[font="]- نص إجازة الخليفة الأكبر حفيد القطب المكتوم الأشهر سيدي محمود التجاني للمؤلف وما كتبه له في الإنابة بالقيام بزوايا المغرب .[/font]
[font="]- المقام الأول من مقامات الدين التوبة.- المجاهدة - الخلوة والإعتزال والتقوى - النجاة والورع - الزهد والصمت - الخوف - الرجاء - الجوع وترك الشهوة - الحزن والخشوع والتواضع - مخالفة النفس وذكر عيوبها - الحسد و الغيبة - القناعة - التوكل - الشكر - اليقين - الصبر - المراقبة - الرضى - العبودية - الإرادة - الإستقامة و الإخلاص - الصدق - الحياء- الحرية والذكر - الفتوة - الفراسة - الخلق - الجود والسخاء - الغيرة - الولاية - الدعاء - الفقر - التصوف - الأدب - أحكام السفر - الصحبة- التوحيد - المعرفة - المحبة - الشوق - الإتباع - السماع - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - الأحاديث الواردة في النصائح الإسلامية مما يجب على كل مسلم أن يتخلق بها .[/font]
[font="]- فهرسة الجزء الثاني من الكتاب؛..........[/font]
[font="]نواصل الكلام عن كتاب الإراءة النفيس وننقل هنا مقدمة الكتاب حيث يقول فيها رضي الله عنه ؛[/font]
[font="]** قال العبد الضعيف الذليل الغني بالله عما سواه الفقير لمولاه المبجل بسيادة سيده القديمة الاحسن بن محمد بن أبي جماعة البعقيلي أمنه الله مما سواه و جرده من الغير و الغيرية ميلا وشوقا و خطورا وسد عنه باب غير العبودة والعبودية والعبادة واصطفاه بالإجتباء له خالصا مهذبا من رق غيره و أحياه الله ببحر حاء حياته وبعين معاينته مما يمكن أن يعاينه ما دون النبيئين بعد المشاهدة الدائمة له به وملاحظة المراقبة و جعله حرا من ربقة الأغيار و الأكوان وزين له الله شكر نعمه بالقيام بأتم آداب العبودة و أجلسه بحبوحة حضرة قدسه محاطا بأنواره محجوبا عن حجب صور الأكوان محدودقا بأمان جماله مشربا بحار جلاله من مرآت وليه المبايع له ونبيه سيدنا محمد مظل الخلق و أساسه صلى الله عليه وسلم وعلى آله وخصوصا خليفته القطب المكتوم مظهر أنواره صلاة وسلاما دائمين بدوام نعم الجنان على عدد معلومات الله وعلومه وقدرته ؛[/font]
[font="]لما من الله علي باللإرتباط إرتباطا كليا بالقطب المكتوم الخليفة عن النبي صلى الله عليه و سلم إطلاقا و غاص نور الفراسة الإيمانية في ظواهر طريقته و بواطنها و في الإشارات العرفانية التي لا تعرف إلا بالوهب و رقائق رموز الجواهر والعرائس المخدرة فوجدتها بحرا محيطا غير محاط وأن جواهره بعيدة القعر ولا يستخرجها إلا تاجر مخاطر فأحببت إخراجها تقريبا من شاطئ خزائن النفوس و الأرواح كاشفا نقاب محياها ليرغب ويفنى في ماء شامات وجناتها بعبارة سهلة وأمثلة واضحة قريبة للفهم وسميته * إراءة عرائس شموس فلك الحقائق العرفانية ، بأصابع حق ماهية التربية بالطريقة التجانية * فبعد اسم الله وحده شاكرا لأنعمه والصلاة والسلام على الحجاب الأعظم بين بحر الألوهية وبين بحر الخليقة و على آله و امته غرر الأمم. [/font]
[font="]أقول وإن كنت لست من أهل ميدان السباق و لا من أجناس العارفين السباق معتمدا على بحر السيادة والإمداد معترفا بربوبيته متعلقا بأذيال كرمه معرضا عن الأعمال المخلوقة بأيدي حضرة المالكية من أن أطلب جزاء ما حركتني قدرته الباهرة لأنه الفاعل و أنا وما تحركت به مفعول له و المفعول سهم رحمة الفاعل بالقهر متبرئا من كل حظ دنيوي و أخروي و برزخي معولا على السيادة المستلزمة الإمداد و الإنفاق فانيا عن القول والفعل بجمال سطوة المالكية وسيوف جيوش أنس نظرة الجلالية متكلما بلسان صدر الحقائق التجانية قاصدا أكوار شرح الورد اللازم راكبا متون بحار غوص سيال جواد جواهره مبينا أن الطريقة التجانية مركبة كلها من مقام الإحسان المستلزم ما دونه من المراتب والمواقف بحيث لايسلك سالكها إلا في سلك الإحسان إبتداء و انتهاء وأن أول مقامات المنتظم فيها أول موقف منه ولا نهاية له و أن ما ذكره البعض من تركيبها على مراحل أهل الإرادة من الإسلام و الإيمان ثم الإحسان غير مصيب ودج اقتناصها مصرحا بالتحرير على مقتضى الإلهام الإلهامي بما صرحت نصوص صاحب الطريقة رضي الله عنه و أن ماذكره الشيخ رضي الله عنه من الإشارة إلى طريقة الإرادة و تبيين مصطلحهم ورموزهم وما خفي عنهم في طريقتهم وكذا ما شرح به الآيات و الأحاديث بقوانين إرادتهم و أن ما ذكره من مراتب النفس و مراتب الروح باعتبار الحضرة واعتبار العلاقة بالمكونات و كذلك ما ذكره من كيفيات التوجهات بالأسماء بما يشيير إلى إثار الحظوظ بملاحظة خواص الأسماء مما يوصل المراتب العلية وفهم أسرار و فتوحات مكونات الرزق و الولايات و التصريف والتصرف و إزالة الحجب النفسية مقصوده رضي الله عنه وأرضاه بتقديس أتباعه من الحظوظ المهلكة باستعمال ما أظهره الله من أسماء مراتبه العلية في غير التعبد على وجه العبودية الإيماء إلى ما انطوى عليه باطنه من علوم أهل الإرادة الطريقة الثانية لأنه سلكها في ابتدائه عقبة عقبة حتى جرده صاحب الشريعة منها صلى الله عليه وسلم و الإشارة إلى ذكر هممهم العلية في طلب مقصودهم الذي هو الحظ النفسي في ابتدائهم و أفنوا أرواحهم عليه وهو حقير تنبيها منه أن ما كانت عليه أركان طريقته من الصفاء التام و العبودية لله لا غـــير أولى بالإجتهاد الجهاد الأكبر الذي هو عين التجريد من الحظوظ ، فأهل الطريقة أجدر بعبادة مولاهم لمقام المعاينة لشدة أدب أهل المعاينة عن غيرهم لأنهم غرقى في محبوبهم و أهل الثانية غرقى في طلب حظهم الفاني و أن كل من كان مقامه المشاهدة لحضرة سيده جل علاه و حضرة نبيه وحضرةو وليه خليفة نبيه على الإطلاق منبع الأقطاب و الأولياء بمحض الفضل لا بتعمل وتسبب فأهل طريقته منزلون كلهم في مقامه الذي هو عين التجريد مما سوى الله جل و علا فهم وإن تولهوا بملاحظة الإرادة فمقامهم عند ربهم قيدهم ومنعهم من الإرادة ومن مخالطة أهلها فإن مخالطتهم بالمحبة لما هم عليه تؤثر حظا وهو مزبلة أهل القطع ومسكن إبليس و مزرعه ومغرسه و غرضه الذي إن رمى به أصاب ؛ فطريقته طريقة شكر وهو أداء العبودية على وجهها من غير غرض يشوبها بل يقومون بوظائف النبوة أقوالا و أفعالا وحركة وسكونا وتقريرا اتباعا لأمر الله على يد نبيه صلى الله عليه وسلم وهذا إرشاد الساري بالطريقة التجانية بالتخلي عن أحوال الطريقة الثانية .**[/font]
[font="]اخترنا لكم هذا المقتطف من الجزء الأول من الإراءة حيث يتكلم فيه سيدي الحسن البعقيلي عن ظهور الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه و عن بعض فضائل أصحابه حيث يقول رضي الله عنه؛[/font]
