه لا يجوز التّكليف به . والمستحيل لغيره إن كانت استحالته عادةً ، كالتّكليف بحمل الجبل ، فالجمهور على جواز التّكليف به عقلاً ، وعدم وقوعه شرعاً . وإن كانت استحالته لعدم تعلّق إرادة اللّه به ، كإيمان أبي جهلٍ ، فالكلّ مجمعٌ على جوازه عقلاً ، ووقوعه شرعاً . وتفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ .
*استحبابٌ
التّعريف
1 - الاستحباب في اللّغة : مصدر استحبّه إذا أحبّه ، ويكون الاستحباب بمعنى الاستحسان ، واستحبّه عليه : آثره . والاستحباب عند الأصوليّين غير الحنفيّة : اقتضاء خطاب اللّه العقل اقتضاءً غير جازمٍ ، بأن يجوز تركه . وضدّه الكراهية .
2 - ويرادف المستحبّ : المندوب والتّطوّع والطّاعة والسّنّة والنّافلة والنّفل والقربة والمرغّب فيه والإحسان والفضيلة والرّغيبة والأدب والحسن . وخالف بعض الشّافعيّة في التّرادف المذكور - كالقاضي حسينٍ وغيره - فقالوا : إنّ الفعل إن واظب عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فهو السّنّة ، وإن لم يواظب عليه - كأن فعله مرّةً أو مرّتين - فهو المستحبّ ، وإن لم يفعله - وهو ما ينشئه الإنسان باختياره من الأوراد - فهو التّطوّع ، ولم يتعرّضوا للمندوب هنا لعمومه للأقسام الثّلاثة بلا شكٍّ . وهذا الخلاف لفظيٌّ ، إذ حاصله أنّ كلاًّ من الأقسام الثّلاثة ، كما يسمّى باسمٍ من الأسماء الثّلاثة كما ذكر ، هل يسمّى بغيره منها ؟ فقال البعض : لا يسمّى ، إذ السّنّة : الطّريقة والعادة ، والمستحبّ : المحبوب ، والتّطوّع : الزّيادة . والأكثر قالوا : نعم يسمّى ، ويصدق على كلٍّ من الأقسام الثّلاثة أنّه طريقةٌ أو عادةٌ في الدّين ، ومحبوبٌ للشّارع بطلبه ، وزائدٌ على الواجب . وذهب الحنفيّة إلى أنّ المستحبّ هو ما فعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم مرّةً وتركه أخرى ، فيكون دون السّنن المؤكّدة كما قال التّهانويّ ، بل دون سنن الزّوائد كما قال أبو البقاء الكفويّ . ويسمّى عندهم بالمندوب لدعاء الشّارع إليه ، وبالتّطوّع لكونه غير واجبٍ ، وبالنّفل لزيادته على غيره . وإنّما سمّي المستحبّ مستحبّاً لاختيار الشّارع إيّاه على المباح . وهم بهذا يقتربون ممّا ذهب إليه القاضي حسينٌ ، لولا أنّهم يختلفون معه في التّطوّع ، حيث يجعلونه مرادفاً للمستحبّ ، ويجعله قسيماً له على ما تقدّم ، ويفرّقون بين المستحبّ وبين السّنّة بأنّها هي : الطّريقة المسلوكة في الدّين من غير التزامٍ على سبيل المواظبة ، فيخرج المستحبّ بالقيد الأخير ، إذ لا مواظبة عليه من قبل النّبيّ عليه الصّلاة والتّسليم . وبعض الحنفيّة لم يفرّق بين المستحبّات وسنن الزّوائد ، فقال : المستحبّ هو الّذي يكون على سبيل العادة ، سواءٌ أترك أحياناً أم لا . وفي نور الأنوار شرح المنار : السّنن الزّوائد في معنى المستحبّ ، إلاّ أنّ المستحبّ ما أحبّه العلماء ، والسّنن الزّوائد ما اعتاده النّبيّ عليه السلام . هذا وقد يطلق المستحبّ على كون الفعل مطلوباً ، طلباً جازماً أو غير جازمٍ ، فيشمل الفرض والسّنّة والنّدب ، وعلى كونه مطلوباً طلباً غير جازمٍ فيشمل الأخيرين فقط . حكم المستحبّ :
3 - ذهب الأصوليّون - من غير الحنفيّة - إلى أنّ المستحبّ يمدح فاعله ويثاب ، ولا يذمّ تاركه ولا يعاقب . وذلك لأنّ ترك المستحبّ جائزٌ . غير أنّ هذا التّرك إن ورد فيه نهيٌ غير جازمٍ نظر : فإن كان مخصوصاً ، كالنّهي في حديث الصّحيحين : « إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتّى يصلّي ركعتين » كان مكروهاً ، وإن كان نهياً غير مخصوصٍ ، وهو النّهي عن ترك المندوبات عامّةً المستفاد من أوامرها ، فإنّ الأمر بالشّيء يفيد النّهي عن تركه ، فيكون خلاف الأولى ، كترك صلاة الضّحى . وذلك لأنّ الطّلب بدليلٍ خاصٍّ آكد من الطّلب بدليلٍ عامٍّ . والمتقدّمون يطلقون المكروه على ذي النّهي المخصوص وغير المخصوص ، وقد يقولون في الأوّل : مكروهٌ كراهةً شديدةً ، كما يقال في المندوب : سنّةٌ مؤكّدةٌ . أمّا الحنفيّة فإنّهم ينصّون على أنّ الشّيء إذا كان مستحبّاً أو مندوباً عندهم وليس سنّةً فلا يكون تركه مكروهاً أصلاً ، ولا يوجب تركه إساءةً أيضاً فلا يوجب عتاباً في الآخرة ، كترك سنن الزّوائد ، بل أولى في عدم الإساءة وعدم استحقاق العتاب ؛ لأنّه دونها في الدّوام والمواظبة ، وإن كان فعله أفضل ولمعرفة ما تبقّى من مباحث الاستحباب ، ككون المستحبّ مأموراً به ، وهل يلزم بالشّروع فيه ؟ يرجع إلى الملحق الأصوليّ .
