ابن عامر الشامي
وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
- إنضم
- 20 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 10,237
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المملكة المغربية
- احفظ من كتاب الله
- بين الدفتين
- احب القراءة برواية
- رواية حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- سعود الشريم
- الجنس
- اخ
الاستناد في الفسخ والانفساخ :
17 - مذهب الحنفيّة ، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة أنّ الفسخ لا يرفع العقد من أصله ، وإنّما في فسخٍ فيما يستقبل من الزّمان دون الماضي على ما نقل شيخ الإسلام خواهر زاده . وعند الشّافعيّة في القول المرجوح ، وهو أحد وجهين للحنابلة يستند الفسخ إلى وقت العقد .
استنباطٌ *
التعريف :
1 - الاستنباط لغةً : استفعالٌ من أنبط الماء إنباطاً بمعنى استخرجه . وكلّ ما أظهر بعد خفاءٍ فقد أنبط واستنبط . واستنبط الفقيه الحكم : استخرجه باجتهاده . قال اللّه تعالى : { ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم } واستنبطه واستنبط منه علماً وخيراً ومالاً : استخرجه . وهو مجازٌ .
ويستخلص من استعمال الفقهاء والأصوليّين تعريف الاستنباط بأنّه : استخراج الحكم أو العلّة إذا لم يكونا منصوصين ولا مجمعاً عليهما بنوعٍ من الاجتهاد . فيستخرج الحكم بالقياس ، أو الاستدلال ، أو الاستحسان ، أو نحوها ، وتستخرج العلّة بالتّقسيم والسّبر ، أو المناسبة ، أو غيرها ممّا يعرف بمسالك العلّة .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - الاجتهاد :
2 - هو بذل الطّاقة من الفقيه في تحصيل حكمٍ شرعيٍّ ظنّيٍّ ، فالفرق بينه وبين الاستنباط أنّه أعمّ من الاستنباط ، لأنّ الاجتهاد كما يكون في استخراج الحكم أو العلّة ، يكون في دلالات النّصوص والتّرجيح عند التّعارض .
ب - التّخريج :
3 - يستعمل هذا التّعبير كلٌّ من الفقهاء والأصوليّين ، وهو نوعٌ من الاستنباط ، ومعناه عندهم : استخراج الحكم بالتّفريع على نصّ الإمام في صورةٍ مشابهةٍ ، أو على أصول إمام المذهب كالقواعد الكلّيّة الّتي يأخذ بها ، أو الشّرع ، أو العقل ، من غير أن يكون الحكم منصوصاً عليه من الإمام . ومن أمثلته : التّفريع على قاعدة عدم التّكليف بما لا يطاق . هذا حاصل ما ذكره ابن بدران من الحنابلة . وقال السّقّاف من الشّافعيّة ما حاصله : إنّ التّخريج أن ينقل فقهاء المذهب الحكم من نصّ إمامهم في صورةٍ إلى صورةٍ مشابهةٍ .
وقد يكون للإمام نصٌّ في الصّورة المنقول إليها مخالفٌ للحكم المنقول ، فيكون له في هذه الصّورة قولان ، قولٌ منصوصٌ وقولٌ مخرّجٌ . وتخريج المناط عند الأصوليّين معناه : إظهار ما علّق عليه الحكم ، أي إظهار العلّة .
ج - البحث :
4 - قال ابن حجرٍ الهيتميّ : البحث ما يفهم فهماً واضحاً من الكلام العامّ للأصحاب ، المنقول عن صاحب المذهب بنقلٍ عامٍّ . وقال السّقّاف : البحث هو الّذي استنبطه الباحث من نصوص الإمام وقواعده الكلّيّة .
مواطن البحث :
يرجع لمعرفة مسائل الاستنباط إلى ( الاجتهاد ) ( والقياس - مسالك العلّة ) والملحق الأصوليّ .
استنتار *
انظر : استبراءٌ .
استنثارٌ *
التعريف :
1 - الاستنثار : هو نثر ما في الأنف من مخاطٍ وغيره بالنّفس ، واستنثر الإنسان : استنشق الماء ، ثمّ استخرج ذلك بنفس الأنف . ولا يخرج استعمال الفقهاء عن المعنى اللّغويّ .
الحكم الإجماليّ :
2 - الاستنثار سنّةٌ في الطّهارة ، لما ورد في صفة وضوء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه « تمضمض واستنشق واستنثر » . وللفقهاء تفصيلٌ في كيفيّته .
مواطن البحث :
3 - تنظر أحكام الاستنثار وكيفيّته تحت مصطلح ( وضوءٌ ) ( وغسلٌ ) .
استنجاءٌ *
التعريف :
1 - من معاني الاستنجاء : الخلاص من الشّيء ، يقال : استنجى حاجته منه ، أي خلّصها . والنّجوة ما ارتفع من الأرض فلم يعلها السّيل ، فظننتها نجاءك .
وأنجيت الشّجرة واستنجيتها : قطعتها من أصلها . ومأخذ الاستنجاء في الطّهارة ،
قال شمرٌ : أراه من الاستنجاء بمعنى القطع ، لقطعه العذرة بالماء ، وقال ابن قتيبة : مأخوذٌ من النّجوة وهي ما ارتفع من الأرض ، لأنّه إذا أراد قضاء الحاجة استتر بها .
وقد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف الاستنجاء اصطلاحاً ، وكلّها تلتقي على أنّ الاستنجاء إزالة ما يخرج من السّبيلين ، سواءٌ بالغسل أو المسح بالحجارة ونحوها عن موضع الخروج وما قرب منه . وليس غسل النّجاسة عن البدن أو عن الثّوب استنجاءً .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - الاستطابة :
2 - الاستطابة هي بمعنى الاستنجاء ، تشمل استعمال الماء والحجارة . وفي قولٍ عند الشّافعيّة أنّها خاصّةٌ باستعمال الماء ، فتكون حينئذٍ أخصّ من الاستنجاء . وأصلها من الطّيب ، لأنّها تطيّب المحلّ بإزالة ما فيه من الأذى ، ولذا يقال فيها أيضاً الإطابة .
ب - الاستجمار :
3 - الجمار : الحجارة ، جمع جمرةٍ وهي الحصاة . ومعنى الاستجمار : استعمال الحجارة ونحوها في إزالة ما على السّبيلين من النّجاسة .
ج - الاستبراء :
4 - الاستبراء لغةً طلب : البراءة ، وفي الاصطلاح : طلب البراءة من الخارج بما تعارفه الإنسان من مشيٍ أو تنحنحٍ أو غيرهما إلى أن تنقطع المادّة ، فهو خارجٌ عن ماهيّة الاستنجاء ، لأنّه مقدّمةٌ له .
د - الاستنقاء :
5 - الاستنقاء : طلب النّقاوة ، وهو أن يدلك المقعدة بالأحجار ، أو بالأصابع حالة الاستنجاء بالماء حتّى ينقّيها ، فهو أخصّ من الاستنجاء ، ومثله الإنقاء . قال ابن قدامة : هو أن تذهب لزوجة النّجاسة وآثارها .
حكم الاستنجاء :
6 - في حكم الاستنجاء - من حيث الجملة - رأيان للفقهاء :
الأوّل : أنّه واجبٌ إذا وجد سببه ، وهو الخارج ، وهو قول المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . واستدلّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجارٍ ، يستطيب بهنّ ، فإنّها تجزي عنه » وقوله : « لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجارٍ » رواه مسلمٌ وفي لفظٍ له : « لقد نهانا أن نستنجي بدون ثلاثة أحجارٍ » ، قالوا : والحديث الأوّل أمرٌ ، والأمر يقتضي الوجوب . وقال : « فإنّها تجزي عنه » والإجزاء إنّما يستعمل في الواجب ، ونهى عن الاقتصار على أقلّ من ثلاثةٍ ، والنّهي يقتضي التّحريم ، وإذا حرّم ترك بعض النّجاسة فجميعها أولى .
7 - الرّأي الثّاني : أنّه مسنونٌ وليس بواجبٍ . وهو قول الحنفيّة ، وروايةٌ عن مالكٍ . ففي منية المصلّي : الاستنجاء مطلقاً سنّةٌ لا على سبيل التّعيين من كونه بالحجر أو بالماء ، وهو قول المزنيّ من أصحاب الشّافعيّ . ونقل صاحب المغني من قول ابن سيرين فيمن صلّى بقومٍ ولم يستنج ، قال : لا أعلم به بأساً . قال الموفّق : يحتمل أنّه لم ير وجوب الاستنجاء . واحتجّ الحنفيّة بما في سنن أبي داود من قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم « من استجمر فليوتر ، من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج » قال في مجمع الأنهر : لأنّه لو كان واجباً لما انتفى الحرج عن تاركه . واحتجّوا أيضاً بأنّه نجاسةٌ قليلةٌ ، والنّجاسة القليلة عفوٌ .
وفي السّراج الوهّاج للحنفيّة : الاستنجاء خمسة أنواعٍ . أربعةٌ فريضةٌ : من الحيض والنّفاس والجنابة ، وإذا تجاوزت النّجاسة مخرجها .