[font="]**... في حدود الخمسين من القرن الثاني عشر الهجري خلق الله خليفة النبي الأكبر سيد الأولياء وممدهم محيي الدين و ناصره وعابد لله على مقتضى كسوة النبي صلى الله عليه وسلم و رباه بدار آبائه بعين ماضي بالصحراء و توجه بتيجان ملوك الحقائق العرفانية من الأنبياء والعارفين ممن قبله ونشأ نشأة حسنة وظهرت معجزاته يوم رضاعه وولادته بإضهار الله كمل العلماء يحدثون به و أنه في هذا القرن و دونت وألفت فيه الدواوين والتآليف و صارت العلماء لا يتكلمون إلا به وهو في المهد فبايعت له العوالم صغيرا و ضمن له النبي صلى الله عليه وسلم الخلافة عن الله عمره كله ثمانين عاما و صارت تربية العارفين تتزين به و قرأ القرآن وتعلم من العلوم الرسمية العجب العجاب و أفتى و قضى ودرس و جمع بين المعقول والمنقول وبنى مذهبه على مذهب الإمام مالك و يحرر العلوم النقلية حتى حررها و نصر به الله علوم الظاهر بعد ما كان إشفاء فيه للإضمحلال فاشتدت عروة العلم ثم لما حرر العلوم النقلية انتقل إلى تحرير طريقة الإرادة الطريقة الثانية فتلقاها من بقية كنوزها و ذخائرها فلما حصلها و أتقنها انتقل لللإجتهاد بها فاجتهد وحرر للناس أركانها و أسس ما كان منهدما و بين مراد الأئمة في إنشائها و أنه ما قصد بها إلا التوصل لحضرة الله لا غير و أما أمر العبد فهو عبد وإن أفيض عليه الكون فحده مقامه وأن الولي في الحقيقة هـــو الله لا غير وأن ما فسد من عقول أهلها إنما نشأ من عدم اتباع السلف الصالح ، فنفر عن غير الله في الطريقة الثانية و لقنها وربى بها ونتج كل من ناوله أو ساعده ، ثم إنه وصل زمان سعده مع جده فاجتمع مع النبي صاحب الطريقة الظاهرة و الباطنة وباطنة الباطنة فأفاض عليه رسول الله حلته ونزله منزلته في الطرق الثلاث و علمه كيفية السلوك بهن ثم أمده النبي صلى الله عليه وسلم في حد الرابع عشر من القرن الثالث عشر بالعلوم الثلاثة التي علمها ليلة الإسراء و أطلعه الله على ما كان وما يكون من المغيبات عنا وصار بحرا لايرام قعره و أظهر الجواهر الحسية والمعنوية فجرده النبي صلى الله عليه وسلم من الغير والغيرية فقال له خذ هذه الطريقة بلا مشقة و لا حرج ولا عزلة ولا خلوة حتى تصل مقصودك الذي وعدت به في علم ربك و قال له اجتهد في أمرين، في النفس وهو عدم الخطور من غير وغيرية في قلبه و عدم القصد وإياك أن تطلب بعملك فتحا و أنت مفتوح عليك فإن طلب الفتح عويق الفتح أي مبعد لأن الفتح في طريقة الصحابة هجومي بقهر إلاهي من غير تعرض له و قال له إن للحضرة الإلاهية بابين بابا مفتوحا وبابا مسدودا فإذا برزت العبادة من صاحبها بقصد شيء معها تمر عبادته في الطريق الموصلة إلى الباب المسدود فتحجب عبادته و يحجب صاحبها و إذا برزت من صاحبها من غير قصد شيء معها بأن أتقنها و أحسنها بإفرادها لحضرة مولاه من غير غرض بل بمحض العبودية و تمر عبادته إلى الطريق الموصلة إلى الباب المفتوح فتجد الباب مفتوحا فتدخل و تقبل ويدخل صاحبها و يقبل ويمهد له فرش القبول بأدبه حيث أتقن العبادة بإفرادها بحضرة سيده وهو العارف بكيفية العبودة، فلما جرده صلى الله عليه وسلم من القصد والغير والغيرية وقع له الوصل بربه على وجه المعاينة معرضا عن الأكوان معظما لها لوجه سيده لا غير فحصل له الأنس ووقع ما وقع وكان ما كان بينه وبين ربه إذ يغشى السدرة ما يغشى فما زاغ بصره إلى المكونات وأقبل على الله إقبالا كليا وهو عين التوحيد الخالص و ظهر ما ظهر و اغترف ما اغترف و شرب ما شرب وتدلى له جمال وجلال سيده فرآه من مرآت النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو إمامه و شيخه و إسوته اتباعا ولباسا و ولاية و خلافة فهنئ المساغ وصفي الشراب وحلى و رجع ما كان آفلا من شمش الحقائق فقال له النبي شيخه صلى الله عليه وسلم أنا شيخك ومربيك وكافلك فلا منة لمخلوق عليك فاقطع عنك العلائق كلها ، فانقطعت و زالت وبقي بحر الصفا وزلال الوفا ونما الحال وزكت و ظهرت المحاسن و انسدلت شعور العرائس و تبهجت طريق الوصال فلما حازه صلى الله عليه وسلم إليه وألبسه بظاهره و باطنه و أودع فيه سره الإلاهي وسر نبوته ورباه بما رباه به مولاه في حضرة القدس وصار عين الشريعة و اندرجت فيه الشرائع كلها و الطرق كلها ؛ فلما أخرجه النبي صلى الله عليه وسلم مما كان عليه وساسه بسياسته و بين له صلى الله عليه وسلم بأنه مقصوده في الأمة و أنه هو القطب المكتوم المشار إليه في الأحاديث و الأخبار فقال له ما معنى القطب المكتوم فقال هو الواسطة بين الأنبياء و الأولياء فأنت برزخ عظيم حزت البرازخ كلها و الولاية كلها و الصفاء كله فمشربه مع الأنبياء في الحقيقة المحمدية ظاهر عند الأنبياء و مشربه الخاص به مكتوم عن الأنبياء و الملا ئكة والأولياء عدا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فلذا سمي مكتوما وطريقته وأسرارها و رجالها مكتومون وكلما عنده مكتوم لأنه منطو على الدين كله وعلى علم الغيب وعلى علم الظاهر و الباطن و على سر النبوة ومعه يخفى مقامه بكتمه حتى لا يعرفه إلا من فتح الله بصيرته ممن سبق في علم الله أنه يكون من خلاص أتباعه وضمن له النبي صلى الله عليه وسلم أمورا عظاما لا تفي بها الأقلام ولا العقول لأنه وهب إلاهي ومن بعضه أنه نزله منزلته وقال له أنا شيخك ومربيك ولا منة لأحد عليك ، ومنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لأصحابه مقاما عاليا حيث قال له أصحابك أصحابي و فقراءك فقرائي و تلاميذك تلاميذي ،ومنه أن كل واحد منهم عنده سهم عظيم من إسم الله الأعظم وهو في الورد اللازم فمن عرفه فله ثوابه ومن لا فله نصفه، ومنه أن جلهم يرى وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنه أنه ينزلهم الله في مقام شيخه الذي انتقل منه فكلما انتقل من مقام إلا ورثه جميع أصحابه و يأخذون ثواب مقامه لكل واحد منهم بالفضل ، ومنه أن الله حفظهم من الفتن ومن أعظمها الدجال فلا يتبعه أحد منهم ،ومنه أنه جعلهم الله جيوشا للإمام المنتظر المهدي فلا يضل واحد منهم ، ومنه أنهم حفظوا من الإعتقاد الفاسد في التوحيد ،ومنه ضمانه صلى الله عليه وسلم التربية بطريقته إلى قيام الساعة وأن أقل ما يكون بطريقته من المربين أهل الإرشاد الذين سمعوه من الحضرة المصطفوية أو الحضرة الإلاهية تسع مائة ستمائة من الإنس و ثلاث مائة من الجن، ومنه أن الله أفاض الإسم الأعظم بجميع تراكيبه على عدد كثير من أصحابه غير مقيد بألوف مؤلفة لأنهم صالحون له لأنه لايذكر لغرض ، إنه لايصلح ياعائشة لأهل الدنيا و الآخرة مع قلته في الزمن الأول بل حتى الكنز المطلسم الذي اختص به النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو مقامه أفاضه على صاحب الطريقة و أمره بإفشائه وتلقينه لكل من ظهر له ففشا في طريقته مع فقدان ذكره في الصدر الأول ولو عند الأنبياء و الملائكة لأنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم ..[/font]
[font="]اخترنا لكم هذا المقتطف من الجزء الأول من الإراءة يتكلم فيه رضي الله عنه عن المقدم و المربي و الخليفة و الفرق بينهما حيث يقول؛[/font]
[font="]**ثم افهم ما يشترط في المربي و المقدم و الخليفة في الطريقة الأصلية الإبراهيمية المحمدية الأحمدية التجانية،فالخليفة من ألبسه الشيخ كمال حلته و قلده بكمال عدته حسا و معنى و هو الصاحب له على الحقيقة و غيره تابع بعض أثره لا غير،فيشترط فيه ما يشترط في الشيخ من كمال العلم اللدني و الكسبي بحيث لو فرض مثلا ذهاب الكتب الإسلامية و حمالها لكان في طوقه بالله أن يمليها من عندية نفسه حرفا بحرف معنى بمعنى بحيث اشتملت ماهيته على تلويحات الشريعة و تصريحاتها و رموزها و على بحور الحقائق العربية و العجمية و إشارات أهلها و أذواقهم في لغتهم و على جميع الكتب المنزلة فتحا و ذوقا و دراية و رواية عن أركان الشرائع و هم حمالها على كيفية خرق ما نعرف معشر العوام ،و اقتدر بالله على أن يفصل جزئيات العالم و حكمها و أسمائها المتعارفة عند الكل و الأسماء الباطنية العالية الحقية المقتضية تفاوت العالم ، وجمع في حوصلته مراتبه صلى الله عليه وسلم من يوم فتح الله به الوجود فضلا منه وإنعاما ، و أطواره وانتقاله في جبين وجباه و عيون و أصلاب وترائب آبائه و امهاته من