يضيقُ صدري بغـمِّ عند حادِثـةٍ * ورَبَّما خِيـرَ لي في الغـَمِّ أحيانَـا ورُبَّ يـومٍ يكونَ الغـمُّ أوَّلـَهُ * وعنـد آخِـرهِ رَوْحـاً وريحانـَا ما ضِـقتُ ذَرْعاً بغـمِّ عند نائِبةٍ * إلاَّ ولي فَـرَجٌ قد حـَلَّ أو حانـَا
ومن أجمل القصائد التي قرأتها هي القصيدة الماتعة للشيخ أبي الفتح محمد بن على البستي:
زيادة المـرء في دنيـاه نقصـان * وربحه غير محض الخيـر خسـران
وكل وجـدان حظ لا ثـبات له * فإن معنـاه في التحقيـق فقـدان
يا عامـراً لخراب الدهر مجتهـداً * تالله هل لخـراب الدهر عمـران ؟
ويا حريصاً على الأموال تجمعهـا * أنسيـت أن سـرور المال أحـزان
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته * أتطلب الربـح فيما فيـه خسـران
أقبل على النفس واستعمل فضائلها * فأنت بالنفس لا بالجسم إنسـان
دع الفؤاد عن الدنيا وزخرفهـا * فصفـوها كدر والوصـل هجـران
وأوع سمعـك أمثـالاً افصلهـا * كما يفصـل ياقـوت ومرجـان
أحسن إلى الناس تستعـبد قلـوبهم * فطالما استعبد الإنسان إحسـان
وإن أساء مسـيء فليكن لك في * عـروض زلته صفـح وغفـران
وكن على الدهر معواناً لذي أمـلٍ * يرجـو نداك فإن الحـر معـوان
واشدد يديـك بحبل الله معتصمـاً * فإنه الركن إن خانـتك أركـان
من يتقـي الله يحمد في عواقبـه * ويكفه شر من عـزوا ومن هانـوا
من استعـان بغير الله في طلـب * فـإن ناصـره عجـز وخـذلان
من كان للخيـر مناعاً فليـس له * على الحقيقـة إخـوان وأخـدان
من جاد بالمال مال الناس قاطبـة * إليـه والمـال للإنسـان فـتـان
من سالم الناس يسلم من غوائلهم * وعاش وهو قرير العـين جـذلان
من مد طرفاً لفرط الجهل نحو هوى * أغضى على الحق يوماً وهو حزنان
من عاشر الناس لاقى منهم نصباً * لأن أخـلاقهـم بغـي وعـدوان
من كان للعقل سلطان عليه غداً * وما على نفسه للحـرص سلطـان
ومن يفتش على الإخوان يقلهم * فجل إخـوان هذا العصـر خـوان
ولا يغرنك حـظ جـره خـرق * فالخـرق هدم ورفق المرء بنيـان
فالروض يزدان بالأنوار فاغمـة * والحر بالعدل والإحسـان يـزدان
صن حر وجهك لا تهتك غلالته * فكـل حر لحـر الوجـه صـوان
وإن لقيت عدواً فالـقه أبـداً * والوجه بالبشر والإشـراق غضـان
من استشار صروف الدهر قام له * على حقيـقة طبع الدهر برهـان
من يزرع الشر يحصد في عواقبه * ندامـة ولحـصد الـزرع إبـان
من استنام إلى الأشـرار قام وفي * قميصـه منهم صـل وثعـبـان
كـن ريق البشر إن المرء همـته * صحيـفة وعليها البشر عنـوان
ورافق الرفق في كل الأمور فلم * يذمم يندم رفيق ولم يذممه إنسـان
أحسن إذا كان إمكان ومقـدرة * فلن يدوم على الإنسان إمكـان
دع التكاسل في الخيرات تطلبهـا * فليس يسعد بالخـيرات كسلان
لا ظل للمرء أحرى من تقى ونهى * وإن أظلـته أوراق وأغصـان
الناس إخوان من والته دولـتـه * وهم علـيه إذا عـادته أعـوان
سحبـان من غير مال باقل حص * وبـاقل في ثـرآء المال سحبان
لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم * غـرائز لست تحصيها وأكنـان
ما كان ماء كصـدآء لوارده * نعم ولا كل نبت فهـو سعـدان
وللأمـور مواقـيت مقـدرة * وكـل أمـر له حـد وميـزان
فلا تكن عجـلاً في الأمر تطلبه * فليس يحمد قبل النضج بـحران
حسب الفتى عقـله خلا يعاشره * إذا تحامـاه إخـوان وخـلان
هما رضيعا لبان حكمـة وتقى * وساكنـاً وطـن مال وطغيـان
إذا بـنا نباخ بكريم موطن فلـه * وراءه في بسيط الأرض أوطـان
يا ظـالماً فرحاً بالعـز ساعـده * إن كنت في سنة فالدهر يقظـان
يا أيهـا العـالم المرضي سيرتـه * أبـشر فأنت بغير المـاء ريـان
ويا أخا الجهل لو أصبحت في لججٍ * فأنت ما بينهـا لاشك ظمـآن
لا تحسـبن سروراً دائماً أبـداً * مـن سـره زمن ساءته أزمـان