وواحدٌ سنّةٌ ، وهو ما إذا كانت النّجاسة قدر المخرج . وقد رفض ابن نجيمٍ هذا التّقسيم ، وقرّر أنّ الثّلاثة هي من باب إزالة الحدث ، والرّابع من باب إزالة النّجاسة العينيّة عن البدن ، وليس ذلك من باب الاستنجاء ، فلم يبق إلاّ القسم المسنون . وأقرّ ابن عابدين التّقرير . وقال القرافيّ بعد أن ذكر أنّ من ترك الاستنجاء وصلّى بالنّجاسة أعاد ، قال : ولمالكٍ رحمه الله في العتبية : لا إعادة عليه ، ثمّ ذكر الحديث المتقدّم : « من استجمر فليوتر ، من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج » وقال : الوتر يتناول المرّة الواحدة ، فإذا نفاها لم يبق شيءٌ ، ولأنّه محلٌّ تعمّ به البلوى فيعفى عنه ، وهذا يقتضي أنّ عند مالكٍ قولاً بعدم الوجوب . ثمّ هو عند الحنفيّة سنّةٌ مؤكّدةٌ لمواظبته صلى الله عليه وسلم . وبنى ابن عابدين على ذلك كراهة تركه ، ونقله أيضاً عن البدائع . ونقل عن الخلاصة والحلية نفي الكراهة ، بناءً على أنّه مستحبٌّ لا سنّةٌ ، بخلاف النّجاسة المعفوّ عنها في غير موضع الحدث فتركها يكره .
وقت وجوب الاستنجاء عند القائلين بوجوبه :
8 - إنّ وجوب الاستنجاء إنّما هو لصحّة الصّلاة . ولذا قال الشبراملسي من الشّافعيّة : لا يجب الاستنجاء على الفور ، بل عند القيام إلى الصّلاة حقيقةً أو حكماً ، بأن دخل وقت الصّلاة وإن لم يرد فعلها في أوّله . فإذا دخل وقت الصّلاة وجب وجوباً موسّعاً بسعة الوقت ، ومضيّقاً بضيقه . ثمّ قال : نعم ، إن قضى حاجته في الوقت ، وعلم أنّه لا يجد الماء في الوقت ، وجب استعمال الحجر فوراً .
علاقة الاستنجاء بالوضوء ، والتّرتيب بينهما :
9 - الاستنجاء من سنن الوضوء قبله عند الحنفيّة والشّافعيّة ، والرّواية المعتمدة للحنابلة ، فلو أخّره عنه جاز وفاتته السّنّيّة ، لأنّه إزالة نجاسةٍ ، فلم تشترط لصحّة الطّهارة ، كما لو كانت على غير الفرج . وصرّح المالكيّة بأنّه لا يعدّ من سنن الوضوء ، وإن استحبّوا تقديمه عليه . أمّا الرّواية الأخرى عند الحنابلة : فالاستنجاء قبل الوضوء - إذا وجد سببه - شرطٌ في صحّة الصّلاة . فلو توضّأ قبل الاستنجاء لم يصحّ ، وعلى هذه الرّواية اقتصر صاحب كشّاف القناع . قال الشّافعيّة : وهذا في حقّ السّليم ، أمّا في حقّ صاحب الضّرورة - يعنون صاحب السّلس ونحوه - فيجب تقديم الاستنجاء على الوضوء .
وعلى هذا ، فإذا توضّأ السّليم قبل الاستنجاء ، يستجمر بعد ذلك بالأحجار ، أو يغسله بحائلٍ بينه وبين يديه ، ولا يمسّ الفرج . وقواعد المذاهب الأخرى لا تأبى ذلك التّفصيل .
علاقة الاستنجاء بالتّيمّم ، والتّرتيب بينهما :
10 - للفقهاء في ذلك اتّجاهان :
الاتّجاه الأوّل : أنّه يجب تقديم الاستجمار على التّيمّم ، وهذا رأي الشّافعيّة ، وهو أحد احتمالين عند المالكيّة ، وقولٌ عند الحنابلة . وعلّل القرافيّ ذلك بأنّ التّيمّم لا بدّ أن يتّصل بالصّلاة ، فإذا تيمّم ثمّ استنجى فقد فرّقه بإزالة النّجو . وعلّل القاضي أبو يعلى ذلك بأنّ التّيمّم لا يرفع الحدث ، وإنّما تستباح به الصّلاة ، ومن عليه نجاسةٌ يمكنه إزالتها لا تباح له الصّلاة ، فلم تصحّ نيّة الاستباحة ، كما لو تيمّم قبل الوقت .
والاتّجاه الثّاني : أنّ التّرتيب هنا لا يجب ، وهو الاحتمال الثّاني عند المالكيّة ، والقول الآخر للحنابلة . قال القرافيّ : كما لو تيمّم ثمّ وطئ نعله على روثٍ ، فإنّه يمسحه ويصلّي . وقال القاضي أبو يعلى : لأنّه طهارةٌ فأشبهت الوضوء ، والمنع من الإباحة لمانعٍ آخر لا يقدح في صحّة التّيمّم ، كما لو تيمّم في موضعٍ نهي عن الصّلاة فيه ، أو تيمّم وعلى ثوبه نجاسةٌ . وقيل عند الحنابلة : لا يصحّ تأخيره عن التّيمّم قولاً واحداً .
حكم استنجاء من به حدثٌ دائمٌ :
11 - من كان به حدثٌ دائمٌ ، كمن به سلس بولٍ ونحوه ، يخفّف في شأنه حكم الاستنجاء ، كما يخفّف حكم الوضوء .
ففي قول الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة : يستنجي ويتحفّظ ، ثمّ يتوضّأ لكلّ صلاةٍ بعد دخول الوقت . فإذا فعل ذلك وخرج منه شيءٌ لم يلزمه إعادة الاستنجاء والوضوء بسبب السّلس ونحوه ، ما لم يخرج الوقت على مذهب الحنفيّة والشّافعيّة ، وهو أحد قولي الحنابلة . أو إلى أن يدخل وقت الصّلاة الأخرى على المعتمد من قولي الحنابلة . وأمّا على قول المالكيّة : فلا يلزم من به السّلس التّوضّؤ منه لكلّ صلاةٍ ، بل يستحبّ ذلك ما لم يشقّ ، فعندهم أنّ ما يخرج من الحدث إذا كان مستنكحاً - أي كثيراً يلازم كلّ الزّمن أو جلّه ، بأن يأتي كلّ يومٍ مرّةً فأكثر - فإنّه يعفى عنه ، ولا يلزمه غسل ما أصاب منه ولا يسنّ ، وإن نقض الوضوء وأبطل الصّلاة في بعض الأحوال ، وسواءٌ أكان غائطاً ، أم بولاً ، أم مذياً ، أم غير ذلك .
ما يستنجى منه :
12 - أجمع الفقهاء على أنّ الخارج من السّبيلين المعتاد النّجس الملوّث يستنجى منه حسبما تقدّم . أمّا ما عداه ففيه خلافٌ ، وتفصيلٌ بيانه فيما يلي :
الخارج غير المعتاد :
13 - الخارج غير المعتاد كالحصى والدّود والشّعر ، لا يستنجى منه إذا خرج جافّاً ، طاهراً كان أو نجساً .
أمّا إذا كان به بلّةٌ ولوّث المحلّ فيستنجى منها ، فإن لم يلوّث المحلّ فلا يستنجى منه عند الحنفيّة والمالكيّة ، وهو القول المقدّم عند كلٍّ من الشّافعيّة والحنابلة . والقول الآخر عند كلٍّ من الشّافعيّة والحنابلة : يستنجى من كلّ ما خرج من السّبيلين غير الرّيح .
ذالدّم والقيح وشبههما من غير المعتاد :
14 - إن خرج الدّم أو القيح من أحد السّبيلين ففيه قولان للفقهاء :
الأوّل : أنّه لا بدّ من غسله كسائر النّجاسات ، ولا يكفي فيه الاستجمار . وهذا قولٌ عند كلٍّ من المالكيّة والشّافعيّة ، لأنّ الأصل في النّجاسة الغسل ، وترك ذلك في البول والغائط للضّرورة ، ولا ضرورة هنا ، لندرة هذا النّوع من الخارج . واحتجّ أصحاب هذا القول أيضاً بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « أمر بغسل الذّكر من المذي » والأمر يقتضي الوجوب . قال ابن عبد البرّ : استدلّوا بأنّ الآثار كلّها على اختلاف ألفاظها وأسانيدها ليس فيها ذكر الاستجمار ، إنّما هو الغسل . كالأمر بالغسل من المذي في حديث عليٍّ .
والقول الثّاني : أنّه يجزئ فيه الاستجمار ، وهو رأي الحنفيّة والحنابلة ، وقولٌ لكلٍّ من المالكيّة والشّافعيّة ، وهذا إن لم يختلط ببولٍ أو غائطٍ .
وحجّة هذا القول ، أنّه وإن لم يشقّ فيه الغسل لعدم تكرّره ، فهو مظنّة المشقّة . وأمّا المذي فمعتادٌ كثيرٌ ، ويجب غسل الذّكر منه تعبّداً ، وقيل : لا يجب .