يوم وجد أصله الظاهر آدم عليه السلام إلى تمام فروع أنواره فيما لا نهاية له من بطون الآخرة و أدرج فيه جميع تراكيبه صلى الله عليه وسلم في بطن أمه و ما ظهر عليه وما ظهر به و جميع ما نزل عليه في عالم الذر وفي عالم الأرواح وفي عالم أنفاس رضاعه وطفوليته و جميع أنفاسه و جميع تجليات كل نفس منها و جميع خواطره طفولية و كهلا و بعد مماته ، و أحاط بكيفيات عبادته يقظة ونوما وما يراد به وما طلب من ربه وما أجيب به وما خاطب به الخلق عموما وخصوصا وما أجابوه به ، وألقيت ياقوتة صفائه في قلبه حتى يميز أسارير ذاته و شعراتها وكيفية ترتيب فمه وأنفه وبطنه وشعرات جميع جلده النعيم الشريف صلى الله عليه وسلم بحيث يتراءا له جميع ذلك في نفس واحد و قدر على إفشاء جميع ما هنالك إفتاء و إشارة وهمسا وسكوتا وهمة وخرقة وصبغا وتعليما و إفاضة وكيفية وإلقاء، و يعلم جميع ما اقتضته ماهية الوجود إصلاحا وإغارة ولغة ويعلم أطباعه و كيفية جمع شمله بسياسة نبوية بحيث لا تغيب عنه كيفية الإشارة بجميع ما هنالك في لفظ واحد يصرح به و يقصد به كل لغة و كل علم وكل كون ويفهم كل من خاطبه به معناه ببركته و سر ولايته كمثل سندنا الأصح نسبا سيدنا الحاج الحسين الإفراني و شهرته كافية، فإننا تلقينا منه بلا واسطة وبواسطة مثل هذا، قال لي مرة رضي الله عنه أجئت لترانا لا غير فأجبة بنعم فقال بلا غرض فأجبته بنعم فقال من مكة تقدم الناس لترانا لله الحمد و أمسك عن أصل القضية و قال أنا حجر مغناطيس كل رزق حسي ومعنوي فلا بد أن أكون فيه واسطة، كل من كان عنده سر في المشرق والمغرب فلا بد أن يجيئ إلى يدي، ووضع يده اليمنى المباركة على ركبته اليمنى مفرقا أصابعه، في صورة الجدب منهم و القبض والضم ودفع لكل حقه في علم ربه ، وقال أيضا عنده من الذوات بعدد ذوات الفقراء أصحاب سيدنا رضي الله عنه وعنهم به فكلما ازداد فقير يزيد الله لنا ذاتا تقابله و لله الحمد ، وقال لي مرة في حال تعداد الأولياء وذكر مراتبهم العلية وبين لنا في كل ضريح من فيه من الأولياء فانتقل إلى الأشراف في القطر السوسي وحررهم كل التحرير وبين الدخيل الدعي منهم ومن أهمل نسبه وضاع ذكره ، فانتقل إلى ذكر الفقراء ومراتبهم وحررهم و ذكر أنه دخل في الطريقة في كورة من السودان نسيتها دهشا ست مائة من الجمعة إلى مجلسنا معه رضي الله عنه قرب ستة أيام وبيننا وبين السودان بعد و المجلس بمدينة تزنية في سوس المحمية بالله محل أنفاس قبره الشريف ، وقل لي مرة كل ما عند السيد الخليفة الأعظم مولانا العربي بن السائح من العلوم و المواهب أفيض عليه وزيد له بعده عشرون رجلا من أكابر الأولياء وقال أنا بابه و المدخل له والمخرج وسيدي العربي بن السائح شهرته كافية في أكابر أهل العرفان جلس في كرسي الخلافة العظمى القطبانية الكاملة تسع سنين في عمره وورثه منه وارثه سندنا رضي الله عنه ، وقال لي مرة أخرى يقظة معه فلا يقدر أحد من العلماء أن يتكلم في مجلسي لصولة أنوار الشيخ رضي الله عنه ، و سألته عن الخلافة عن الشيخ رضي الله عنه زماننا إطلاقا فنسبها لنفسه رضي الله عنه، فلما صار لرحمة ربه طلبت من الشيخ أن يبين لنا كيف يكون سير روحي في بقية عمري بعده فرأيت في ما يراه مثلي من العامة صورته الكريمة وصورة الشيخ رضي الله عنه فقال لي سيدنا الشيخ رضي الله عنه مشيرا بيده الكريمة لخديم محبته ومحبة أتباعه سندي الصحيح الكامل هذا أستاذك فقصر عليه همتك فانصبغت حقيقته وارتسمت شيمه ببركة إشارة الشيخ في هبائيتي سوادا وخيالا ولله الحمد والمنة . والمقصود الإشارة إلى ما يشترط في الخليفة لا غير فإنه ينزل منزلة الشيخ رضي الله عنه في كل مقول ومفعول يولي ويعزل و تشترط فيه أخلاق النبوة وعلمها وسياستها ظاهرا وباطنا ومحبتها للخلق و الشفقة عليهم و النظر فيهم وجه الله ووجه نبيهم عموما في العموم و خصوصا في الخصوص فلا يحيد عما كنشته يد القدرة الإلاهية و لا يحب زواله بل ينفذه بالله ببركة شيخه وينسب الولاية لشيخه متبرئا من نفسه؛ فكلما ذكره الخليفة الأعظم السيد الحاج علي حرازم برادة الفاسي كما ستراه في إجازتنا مبينا في كتابه جواهر المعاني الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ الجواهر كتابي أنا الذي ألفته أي أمر بتأليفه ؛ فكلما فيه من أخلاق سيدنا الشيخ رضي الله عنه و الفتوة والعلوم والمآثر الى نهاية ما ذكره في أوصافه مشروط في الخلافة عنه فافهم و إنما تركت النقل منه حياء من أن أنقل كلامه المؤيد بأيدي النبوة إلى كناشنا الذي هو باعتباره من قبيل الهذيان و الخرافات ، و إنما تعرضت لما تعرضت له وإن كان كل ما قلته هنا يفهم في كل كلمة منه رغبة في أن أحوم حول جناب الشيخ رضي الله عنه ** ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ** فلو كان لا يؤلف إلا من رسخ لتركت الدواوين استغناء بكتاب الله وبحديث رسول الله ، فأصح ما عندنا في الطريقة جواهر المعاني ثم بغية المستفيد بحسب الأصل و كل يسرح بقدر قوته و غنمه وهذا إنما هو مصة أيدتني بها أيدي الدائرة الفضلية ، و العلم بمدارك السلوك إجمالا وتفصيلا في كتاب ميزاب الرحمة لأبي عبيدة رضي الله عنه ونحن متكلمون بما عندنا من الفهامة والركاكة و العي محبة للعوم في شاطئ أمواجهم طمعا بمغفرة [/font]
[font="]الله ، فإذا عرفت هذا تبين لك أن المقدمين والمربين أهل الإرشاد رعية الخليفة، والمقدمون رعية المربي ، والفقراء رعية المقدمين ، و الخليفة نائب مشرف على الجميع و لا تكون الخلافة إلا بالمبايعة من جميع الأرواح و الجوامد و لابد من كتابة المبايعة بأيدي رؤساء الملائكة الأربعة و لابد من رقم بيد المزكي الشيخ رضي الله عنه و لابد من خاتم طابع خاتمه صلى الله عليه و سلم مع كتابة كاتبه علي بـن أبي طالب كرم الله وجهه ثم تجمع أرواح الوجود بأسرها فتجعل أرواح المؤمنين في صندوق و كل روح معها رسمها ** وكلا ألزمناه طائره في عنقه ** و تجعل له أرواح الكافرين في صندوق كل روح معها رسمها ويعلق عليهما بطابعه المدفوع عند المبايعة فيضع صندوق المؤمنين تحت إبطه الأيمن و يجعل الآخر تحت إبطه الأيسر ثم إنه يكلف بحفظ الجميع بإشارة الكنانيش الإلاهية السارية له ممن ورثه من الخلفاء قبله فلا يغتر بالمنامات و الخرافات حتى يقع له ما قلناه و يراه يقظة و يبرم أمر جيوشه بسياسة نبوية ؛ فمن أدرج فيه ما قلناه و صرح الشيخ بذلك و قواه النبي صلى الله عليه وسلم بصورته ارتساما في قالبه بحيث يراه صلى الله عليه وسلم في كل ذرة من ذرات الوجود و تصير الدنيا عنده مرآتا له صلى الله عليه وسلم فلا يفعل شيئا حتى يراه صلى الله عليه وسلم يفعله ويصرح به ، قال الشيخ رضي الله عنه رأيته صلى الله عليه وسلم يقرأ صلاة الفاتح في السجود ، و قس عليه فإن من كلف بالدواوين الإلاهية ينظر إلى رموزها ثم يفسرها برؤية أفعاله صلى الله عليه وسلم لأنه هو الخليفة عن الله فما فعله صلى الله عليه وسلم يتحتم على صاحب الوقت تنفيذه بالله وهو قانون صحيح لمن وصله فيدرك أن ولي التصريف في الحقيقة هو النبي صلى الله عليه وسلم لا غير لسياسة ترتيب مملكته جل جلاله ؛ و إنما قلنا ما قلناه لأن الخليفة لبس كسوة شيخه القطب المكتوم ومقامه عال عما قلناه و إنما شرطناه تنبيها على ظاهره لا غير أما مقامه الباطني في قوله رضي الله عنه لا مطمع لأحد في مراتب أصحابنا حتى الأقطاب الأكابر ما عدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فافهم