*استحدادٌ
التّعريف
1 - الاستحداد لغةً : مأخوذٌ من الحديدة ، يقال : استحدّ إذا حلق عانته . استعمل على طريق الكناية والتّورية . والتعريف الاصطلاحيّ لا يفترق عن المعنى اللّغويّ ، حيث عرّفه الفقهاء بقولهم : الاستحداد حلق العانة ، وسمّي استحداداً ، لاستعمال الحديدة وهي : الموسى .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - الإحداد :
2 - الإحداد : مصدر أحدّ . وإحداد المرأة على زوجها تركها للزّينة ، فعلى هذا يكون الاستحداد مخالفاً للإحداد ، ولا يشترك معه في وجهٍ من الوجوه .
ب - التّنوّر :
3 - التّنوّر هو : الطّلاء بالنّورة . يقال : تنوّر . تطلّى بالنّورة ليزيل الشّعر . والنّورة من الحجر الّذي يحرق ، ويسوّى من الكلس ، ويزال به الشّعر . فعلى هذا يكون الاستحداد أعمّ في الاستعمال من التّنوّر ، لأنّه كما يكون بالحديدة يكون بغيرها كالنّورة وغيرها .
حكمه التّكليفيّ :
4 - اتّفق الفقهاء على أنّ الاستحداد سنّةٌ للرّجال والنّساء على السّواء . وصرّح الشّافعيّة ، والمالكيّة دون غيرهم بالوجوب للمرأة إذا طلب منها زوجها ذلك .
دليل مشروعيّته :
5 - يستدلّ على مشروعيّة الاستحداد بالسّنّة ؛ لما روى سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم « أنّه قال : الفطرة خمسٌ ، أو خمسٌ من الفطرة : الختان ، والاستحداد ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظافر ، وقصّ الشّارب » . ولما روي عن عائشة رضي الله عنها « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : عشرٌ من الفطرة : قصّ الشّارب ، وإعفاء اللّحية ، والسّواك ، والاستنشاق ، وقصّ الأظافر ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء » - قال زكريّا - ( الرّاوي ) : ونسيت العاشرة إلاّ أن تكون المضمضة .
ما يتحقّق به الاستحداد :
6 - اختلف الفقهاء فيما يتحقّق به الاستحداد على أقوالٍ . فقال الحنفيّة : السّنّة الحلق للرّجل ، والنّتف للمرأة . وقال المالكيّة : الحلق للرّجل والمرأة ، ويكره النّتف للمرأة ؛ لأنّه يعدّ من التّنمّص المنهيّ عنه ، وهذا رأي بعض الشّافعيّة . وقال جمهور الشّافعيّة : النّتف للمرأة الشّابّة ، والحلق للعجوز . ونسب هذا الرّأي إلى ابن العربيّ . وقال الحنابلة : لا بأس بالإزالة بأيّ شيءٍ ، والحلق أفضل .
وقت الاستحداد :
7 - يكره تركه بعد الأربعين ، كما أخرجه مسلمٌ من حديث أنسٍ : « وقّت لنا في قصّ الشّارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة ألاّ يترك أكثر من أربعين يوماً » . والضّابط في ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والأزمان والأماكن ، بشرط ألاّ يتجاوز الأربعين يوماً ، وهو التّوقيت الّذي جاء في الحديث الصّحيح .
الاستعانة بالآخرين في الاستحداد :
8 - الأصل عند الفقهاء جميعاً أنّه يحرم على الإنسان ذكراً كان أو أنثى أن يظهر عورته لأجنبيٍّ إلاّ لضرورةٍ . ويرجع إلى تفصيل ذلك في : ( استتارٌ ، وعورةٌ ) . واعتبر الفقهاء حلق العانة لمن لا يستطيع أن يحلقها بالحديدة أو يزيلها بالنّورة ضرورةً .
آداب الاستحداد :
9 - تكلّم الفقهاء على آداب الاستحداد في ثنايا الكلام على الاستحداد ، وخصال الفطرة ، والعورة . فقالوا : يستحبّ أن يبدأ في حلق العانة من تحت السّرّة ، كما يستحبّ أن يحلق الجانب الأيمن ، ثمّ الأيسر ، كما يستحبّ أن يستتر ، وألاّ يلقي الشّعر في الحمّام أو الماء ، وأن يواري ما يزيله من شعرٍ وظفرٍ .
مواراة الشّعر المزال أو إتلافه :
10 - صرّح الفقهاء باستحباب مواراة شعر العانة بدفنه ؛ لما روى الخلاّل بإسناده عن ممل بنت مشرّحٍ الأشعريّة قالت : « رأيت أبي يقلّم أظافره ، ويدفنها ويقول : رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك » . وسئل أحمد ، يأخذ الرّجل من شعره وأظافره أيلقيه أم يدفنه ؟ قال : يدفنه ، قيل : بلغك في ذلك شيءٌ ؟ قال : كان ابن عمر يدفنه . وروي « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بدفن الشّعر والأظافر » ، قال الحافظ ابن حجرٍ : وقد استحبّ أصحابنا دفنها ؛ لكونها أجزاءٍ من الآدميّ ، ونقل ذلك عن ابن عمر وهو متّفقٌ عليه بين المذاهب .