ما خرج من مخرجٍ بديلٍ عن السّبيلين :
15 - إذا انفتح مخرجٌ للحدث ، وصار معتاداً ، استجمر منه عند المالكيّة ، ولا يلحق بالجسد ، لأنّه أصبح معتاداً بالنّسبة إلى ذلك الشّخص المعيّن . وعند الحنابلة : إذا انسدّ المخرج المعتاد وانفتح آخر ، لم يجزئه الاستجمار فيه ، ولا بدّ من غسله ، لأنّه غير السّبيل المعتاد . وفي قولٍ لهم : يجزئ . ولم يعثر على قول الحنفيّة والشّافعيّة في هذه المسألة .
المذي :
16 - المذي نجسٌ عند الحنفيّة ، فهو ممّا يستنجى منه كغيره ، بالماء أو بالأحجار . ويجزئ الاستجمار أو الاستنجاء بالماء منه . وكذلك عند المالكيّة في قولٍ هو خلاف المشهور عندهم ، وهو الأظهر عند الشّافعيّة ، وروايةٌ عند الحنابلة . أمّا في المشهور عند المالكيّة ، وهي الرّواية الأخرى عند الحنابلة ، فيتعيّن فيه الماء ولا يجزئ الحجر ، لما روي أنّ عليّاً رضي الله عنه قال : « كنت رجلاً مذّاءً ، فاستحيت أن أسأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته ، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله ، فقال : يغسل ذكره وأنثييه ويتوضّأ » . وفي لفظٍ « يغسل ذكره ويتوضّأ » . وإنّما يتعيّن فيه الغسل عند المالكيّة إذا خرج بلذّةٍ معتادةٍ ، أمّا إن خرج بلا لذّةٍ أصلاً فإنّه يكفي فيه الحجر ، ما لم يكن يأتي كلّ يومٍ على وجه السّلس ، فلا يطلب في إزالته ماءٌ ولا حجرٌ ، بل يعفى عنه .
الودي :
17 - الودي خارجٌ نجسٌ ، ويجزي فيه الاستنجاء بالماء أو بالأحجار عند فقهاء المذاهب الأربعة .
الرّيح :
18 - لا استنجاء من الرّيح . صرّح بذلك فقهاء المذاهب الأربعة . فقال الحنفيّة : هو بدعةٌ ، وهذا يقتضي أنّه عندهم محرّمٌ ، ومثله ما قاله القليوبيّ من الشّافعيّة ، بل يحرم ، لأنّه عبادةٌ فاسدةٌ . ويكره عند المالكيّة والشّافعيّة . قال الدّسوقيّ : لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ليس منّا من استنجى من ريحٍ » والنّهي للكراهة . وقال صاحب نهاية المحتاج من الشّافعيّة : لا يجب ولا يستحبّ الاستنجاء من الرّيح ولو كان المحلّ رطباً . وقال ابن حجرٍ المكّيّ : يكره من الرّيح إلاّ إن خرجت والمحلّ رطبٌ . والّذي عبّر به الحنابلة : أنّه لا يجب منها ، ومقتضى استدلالهم الآتي الكراهة على الأقلّ . قال صاحب المغني : للحديث « من استنجى من ريحٍ فليس منّا » رواه الطّبرانيّ في معجمه الصّغير .
وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم } . الآية إذا قمتم من النّوم . ولم يأمر بغيره ، يعني فلو كان واجباً لأمر به ، لأنّ النّوم مظنّة خروج الرّيح ، فدلّ على أنّه لا يجب ، ولأنّ الوجوب من الشّرع ، ولم يرد بالاستنجاء هاهنا نصٌّ ، ولا هو في معنى المنصوص عليه ، لأنّ الاستنجاء شرع لإزالة النّجاسة ، ولا نجاسة هاهنا .
الاستنجاء بالماء :
19 - يستحبّ باتّفاق المذاهب الأربعة الاستنجاء بالماء . وقد ورد عن بعض الصّحابة والتّابعين إنكار الاستنجاء به ، ولعلّ ذلك لأنّه مطعومٌ .
والحجّة لإجزاء استعمال الماء ما روى أنس بن مالكٍ قال : « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء ، فأحمل أنا وغلامٌ نحوي إداوةً من ماءٍ وعنزةً ، فيستنجي بالماء » متّفقٌ عليه . وعن « عائشة أنّها قالت : مرن أزواجكنّ أن يستطيبوا بالماء فإنّي أستحييهم ، وإنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يفعله » . وقد حمل المالكيّة ما ورد عن السّلف من إنكار استعمال الماء بأنّه في حقّ من أوجب استعمال الماء . وحمل صاحب كفاية الطّالب ما ورد عن سعيد بن المسيّب من قوله : وهل يفعل ذلك إلاّ النّساء ؟ على أنّه من واجبهنّ .
الاستنجاء بغير الماء من المائعات :
20 - لا يجزئ الاستنجاء بغير الماء من المائعات على قول الجمهور : المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، وهو روايةٌ عن محمّد بن الحسن تعدّ ضعيفةً في المذهب . قال المالكيّة : بل يحرم الاستنجاء بمائعٍ غير الماء لنشره النّجاسة . وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنّه يمكن أن يتمّ الاستنجاء - كما في إزالة النّجاسة - بكلّ مائعٍ طاهرٍ مزيلٍ ، كالخلّ وماء الورد ، دون ما لا يزيل كالزّيت ، لأنّ المقصود قد تحقّق ، وهو إزالة النّجاسة . ثمّ قد قال ابن عابدين : يكره الاستنجاء بمائعٍ غير الماء ، لما فيه من إضاعة المال بلا ضرورةٍ .
أفضليّة الغسل بالماء على الاستجمار :
21 - إنّ غسل المحلّ بالماء أفضل من الاستجمار ، لأنّه أبلغ في الإنقاء ، ولإزالته عين النّجاسة وأثرها . وفي روايةٍ عن أحمد : الأحجار أفضل ، ذكرها صاحب الفروع . وإذا جمع بينهما بأن استجمر ثمّ غسل كان أفضل من الكلّ بالاتّفاق . وبيّن النّوويّ وجه الأفضليّة بقوله : تقديم الأحجار لتقلّ مباشرة النّجاسة واستعمال الماء ، فلو استعمل الماء أوّلاً لم يستعمل الحجارة بعده ، لأنّه لا فائدة فيه . وعند الحنابلة التّرتيب بتقديم الاستجمار على الغسل مستحبٌّ ، وإن قدّم الماء وأتبعا الحجارة كره ، لقول عائشة : « مرن أزواجكنّ أن يتبعوا الحجارة الماء فإنّي أستحييهم ، وإنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يفعله » . وعند الحنفيّة قيل : الغسل بالماء سنّةٌ ، وقيل : الجمع سنّةٌ في زماننا . وقيل : سنّةٌ على الإطلاق ، وهو الصّحيح وعليه الفتوى كما في البحر الرّائق . هذا وقد احتجّ الخرشيّ وغيره على أفضليّة الجمع بين الماء والحجر بأنّ أهل قباء كانوا يجمعون بينهما ، فمدحهم اللّه تعالى بقوله : { إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين } وحقّق النّوويّ أنّ الرّواية الصّحيحة في ذلك ليس فيها أنّهم كانوا يجمعون بينهما ، وإنّما فيها أنّهم يستنجون بالماء .
ما يستجمر به :
22 - الاستجمار يكون بكلّ جامدٍ إلاّ ما منع منه وسيأتي تفصيله ، وهذا قول جمهور العلماء ، ومنهم الإمام أحمد في الرّواية المعتمدة عنه ، وهو الصّحيح من مذهب الحنابلة . وفي روايةٍ عن أحمد اختارها أبو بكرٍ : لا يجزئ في الاستجمار شيءٌ من الجوامد من خشبٍ وخرقٍ إلاّ الأحجار ،« لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بالأحجار »، وأمره يقتضي الوجوب ، ولأنّه موضع رخصةٍ ورد فيها الشّرع بآلةٍ مخصوصةٍ ، فوجب الاقتصار عليها ، كالتّراب في التّيمّم . والدّليل لقول الجمهور : ما روى أبو داود عن خزيمة قال : « سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة فقال : بثلاثة أحجارٍ ليس فيها رجيعٌ » فلولا أنّه أراد الحجر وما في معناه لم يستثن الرّجيع ، لأنّه لا يحتاج لذكره ، ولم يكن لتخصيص الرّجيع بالذّكر معنًى . وعن سلمان قال «: قيل له : قد علّمكم نبيّكم كلّ شيءٍ حتّى الخراء قال : فقال : أجل ، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائطٍ أو بولٍ ، أو أن نستنجي باليمين . أو أن نستنجي بأقلّ من ثلاثة أحجارٍ ، أو أن نستنجي برجيعٍ أو عظمٍ » 0 وفارق التّيمّم ، لأنّ القصد هنا إزالة النّجاسة ، وهي تحصل بغير الأحجار ، أمّا التّيمّم فهو غير معقول المعنى .