واكتم ، ثم إنه لا يقدر أحد أن يعزل أحدا من أصحاب سيدنا الشيخ من الطريقة ولو كان ملقنا له حتى يعزله صلى الله عليه وسلم فيعزله الشيخ رضي الله عنه ثم يعزله الخليفة تصريحا بما كان لا غير لا إنشاء لأنه لاطريقة له إلا بحسب ما أمر به لا غير . فالمربي في الطريقة التجانية إنما يشترط فيه أن يكون متحققا بمواقف الإحسان التي هي مقامات أهلها من المراقبة و المشاهدة والمعرفة و أن يعرف ما يتعلق بأصول الشريعة وفروعها على مذهب إمامه و إن زاد قوة في التوفيق بين مذاهبه خروجا من الخلاف كان أبلغ, ويشترط فيه أن يشتمل على دين الأنبياء و أخلاقهم ليدقق مدارج الأنبياء من التجريد الكلي مما سوى الله بحيث يحرم وجوبا على من يباشره الإخلاص نسبة له بحيث لا يعول على عمله ولا على علمه ولا على صفائه ولا على توجهاته ولا على مراتبه العلمية و إنما يعول على فضل مولاه ليتيسر له ان يرد من يناوله إلى مقامه الأصلي الذي هو المرضية ويستقذر له ما كان عليه من أهل الإرادة في حال سلوكهم بحيث لا يستدل لهم بأحوالهم فانها مضى زمانها و جاء زمان آخر وله حكم آخر وقد كتب سيدنا الحاج الحسين الإفراني لنا رضي الله عنه * ولا تتشوف إلى ما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم فانهم قد أعانهم زمانهم على ذلك وجاء زمان آخر وله حكم آخر وقد تمسكت يداك لله الحمد بالسعادة الأبدية وهي سيدنا الشيخ رضي الله عنه وهذا يكفيك وقد يقطع بمحبته لحظة واحدة ما لايقطع بالأعمار الطوال والسلام * وهو عين التربية بالطريقة التجانية وهو أن ينسب كل ما عنده لشيخه ليتبرأ من عهدة الدعوى و التظاهر بالمشيخة فإنه ممنوع فيها .............[/font]
[font="]يقول العارف بالله الكبير القطب سيدي الحسن البعقيلي التجاني رضي الله عنه المتوفى سنة 1368 ه في الجزء الثاني من كتابه النفيس * إراءة عرائس شموس فلك الحقائق العرفانية بأصابع حق ماهية التربية بالطريقة التجانية * يقول بعد كلام طويل حول مراتب الإحسان و كيفية التوصل إليها ؛ [/font]
[font="]**.... و إنما بينت كل البيان لغير أصحاب سيدنا الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه وعنهم ممن له ولوع بالخير أو ولوع بالإنكار حيث اتبع هواه حتى قال ليس هناك أدب في الطريقة التجانية ،و أما أصحاب سيدنا الشيخ التجاني رضي الله عنه وعنهم فقد علموا جميع مقامات الدين ذوقا بالفطرة التجانية يوم التقيد بعهده المنيف إطلاقا فلا كلام معهم لتحققهم بما هنالك فناءا و ذوقا و صحوا لتوجههم بهمة شيخهم رضي الله عنهم لا بهمهم و أحوالهم وأعمالهم وإنما كانوا موتى بين يديه يمدهم و يقويهم بالعدة النبوية عنده ، مع سلب الإرادة له كل الإستسلام وامتثلوا امره ولهجوا بمحبته وعنايته وأفنتهم يد القدرة الصمدية في مقام شيخهم فتوجهوا لحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم بمقام شيخهم ولا مزيد على ذلك وهو عمدتهم وعدتهم و عالمهم و حكيمهم و كبيرهم فلا علم إلا ما فاض منه ولا حكمة لواحد منهم إلا ما فاض من بحور حكمه ولا معرفة إلا ما فاض من بحار مقامه عند ربه فأنزلهم في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وصار هو وأصحابه أضيافا له مقبولين ، فوجههم صلى الله عليه وسلم كل التوجيه وأنزلهم كل النزول وتمامه وأعلاه في حضرة ربهم مكفولين بيديه صلى الله عليه وسلم مقبولين بحضرة ربهم معتنى بهم مجذوبين مقربين من مولاهم ممهدين بحجر نبيهم مقبوضين بقبضة يد شيخهم عمر أنفاس الدنيا و الآخرة فلا تصل إليهم الأغيار و لا يتطلعون للمراتب زاهدين في الدنيا والآخرة وفي أنفسهم فأحبهم الله وأحبهم الخلائق بالله في الله فلا يشم أحد غبار ميدانهم ولاهالة بدورهم لعلوهم ولعزتهم ولسطوة أنوار شيخهم فهو يحمي ويدافع عنهم ويقبض أسرارا ممن ضعف منهم على تحملها ،ويبسط لمن عرف قوة يقينه وقوة كتمانه لأسرار الله و يذب المراتب عنهم، فمن خرجت له مرتبة من الله للخدمة يمشي بسياسته و بنظره لأنه محجور أبدا و ان كان قطبا لأنه حكمه على نفسه فلا يكون نظره مستقلا صالحا بل يتصرف بهمة شيخه لا غير فهو بمنزلة صورة في البحيرة والحامي هو الشيخ فلا يحتاجون إلى منازل المراتب و لا إلى الإتعاب برياضة على مصطلح القوم فإنهم أول وهلة نزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذروة الإحسان التي هي المعرفة بالله و ذلك مقامهم الأصلي لهم بحسب كناش سيدهم وإنما أفصح به من قرأه عيانا و أمعن فيه و حفظه دراسة ورواية و رعاية ورؤية و مشاهدة فمن لم يره فليسلم يسلم لعذره بالجهل . و دائرته رضي الله عنه دائرة السعادة المحضة فياسعادة لمن قيد فيها في علم ربه ويا حرمان من أنكرها بجهله. فأصحابه في المعرفة و فقراؤه في المشاهدة وتلاميذه في المراقبة فالكل محسنون أداءا للعبودية على الوجه الأتم ، فمنهم من لاتزنه أقطاب الدنيا من الأولياء فلله الحمد وله المنة في الأولى و الآخرة . فإذا تعلقت همة صاحب سيدنا بإلقاء العصى له رضي الله عنه و ذهب إلى نائبه في التلقين نزلت به خصوصية ترفع قدره إلى مقام المعرفة بالله و تقيده في مرتبة شيخه التي ترقى منها إلى أعلا منها فيأخد مؤونته وكسوته ومعرفته وخصوصيته و حظوته تعظيما للشيخ رضي الله عنه و تعظيما لمن ضمهم إليه صلى الله عليه وسلم لكن حجاب القبضة الكتمية تحجبه عن نفسه وعن مقامه حتى لا يرى نفسه من التائبين فضلا أن يكون من العارفين ويستقذر نفسه عند ذكر أحوال السلف الصالح رضي الله عنهم وهو عند الله أعلى مقاما منهم بالمرتبة التجانية الفضلية الكتمية فإذا ذكرت أحوال الزاهدين نقص نفسه وكذا الولهون البكاءون فلا يرى لنفسه شيئا مما يراه المريدون فإذا اطلقه شيخه بعض السرح خاف على نفسه أن يكون مطرودا في حضرة الكتم وليلجأ إلى الله ثم إنه يتبرأ من نفسه ومن علمه ومعرفته وخواصه واسرار الاسماء وهمته. فلا يظهر في الطريقة التجانية إلا من حكم الله بظهوره لمصلحة الخلق فكيفية ظهوره ان يظهره الله للناس و يخفيه عن نفسه فهو عند الناس كالشمس الضاحية وعند نفسه كالظلمة المدلجة وكليلة ليلاء، فإذا أحس بظهوره عند الناس بالتصريف وغيره وفطن لما اعتقد الناس فيه تبرأ ونسبه للشيخ رضي الله عنه وربما يظهر الإفاضة على أصحاب سيدنا بوجه الخدمة بعد الأخذ منهم عهودا لستر حاله وربما يقول لمن عرف صدقه اعطيت كذا من حضرة الشيخ ولي الحل والعقد ببركة الشيخ رضي الله عنه كل ذلك تبريا من عهدة الدعوى فلا يشم رائحة المعرفة منه إلا عارف في علم ربه، فإدراك الكرامة في الطريقة اغرب كرامة فالعجب كله لمن أدركها في اصحاب الكتم ولا يدرك الكتم إلا مكتوما لاشتراكهما في صوق الكتم ، فقد اشتمل كل واحد من المنسوبين إلى سيدنا الشيخ رضي الله عنه على الدين كله وعمل ما يجب عليه نظرا وشرعا وهو انه بايع النبي صلى الله عليه وسلم على متابعة سنته وبايعته الخصوص في الطريقة في كل عصر مبايعة على الموت الأحمر وهو قتل النفس بسهام وسيوف المتابعة ظاهرا وباطنا و إظهار السنة المغيبة في ليلة البدع بإشراق شموس سمائها حتى ينظرها الخفاش بعيون بصيرته، فصيروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد خليفته صاحب المقام المكتوم وهو البرزخ المختوم بين الحقيقة والباطل عمري المقام و صديقيه وعثمانيه وعليه وحسنيه وحسينيه وفاطميه وعزيزيه خلافة ووراثة أحمدية ومحمدية وبايع لخليفته المحمدي الكتمي الختمي حامل لواء الولاية من الأزل حتى الأبد، وهذا ما