23 - التّوأم : اسم ولدٍ إذا كان معه آخر في بطنٍ واحدٍ ، فالتّوأمان هما الولدان في بطنٍ واحدٍ إذا كان بينهما أقلّ من ستّة أشهرٍ ، يقال لكلّ واحدٍ توأمٌ ، وللأنثى توأمةٌ . فإن كان بين الأوّل والثّاني أقلّ من ستّة أشهرٍ فالدّم الّذي تراه النّفساء بين الولادتين دمٌ صحيحٌ ، أي نفاسٌ في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمّدٍ وزفر دمٌ فاسدٌ أي استحاضةٌ ، وذلك بناءً على أنّ المرأة إذا ولدت وفي بطنها ولدٌ آخر ، فالنّفاس من الولد الأوّل عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمّدٍ وزفر من الولد الثّاني ، وانقضاء العدّة بالولد الثّاني بالإجماع . وجه قول محمّدٍ وزفر : أنّ النّفاس يتعلّق بوضع ما في البطن ، كانقضاء العدّة ، فيتعلّق بالولد الأخير ، وهذا لأنّها لا تزال حبلى ، وكما لا يتصوّر انقضاء عدّة الحمل بدون وضع الحمل ، لا يتصوّر وجود النّفاس من الحبلى ؛ لأنّ النّفاس بمنزلة الحيض ، فكان الموجود قبل وضع الولد الثّاني نفاساً من وجهٍ دون وجهٍ ، فلا تسقط الصّلاة عنها بالشّكّ . ولأبي حنيفة وأبي يوسف : أنّ النّفاس إن كان دماً يخرج عقيب الولادة فقد وجد بولادة الأوّل ، بخلاف انقضاء العدّة ؛ لأنّه يتعلّق بفراغ الرّحم ولم يوجد ، وبقاء الولد الثّاني في البطن لا ينافي النّفاس . ويتّفق الحنابلة في إحدى الرّوايتين مع الشّيخين ، وفي الرّواية الثّانية مع محمّدٍ وزفر وذكر أبو الخطّاب أنّ أوّل النّفاس من الولد الأوّل . وتبدأ للثّاني بنفاسٍ جديدٍ .
24 - وعند المالكيّة : الدّم الّذي بين التّوأمين نفاسٌ ، وقيل حيضٌ ، والقولان في المدوّنة . وعند الشّافعيّة : ثلاثة أوجهٍ كالّتي رويت عن الحنابلة .
أحكام المستحاضة :
25 - دم الاستحاضة حكمه كالرّعاف الدّائم ، أو كسلس البول ، حيث تطالب المستحاضة بأحكامٍ خاصّةٍ تختلف عن أحكام الأصحّاء ، وعن أحكام الحيض والنّفاس ، وهي :
أ - يجب ردّ دم الاستحاضة ، أو تخفيفه إذا تعذّر ردّه بالكلّيّة ، وذلك برباطٍ أو حشوٍ أو بالقيام أو بالقعود ، كما إذا سال أثناء السّجود ولم يسل بدونه ، فتومئ من قيامٍ أو من قعودٍ ، وكذا لو سال الدّم عند القيام صلّت من قعودٍ ؛ لأنّ ترك السّجود أو القيام أو القعود أهون من الصّلاة مع الحدث . وهكذا إذا كانت المستحاضة تستطيع منع سيلان الدّم بالاحتشاء فيلزمها ذلك ، فإذا نفذت البلّة أو أخرجت الحشوة المبتلّة انتقض وضوءها . فإذا ردّت المستحاضة الدّم بسببٍ من الأسباب المذكورة أو نحوها خرجت عن أن تكون صاحبة عذرٍ . واعتبر المالكيّة المستحاضة صاحبة عذرٍ كمن به سلسٌ ، فإذا فارقها الدّم أكثر زمن وقت الصّلاة لم تعدّ صاحبة عذرٍ . ونصّ المالكيّة على أنّها إذا رأت الدّم عند الوضوء فإذا قامت ذهب عنها ، قال مالكٌ : تشدّ ذلك بشيءٍ ولا تترك الصّلاة . ويستثنى من وجوب الشّدّ أو الاحتشاء أمران : الأوّل : أن تتضرّر المستحاضة من الشّدّ أو الاحتشاء . الثّاني : أن تكون صائمةً فتترك الاحتشاء نهاراً لئلاّ يفسد صومها . وإذا قامت المستحاضة ومن في حكمها من المعذورين بالشّدّ أو الاحتشاء ثمّ خرج الدّم رغم ذلك ولم يرتدّ ، أو تعذّر ردّه واستمرّ وقت صلاةٍ كاملٍ ، فلا يمنع خروج الدّم أو وجوده من صحّة الطّهارة والصّلاة ، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : « قالت فاطمة بنت أبي حبيشٍ لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم : إنّي امرأةٌ أستحاض فلا أطهر ، أفأدع الصّلاة ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : إنّ ذلك عرقٌ ، وليس بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصّلاة ، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدّم وصلّي » ، وفي روايةٍ : « توضّئي لكلّ صلاةٍ » ، وفي روايةٍ : « توضّئي لوقت كلّ صلاةٍ » ، وفي روايةٍ أخرى : « وإن قطر الدّم على الحصير » . وذكر الحنفيّة للمستحاضة ولغيرها من المعذورين ثلاثة شروطٍ : الأوّل : شرط الثّبوت : حيث لا يصير من ابتلي بالعذر معذوراً ، ولا تسري عليه أحكام المعذورين ، حتّى يستوعبه العذر وقتاً كاملاً لصلاةٍ مفروضةٍ ولو حكماً ، وليس فيه انقطاعٌ - في جميع ذلك الوقت - زمناً بقدر الطّهارة والصّلاة ، وهذا شرطٌ متّفقٌ عليه بين الفقهاء . الثّاني : شرط الدّوام ، وهو أن يوجد العذر في كلّ وقتٍ آخر ، سوى الوقت الأوّل الّذي ثبت به العذر ولو مرّةً واحدةً . الثّالث : شرط الانقطاع ، وبه يخرج صاحبه عن كونه معذوراً ، وذلك بأن يستمرّ الانقطاع وقتاً كاملاً فيثبت له حينئذٍ حكم الأصحّاء من وقت الانقطاع .