الاستجمار هل هو مطهّرٌ للمحلّ ؟
23 - اختلف الفقهاء في هذا على قولين :
الأوّل : أنّ المحلّ يصير طاهراً بالاستجمار ، وهو قولٌ عند كلٍّ من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة . قال ابن الهمام : والّذي يدلّ على اعتبار الشّرع طهارته أنّه صلى الله عليه وسلم « نهى أن يستنجى بروثٍ أو عظمٍ ، وقال : إنّهما لا يطهّران » فعلم أنّ ما أطلق الاستنجاء به يطهّر ، إذ لو لم يطهّر لم يطلق الاستنجاء به لهذه العلّة . وكذلك قال الدّسوقيّ المالكيّ : يكون المحلّ طاهراً لرفع الحكم والعين عنه .
والقول الثّاني : وهو القول الآخر لكلٍّ من الحنفيّة والمالكيّة ، وقول المتأخّرين من الحنابلة : أنّ المحلّ يكون نجساً معفوّاً عنه للمشقّة . قال ابن نجيمٍ : ظاهر ما في الزّيلعيّ أنّ المحلّ لا يطهر بالحجر . وفي كشّاف القناع للحنابلة : أثر الاستجمار نجسٌ يعفى عن يسيره في محلّه للمشقّة . وفي المغني : وعليه لو عرق كان عرقه نجساً .
24 - وجمهور الفقهاء على أنّ الرّطوبة إذا أصابت المحلّ بعد الاستجمار يعفى عنها .
قال ابن نجيمٍ من الحنفيّة : بناءً على القول بأنّ المحلّ بعد الاستجمار نجسٌ معفوٌّ عنه ، يتفرّع عليه أنّه يتنجّس السّبيل بإصابة الماء . وفيه الخلاف المعروف في مسألة الأرض إذا جفّت بعد التّنجّس ثمّ أصابها الماء ، وقد اختاروا في الجميع عدم عود النّجاسة ، فليكن كذلك هنا . ثمّ نقل عن ابن الهمام قوله : أجمع المتأخّرون - أي من الحنفيّة - على أنّه لا ينجس المحلّ بالعرق ، حتّى لو سال العرق منه ، وأصاب الثّوب والبدن أكثر من قدر الدّرهم لا يمنع ( أي لا يمنع صحّة الصّلاة ) .
ونقل القرافيّ عن صاحب الطّراز وابن رشدٍ : يعفى عنه لعموم البلوى . قال : وقد عفي عن ذيل المرأة تصيبه النّجاسة ، مع إمكان شيله ، فهذا أولى ، ولأنّ الصّحابة رضي الله عنهم كانوا يستجمرون ويعرقون . والقول الآخر : قاله الشّافعيّة ، وابن القصّار من المالكيّة : لا ينجس إن لم تتعدّ الرّطوبة محلّ الاستجمار ، وينجس إن تعدّت النّجاسة محلّ العفوّ .
المواضع الّتي لا يجزئ فيها الاستجمار :
أ - النّجاسة الواردة على المخرج من خارجه :
25 - إن كان النّجس طارئاً على المحلّ من خارجٍ أجزأ فيه الاستجمار في المشهور عند الحنفيّة . وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ الحجر لا يجزئ فيه ، بل لا بدّ من غسله بالماء . وهو قولٌ آخر للحنفيّة . ومثله عند الشّافعيّة ، ما لو طرأ على المحلّ المتنجّس بالخارج طاهرٌ رطبٌ ، أو يختلط بالخارج كالتّراب . ومثله ما لو استجمر بحجرٍ مبتلٍّ ، لأنّ بلل الحجر يتنجّس بنجاسة المحلّ ثمّ ينجّسه . وكذا لو انتقلت النّجاسة عن المحلّ الّذي أصابته عند الخروج ، فلا بدّ عندهم من غسل المحلّ في كلّ تلك الصّور .
ب - ما انتشر من النّجاسة وجاوز المخرج :
26 - اتّفقت المذاهب الأربعة على أنّ الخارج إن جاوز المخرج وانتشر كثيراً لا يجزئ فيه الاستجمار ، بل لا بدّ من غسله . ووجه ذلك أنّ الاستجمار رخصةٌ لعموم البلوى ، فتختصّ بما تعمّ به البلوى ، ويبقى الزّائد على الأصل في إزالة النّجاسة بالغسل . لكنّهم اختلفوا في تحديد الكثير ، فذهب المالكيّة والحنابلة والشّافعيّة إلى أنّ الكثير من الغائط هو ما جاوز المخرج ، وانتهى إلى الألية ، والكثير من البول ما عمّ الحشفة .
وانفرد المالكيّة في حال الكثرة بأنّه يجب غسل الكلّ لا الزّائد وحده .
وذهب الحنفيّة إلى أنّ الكثير هو ما زاد عن قدر الدّرهم ، مع اقتصار الوجوب على الزّائد عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، خلافاً لمحمّدٍ ، حيث وافق المالكيّة في وجوب غسل الكلّ .
ج - استجمار المرأة :
27 - يجزئ المرأة الاستجمار من الغائط بالاتّفاق ، وهذا واضحٌ . أمّا من البول فعند المالكيّة لا يجزئ الاستجمار في بول المرأة ، بكراً كانت أو ثيّباً . قالوا : لأنّه يجاوز المخرج غالباً . وعند الشّافعيّة : يكفي في بول المرأة - إن كانت بكراً - ما يزيل عين النّجاسة خرقاً أو غيرها ، أمّا الثّيّب فإن تحقّقت نزول البول إلى ظاهر المهبل ، كما هو الغالب ، لم يكف الاستجمار ، وإلاّ كفى . ويستحبّ الغسل حينئذٍ .
أمّا عند الحنابلة ففي الثّيّب قولان :
الأوّل : أنّه يكفيها الاستجمار .
والثّاني : أنّه يجب غسله . وعلى كلا القولين لا يجب على المرأة غسل الدّاخل من نجاسةٍ وجنابةٍ وحيضٍ ، بل تغسل ما ظهر ، ويستحبّ لغير الصّائمة غسله .
ومقتضى قواعد مذهب الحنفيّة أنّه إذا لم يجاوز الخارج المخرج كان الاستنجاء سنّةً . وإن جاوز المخرج لا يجوز الاستجمار ، بل لا بدّ من المائع أو الماء لإزالة النّجاسة . ولم يتعرّضوا لكيفيّة استجمار المرأة .
ما لا يستجمر به :
28 - اشترط الحنفيّة والمالكيّة فيما يستجمر به خمسة شروطٍ :
(1 ) أن يكون يابساً ، وعبّر غيرهم بدل اليابس بالجامد .
(2 ) طاهراً .
(3 ) منقّياً .
(4 ) غير مؤذٍ .
(5 ) ولا محترمٍ . وعلى هذا فما لا يستنجى به عندهم خمسة أنواعٍ :
(1 ) ما ليس يابساً .
(2 ) الأنجاس .
(3 ) غير المنقّي ، كالأملس من القصب ونحوه .
(4 ) المؤذي ، ومنه المحدّد كالسّكّين ونحوه .
(5 ) المحترم وهو عندهم ثلاثة أصنافٍ :
أ - المحترم لكونه مطعوماً .
ب - المحترم لحقّ الغير .
ج - المحترم لشرفه .
وهذه الأمور تذكر في غير كتب المالكيّة أيضاً ، إلاّ أنّهم لا يذكرون في الشّروط عدم الإيذاء ، وإن كان يفهم المنع منه بمقتضى القواعد العامّة للشّريعة . وهم وإن اتّفقوا على هذه الاشتراطات من حيث الجملة ، فإنّهم قد يختلفون في التّفاصيل ، وقد يتّفقون .
ويرجع في تفصيل ذلك إلى كتب الفقه .
هل يجزئ الاستنجاء بما حرم الاستنجاء به :
29 - إذا ارتكب النّهي واستنجى بالمحرّم وأنقى ، فعند الحنفيّة والمالكيّة وابن تيميّة من الحنابلة ، كما في الفروع : يصحّ الاستنجاء مع التّحريم . قال ابن عابدين : لأنّه يجفّف ما على البدن من الرّطوبة . وقال الدّسوقيّ : ولا إعادة عليه في الوقت ولا في غيره .
أمّا عند الشّافعيّة فلا يجزئ الاستنجاء بما حرم لكرامته من طعامٍ أو كتب علمٍ ، وكذلك النّجس . أمّا عند الحنابلة فلا يجزئ الاستجمار بما حرم مطلقاً ، لأنّ الاستجمار رخصةٌ فلا تباح بمحرّمٍ . وفرّقوا بينه وبين الاستجمار باليمين - فإنّه يجزئ الاستجمار بها مع ورود النّهي - بأنّ النّهي في العظم ونحوه لمعنًى في شرط الفعل ، فمنع صحّته ، كالوضوء بالماء النّجس . أمّا باليمين فالنّهي لمعنًى في آلة الشّرط ، فلم يمنع ، كالوضوء من إناءٍ محرّمٍ . وسوّوا في ذلك بين ما ورد النّهي عن الاستجمار به كالعظم ، وبين ما كان استعماله بصفةٍ عامّةٍ محرّماً كالمغصوب . قالوا : ولو استجمر بعد المحرّم بمباحٍ لم يجزئه ووجب الماء ، وكذا لو استنجى بمائعٍ غير الماء . وإن استجمر بغير منقٍّ كالقصب أجزأ الاستجمار بعده بمنقٍّ . وفي المغني : يحتمل أن يجزئه الاستجمار بالطّاهر بعد الاستجمار بالنّجس ، لأنّ هذه النّجاسة تابعةٌ لنجاسة المحلّ فزالت بزوالها .