يجب على المومن وبعده فالكمال على الله وعليه التكلان و الهدايـة، و النبي حامل ضامن كافل، والشيخ مرب دال ناصح صاحب طبيب حكيم كبير قطب رحاهم وأمير جنودهم ومفرق مزاياهم وأسرارهم وحامل لضعيفهم ذابا لهم وذابا عنهم بسيوف غيرته عليهم ونجدة إمداداته عليهم مرتبا لهم ترتيب ملك صالح فلا يدلهم إلا على حضرة ربهم منوها لهم بقدر نبيهم و انه حامل راياتهم وآخذ بأزمتهم وبقلوبهم فكلهم منغمسون في بحر المراقبة والمشاهدة والمعرفة، فمن بقي على الفطرة التي دخل عليها أولا فهو عارف و إن تنزل إلى درجة الفقراء فمشاهد و إن تنزل إلى درجة التلاميذ فهو تلميذ مراقب وما دون الإحسان من المواقف فقد غاب عنهم حسه لإندراجها في احسانهم حتى لا يخطر في بالهم ، فقد لبسوا كلهم اليوم ثياب الأكابر التي هي الإحسان واستولت عليهم الرعاية الربانية وأجلستهم في كراسي التقريب و التفريد والتحديث والإجتباء لما لحقهم من بحر رضى ربهم، فإنهم أولهم ووسطهم وآخرهم راضون مرضيون كاملون وإن سترهم مولاهم بحلة شيخهم ستر العروس على منصتها فلا يصل إلى العرائس إلا المقربون أو المتزوجون ، فلا خصوصية تدانيهم إلا من كان في مقام الصحبة والنبوة لعلو المرتبتين عن كل مرتبة إجماعا ، فاعتقد فيهم ما شئت فإنهم أمناء الله * إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل إمرئ ما [/font]
[font="]نوى *[/font]
[font="]فنيتنا فيهم هو ما أطلعنا الله عليه معاينة وكتابة وهجاء لحروف مقاماتهم من الموضع الذي لا يقبل التبديل و لذلك صرحنا كل الصراحة بأنهم على ذروة الإحسات أو في جوفه أو أوله والإحسان كله إحسان ، ثم إن تفريقهم على المواقف الإحسانية بحسب ما تخوض فيه ظواهرهم و أما مقامهم في علم ربهم فمن ذروته وسنامه وأعلى كراسيه ، وإنما بينت لغيرهم وأما هم فكلهم عارفون ، فعليك بالأطباء منهم تفز بما لم يطلبه الأولون ولا ظنوا أنه يصله أحد لكتمه وإن زدت إلى كبير منهم تر الشمس ضاحية في هجير معرفتهم ، فأقر بمعرفتهم أو التسليم لهم و أما إن كنت منهم فقد أعطيت مفتاح السعادة تفتح لغيرك أبوابها بصلاة ومؤاكلة ومصاهرة ومعاملة ومناظرة** ......[/font]
[font="]يعتبر كتاب*الشرب الصافي من الكرم الكافي على جواهر المعاني* من أهم مؤلفات سيدي الحسن البعقيلي رضي الله عنه، و هو حاشية في جزأين على كتاب جواهر المعاني لسيدي علي حرازم برادة رضي الله عنه و هو الشرح الوحيد على حسب علمي على هذا الكتاب . و قد ألف العلامة سيدي أحمد سكيرج رضي الله عنه كتابه * تيجان الغواني في شرح جواهر المعاني * غير أنه للأسف لم يكمله و كتب مقدمته فقط .[/font]
[font="]يقول سيدي الحسن البعقيلي في مقدمة كتابه الشرب الصافي؛[/font]
[font="]** ............ أما بعد فاعلم أيدك الله بالتفويض لله و التسليم لحكمه ولأوليائه أن العبيد الاحسن بن محمد بن أبي جماعة البعقيلي السوسي أصلا البيضاوي وقته وسكناه من الله عليه بالإنخراط والإنغماس في بحار حقائق و أسرار القطب المكتوم ممد الأولياء من النشأة إلى الأبد سيدنا ومولانا احمد بن محمد التيجاني رضي الله عنه وأرضاه ، وأفاض علي من فيضه ما نحمد الله عليه فانغمست حقائقي في حقائق الموجودات المحسوسات والمعقولات والمخيلات فانصبغت بحقائق الشريعة والطريقة و الحقيقة وانجذبت لأيدي المعاينات بعد المشاهدات فأنعشت من الله بالفيض الأقدس بماء الغيب و مقام القربة والإيقان فربحت على يدي شيخي ربحا صادقا فالله أحمد و أما بنعمة ربك فحدث ، فغسلني الله من صور الأكوان الشاغلة عن حضرة الله الكريم فرأيت الأكوان مفعولا واحدا كالميت لايتحرك إلا بإسم الله المحيي ولا يسكن إلا لله المميت فاسترحت بالله مشاهدا الفاعل في كل مفعول فانبسطت ممتدا لمرادات الحبيب الرب الجليل .[/font]
[font="]ثم إنني لما رأيت جميع ما ألف في الطريقة التجانية مستمدا ومسترشفا من حياض جواهر المعاني و مقتبسا من أنواره وهو أصح ما في الطريقة وغيره عالة عليه فعلمت أنه ما ألف في حضرة العارفين المقربين نظيره ولا كاد أن يجود الزمان بمثله فإنه بحر محيط وهيولا أذواق الأقطاب والخلفاء والصديقين والأفراد ، بيد أنه بكر عذراء لم يفتض ختامه ولا كاد أحد أن يصرح بل أن يصل فضلا أن يبوح بسر تاموره فكيف وهو ماجمعه والتقطه من صدف صوانه وقعر يمه حضرة ختم الولاية وكتم محيا مقامه خليفة شيخنا وقدوتنا و خزانة سره وظاهره وباطنه الخليفة عنه حيا وميتا سيدنا ومولانا الحاج علي حرازم برادة الفاسي العارف الشهير صاحب الفيوضات الربانية الذي تلقى من الحضرة الختمية ما لا يعده حصر ولا يفي قلم بما شربه وكتبه فهو حجة الله وإسوة العارفين وقائد إلى حضرة رب العالمين ، فهو كتاب ألفه بإذن من سيد المرسلين قال صلى الله عليه وسلم لشيخنا يقظة ، * جواهر المعاني كتابي أنا الذي ألفته* وقال الشيخ رضي الله عنه ؛ * فكل ما قاله سيدي الحاج علي حرازم فأنا الذي قلته * فأجازه إجازة مطلقة في كل ما تلقاه من الحضرة المصطفوية ظاهرا وباطنا حتى أذن له في ماله ما أكله بعلمه وبغير علمه و أكرمه بكل مرتبة و أحله أعلى منازل المقربين وهو صاحب المشاهد العجيبة فكل أصحابه يغترفون منه حيا وميتا فإنه بث جواهر المعاني فإن من فهم الجواهر ظاهره ينادي عليه بالفتح الأكبر فلذا يهابه الفقراء الأئمة الأعلام فاختاروا تآليف يستأنسون بها بدلا عنه لأنه لا ساحل له و لا قعر فلولا أن علماء الطريقة يخافون أن يعبروا ألفاظه بغير مقصود الشيخ رضي الله عنه لبعد مناطه عن الأفهام لأنه كله علم ذوقي لا لساني و لافكري و قد غلب على الناس الأفكار و الأوهام والحس والحدس والتخمين فإن المعاني قوالب ألفاظ العارفين فإن كل حرف من ألفاظهم رمز إلى قصة طويلة بينهم و بين ربهم فكل حرف عندهم بمنزلة فاس و عراق ومكة مثلا فمن دخلها وتحققها علم بباد السماع مضمن مكة مثلا و تتصور له صورها العظيمة نفسا واحدا كمن نظر ببصره جهة علو فإن نهاية بصره مع أول النظر فمن لا يدخل فهم اسم بلد لا غير فافهمه ، فألفاظ الجواهر كدلالة قاف على مائة و الشين على ألف في حساب الجمل فمن فهمه علم وإلا تحير وتكلف وما أنا من المتكلفين ، فإن العارفين لايتكلمون إلا في مقامهم وهو جوهرة الإحسان لا غير و إن جاوروا العلماءفي جوهرة الشريعة أو الصوفية في جوهرة الطريقة أي طريقة التصوف فليس مقصودهم إلا المدارات . [/font]