ما تمتنع عنه المستحاضة :
26 - قال البركويّ من علماء الحنفيّة : الاستحاضة حدثٌ أصغر كالرّعاف . فلا تسقط بها الصّلاة ولا تمنع صحّتها أي على سبيل الرّخصة للضّرورة ، ولا تحرّم الصّوم فرضاً أو نفلاً ، ولا تمنع الجماع - لحديث حمنة : أنّها كانت مستحاضةً وكان زوجها يأتيها - ولا قراءة قرآنٍ ، ولا مسّ مصحفٍ ، ولا دخول مسجدٍ ، ولا طوافاً إذا أمنت التّلويث . وحكم الاستحاضة كالرّعاف الدّائم ، فتطالب المستحاضة بالصّلاة والصّوم . وكذلك الشّافعيّة ، والحنابلة ، قالوا : لا تمنع المستحاضة عن شيءٍ ، وحكمها حكم الطّاهرات في وجوب العبادات ، واختلف عن أحمد في الوطء ، فهناك روايةٌ أخرى عنه بالمنع كالحيض ما لم يخف على نفسه الوقوع في محظورٍ . وقال المالكيّة كما في الشّرح الصّغير : هي طاهرٌ حقيقةً . وهذا في غير المستحاضة المتحيّرة ، فإنّ لها أحكاماً خاصّةً تنظر تحت عنوان ( متحيّرةٌ ) .
طهارة المستحاضة :
27 - يجب على المستحاضة عند الشّافعيّة ، والحنابلة الاحتياط في طهارتي الحدث والنّجس ، فتغسل عنها الدّم ، وتحتشي بقطنةٍ أو خرقةٍ دفعاً للنّجاسة أو تقليلاً لها ، فإن لم يندفع الدّم بذلك وحده تحفّظت بالشّدّ والتّعصيب . وهذا الفعل يسمّى استثفاراً وتلجّماً ، وسمّاه الشّافعيّ التّعصيب . قال الشّافعيّة : وهذا الحشو والشّدّ واجبٌ إلاّ في موضعين : أحدهما أن تتأذّى بالشّدّ . والثّاني : أن تكون صائمةً فتترك الحشو نهاراً وتقتصر على الشّدّ والتّلجّم فإذا استوثقت على الصّفة المذكورة ، ثمّ خرج دمها بلا تفريطٍ لم تبطل طهارتها ولا صلاتها 28 - وأمّا إذا خرج الدّم لتقصيرها في التّحفّظ فإنّه يبطل طهرها . وأمّا عند الحنفيّة فيجب على المعذور ردّ عذره ، أو تقليله إن لم يمكن ردّه بالكلّيّة . وبردّه لا يبقى ذا عذرٍ . أمّا إن كان لا يقدر على الرّبط أو منع النّشّ فهو معذورٌ . وأمّا غسل المحلّ وتجديد العصابة والحشو لكلّ فرضٍ ، فقال الشّافعيّة : ينظر إن زالت العصابة عن موضعها زوالاً له تأثيرٌ ، أو ظهر الدّم على جوانبها ، وجب التّجديد بلا خلافٍ ؛ لأنّ النّجاسة كثرت وأمكن تقليلها والاحتراز عنها . فإن لم تزل العصابة عن موضعها ولا ظهر الدّم ، فوجهان عند الشّافعيّة ، أصحّهما : وجوب التّجديد كما يجب تجديد الوضوء ، والثّاني : إذ لا معنى للأمر بإزالة النّجاسة مع استمرارها ، بخلاف الأمر بتجديد طهارة الحدث مع استمراره فإنّه معهودٌ في التّيمّم . وعند الحنابلة لا يلزمها إعادة الغسل والعصب لكلّ صلاةٍ إن لم تفرّط ، قالوا : لأنّ الحدث مع قوّته وغلبته لا يمكن التّحرّز منه ، ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت « اعتكف مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم امرأةٌ من أزواجه ، فكانت ترى الدّم والصّفرة والطّست تحتها وهي تصلّي » رواه البخاريّ .
ب - حكم ما يسيل من دم المستحاضة على الثّوب :
28ـ إذا أصاب الثّوب من الدّم مقدار مقعّر الكفّ فأكثر وجب عند الحنفيّة غسله ، إذا كان الغسل مفيداً ، بأن كان لا يصيبه مرّةً بعد أخرى ، حتّى لو لم تغسل وصلّت لا يجوز ، وإن لم يكن مفيداً لا يجب ما دام العذر قائماً . أي إن كان لو غسلت الثّوب تنجّس ثانياً قبل الفراغ من الصّلاة ، جاز ألاّ تغسل ؛ لأنّ في إلزامها التّطهير مشقّةً وحرجاً . وإن كان لو غسلته لا يتنجّس قبل الفراغ من الصّلاة ، فلا يجوز لها أن تصلّي مع بقائه ، إلاّ في قولٍ مرجوحٍ . وعند الشّافعيّة إذا تحفّظت لم يضرّ خروج الدّم ، ولو لوّث ملبوسها في تلك الصّلاة خاصّةً . ولا يضرّ كذلك عند الحنابلة ؛ لقولهم : إن غلب الدّم وقطر بعد ذلك لم تبطل طهارتها .