17 - مذهب الحنفيّة ، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة أنّ الفسخ لا يرفع العقد من أصله ، وإنّما في فسخٍ فيما يستقبل من الزّمان دون الماضي على ما نقل شيخ الإسلام خواهر زاده . وعند الشّافعيّة في القول المرجوح ، وهو أحد وجهين للحنابلة يستند الفسخ إلى وقت العقد .
استنباطٌ *
التعريف :
1 - الاستنباط لغةً : استفعالٌ من أنبط الماء إنباطاً بمعنى استخرجه . وكلّ ما أظهر بعد خفاءٍ فقد أنبط واستنبط . واستنبط الفقيه الحكم : استخرجه باجتهاده . قال اللّه تعالى : { ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم } واستنبطه واستنبط منه علماً وخيراً ومالاً : استخرجه . وهو مجازٌ .
ويستخلص من استعمال الفقهاء والأصوليّين تعريف الاستنباط بأنّه : استخراج الحكم أو العلّة إذا لم يكونا منصوصين ولا مجمعاً عليهما بنوعٍ من الاجتهاد . فيستخرج الحكم بالقياس ، أو الاستدلال ، أو الاستحسان ، أو نحوها ، وتستخرج العلّة بالتّقسيم والسّبر ، أو المناسبة ، أو غيرها ممّا يعرف بمسالك العلّة .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - الاجتهاد :
2 - هو بذل الطّاقة من الفقيه في تحصيل حكمٍ شرعيٍّ ظنّيٍّ ، فالفرق بينه وبين الاستنباط أنّه أعمّ من الاستنباط ، لأنّ الاجتهاد كما يكون في استخراج الحكم أو العلّة ، يكون في دلالات النّصوص والتّرجيح عند التّعارض .
ب - التّخريج :
3 - يستعمل هذا التّعبير كلٌّ من الفقهاء والأصوليّين ، وهو نوعٌ من الاستنباط ، ومعناه عندهم : استخراج الحكم بالتّفريع على نصّ الإمام في صورةٍ مشابهةٍ ، أو على أصول إمام المذهب كالقواعد الكلّيّة الّتي يأخذ بها ، أو الشّرع ، أو العقل ، من غير أن يكون الحكم منصوصاً عليه من الإمام . ومن أمثلته : التّفريع على قاعدة عدم التّكليف بما لا يطاق . هذا حاصل ما ذكره ابن بدران من الحنابلة . وقال السّقّاف من الشّافعيّة ما حاصله : إنّ التّخريج أن ينقل فقهاء المذهب الحكم من نصّ إمامهم في صورةٍ إلى صورةٍ مشابهةٍ .
وقد يكون للإمام نصٌّ في الصّورة المنقول إليها مخالفٌ للحكم المنقول ، فيكون له في هذه الصّورة قولان ، قولٌ منصوصٌ وقولٌ مخرّجٌ . وتخريج المناط عند الأصوليّين معناه : إظهار ما علّق عليه الحكم ، أي إظهار العلّة .
ج - البحث :
4 - قال ابن حجرٍ الهيتميّ : البحث ما يفهم فهماً واضحاً من الكلام العامّ للأصحاب ، المنقول عن صاحب المذهب بنقلٍ عامٍّ . وقال السّقّاف : البحث هو الّذي استنبطه الباحث من نصوص الإمام وقواعده الكلّيّة .
مواطن البحث :
يرجع لمعرفة مسائل الاستنباط إلى ( الاجتهاد ) ( والقياس - مسالك العلّة ) والملحق الأصوليّ .
استنتار *
انظر : استبراءٌ .
استنثارٌ *
التعريف :
1 - الاستنثار : هو نثر ما في الأنف من مخاطٍ وغيره بالنّفس ، واستنثر الإنسان : استنشق الماء ، ثمّ استخرج ذلك بنفس الأنف . ولا يخرج استعمال الفقهاء عن المعنى اللّغويّ .
الحكم الإجماليّ :
2 - الاستنثار سنّةٌ في الطّهارة ، لما ورد في صفة وضوء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه « تمضمض واستنشق واستنثر » . وللفقهاء تفصيلٌ في كيفيّته .
مواطن البحث :
3 - تنظر أحكام الاستنثار وكيفيّته تحت مصطلح ( وضوءٌ ) ( وغسلٌ ) .
استنجاءٌ *
التعريف :
1 - من معاني الاستنجاء : الخلاص من الشّيء ، يقال : استنجى حاجته منه ، أي خلّصها . والنّجوة ما ارتفع من الأرض فلم يعلها السّيل ، فظننتها نجاءك .
وأنجيت الشّجرة واستنجيتها : قطعتها من أصلها . ومأخذ الاستنجاء في الطّهارة ،
قال شمرٌ : أراه من الاستنجاء بمعنى القطع ، لقطعه العذرة بالماء ، وقال ابن قتيبة : مأخوذٌ من النّجوة وهي ما ارتفع من الأرض ، لأنّه إذا أراد قضاء الحاجة استتر بها .
وقد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف الاستنجاء اصطلاحاً ، وكلّها تلتقي على أنّ الاستنجاء إزالة ما يخرج من السّبيلين ، سواءٌ بالغسل أو المسح بالحجارة ونحوها عن موضع الخروج وما قرب منه . وليس غسل النّجاسة عن البدن أو عن الثّوب استنجاءً .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - الاستطابة :
2 - الاستطابة هي بمعنى الاستنجاء ، تشمل استعمال الماء والحجارة . وفي قولٍ عند الشّافعيّة أنّها خاصّةٌ باستعمال الماء ، فتكون حينئذٍ أخصّ من الاستنجاء . وأصلها من الطّيب ، لأنّها تطيّب المحلّ بإزالة ما فيه من الأذى ، ولذا يقال فيها أيضاً الإطابة .
ب - الاستجمار :
3 - الجمار : الحجارة ، جمع جمرةٍ وهي الحصاة . ومعنى الاستجمار : استعمال الحجارة ونحوها في إزالة ما على السّبيلين من النّجاسة .
ج - الاستبراء :
4 - الاستبراء لغةً طلب : البراءة ، وفي الاصطلاح : طلب البراءة من الخارج بما تعارفه الإنسان من مشيٍ أو تنحنحٍ أو غيرهما إلى أن تنقطع المادّة ، فهو خارجٌ عن ماهيّة الاستنجاء ، لأنّه مقدّمةٌ له .
د - الاستنقاء :
5 - الاستنقاء : طلب النّقاوة ، وهو أن يدلك المقعدة بالأحجار ، أو بالأصابع حالة الاستنجاء بالماء حتّى ينقّيها ، فهو أخصّ من الاستنجاء ، ومثله الإنقاء . قال ابن قدامة : هو أن تذهب لزوجة النّجاسة وآثارها .
حكم الاستنجاء :
6 - في حكم الاستنجاء - من حيث الجملة - رأيان للفقهاء :
الأوّل : أنّه واجبٌ إذا وجد سببه ، وهو الخارج ، وهو قول المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . واستدلّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجارٍ ، يستطيب بهنّ ، فإنّها تجزي عنه » وقوله : « لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجارٍ » رواه مسلمٌ وفي لفظٍ له : « لقد نهانا أن نستنجي بدون ثلاثة أحجارٍ » ، قالوا : والحديث الأوّل أمرٌ ، والأمر يقتضي الوجوب . وقال : « فإنّها تجزي عنه » والإجزاء إنّما يستعمل في الواجب ، ونهى عن الاقتصار على أقلّ من ثلاثةٍ ، والنّهي يقتضي التّحريم ، وإذا حرّم ترك بعض النّجاسة فجميعها أولى .
7 - الرّأي الثّاني : أنّه مسنونٌ وليس بواجبٍ . وهو قول الحنفيّة ، وروايةٌ عن مالكٍ . ففي منية المصلّي : الاستنجاء مطلقاً سنّةٌ لا على سبيل التّعيين من كونه بالحجر أو بالماء ، وهو قول المزنيّ من أصحاب الشّافعيّ . ونقل صاحب المغني من قول ابن سيرين فيمن صلّى بقومٍ ولم يستنج ، قال : لا أعلم به بأساً . قال الموفّق : يحتمل أنّه لم ير وجوب الاستنجاء . واحتجّ الحنفيّة بما في سنن أبي داود من قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم « من استجمر فليوتر ، من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج » قال في مجمع الأنهر : لأنّه لو كان واجباً لما انتفى الحرج عن تاركه . واحتجّوا أيضاً بأنّه نجاسةٌ قليلةٌ ، والنّجاسة القليلة عفوٌ .
وفي السّراج الوهّاج للحنفيّة : الاستنجاء خمسة أنواعٍ . أربعةٌ فريضةٌ : من الحيض والنّفاس والجنابة ، وإذا تجاوزت النّجاسة مخرجها .