[font="]فمن لم يغترف من حقائق رسول الله الثلاث المتنوعة الى تسعة لا يعرف مناطهم. فأكثر من ذكر الله ومن متابعته صلى الله عليه وسلم تطلع على كنزية فضل الإتساع الإلاهي . فاشهد لك أيها الموقن المفتوح عليه في المقدور أن العقل لا دخل له في الإمكان إلا أن يدرك بأنوار الإيمان أن المالك تعالى يفعل في ملكه ما يشاء ، باني رأيت رؤيا وهي من أقسام الوحي عام أربعة عشر من القرن الرابع عشر الموافق لسن عمري حينئذ و أنا اقرأالقرآن في لوح صباحا قبل طلوع الشمس وأنا جالس نائما على اللوح وجبهتي على اللوح بمدرسة إجط بواد جبل بعقيلة وهي أنه تمثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأزال عن لحمه الكريم حلتيه الملونتين فكسانيهما و أعطاني أربع تمرات وست رمانات أو ست تمرات وأربع رمانات ثم قال لي قم فتبعته فطلع في درجات و انا من ورائه فرأيت نفسي أقيس قدمي على إثر قدميه صلى الله عليه وسلم فأضع أصابع رجلي في مواضع أصابعه فرأيت اثري على قدر أثره فهذا اشتغالي من أول القصة إلى آخرها مع مشاهدة ساقيه الكريمتين فكأني أنظرهمافي اليقظة الى الآن فلما طلع إلى العلو دخل برجله مع بدنه البيت وبقيت احدى ساقيه خارجة ثم رجع و رقي سطحا عاليا لبعض المساجد وهو مسجد تازروالت فرفع يديه حتى أنظر إلى ضبعيه وشرع يطلب لي ربي كأنه ياخذ لي البيعة من أهل الأرض و السماء و انا ما اشتغلت الا بتتبع الاثر ولم أهتم برفع اليدين ثم إني أشاهد ما بين السماء و الأرض امتلأ بالأرواح و الأرض وفوق النخل غص بالناس يقولون بأرفع صوت و اطربه اللهم آمين يارب العالمين وهو يمشي رافعا يديه ورأسه حتى وصل إلى نهاية السطح كذلك ثم طلع إلى سطح آخر ولم أطلع معه فدعا لي بكمال البركة و أنا فان في مشاهدته ثم نزل في تلك الدرجات فتبعته مشتغلا بوضع قدمي في موضع قدميه فخرج فدخل واديا فيه ماء أصفى من اللبن فنزل بقدميه ولم أنزل فكأني الآن أنظر إلى شعر ساقيه في الماء وطرف ازاره في الماء فشربني بيديه الكريمتين ثلاثة أمداد منه فكلما شربت لحست بلل راحتيه الكريمتين ثم طلع فتبعته فتبعني الناس أجمعين حتى وصل إلى واد ثان كالأول ففعل مثله فشربني فيه ثلاثة أمداد منه كذلك فطلع فتبعته فتبعني الناس إلى أن وصل إلى منبع عظيم اجتمع فيه الواديان فدخل فخضت معه حتى ابتلت ثيابنا حتى وصل فوارة عظيمة و ينبوعا عظيما فشربني من عين الينبوع وهو موضع يفور الماء فيه ثلاثة أمداد بمده صلى الله عليه وسلم فاسيقضت في وسطه؛ فأولتها لنفسي لنفسي بأنه أكرمني بالدين ولباس التقوى و أولت تتبع أثره بتتبع شريعته وأولت متابعة الناس و أهل السماء بإمامة الدين واولت الشراب في الواد الأول بالشريعة و الثلاثة بمراتبها الثلاثة و الثاني بالطريقة بمراتبها الثلاثة وأصل الواديين بالحقيقة بمراتبها الثلاتة وأولت كمال الإتباع بكمال الإتباع و الإهتداء فرمت بها جازما بأنه لا يتطرق إليه شيطان فظهر سره في فلله الحمد وتمام الشكر، ثم رايته صلى الله عليه وسلم مع الخليفة أبي بكر فنصبني للدعاء إلى الله فاجتلبت إليه أناسا معلومين وقد أخفيته في مختفى فكل من بايعني أتيت به إليه صلى الله عليه وسلم فبايعه وصافحه فسمعته قال لي ؛* كل من بايعك فقد بايعني ومن صافحك فقد صافحني * إلى مثله كثيرا ؛ فهذا تأويل رؤياي و أظنه قد جعلها ربي حقا فإني قد وجدت في قلبي من المعارف الإلاهية ما أحمد الله عليه بواسطة القطب المكتوم رضي الله عنه فإنه أذن لي في طريقته بواسطة العارف الأشهر الشريف السيد الحاج الحسين اليفراني رضي الله عنه فشهرته كافية وهو حجة المتقين فإجازتي إليه مذكورة في كتابنا الإراءة بتمامها. ثم أجازني الخليفة الأكرم و العارف الأشهر من انتشرت شجرته في كل الأقطار المولى السيد محمود بن المولى السيد البشير بن المولى السيد محمد الحبيب بن المولى القطب التجاني رضي الله عنهم و نفعني ببركتهم و محبتهم و خدمتهم ، ثم أنه ذكر لي بأن جواهر المعاني كتاب الشيخ أمر بتأليفه ونقحه واجاز بخط يده له في أسفل النسخة القديمة ففهمت ما أشار إليه وهو قضية فرغ من أمرها منذ عشر سنين على يدي أذهبتها و اضمحلت . وهي أن من انتسب إلى جناب العلم الخالي منه وجد بعض كلمات الجواهر مناسبا لبعض الكتب القديمة وكان مولعا برئاسة العلم إليه فلم يجد لها طريقا فبجح على ضعفة من يظن أنه يميل له ليجمع إليه ناموسه فتكلم بما تمجه الطباع و تشهد ألسنة قاطبة المسلمين على جموده وجهله، فقال؛ إن المقدمة منقولة وأنه اطلع على ما لم يطلع عليه غيره فوجد بعض الموافقات لمن قبله وعده نقصانا . ولم يدر علمه الله و أخرجه من غرق جهله أن أذواق العارفين بحر واحد ويغترفون من عين واحدة فإن السيد الحاج علي حرازم رضي الله عنه عدل ضابط إلى النهاية بلا تعليل و لا شذوذ مع كمال الاتصال و انه انما يكتب من املائه رضي الله عنه فما نسبه حال الإملاء نسبه لمثل ونسبه للشاذلي مثلا وقس كما هو موجود فيه وما لم ينسبه سكت ولم يقل أن الشيخ رضي الله عنه لم ينقل عن أحد فما سمعه منه بلا واسطة نسبه له و بواسطة قال مثلا بواسطة السيد محمد بن المشري بعد تحليته بما يعدله عنده على مقتضى الرواية والدراية . [/font]
[font="]فالمومن للمومن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا بكلامه وعلمه . فغاية جواهر المعاني أنه مؤلف مجموع في علوم الأذواق بكل طريقة بأي حلة فليس بمتعبد به حتى يبحث هذا المغرور عن حلته ، فقضية الجواهر أن الشيخ رضي الله عنه في أول سلوكه أمر الخليفة أن يجمع ما سمعه منه على مقتضى الطريقة الثانية طريقة القوم وهم من بعد القرون الثلاثة فجمعه على مقتضاها ثم إنه لما وقع له الفتح الأكبر على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم و لقن له الطريقة الأولى الأصلية التي هي طريقة الصحابة و حرم عليه أنفاس أهل الثانية الذين بنوا أمرهم على طلب الحظوظ في طلب المراتب الولائية على الناس بهممهم النفسانية بحيث لا يتخلص من إرادة غير الله بعبادتهم إلا من كان قد بلغ النهاية و عرج على يد كامل يكمله بالله * ليس لك من الأمر شيء * فرده صلى الله عليه وسلم إلى ما كان عليه في حياته هو وأصحابه من إخلاص العبودة لله بحيث يعبد الله لما كان عليه من الكمال والقهر الرباني بحيث يرى نفسه وعمله وثواب عمله لله لا تأثير لمخلوق أيا كان وبأي وجه كان فالكل برز من محض فضل الله و إنما نسب للعبد الكسب من غير اختيار ولا ضرورة بل أمر مأمور به لا غير مع الجزم بما سبق به العلم و أن الحقائق لا تتبدل في علم الله فما فعل إلا ما علم و لايزيد عليه وهو طريقة التفويض والتسليم والإذعان والرضى بما ثبت عن الشارع من غير تأويل للعقل لحدوثه فلا يحكم على الله بشيء أصلا و إلا لقيد بالحكم عليه ؛[/font]
[font="]موعدنا اليوم مع كتاب *الإشفاق على مؤلف الإعتصام مما جناه و أفكه على أهل الإستسلام.* و هو كتاب جادل فيه الإمام الشاطبي في منهجه في التبديع الذي رأى فيه إفراطا و تنطعا و تجنيا عل أمة الإسلام؛يقول رضي الله عنه في مقدمة الكتاب؛[/font]
[font="]**...........أما بعد فإني لما رأيت ما سوده صاحب الإعتصام و الطرطوشي و غيرهما ممن ولع بتبديع أعمال الأمة المكرمة المستنبطة بواسطة المجتهدين المشهود لهم بالخيرة لجمودهم على أنظارهم بإبطال أنظار آخرين فاقتصروا على ما علموه وأعرضوا عن تعلم ما جهلوه فظنوا أنهم أحاطوا بظواهر و بواطن الشريعة والحقيقة والطريقة فاختاروا الإجلاف بتبديع من أدرك ما لم يحوموا حوله ظانين أن درجة الشريعة جنة واحدة ؛ * أوهبلت إنها لجنان * فالعاملون العالمون الواعون في جنة الشريعة العليا كالصحابة ومن اهتدى بهديهم ممن علم نفسه أولا بأنه لا يفهم شيئا إلا ما أوصله له النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، اقشعر جلدي و تقفقف شعري مما لا أظنه أنه يصدر من فضلاء العقلاء فإنهم اسمجوا البدع وما علموا أن تبديع المحق العالم البريئ أفحش البدع وأن إبطال كليات الأوامر والنواهي الربانية من أعظم الإلحاد وأنهى الظلم والإفساد ، و لكنهم حملتهم الحدة الإسلامية والقوة النفسانية على إبطال ما أسسه الله و عصمه ، فلعصمة الدين لايلتفت إليهم كل من اصطفاه الله وكرمه ،كحدة عمر ؛ دعني أضرب عنقه ، فأجابه المربي المعلم من الله * فما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر ... * و كحدة موسى عليه الصلاة والسلام * لقد جئت شيئا نكرا * بعد أن عاهد أن لا يخالفه فلما بين له الخضر فهم وعلم بعد أن قال له إني على و أنت على علم و لا ينقص علمي ولا علمك من علم الله شيئا ، *رحم الله أخي موسى لو صبر حتى يبين ...