متى يلزم المستحاضة أن تغتسل :
29 - نقل صاحب المغني في ذلك أقوالاً : الأوّل : تغتسل عندما يحكم بانقضاء حيضها أو نفاسها . وليس عليها بعد ذلك إلاّ الوضوء ويجزيها ذلك . وهذا رأي جمهور العلماء . « لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيشٍ : إنّما ذلك عرقٌ وليست بالحيضة ، فإذا أقبلت فدعي الصّلاة ، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدّم وصلّي ، وتوضّئي لكلّ صلاةٍ » قال التّرمذيّ : هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ . ولحديث عديّ بن ثابتٍ عن أبيه عن جدّه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال في المستحاضة : تدع الصّلاة أيّام أقرائها ثمّ تغتسل وتصلّي ، وتتوضّأ لكلّ صلاةٍ » . الثّاني : أنّها تغتسل لكلّ صلاةٍ . روي ذلك عن عليٍّ وابن عمر وابن عبّاسٍ وابن الزّبير ، وهو أحد قولي الشّافعيّ في المتحيّرة ؛ لأنّ عائشة روت « أنّ أمّ حبيبة استحيضت ، فأمرها النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن تغتسل لكلّ صلاةٍ » متّفقٌ عليه . إلاّ أنّ أصحاب القول الأوّل قالوا : إنّ ذكر الوضوء لكلّ صلاةٍ زيادةٌ يجب قبولها . ومن هنا قال المالكيّة والحنابلة : يستحبّ لها أن تغتسل لكلّ صلاةٍ . ويكون الأمر في الحديث للاستحباب . الثّالث : أنّها تغتسل لكلّ يومٍ غسلاً واحداً ، روي هذا عن عائشة وابن عمر وسعيد بن المسيّب . الرّابع : تجمع بين كلّ صلاتي جمعٍ بغسلٍ واحدٍ ، وتغتسل للصّبح .
وضوء المستحاضة وعبادتها :
30 - قال الشّافعيّ : تتوضّأ المستحاضة لكلّ فرضٍ وتصلّي ما شاءت من النّوافل ، لحديث فاطمة بنت أبي حبيشٍ السّابق ؛ ولأنّ اعتبار طهارتها ضرورةٌ لأداء المكتوبة ، فلا تبقى بعد الفراغ منها . وقال مالكٌ في أحد قولين : تتوضّأ لكلّ صلاةٍ ، واحتجّ بالحديث المذكور . فمالكٌ عمل بمطلق اسم الصّلاة ، والشّافعيّ قيّده بالفرض ؛ لأنّ الصّلاة عند الإطلاق تنصرف إلى الفرض ، والنّوافل أتباع الفرائض ؛ لأنّها شرعت لتكميل الفرائض جبراً للنّقصان المتمكّن فيها ، فكانت ملحقةً بأجزائها ، والطّهارة الواقعة لصلاةٍ مفروضةٍ واقعةٌ لها بجميع أجزائها ، بخلاف فرضٍ آخر لأنّه ليس بتبعٍ ، بل هو أصلٌ بنفسه . والقول الثّاني للمالكيّة : أنّ تجديد الوضوء لوقت كلّ صلاةٍ مستحبٌّ ، وهو طريقة العراقيّين من المالكيّة . وعند الحنفيّة والحنابلة : تتوضّأ المستحاضة وأمثالها من المعذورين لوقت كلّ صلاةٍ مفروضةٍ ، وتصلّي به في الوقت ما شاءت من الفرائض والنّذور والنّوافل والواجبات ، كالوتر والعيد وصلاة الجنازة والطّواف ومسّ المصحف . واستدلّ الحنفيّة بقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيشٍ : « وتوضّئي لوقت كلّ صلاةٍ » . ولا ينتقض وضوء المستحاضة بتجدّد العذر ، بعد أن يكون الوضوء في حال سيلان الدّم . قال الحنفيّة : فلو توضّأت مع الانقطاع ثمّ سال الدّم انتقض الوضوء . ولو توضّأت من حدثٍ آخر - غير العذر - في فترة انقطاع العذر ، ثمّ سال الدّم انتقض الوضوء أيضاً . وكذا لو توضّأت من عذر الدّم ، ثمّ أحدثت حدثاً آخر انتقض الوضوء . بيان ذلك : لو كان معها سيلانٌ دائمٌ مثلاً ، وتوضّأت له ، ثمّ أحدثت بخروج بولٍ انتقض الوضوء .
31 - ثمّ اختلف الحنفيّة في طهارة المستحاضة ، هل تنتقض عند خروج الوقت ؟ أم عند دخوله ؟ أم عند كلٍّ من الخروج والدّخول ؟ قال أبو حنيفة ومحمّدٌ : تنتقض عند خروج الوقت لا غير ؛ لأنّ طهارة المعذور مقيّدةٌ بالوقت فإذا خرج ظهر الحدث . وقال زفر : عند دخول الوقت لا غير ، وهو ظاهر كلام أحمد ؛ لحديث « توضّئي لكلّ صلاةٍ » وفي روايةٍ « لوقت كلّ صلاةٍ » . وقال أبو يوسف : عند كلٍّ منهما ، أي للاحتياط . وهو قول أبي يعلى من الحنابلة . وثمرة الخلاف تظهر في موضعين : أحدهما : أن يوجد الخروج بلا دخولٍ ، كما إذا توضّأت في وقت الفجر ثمّ طلعت الشّمس ، فإنّ طهارتها تنتقض عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّدٍ لوجود الخروج ، وعند زفر وأحمد لا تنتقض لعدم دخول الوقت ؛ لأنّ من طلوع الشّمس إلى الظّهر ليس بوقت صلاةٍ ، بل هو وقتٌ مهملٌ . والثّاني : أن يوجد الدّخول بلا خروجٍ ، كما إذا توضّأت قبل الزّوال ثمّ زالت الشّمس ، فإنّ طهارتها لا تنتقض عند أبي حنيفة ومحمّدٍ لعدم الخروج ، وعند أبي يوسف وزفر وأحمد تنتقض لوجود الدّخول . فلو توضّأت لصلاة الضّحى أو لصلاة العيد فلا يجوز لها أن تصلّي الظّهر بتلك الطّهارة ، على قول أبي يوسف وزفر وأحمد ، بل تنتقض الطّهارة لدخول وقت الظّهر . وأمّا على قول أبي حنيفة ومحمّدٍ فتجوز لعدم خروج الوقت . أمّا عند الشّافعيّة فينتقض وضوءها بمجرّد أداء أيّ فرضٍ ، ولو لم يخرج الوقت أو يدخل كما تقدّم . وأمّا عند المالكيّة فهي طاهرٌ حقيقةً على ما سبق .