وواحدٌ سنّةٌ ، وهو ما إذا كانت النّجاسة قدر المخرج . وقد رفض ابن نجيمٍ هذا التّقسيم ، وقرّر أنّ الثّلاثة هي من باب إزالة الحدث ، والرّابع من باب إزالة النّجاسة العينيّة عن البدن ، وليس ذلك من باب الاستنجاء ، فلم يبق إلاّ القسم المسنون . وأقرّ ابن عابدين التّقرير . وقال القرافيّ بعد أن ذكر أنّ من ترك الاستنجاء وصلّى بالنّجاسة أعاد ، قال : ولمالكٍ رحمه الله في العتبية : لا إعادة عليه ، ثمّ ذكر الحديث المتقدّم : « من استجمر فليوتر ، من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج » وقال : الوتر يتناول المرّة الواحدة ، فإذا نفاها لم يبق شيءٌ ، ولأنّه محلٌّ تعمّ به البلوى فيعفى عنه ، وهذا يقتضي أنّ عند مالكٍ قولاً بعدم الوجوب . ثمّ هو عند الحنفيّة سنّةٌ مؤكّدةٌ لمواظبته صلى الله عليه وسلم . وبنى ابن عابدين على ذلك كراهة تركه ، ونقله أيضاً عن البدائع . ونقل عن الخلاصة والحلية نفي الكراهة ، بناءً على أنّه مستحبٌّ لا سنّةٌ ، بخلاف النّجاسة المعفوّ عنها في غير موضع الحدث فتركها يكره .
وقت وجوب الاستنجاء عند القائلين بوجوبه :
8 - إنّ وجوب الاستنجاء إنّما هو لصحّة الصّلاة . ولذا قال الشبراملسي من الشّافعيّة : لا يجب الاستنجاء على الفور ، بل عند القيام إلى الصّلاة حقيقةً أو حكماً ، بأن دخل وقت الصّلاة وإن لم يرد فعلها في أوّله . فإذا دخل وقت الصّلاة وجب وجوباً موسّعاً بسعة الوقت ، ومضيّقاً بضيقه . ثمّ قال : نعم ، إن قضى حاجته في الوقت ، وعلم أنّه لا يجد الماء في الوقت ، وجب استعمال الحجر فوراً .
علاقة الاستنجاء بالوضوء ، والتّرتيب بينهما :
9 - الاستنجاء من سنن الوضوء قبله عند الحنفيّة والشّافعيّة ، والرّواية المعتمدة للحنابلة ، فلو أخّره عنه جاز وفاتته السّنّيّة ، لأنّه إزالة نجاسةٍ ، فلم تشترط لصحّة الطّهارة ، كما لو كانت على غير الفرج . وصرّح المالكيّة بأنّه لا يعدّ من سنن الوضوء ، وإن استحبّوا تقديمه عليه . أمّا الرّواية الأخرى عند الحنابلة : فالاستنجاء قبل الوضوء - إذا وجد سببه - شرطٌ في صحّة الصّلاة . فلو توضّأ قبل الاستنجاء لم يصحّ ، وعلى هذه الرّواية اقتصر صاحب كشّاف القناع . قال الشّافعيّة : وهذا في حقّ السّليم ، أمّا في حقّ صاحب الضّرورة - يعنون صاحب السّلس ونحوه - فيجب تقديم الاستنجاء على الوضوء .
وعلى هذا ، فإذا توضّأ السّليم قبل الاستنجاء ، يستجمر بعد ذلك بالأحجار ، أو يغسله بحائلٍ بينه وبين يديه ، ولا يمسّ الفرج . وقواعد المذاهب الأخرى لا تأبى ذلك التّفصيل .
علاقة الاستنجاء بالتّيمّم ، والتّرتيب بينهما :
10 - للفقهاء في ذلك اتّجاهان :
الاتّجاه الأوّل : أنّه يجب تقديم الاستجمار على التّيمّم ، وهذا رأي الشّافعيّة ، وهو أحد احتمالين عند المالكيّة ، وقولٌ عند الحنابلة . وعلّل القرافيّ ذلك بأنّ التّيمّم لا بدّ أن يتّصل بالصّلاة ، فإذا تيمّم ثمّ استنجى فقد فرّقه بإزالة النّجو . وعلّل القاضي أبو يعلى ذلك بأنّ التّيمّم لا يرفع الحدث ، وإنّما تستباح به الصّلاة ، ومن عليه نجاسةٌ يمكنه إزالتها لا تباح له الصّلاة ، فلم تصحّ نيّة الاستباحة ، كما لو تيمّم قبل الوقت .
والاتّجاه الثّاني : أنّ التّرتيب هنا لا يجب ، وهو الاحتمال الثّاني عند المالكيّة ، والقول الآخر للحنابلة . قال القرافيّ : كما لو تيمّم ثمّ وطئ نعله على روثٍ ، فإنّه يمسحه ويصلّي . وقال القاضي أبو يعلى : لأنّه طهارةٌ فأشبهت الوضوء ، والمنع من الإباحة لمانعٍ آخر لا يقدح في صحّة التّيمّم ، كما لو تيمّم في موضعٍ نهي عن الصّلاة فيه ، أو تيمّم وعلى ثوبه نجاسةٌ . وقيل عند الحنابلة : لا يصحّ تأخيره عن التّيمّم قولاً واحداً .
حكم استنجاء من به حدثٌ دائمٌ :
11 - من كان به حدثٌ دائمٌ ، كمن به سلس بولٍ ونحوه ، يخفّف في شأنه حكم الاستنجاء ، كما يخفّف حكم الوضوء .
ففي قول الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة : يستنجي ويتحفّظ ، ثمّ يتوضّأ لكلّ صلاةٍ بعد دخول الوقت . فإذا فعل ذلك وخرج منه شيءٌ لم يلزمه إعادة الاستنجاء والوضوء بسبب السّلس ونحوه ، ما لم يخرج الوقت على مذهب الحنفيّة والشّافعيّة ، وهو أحد قولي الحنابلة . أو إلى أن يدخل وقت الصّلاة الأخرى على المعتمد من قولي الحنابلة . وأمّا على قول المالكيّة : فلا يلزم من به السّلس التّوضّؤ منه لكلّ صلاةٍ ، بل يستحبّ ذلك ما لم يشقّ ، فعندهم أنّ ما يخرج من الحدث إذا كان مستنكحاً - أي كثيراً يلازم كلّ الزّمن أو جلّه ، بأن يأتي كلّ يومٍ مرّةً فأكثر - فإنّه يعفى عنه ، ولا يلزمه غسل ما أصاب منه ولا يسنّ ، وإن نقض الوضوء وأبطل الصّلاة في بعض الأحوال ، وسواءٌ أكان غائطاً ، أم بولاً ، أم مذياً ، أم غير ذلك .
ما يستنجى منه :
12 - أجمع الفقهاء على أنّ الخارج من السّبيلين المعتاد النّجس الملوّث يستنجى منه حسبما تقدّم . أمّا ما عداه ففيه خلافٌ ، وتفصيلٌ بيانه فيما يلي :
الخارج غير المعتاد :
13 - الخارج غير المعتاد كالحصى والدّود والشّعر ، لا يستنجى منه إذا خرج جافّاً ، طاهراً كان أو نجساً .
أمّا إذا كان به بلّةٌ ولوّث المحلّ فيستنجى منها ، فإن لم يلوّث المحلّ فلا يستنجى منه عند الحنفيّة والمالكيّة ، وهو القول المقدّم عند كلٍّ من الشّافعيّة والحنابلة . والقول الآخر عند كلٍّ من الشّافعيّة والحنابلة : يستنجى من كلّ ما خرج من السّبيلين غير الرّيح .
ذالدّم والقيح وشبههما من غير المعتاد :
14 - إن خرج الدّم أو القيح من أحد السّبيلين ففيه قولان للفقهاء :
الأوّل : أنّه لا بدّ من غسله كسائر النّجاسات ، ولا يكفي فيه الاستجمار . وهذا قولٌ عند كلٍّ من المالكيّة والشّافعيّة ، لأنّ الأصل في النّجاسة الغسل ، وترك ذلك في البول والغائط للضّرورة ، ولا ضرورة هنا ، لندرة هذا النّوع من الخارج . واحتجّ أصحاب هذا القول أيضاً بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « أمر بغسل الذّكر من المذي » والأمر يقتضي الوجوب . قال ابن عبد البرّ : استدلّوا بأنّ الآثار كلّها على اختلاف ألفاظها وأسانيدها ليس فيها ذكر الاستجمار ، إنّما هو الغسل . كالأمر بالغسل من المذي في حديث عليٍّ .
والقول الثّاني : أنّه يجزئ فيه الاستجمار ، وهو رأي الحنفيّة والحنابلة ، وقولٌ لكلٍّ من المالكيّة والشّافعيّة ، وهذا إن لم يختلط ببولٍ أو غائطٍ .
وحجّة هذا القول ، أنّه وإن لم يشقّ فيه الغسل لعدم تكرّره ، فهو مظنّة المشقّة . وأمّا المذي فمعتادٌ كثيرٌ ، ويجب غسل الذّكر منه تعبّداً ، وقيل : لا يجب .