* فعذر الرسول صلى الله عليه وسلم عمر ولم يجلده حيث استحل دم بريئ ولقبه في ذات الله بالمنافق بحكمه بالقرائن فقط من غير إحاطة بما في نفس الأمر ، وعذر الخضر موسى لكنه فارقه بعد مخالفة ثالثة و إنما كلم الخضر بما فعله موسى وصدر منه لو عقله قبل البيان لكن ليبقي الله للربوبية حيث لم يكل العلم إلى العليم تعالى و لأوليائه ؛ فالإنسان من حيث هو يتعلم من ربه من مهده إلى لحده فلا تخرجه الرتبة عن عز التعلم والتعليم ؛ فظهر لي أن أعلمه ولو في قبره و أحذر الناس قاطبة من الإغترار بما باح به من ظلمة جهله فإن الحق كالشمس أظهر من كل ظاهر فلا يعرف بالرجال وإنما تعرف الرجال بالإهتداء للحق و إنما يقتدى بالعالم فيما اهتدى فيه فالإهتداء محصور في كليات وجزءيات الشريعة فلا يحيط بالسنة إلا من تغلغل في مدلولات القرآن المبين بالحديث بحيث أدرك مائة ألف علم وستة وستين ألف علم في قوة كل حرف من حروف كتاب الله كالعارفين المقربين المستمدين من ذاته صلى الله عليه وسلم فهو المرآت لحقائق القرآن الكريم فمن غابت عنه حقائقه صلى الله عليه وسلم دقيقة واحدة حرم عليه أن ينكر ما استنبطه المجتهدون فمن قل علمه كثر إنكاره حيفا و ظلما ومن كثر علمه قل إنكاره ما عملت به الأمة جهلا بما لم يصله ،[/font]
[font="]فكثرة العلم ككثرة الظن * إن بعض الظن إثم * وهو الشق الضعيف المقابل للعلم المسمى بالوهم ومن تغلغل في العلم لا يجد في الأمة المختارة المصطفات ما ينكره البتة لشمول رحمة الإصطفاء لهم أولهم ووسطهم وآخرهم فالأمة كالمطر فكلها خير فعض يديك على * ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا* فالمصطفى لا يكفر ولا يبدع البتة و إن خلط * عملا صالحا و آخر سيئا فعسى الله * أي تحققت سلامتهم بعفو الله ورحمته ومغفرته ، أمة مذنبة ورب غفور بتشفيع محسنهم في مسيئهم فالأمة ثلاث مقتصد وسابق بالخيرات و المغفور له ، علم الله ذنوبها وسبق في علمه غفرانه لها قبل وجودها فمقصودي تعليم لا تجريح فرجوت أن يهدى برسالتي من غلط وغلط وجهل وجهل على غير بينة من ربه ليضم إلى بحر علمه ما تتم به دار سكناه وتنمو به رتبته ككل من تاب من حدة الجهل ممن قبله وبعده وسميته * الإشفاق على مؤلف الإعتصام مما جناه وأفكه على أهل الإستسلام * وبالله الإعتصام، مما هو ضرر وضرار لاولي الإسلام تم إن مقصودي الإفهام بعبارة تدركها الأفهام فعسر علي أن اتعرض لنقص حروفه ومبانيه لإخوة جنان العلم والإيمان و إنما أتكلم بعبارة سهلة مفيدة مع بقاء نظم كتابه معظما بعد الإضراب عما أسسه من تقليب الأمة بالإبتداع فيكون مطالعه ومشتريه على بينة منه ......[/font]
[font="]ثم يقول رضي الله عنه في وسط هذا الكتاب بعد كلام ... فلينته الجاهل بالله و برسوله وبمقاصد الله وبمقاصد خطابه فلو عرف مسود الإعتصام كغيره ممن شرب من سمه أو شرب هو من سم باطله ادعاء منهما عدم الإبتداع وهما لاغيرهما المبتدعان تجريح الأمة ، سباب المسلم فسوق ، ما جناه بإغراء شيطانه الذي لم يسلم وما أحدثه وما أورثه لمن بعده من لهب نار الفتن حتى سب كثير من الأغمار بسببه مالكا و كفره ولعن الشيخ خليلا و الصحابة و التابعين بإحسان إلى يوم الدين كالعارفين المقتدى بهم من ابن عربي والغزالي وأبي يزيد البسطامي و الجنيد والنووي و الترميذي والشاذلي إلى آخر كل إمام اقتدى به في دائرة الإسلام لانتهى، فهو الذي جرح المسلمين ولم يبق فيهم إلا من كان أجرب و أخبث و أضر بعباد الله فانبنى عليهم ما أحدثه المحدثون من عدم التوسل بالرسول وبالأولياء وإنكار الكرامات التي شحن بها كتاب الله و السنة وسيرة الأمة التي هي عين ايدي الرسول صلى الله عليه وسلم فإن كل ما ظهر على أفراد الأنبياء لابد أن يظهر على يد رسولنا صلى الله عليه وسلم أو على يد نوابه من كل زمان حتى الشرائع تظهر على يد الأئمة المجتهدين ليعبد الله على طرائق الرسل وعلى طرائق أحوال الأنبياء فتالله العظيم إن هذا المتعصب كمن سلك طريقته من شيوخه في بحر الفساد والجهل ومن اقتفاه بعده لقد أتى شيئا نكرا حيث دل الناس على أنهم مبتدعون من زمن الصحابة حيث قال نبعت البدع في آخر قرن الصحابة فما هو إلا مطموس البصر و البصيرة حيث جرح طبقة النقل لاكن *و كان أمر الله قدرا مقدورا* فأوصي أفراد الأمة بالتوبة من مطالعة الإعتصام و نحوه من كل فن من فنون الباطل فإنه و لاشك معاد لله و لرسوله و لأئمة المسلمين؛ اللهم إني سألتك بذاتك أن تغفر لي و له و لجميع السابين للأمة فإنهم ما قصدوا في نظرنا إلا خدمة السنة فأدتهم الحدة إلى سب أعلام الأمة فحرمة المومن أعظم عند الله من حرمة الكعبة بل المومن أعظم من الجنة فإنها عمله و بنت كسبه....[/font]
[font="]و يقول رضي الله عنه في خاتمة الكتاب؛[/font]
[font="]......فقد تتبعنا أفعال الأمة في عبادتهم و عاداتهم فلم نجد ذرة واحدة من حقائق إيمانهم و لا أعمالهم و لا سيرهم و لا مقالاتهم ولا اعتقاداتهم تصدق عليه البدعة الشرعية التي أحدثها من أحدثها خارجة عن أصول الشريعة بقصد مناقضة الشرع فالموجود المعاصي فقط لكن تتوب الأمة ، فالمسلمون مظاهر أحكام الشرع وليس قرنا إلا وفيه مخالفات فدائرة الأرض خلقت للجلال والجمال فالقادر في الحقيقة هو الله وغيره عاجز من كل وجه ؛ واعتبار بطل الكلام من تقدم من المتنطعين الذين لا يستحيون من الله ولا من رسوله ولا من علماء أمته يلقبون الأمة بالإبتداع فما رأيت بدعة إلا ما ابتدعه المتعمقون الجامدون الطالبون من الأمة أن تتبعهم في جمودهم وغباوتهم وعنادهم حتى لايبقى للأمة على غيرها مزية على غيرها وقد أماتوا الدين منذ أزمنة الصحابة فالصحابة فيهم طائفة يقولون على سبيل الحدة و النصيحة ما بقي في زماننا مما كنا نراه في زمانه صلى الله عليه وسلم إلا الصلاة جماعة وبعضهم إلا الأذان وبعضهم إلا الإقامة وكل عبر بما ظهر له فمن كان يحب رسول الله لذاته لا لذات الله نقصت محبته بوفاته صلى الله عليه وسلم وهو سبب كل من دهش حين موته فأيقظهم أبوا بكر الصديق من رقدة السنة * وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل... * فهو ممد الأمة بإمداد فاطمة الزهراء رضي الله عنها التي أسر إليها رسول الله الخلافة الباطنية فضحكت فبشرها بأنها في محله و هي أول لحوقا به من الخلفاء ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم يفترقان، و أمامن كان يحب الله لذاته ويحب الرسول لذات الله ويحب الصحابة والمومنين لذات الله ولرسوله فأحبوا الله و أحبوني لحب الله وأحبوا أصحابي لحبي نص أنه لايحب إلا الله لذاته * قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله * [/font]