برء المستحاضة وشفاؤها :
32 - عند الشّافعيّة إذا انقطع دم المستحاضة انقطاعاً محقّقاً حصل معه برؤها وشفاؤها من علّتها ، وزالت استحاضتها ، نظر : إن حصل هذا خارج الصّلاة :
أ - فإن كان بعد صلاتها ، فقد مضت صلاتها صحيحةً ، وبطلت طهارتها فلا تستبيح بها بعد ذلك نافلةً .
ب - وإن كان ذلك قبل الصّلاة بطلت طهارتها ، ولم تستبح تلك الصّلاة ولا غيرها . أمّا إذا حصل الانقطاع في نفس الصّلاة ففيه قولان : أحدهما : بطلان طهارتها وصلاتها . والثّاني : لا تبطل كالتّيمّم . والرّاجح الأوّل . وإذا تطهّرت المستحاضة وصلّت فلا إعادة عليها . ولا يتصوّر هذا التّفصيل عند الحنفيّة ؛ لأنّهم يعتبرونها معذورةً لوجود العذر في الوقت ولو لحظةً كما سبق . ولا يتصوّر هذا عند المالكيّة أيضاً ؛ لأنّها طاهرٌ حقيقةً . أمّا الحنابلة فعندهم تفصيلٌ . قالوا : إن كان لها عادةٌ بانقطاعٍ زمناً يتّسع للوضوء والصّلاة تعيّن فعلهما فيه . وإن عرض هذا الانقطاع لمن عادتها الاتّصال بطلت طهارتها ، ولزم استئنافها . فإن وجد الانقطاع قبل الدّخول في الصّلاة لم يجز الشّروع فيها . وإن عرض الانقطاع في أثناء الصّلاة أبطلها مع الوضوء . ومجرّد الانقطاع يوجب الانصراف إلاّ أن يكون لها عادةٌ بانقطاعٍ يسيرٍ . ولو توضّأت ثمّ برئت بطل وضوءها إن وجد منها دمٌ بعد الوضوء .
عدّة المستحاضة :
33 - سبقت الإشارة إلى بعض أحكامها . وتفصيل ذلك في مصطلح ( عدّةٌ ) .
*استحالةٌ
التّعريف
1 - من معاني الاستحالة لغةً : تغيّر الشّيء عن طبعه ووصفه ، أو عدم الإمكان . ولا يخرج استعمال الفقهاء والأصوليّين للفظ ( استحالةٍ ) عن هذين المعنيين اللّغويّين .
الحكم الإجماليّ وموطن البحث :
يختلف الحكم تبعاً للاستعمالات الفقهيّة أو الأصوليّة :
2 - الاستعمال الفقهيّ الأوّل : بمعنى تحوّل الشّيء وتغيّره عن وصفه . ومن ذلك استحالة العين النّجسة . وبم تكون الاستحالة ؟ الأعيان النّجسة ، كالعذرة ، والخمر ، والخنزير ، قد تتحوّل عن أعيانها وتتغيّر أوصافها ، وذلك بالاحتراق أو بالتّخليل ، أو بالوقوع في شيءٍ طاهرٍ ، كالخنزير يقع في الملاحة ، فيصير ملحاً . وقد اتّفق الفقهاء على طهارة الخمر باستحالتها بنفسها خلاًّ ، ويختلفون في طهارتها بالتّخليل . أمّا النّجاسات الأخرى الّتي تتحوّل عن أصلها فقد اختلفوا في طهارتها . ويفصّل ذلك الفقهاء في مبحث الأنجاس ، وكيفيّة تطهيرها ، فمن يحكم بطهارتها يقول : إنّ استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتّب عليها عند بعض الفقهاء . ويرتّبون على ذلك فروعاً كثيرةً ، تفصيلها في مصطلح ( تحوّلٌ ) .
3 - الاستعمال الفقهيّ الثّاني : بمعنى عدم إمكان الوقوع . ومن ذلك استحالة وقوع المحلوف عليه ، أو استحالة الشّرط الّذي علّق عليه الطّلاق ونحوه . فمن الشّرائط الّتي ذكرها الفقهاء في المحلوف عليه : ألاّ يكون مستحيل التّحقّق عقلاً أو عادةً ، أي بأن يكون متصوّر الوجود حقيقةً أو عادةً ، ويضربون لذلك أمثلةً ، كمن يحلف : لأشربنّ الماء الّذي في الكوز ، ولا ماء فيه ، وهذا في المستحيل حقيقةً . وكحلفه ليصعدنّ إلى السّماء ، فهو مستحيلٌ عادةً . وهم يختلفون في الحنث وعدمه ، والكفّارة وعدمها ، وهل يكون ذلك في يمين البرّ أو الحنث ؟ وهل الحكم يستوي في ذلك إن كانت اليمين مؤقّتةً أو مطلقةً ؟ ويفصّل الفقهاء ذلك في مسائل الأيمان ، ومسائل الطّلاق ، ومسائل العتق .