ما خرج من مخرجٍ بديلٍ عن السّبيلين :
15 - إذا انفتح مخرجٌ للحدث ، وصار معتاداً ، استجمر منه عند المالكيّة ، ولا يلحق بالجسد ، لأنّه أصبح معتاداً بالنّسبة إلى ذلك الشّخص المعيّن . وعند الحنابلة : إذا انسدّ المخرج المعتاد وانفتح آخر ، لم يجزئه الاستجمار فيه ، ولا بدّ من غسله ، لأنّه غير السّبيل المعتاد . وفي قولٍ لهم : يجزئ . ولم يعثر على قول الحنفيّة والشّافعيّة في هذه المسألة .
المذي :
16 - المذي نجسٌ عند الحنفيّة ، فهو ممّا يستنجى منه كغيره ، بالماء أو بالأحجار . ويجزئ الاستجمار أو الاستنجاء بالماء منه . وكذلك عند المالكيّة في قولٍ هو خلاف المشهور عندهم ، وهو الأظهر عند الشّافعيّة ، وروايةٌ عند الحنابلة . أمّا في المشهور عند المالكيّة ، وهي الرّواية الأخرى عند الحنابلة ، فيتعيّن فيه الماء ولا يجزئ الحجر ، لما روي أنّ عليّاً رضي الله عنه قال : « كنت رجلاً مذّاءً ، فاستحيت أن أسأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته ، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله ، فقال : يغسل ذكره وأنثييه ويتوضّأ » . وفي لفظٍ « يغسل ذكره ويتوضّأ » . وإنّما يتعيّن فيه الغسل عند المالكيّة إذا خرج بلذّةٍ معتادةٍ ، أمّا إن خرج بلا لذّةٍ أصلاً فإنّه يكفي فيه الحجر ، ما لم يكن يأتي كلّ يومٍ على وجه السّلس ، فلا يطلب في إزالته ماءٌ ولا حجرٌ ، بل يعفى عنه .
الودي :
17 - الودي خارجٌ نجسٌ ، ويجزي فيه الاستنجاء بالماء أو بالأحجار عند فقهاء المذاهب الأربعة .
الرّيح :
18 - لا استنجاء من الرّيح . صرّح بذلك فقهاء المذاهب الأربعة . فقال الحنفيّة : هو بدعةٌ ، وهذا يقتضي أنّه عندهم محرّمٌ ، ومثله ما قاله القليوبيّ من الشّافعيّة ، بل يحرم ، لأنّه عبادةٌ فاسدةٌ . ويكره عند المالكيّة والشّافعيّة . قال الدّسوقيّ : لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ليس منّا من استنجى من ريحٍ » والنّهي للكراهة . وقال صاحب نهاية المحتاج من الشّافعيّة : لا يجب ولا يستحبّ الاستنجاء من الرّيح ولو كان المحلّ رطباً . وقال ابن حجرٍ المكّيّ : يكره من الرّيح إلاّ إن خرجت والمحلّ رطبٌ . والّذي عبّر به الحنابلة : أنّه لا يجب منها ، ومقتضى استدلالهم الآتي الكراهة على الأقلّ . قال صاحب المغني : للحديث « من استنجى من ريحٍ فليس منّا » رواه الطّبرانيّ في معجمه الصّغير .
وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم } . الآية إذا قمتم من النّوم . ولم يأمر بغيره ، يعني فلو كان واجباً لأمر به ، لأنّ النّوم مظنّة خروج الرّيح ، فدلّ على أنّه لا يجب ، ولأنّ الوجوب من الشّرع ، ولم يرد بالاستنجاء هاهنا نصٌّ ، ولا هو في معنى المنصوص عليه ، لأنّ الاستنجاء شرع لإزالة النّجاسة ، ولا نجاسة هاهنا .
الاستنجاء بالماء :
19 - يستحبّ باتّفاق المذاهب الأربعة الاستنجاء بالماء . وقد ورد عن بعض الصّحابة والتّابعين إنكار الاستنجاء به ، ولعلّ ذلك لأنّه مطعومٌ .
والحجّة لإجزاء استعمال الماء ما روى أنس بن مالكٍ قال : « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء ، فأحمل أنا وغلامٌ نحوي إداوةً من ماءٍ وعنزةً ، فيستنجي بالماء » متّفقٌ عليه . وعن « عائشة أنّها قالت : مرن أزواجكنّ أن يستطيبوا بالماء فإنّي أستحييهم ، وإنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يفعله » . وقد حمل المالكيّة ما ورد عن السّلف من إنكار استعمال الماء بأنّه في حقّ من أوجب استعمال الماء . وحمل صاحب كفاية الطّالب ما ورد عن سعيد بن المسيّب من قوله : وهل يفعل ذلك إلاّ النّساء ؟ على أنّه من واجبهنّ .
الاستنجاء بغير الماء من المائعات :
20 - لا يجزئ الاستنجاء بغير الماء من المائعات على قول الجمهور : المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، وهو روايةٌ عن محمّد بن الحسن تعدّ ضعيفةً في المذهب . قال المالكيّة : بل يحرم الاستنجاء بمائعٍ غير الماء لنشره النّجاسة . وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنّه يمكن أن يتمّ الاستنجاء - كما في إزالة النّجاسة - بكلّ مائعٍ طاهرٍ مزيلٍ ، كالخلّ وماء الورد ، دون ما لا يزيل كالزّيت ، لأنّ المقصود قد تحقّق ، وهو إزالة النّجاسة . ثمّ قد قال ابن عابدين : يكره الاستنجاء بمائعٍ غير الماء ، لما فيه من إضاعة المال بلا ضرورةٍ .
أفضليّة الغسل بالماء على الاستجمار :
21 - إنّ غسل المحلّ بالماء أفضل من الاستجمار ، لأنّه أبلغ في الإنقاء ، ولإزالته عين النّجاسة وأثرها . وفي روايةٍ عن أحمد : الأحجار أفضل ، ذكرها صاحب الفروع . وإذا جمع بينهما بأن استجمر ثمّ غسل كان أفضل من الكلّ بالاتّفاق . وبيّن النّوويّ وجه الأفضليّة بقوله : تقديم الأحجار لتقلّ مباشرة النّجاسة واستعمال الماء ، فلو استعمل الماء أوّلاً لم يستعمل الحجارة بعده ، لأنّه لا فائدة فيه . وعند الحنابلة التّرتيب بتقديم الاستجمار على الغسل مستحبٌّ ، وإن قدّم الماء وأتبعا الحجارة كره ، لقول عائشة : « مرن أزواجكنّ أن يتبعوا الحجارة الماء فإنّي أستحييهم ، وإنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يفعله » . وعند الحنفيّة قيل : الغسل بالماء سنّةٌ ، وقيل : الجمع سنّةٌ في زماننا . وقيل : سنّةٌ على الإطلاق ، وهو الصّحيح وعليه الفتوى كما في البحر الرّائق . هذا وقد احتجّ الخرشيّ وغيره على أفضليّة الجمع بين الماء والحجر بأنّ أهل قباء كانوا يجمعون بينهما ، فمدحهم اللّه تعالى بقوله : { إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين } وحقّق النّوويّ أنّ الرّواية الصّحيحة في ذلك ليس فيها أنّهم كانوا يجمعون بينهما ، وإنّما فيها أنّهم يستنجون بالماء .
ما يستجمر به :
22 - الاستجمار يكون بكلّ جامدٍ إلاّ ما منع منه وسيأتي تفصيله ، وهذا قول جمهور العلماء ، ومنهم الإمام أحمد في الرّواية المعتمدة عنه ، وهو الصّحيح من مذهب الحنابلة . وفي روايةٍ عن أحمد اختارها أبو بكرٍ : لا يجزئ في الاستجمار شيءٌ من الجوامد من خشبٍ وخرقٍ إلاّ الأحجار ،« لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بالأحجار »، وأمره يقتضي الوجوب ، ولأنّه موضع رخصةٍ ورد فيها الشّرع بآلةٍ مخصوصةٍ ، فوجب الاقتصار عليها ، كالتّراب في التّيمّم . والدّليل لقول الجمهور : ما روى أبو داود عن خزيمة قال : « سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة فقال : بثلاثة أحجارٍ ليس فيها رجيعٌ » فلولا أنّه أراد الحجر وما في معناه لم يستثن الرّجيع ، لأنّه لا يحتاج لذكره ، ولم يكن لتخصيص الرّجيع بالذّكر معنًى . وعن سلمان قال «: قيل له : قد علّمكم نبيّكم كلّ شيءٍ حتّى الخراء قال : فقال : أجل ، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائطٍ أو بولٍ ، أو أن نستنجي باليمين . أو أن نستنجي بأقلّ من ثلاثة أحجارٍ ، أو أن نستنجي برجيعٍ أو عظمٍ » 0 وفارق التّيمّم ، لأنّ القصد هنا إزالة النّجاسة ، وهي تحصل بغير الأحجار ، أمّا التّيمّم فهو غير معقول المعنى .
الاستجمار هل هو مطهّرٌ للمحلّ ؟
23 - اختلف الفقهاء في هذا على قولين :
الأوّل : أنّ المحلّ يصير طاهراً بالاستجمار ، وهو قولٌ عند كلٍّ من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة . قال ابن الهمام : والّذي يدلّ على اعتبار الشّرع طهارته أنّه صلى الله عليه وسلم « نهى أن يستنجى بروثٍ أو عظمٍ ، وقال : إنّهما لا يطهّران » فعلم أنّ ما أطلق الاستنجاء به يطهّر ، إذ لو لم يطهّر لم يطلق الاستنجاء به لهذه العلّة . وكذلك قال الدّسوقيّ المالكيّ : يكون المحلّ طاهراً لرفع الحكم والعين عنه .