إذا جفاك خليـل كنت تألـفه * فاطلب سواه فكل الناس إخـوان
وإن نبت بك أوطان نشأت بها * فارحل فكل بـلاد الله أوطــان
خذها سـوائر أمثال مهذبـة * فيهـا لـمن يبتغي التـبيان تبيـان
ما ضر حسانها والطبع صائغها * إن لم يصغهـا قريع الشعر حسـان
العلـم قــال الله قــال رســوله * قال الصحابة ، ليس خلف فيه ما العلمُ نَصبُكَ للخلاف سفاهةً * بين النصوص وبين رأي فقيه كلا ولا نصب الخلاف جهالـة * بين الرســـول وبين قـول فقيـه كلا ولا ردُّ النصوص تعـمُّـدًا * حذرًا من التجسيـــم والتشبيـه حاشا النصوصَ من الذي رُميت به * من فرقة التعطيل والتمويه
ونسب للذهبي رحمه الله : العـلم قـــال الله قـــــال رســوله * إن صح والإجماع فاجهد فيه وحذار من نصب الخلاف جهالة * بين الرسول وبين رأى فقيه
وفي النونية لابن القيم - طيب الله ثراه - : العلم قــــال الله قــال رسولـه * قال الصحابة هم أولو العرفان ما العلم نصبك للخلاف سفاهة * بين الرسـول وبين رأي فلان كلا ولا جحد الصفـات لربنــا * في قالب التنـزيه والسبحـــان كلا ولا نفي العلو لفاطــر الأ*كـوان فوق جميع ذي الأكــوان كلا ولا عزل النصـوص وأنها * ليست تفيد حقائق الايمــان إذ لا تفيدكـم يقينــــــا لا ولا * علما فقد عزلت عن الايقــــان والعلم عندكم ينـال بغيرها * بزبالـة الأفكــــار والأذهـــــان سميتمـوه قواطعـا عقلـيـة * تنفي الظواهر حاملات معـــان كلا ولا إحصـاء آراء الرجـا*ل وصبطها بالحصر والحسبـان كلا ولا الـتأويـل والتـبديـ*ـل والتحريف للوحيين بالبهتـــان كلا ولا الأشكال والتشكيك والـ*ـوقف الذي ما فيه من عرفان هذي علومكـم التي من أجلها* عاديتمونا يا أولـي العرفـان
دقات قلب المـرء قائـلة لـه : * إن الحياة دقائـق وثـوان
فارفع لنفسك بعد الموت ذكرها * إن الذكر للإنسان عمر ثان
وارض بنـعم الحيـاة وبؤسهـا * نعم الحياة وبؤسها سيـان
كان ( الحُطَيئة ) جاور ( الزِّبْرِقان بن بَدْر ) ، وكان سيد قومه ، فلم يحمد جواره ، فتحول عنه إلى ( بغيضٍ ) ؛ فأكرم جواره ، فهجا الحطيئة الزِّبْرِقان ، ومدح بغيضاً ، وكان من هجائه للزبرقان :
فاستعدَى عليه عمرَ بنَ الخطاب ، وأَسمعه الشعرَ؛ فقال : ما أَرى مما قال بأساً . قال : واللّه يا أميرَ المُؤمنين ما هُجِيت ببيت قطًّ أَشدً عليَّ منه. أو ما بلغ من مروءتي إلا أن آكل وأشرب ؟ فقال عمر : علي بحسان بن ثابت ، فجيء به ، فسأله فقال : لم يهجه ، ولكن سلح عليه . ويقال أن عمرا سأل لبيداً فقال : ما يسرني أنه لحقني من هذا الشعر ما لحقه ، وأن لي حمر النعم . فأمر به عمر فجعل في نقير في بئر ، وقال : يا خَبيث! لأشغلّنك عن أعراض المسلمين . وقيل أن عمرا لم يكن يَجهل موضع الهجاء في هذا البيت ، ولكنه كَره أن يتعرّض لشأنه ، فبعث إلى شاعر مثله، فكتب الحطيئة لعمر من الحَبس يقول:
ماذا تقول لأفراخ بذي مَــرَخٍ * زغب الحَواصل لا ماء ولا شَجَرُ ألقيت كاسبَهم في قعر مظلمـة * فاغفِر عَليك سلامُ الله يا عُمـر أنت الإمام الذي مِن بعد صاحبه * أَلقت إليك مَقاليدَ النُّهى البَشر ما آثـروك بها إذ قدَّمـوك لهـا * لكنْ لأنفسهم قد كانت الإثَـر
فكلمه فيه عبد الرحمن بن عوف ، وعمرو بن العاص، واسترضياه حتى أخرجه من السجن ، ثم دعاه فهدده بقطع لسانه إن عاد يهجو أحداً.
أيا عبدُ كم يـراك اللهُ عاصيــا * حريصًا على الدنيا ، وللموت ناسيا
أنسيت لقاء الله، واللحد، والثـرى * ويوماً عبوسًا تشيب منه النواصي
لو أن المرء لم يلبس ثياباً من التقى * تجرد عريانـًا ولو كـان كاسيـا
ولو أن الدنيــا تدوم لأهلهــا * لكـان رسول الله حيـًا وباقيـا
ولكنهــا تفنى ويفنى نعيمهــا * وتبقى الذنوب والمعاصي كما هي