الاستعمال الأصوليّ :
4 - يستعمل الأصوليّون لفظ استحالةٍ بمعنى : عدم إمكان الوقوع ، ومن ذلك حكم التّكليف بالمستحيل لذاته أو لغيره وقد اختلف الأصوليّون في جواز التّكليف بالممتنع ، وقسّموه إلى : ممتنعٍ لذاته ، وممتنعٍ لغيره . فالممتنع لذاته ، كالجمع بين الضّدّين . اختار جمهور الأصوليّين أنّه لا يجوز التّكليف به . والمستحيل لغيره إن كانت استحالته عادةً ، كالتّكليف بحمل الجبل ، فالجمهور على جواز التّكليف به عقلاً ، وعدم وقوعه شرعاً . وإن كانت استحالته لعدم تعلّق إرادة اللّه به ، كإيمان أبي جهلٍ ، فالكلّ مجمعٌ على جوازه عقلاً ، ووقوعه شرعاً . وتفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ .
*استحبابٌ
التّعريف
1 - الاستحباب في اللّغة : مصدر استحبّه إذا أحبّه ، ويكون الاستحباب بمعنى الاستحسان ، واستحبّه عليه : آثره . والاستحباب عند الأصوليّين غير الحنفيّة : اقتضاء خطاب اللّه العقل اقتضاءً غير جازمٍ ، بأن يجوز تركه . وضدّه الكراهية .
2 - ويرادف المستحبّ : المندوب والتّطوّع والطّاعة والسّنّة والنّافلة والنّفل والقربة والمرغّب فيه والإحسان والفضيلة والرّغيبة والأدب والحسن . وخالف بعض الشّافعيّة في التّرادف المذكور - كالقاضي حسينٍ وغيره - فقالوا : إنّ الفعل إن واظب عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فهو السّنّة ، وإن لم يواظب عليه - كأن فعله مرّةً أو مرّتين - فهو المستحبّ ، وإن لم يفعله - وهو ما ينشئه الإنسان باختياره من الأوراد - فهو التّطوّع ، ولم يتعرّضوا للمندوب هنا لعمومه للأقسام الثّلاثة بلا شكٍّ . وهذا الخلاف لفظيٌّ ، إذ حاصله أنّ كلاًّ من الأقسام الثّلاثة ، كما يسمّى باسمٍ من الأسماء الثّلاثة كما ذكر ، هل يسمّى بغيره منها ؟ فقال البعض : لا يسمّى ، إذ السّنّة : الطّريقة والعادة ، والمستحبّ : المحبوب ، والتّطوّع : الزّيادة . والأكثر قالوا : نعم يسمّى ، ويصدق على كلٍّ من الأقسام الثّلاثة أنّه طريقةٌ أو عادةٌ في الدّين ، ومحبوبٌ للشّارع بطلبه ، وزائدٌ على الواجب . وذهب الحنفيّة إلى أنّ المستحبّ هو ما فعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم مرّةً وتركه أخرى ، فيكون دون السّنن المؤكّدة كما قال التّهانويّ ، بل دون سنن الزّوائد كما قال أبو البقاء الكفويّ . ويسمّى عندهم بالمندوب لدعاء الشّارع إليه ، وبالتّطوّع لكونه غير واجبٍ ، وبالنّفل لزيادته على غيره . وإنّما سمّي المستحبّ مستحبّاً لاختيار الشّارع إيّاه على المباح . وهم بهذا يقتربون ممّا ذهب إليه القاضي حسينٌ ، لولا أنّهم يختلفون معه في التّطوّع ، حيث يجعلونه مرادفاً للمستحبّ ، ويجعله قسيماً له على ما تقدّم ، ويفرّقون بين المستحبّ وبين السّنّة بأنّها هي : الطّريقة المسلوكة في الدّين من غير التزامٍ على سبيل المواظبة ، فيخرج المستحبّ بالقيد الأخير ، إذ لا مواظبة عليه من قبل النّبيّ عليه الصّلاة والتّسليم . وبعض الحنفيّة لم يفرّق بين المستحبّات وسنن الزّوائد ، فقال : المستحبّ هو الّذي يكون على سبيل العادة ، سواءٌ أترك أحياناً أم لا . وفي نور الأنوار شرح المنار : السّنن الزّوائد في معنى المستحبّ ، إلاّ أنّ المستحبّ ما أحبّه العلماء ، والسّنن الزّوائد ما اعتاده النّبيّ عليه السلام . هذا وقد يطلق المستحبّ على كون الفعل مطلوباً ، طلباً جازماً أو غير جازمٍ ، فيشمل الفرض والسّنّة والنّدب ، وعلى كونه مطلوباً طلباً غير جازمٍ فيشمل الأخيرين فقط . حكم المستحبّ :
3 - ذهب الأصوليّون - من غير الحنفيّة - إلى أنّ المستحبّ يمدح فاعله ويثاب ، ولا يذمّ تاركه ولا يعاقب . وذلك لأنّ ترك المستحبّ جائزٌ . غير أنّ هذا التّرك إن ورد فيه نهيٌ غير جازمٍ نظر : فإن كان مخصوصاً ، كالنّهي في حديث الصّحيحين : « إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتّى يصلّي ركعتين » كان مكروهاً ، وإن كان نهياً غير مخصوصٍ ، وهو النّهي عن ترك المندوبات عامّةً المستفاد من أوامرها ، فإنّ الأمر بالشّيء يفيد النّهي عن تركه ، فيكون خلاف الأولى ، كترك صلاة الضّحى . وذلك لأنّ الطّلب بدليلٍ خاصٍّ آكد من الطّلب بدليلٍ عامٍّ . والمتقدّمون يطلقون المكروه على ذي النّهي المخصوص وغير المخصوص ، وقد يقولون في الأوّل : مكروهٌ كراهةً شديدةً ، كما يقال في المندوب : سنّةٌ مؤكّدةٌ . أمّا الحنفيّة فإنّهم ينصّون على أنّ الشّيء إذا كان مستحبّاً أو مندوباً عندهم وليس سنّةً فلا يكون تركه مكروهاً أصلاً ، ولا يوجب تركه إساءةً أيضاً فلا يوجب عتاباً في الآخرة ، كترك سنن الزّوائد ، بل أولى في عدم الإساءة وعدم استحقاق العتاب ؛ لأنّه دونها في الدّوام والمواظبة ، وإن كان فعله أفضل ولمعرفة ما تبقّى من مباحث الاستحباب ، ككون المستحبّ مأموراً به ، وهل يلزم بالشّروع فيه ؟ يرجع إلى الملحق الأصوليّ .