والقول الثّاني : وهو القول الآخر لكلٍّ من الحنفيّة والمالكيّة ، وقول المتأخّرين من الحنابلة : أنّ المحلّ يكون نجساً معفوّاً عنه للمشقّة . قال ابن نجيمٍ : ظاهر ما في الزّيلعيّ أنّ المحلّ لا يطهر بالحجر . وفي كشّاف القناع للحنابلة : أثر الاستجمار نجسٌ يعفى عن يسيره في محلّه للمشقّة . وفي المغني : وعليه لو عرق كان عرقه نجساً .
24 - وجمهور الفقهاء على أنّ الرّطوبة إذا أصابت المحلّ بعد الاستجمار يعفى عنها .
قال ابن نجيمٍ من الحنفيّة : بناءً على القول بأنّ المحلّ بعد الاستجمار نجسٌ معفوٌّ عنه ، يتفرّع عليه أنّه يتنجّس السّبيل بإصابة الماء . وفيه الخلاف المعروف في مسألة الأرض إذا جفّت بعد التّنجّس ثمّ أصابها الماء ، وقد اختاروا في الجميع عدم عود النّجاسة ، فليكن كذلك هنا . ثمّ نقل عن ابن الهمام قوله : أجمع المتأخّرون - أي من الحنفيّة - على أنّه لا ينجس المحلّ بالعرق ، حتّى لو سال العرق منه ، وأصاب الثّوب والبدن أكثر من قدر الدّرهم لا يمنع ( أي لا يمنع صحّة الصّلاة ) .
ونقل القرافيّ عن صاحب الطّراز وابن رشدٍ : يعفى عنه لعموم البلوى . قال : وقد عفي عن ذيل المرأة تصيبه النّجاسة ، مع إمكان شيله ، فهذا أولى ، ولأنّ الصّحابة رضي الله عنهم كانوا يستجمرون ويعرقون . والقول الآخر : قاله الشّافعيّة ، وابن القصّار من المالكيّة : لا ينجس إن لم تتعدّ الرّطوبة محلّ الاستجمار ، وينجس إن تعدّت النّجاسة محلّ العفوّ .
المواضع الّتي لا يجزئ فيها الاستجمار :
أ - النّجاسة الواردة على المخرج من خارجه :
25 - إن كان النّجس طارئاً على المحلّ من خارجٍ أجزأ فيه الاستجمار في المشهور عند الحنفيّة . وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ الحجر لا يجزئ فيه ، بل لا بدّ من غسله بالماء . وهو قولٌ آخر للحنفيّة . ومثله عند الشّافعيّة ، ما لو طرأ على المحلّ المتنجّس بالخارج طاهرٌ رطبٌ ، أو يختلط بالخارج كالتّراب . ومثله ما لو استجمر بحجرٍ مبتلٍّ ، لأنّ بلل الحجر يتنجّس بنجاسة المحلّ ثمّ ينجّسه . وكذا لو انتقلت النّجاسة عن المحلّ الّذي أصابته عند الخروج ، فلا بدّ عندهم من غسل المحلّ في كلّ تلك الصّور .
ب - ما انتشر من النّجاسة وجاوز المخرج :
26 - اتّفقت المذاهب الأربعة على أنّ الخارج إن جاوز المخرج وانتشر كثيراً لا يجزئ فيه الاستجمار ، بل لا بدّ من غسله . ووجه ذلك أنّ الاستجمار رخصةٌ لعموم البلوى ، فتختصّ بما تعمّ به البلوى ، ويبقى الزّائد على الأصل في إزالة النّجاسة بالغسل . لكنّهم اختلفوا في تحديد الكثير ، فذهب المالكيّة والحنابلة والشّافعيّة إلى أنّ الكثير من الغائط هو ما جاوز المخرج ، وانتهى إلى الألية ، والكثير من البول ما عمّ الحشفة .
وانفرد المالكيّة في حال الكثرة بأنّه يجب غسل الكلّ لا الزّائد وحده .
وذهب الحنفيّة إلى أنّ الكثير هو ما زاد عن قدر الدّرهم ، مع اقتصار الوجوب على الزّائد عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، خلافاً لمحمّدٍ ، حيث وافق المالكيّة في وجوب غسل الكلّ .
ج - استجمار المرأة :
27 - يجزئ المرأة الاستجمار من الغائط بالاتّفاق ، وهذا واضحٌ . أمّا من البول فعند المالكيّة لا يجزئ الاستجمار في بول المرأة ، بكراً كانت أو ثيّباً . قالوا : لأنّه يجاوز المخرج غالباً . وعند الشّافعيّة : يكفي في بول المرأة - إن كانت بكراً - ما يزيل عين النّجاسة خرقاً أو غيرها ، أمّا الثّيّب فإن تحقّقت نزول البول إلى ظاهر المهبل ، كما هو الغالب ، لم يكف الاستجمار ، وإلاّ كفى . ويستحبّ الغسل حينئذٍ .
أمّا عند الحنابلة ففي الثّيّب قولان :
الأوّل : أنّه يكفيها الاستجمار .
والثّاني : أنّه يجب غسله . وعلى كلا القولين لا يجب على المرأة غسل الدّاخل من نجاسةٍ وجنابةٍ وحيضٍ ، بل تغسل ما ظهر ، ويستحبّ لغير الصّائمة غسله .
ومقتضى قواعد مذهب الحنفيّة أنّه إذا لم يجاوز الخارج المخرج كان الاستنجاء سنّةً . وإن جاوز المخرج لا يجوز الاستجمار ، بل لا بدّ من المائع أو الماء لإزالة النّجاسة . ولم يتعرّضوا لكيفيّة استجمار المرأة .
ما لا يستجمر به :
28 - اشترط الحنفيّة والمالكيّة فيما يستجمر به خمسة شروطٍ :
(1 ) أن يكون يابساً ، وعبّر غيرهم بدل اليابس بالجامد .
(2 ) طاهراً .
(3 ) منقّياً .
(4 ) غير مؤذٍ .
(5 ) ولا محترمٍ . وعلى هذا فما لا يستنجى به عندهم خمسة أنواعٍ :
(1 ) ما ليس يابساً .
(2 ) الأنجاس .
(3 ) غير المنقّي ، كالأملس من القصب ونحوه .
(4 ) المؤذي ، ومنه المحدّد كالسّكّين ونحوه .
(5 ) المحترم وهو عندهم ثلاثة أصنافٍ :
أ - المحترم لكونه مطعوماً .
ب - المحترم لحقّ الغير .
ج - المحترم لشرفه .
وهذه الأمور تذكر في غير كتب المالكيّة أيضاً ، إلاّ أنّهم لا يذكرون في الشّروط عدم الإيذاء ، وإن كان يفهم المنع منه بمقتضى القواعد العامّة للشّريعة . وهم وإن اتّفقوا على هذه الاشتراطات من حيث الجملة ، فإنّهم قد يختلفون في التّفاصيل ، وقد يتّفقون .
ويرجع في تفصيل ذلك إلى كتب الفقه .
هل يجزئ الاستنجاء بما حرم الاستنجاء به :
29 - إذا ارتكب النّهي واستنجى بالمحرّم وأنقى ، فعند الحنفيّة والمالكيّة وابن تيميّة من الحنابلة ، كما في الفروع : يصحّ الاستنجاء مع التّحريم . قال ابن عابدين : لأنّه يجفّف ما على البدن من الرّطوبة . وقال الدّسوقيّ : ولا إعادة عليه في الوقت ولا في غيره .
أمّا عند الشّافعيّة فلا يجزئ الاستنجاء بما حرم لكرامته من طعامٍ أو كتب علمٍ ، وكذلك النّجس . أمّا عند الحنابلة فلا يجزئ الاستجمار بما حرم مطلقاً ، لأنّ الاستجمار رخصةٌ فلا تباح بمحرّمٍ . وفرّقوا بينه وبين الاستجمار باليمين - فإنّه يجزئ الاستجمار بها مع ورود النّهي - بأنّ النّهي في العظم ونحوه لمعنًى في شرط الفعل ، فمنع صحّته ، كالوضوء بالماء النّجس . أمّا باليمين فالنّهي لمعنًى في آلة الشّرط ، فلم يمنع ، كالوضوء من إناءٍ محرّمٍ . وسوّوا في ذلك بين ما ورد النّهي عن الاستجمار به كالعظم ، وبين ما كان استعماله بصفةٍ عامّةٍ محرّماً كالمغصوب . قالوا : ولو استجمر بعد المحرّم بمباحٍ لم يجزئه ووجب الماء ، وكذا لو استنجى بمائعٍ غير الماء . وإن استجمر بغير منقٍّ كالقصب أجزأ الاستجمار بعده بمنقٍّ . وفي المغني : يحتمل أن يجزئه الاستجمار بالطّاهر بعد الاستجمار بالنّجس ، لأنّ هذه النّجاسة تابعةٌ لنجاسة المحلّ فزالت بزوالها .