*استحدادٌ
التّعريف
1 - الاستحداد لغةً : مأخوذٌ من الحديدة ، يقال : استحدّ إذا حلق عانته . استعمل على طريق الكناية والتّورية . والتعريف الاصطلاحيّ لا يفترق عن المعنى اللّغويّ ، حيث عرّفه الفقهاء بقولهم : الاستحداد حلق العانة ، وسمّي استحداداً ، لاستعمال الحديدة وهي : الموسى .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - الإحداد :
2 - الإحداد : مصدر أحدّ . وإحداد المرأة على زوجها تركها للزّينة ، فعلى هذا يكون الاستحداد مخالفاً للإحداد ، ولا يشترك معه في وجهٍ من الوجوه .
ب - التّنوّر :
3 - التّنوّر هو : الطّلاء بالنّورة . يقال : تنوّر . تطلّى بالنّورة ليزيل الشّعر . والنّورة من الحجر الّذي يحرق ، ويسوّى من الكلس ، ويزال به الشّعر . فعلى هذا يكون الاستحداد أعمّ في الاستعمال من التّنوّر ، لأنّه كما يكون بالحديدة يكون بغيرها كالنّورة وغيرها .
حكمه التّكليفيّ :
4 - اتّفق الفقهاء على أنّ الاستحداد سنّةٌ للرّجال والنّساء على السّواء . وصرّح الشّافعيّة ، والمالكيّة دون غيرهم بالوجوب للمرأة إذا طلب منها زوجها ذلك .
دليل مشروعيّته :
5 - يستدلّ على مشروعيّة الاستحداد بالسّنّة ؛ لما روى سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم « أنّه قال : الفطرة خمسٌ ، أو خمسٌ من الفطرة : الختان ، والاستحداد ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظافر ، وقصّ الشّارب » . ولما روي عن عائشة رضي الله عنها « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : عشرٌ من الفطرة : قصّ الشّارب ، وإعفاء اللّحية ، والسّواك ، والاستنشاق ، وقصّ الأظافر ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء » - قال زكريّا - ( الرّاوي ) : ونسيت العاشرة إلاّ أن تكون المضمضة .
ما يتحقّق به الاستحداد :
6 - اختلف الفقهاء فيما يتحقّق به الاستحداد على أقوالٍ . فقال الحنفيّة : السّنّة الحلق للرّجل ، والنّتف للمرأة . وقال المالكيّة : الحلق للرّجل والمرأة ، ويكره النّتف للمرأة ؛ لأنّه يعدّ من التّنمّص المنهيّ عنه ، وهذا رأي بعض الشّافعيّة . وقال جمهور الشّافعيّة : النّتف للمرأة الشّابّة ، والحلق للعجوز . ونسب هذا الرّأي إلى ابن العربيّ . وقال الحنابلة : لا بأس بالإزالة بأيّ شيءٍ ، والحلق أفضل .
وقت الاستحداد :
7 - يكره تركه بعد الأربعين ، كما أخرجه مسلمٌ من حديث أنسٍ : « وقّت لنا في قصّ الشّارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة ألاّ يترك أكثر من أربعين يوماً » . والضّابط في ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والأزمان والأماكن ، بشرط ألاّ يتجاوز الأربعين يوماً ، وهو التّوقيت الّذي جاء في الحديث الصّحيح .
الاستعانة بالآخرين في الاستحداد :
8 - الأصل عند الفقهاء جميعاً أنّه يحرم على الإنسان ذكراً كان أو أنثى أن يظهر عورته لأجنبيٍّ إلاّ لضرورةٍ . ويرجع إلى تفصيل ذلك في : ( استتارٌ ، وعورةٌ ) . واعتبر الفقهاء حلق العانة لمن لا يستطيع أن يحلقها بالحديدة أو يزيلها بالنّورة ضرورةً .
آداب الاستحداد :
9 - تكلّم الفقهاء على آداب الاستحداد في ثنايا الكلام على الاستحداد ، وخصال الفطرة ، والعورة . فقالوا : يستحبّ أن يبدأ في حلق العانة من تحت السّرّة ، كما يستحبّ أن يحلق الجانب الأيمن ، ثمّ الأيسر ، كما يستحبّ أن يستتر ، وألاّ يلقي الشّعر في الحمّام أو الماء ، وأن يواري ما يزيله من شعرٍ وظفرٍ .
مواراة الشّعر المزال أو إتلافه :
10 - صرّح الفقهاء باستحباب مواراة شعر العانة بدفنه ؛ لما روى الخلاّل بإسناده عن ممل بنت مشرّحٍ الأشعريّة قالت : « رأيت أبي يقلّم أظافره ، ويدفنها ويقول : رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك » . وسئل أحمد ، يأخذ الرّجل من شعره وأظافره أيلقيه أم يدفنه ؟ قال : يدفنه ، قيل : بلغك في ذلك شيءٌ ؟ قال : كان ابن عمر يدفنه . وروي « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بدفن الشّعر والأظافر » ، قال الحافظ ابن حجرٍ : وقد استحبّ أصحابنا دفنها ؛ لكونها أجزاءٍ من الآدميّ ، ونقل ذلك عن ابن عمر وهو متّفقٌ عليه بين المذاهب .