[font="]فإنه يستوي عندهم حياته ومماته فإنه لا يغيب عن أمته و إنما هو نقلة من دار إلى دار مع بقاء جثته الكريمة في هذه الدار وقد أعطي التصرف حيا وميتا فذاته مع كل مومن وصورته تتصور لكل واحد في دلالة اسمه محمد وصورته الباطنية تتجلى في دلالة اسمه محمود وتتجلى صورة روحه وسره في دلالة اسمه أحمد فالإسم العلم الدال على مسماه يعين صوره بلا قيد زائد عنه في حق من آمن بأنه رسول وسبب في كل خير وجودا وغيره ، فمن لم ير هذه الصور في الدلالات فليمض إلى سراحة الدجاج إن وجده و أما سراحة الغنم فبعيدة عنه في سوق أهل العشق والإيمان والإيقان * تنورتها من أذرعات * فانظر إلى شاعر بعشق امرأة يراها بعين روحه لشدة تعلقه بها وكمال الرابطة حلالا أو حراما فمن فاقه هذا الشاعر فليكن ترابا خيرا له و هل يدرك من لا يفنى هذا المقام فنحن لله الحمد لا تغيب عنا حقائقه صلى الله عليه وسلم من حضرة الشؤون العلمية إلى حضرة الذرية إلى حضرة البطن إلى حضرة طفوليته إلى حضرة نبوته إلى رسالته إلى حضرات أوان تقلباته في الملكوت فقد وقفت صوره الآن نصب أعيننا فلله الحمد و نشاهد شريعته قائمة ممتدة زائدة الثمرات و الأغصان والفروع والرياح الطيبة كل نفس يصل ربنا على نبيه بما لا يعلمه إلا هو فكل صلاة عليه ظهرت فينا فإننا ظله وأمته فلا نطلب الحكم و الحكمة ولا العقل إلا من حضرته صلى الله عليه وسلم فنحن عند الأمر فما استحسنه استحسناه وما استقبحه استقبحناه * النبيء أولى بالمؤمنين من أنفسهم * ونحن محاجره ابد الآبدين فلا نقدم عقولنا على عقله أبدا فلا نطلب الأمر إلا منه فهو الذي عرفنا بربنا فكيف نخالفه؛ فليتق الله المجلفون ؛ بيد أنما هو محرم يجب تركه فالحلال الحقيقي هو المجمع عليه والحرام هو المجمع عليه وأما المختلف فيه فله وجهان يقال لهما الكراهية وهي أقسام الجواز فالمباح الشرعي ليس هو عين البراءة الأصلية فإننا مبايعون على الدخول تحت الأحكام الشرعية الخمسة فأنفاسنا و حركاتنا لربنا لا ندعي شيئا لأنفسنا البتة ؛ فإذا علمت أن ما زعمه المؤلفون في البدع ليس بدعة بل هو سنن شرعية كطريقة مالك إنما قال هذا غاية ما أحسنه وغاية ما أحبه لنفسي فمن أراد أن يتبعني فله و إلا فالمجتهدون كلهم على حق ، فمثل كتاب الإعتصام كمثل أصل التآليل المؤذية التي تنبت من ذواتها عروق الضرر في جميع البدن فالأمة كرجل واحد فخفت على سريان ضرر هذا الكتاب في عقائد المسلمين الضعفاء فلذا نصصت عليه و إن كنت ألفت في مقابلته قبله كتاب * كشف الغمة فيما يظن فيه اختلاف الأمة * مقابلا له لكن لما رأيت ما أظهره الجاهلون المولعون بالإرجافات فكلهم يسندون إلى هذا الباطل المسمى بالإعتصام الذي أدمج فيه مؤلفه ما هو صورة حق لقصد توهين الدين كأنه أكره من الملحدين فنعوذ بالله من شره ومن التآليف الباطلة تبعا لأصلها في مثله كابن الوقت المراكشي وكدييج الشنقيطي و كابراهيم التلمساني ... و الحمد لله رب العالــــمين والصلاة والسلام على أفضل الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ......[/font]
[font="]كتاب سوق الأسرار إلى حضرة الشاهد الستار من أروع كتب سيدي الحسن البعقيلي رضي الله عنه،و هو كتاب في التوحيد بلسان الخاصة و هو مفيد جدا في بابه وددت أن يمتلكه كل صوفي...و لأهمية هذا الكتاب سننقل عدة مقتطفات منه.[/font]
[font="]يقول رضي الله عنه في مقدمة هذا الكتاب الفريد؛[/font]
[font="]**..........و بعد فإنني لما من الله علي بحضرة دين المنعم عليهم من الأصفياء تذكرت إخواننا العبيد الأتقياء فأحببت أن أوضح لنا و لهم زلال العبودية لتنقشع عنها العبودة المحضة و يزال نقاب محياها بعبارة غضة فيعقبها ذوق ما أشار له العارفون بأساطير التلويح و الكناية فيربح كل تاجر بأحكام فهم ما سطرناه بالعناية، فالله المبدئ المتم المعيد هو الذي أنطق كل شيئ المحرك المسكن. اللفظ قالب المعاني و القلب قالب الأسرار و المراد للمباني و سميته* سوق الأسرار إلى حضرة الشاهد الستار*.[/font]
[font="]و بعد فليعلم اللبيب أن كل ما خطر بباله فالله بخلافه و أن هذا الكتاب إنما يساق به مساق الأمثال و هو و ما فهم منه و ما تخيله الأفهام عند تقريره رمز حادث لا غير و أن المقصود به إفراد الوجهة إلى حضرة الألوهية و هو المعبر عندهم بالتوحيد و إفراد الوجهة إلى سيادة المالك بالخشوع و الخضوع و التذلل لسطوة سبحات جلاله فإن كثيرا من العباد مغرور بحضرة الدنيا و حضرة الآخرة و حضرة البرزخ و حضرة متعلقاتها. فألممت هنا بما يزيح شوب العبودة بغيرها * إن الله لا يغفر أن يشرك به* فيجب إفراد المملوكية لقبلة سيادة المالكية فافهم فإن كل ما سوى الله عبد مملوك له حقيقة و المالك واحد أحد و المملوك من حيث الفعل الإلاهي واحد و باعتبار جهات الجزئيات متعدد و العبيد المكلفون بحسب ما ظهر ثلاثة ؛[/font]
[font="]1-عبد الأجرة و هو من يعبد لغرض دنيوي أو أخروي أي حمله الغرض الطمعي على العبادة من صلاة و أذكار فهذا بعيد بعد نسبة من الحضرة المالكية مستوجب بعبادته البوار و النكال لولا فضله تعالى عليه و عبادته مردودة عليه لأنه عابد لنفسه لا لربه فهذه مرتبة المخلصين و أهل الإخلاص على خطر عظيم.[/font]
[font="]2-و عبد عصى و هو من حمله الخوف على العبادة و هو خوف لحق لما توعد به العاصين من أليم النار و هذا عابد لهواه و هو أجلف المتعبدين لأن المعلول يدور مع العلة وجودا و عدما ، لولا الجنة و النار لظهر من يعبد الله ممن لا يعبده و المغتر بالظواهر كثير، فكثيرا من تجرد للخلوات و الرياضة و المجاهدة الفادحة لهاذين الغرضين الفاسدين عند كل ذي ذوق سليم فيحتمل المكاره لها و ربما يدله عليه من لم يصحح و جهته و توحيده فيكون عونا للشيطان عليه.[/font]
[font="]3-عبد الله و هو من حمله على أنواع العبادة امتثال أوامر الله و اجتناب نواهيه إن كان من الدرجة الأولى من القربين أو حمله استحقاق المالك الحق لأنه السيد المنفرد بها إن كان في الدرجة الثانية و هو خاصة المقربين أو حمله الشوق و الشكر و الغلبة لما فجأه من الجمال و الجلال و هي الغاية القصوى في الإتقان و الإحسان من غير تعرض لامتثال و إن كان ممتثلا و لا استحقاق لما دهمه من الجمود الصرف و الفناء عن كل ما غشيه من السواحق و الدواك لإحساسه فكان عبدا جامدا لنفسه متصرفا لربه ميتا لها حيا بربه مجردا عن العقل عقل تمييز و عقل كلي،فانفتحت له عيون بحور حضرة العقل الرباني فتصرف به ربه بما انطوى فيه من أنوار عقله الرباني فخلف نور عقله نور المريدين و السالكين و العابدين.[/font]
[font="]ثم اعلم أن العبد لله على الحقيقة الأصلية واحد و هو سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم لأنه هو الذي أفرد الحق كليته إلى الحضرة القدسية إفضالا منه جل و علا لأنه خلق من صفوة النور الإلاهي و هو الذي خلقه لنفسه و ما سواه يعبد الله من وراء حجابيته صلى الله عليه و سلم حتى الأنبياء فإنهم خلفاؤه في ذلك فهو العابد لله دائما القائم بحق الربوبية و العارفون يعرفون الله بما ظهر لهم من العابد الحقيقي صلى الله عليه و سلم و هم غرقى في أنواره متوجهين به لحضرة ربهم فهو قبلتهم و إمامهم من يوم فطر الله الخلق إلى ما لا نهاية لأيام الآخرة ؛ فكل من ناب عنه صلى الله عليه وسلم بحلته التي ألبسها له صلى الله عليه وسلم ومن ناب عمن ناب عنه يعبد الله بحسب صفاء الحلة التي ألبسها فهكذا إلى آخر الدهر ؛ ثم أكبر الخلق عبودية بعد الأنبياء القطب الجامع الكامل الوارث أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ثم القطب دونه ثم من ضاهاهم إلى آخر الدهر وسيتبين لك ذلك كله في عرصات القيامة ، فمن ورث مقام نبي من الأنبياء يعبد الله بقدر ما ورثه ذلك النبي من حضرة قطب الوسائل صلى الله عليه وسلم فإن كان قطبا مثلا يغترف ويتصرف بحسب عبوديته المكتسبة من موروثه ومن ورث المقام المحمدي يكون كاملا لجمع علم الأولين والآخرين تتفجر منه الشرائع كلها ويعبد الله بجميع شرائع الأنبياء لأنه ورث بالفضل الإلاهي مددهم وروحهم ؛ وإنما ألممت بهذا و إن كان مستطردا لتعرف وساطته صلى الله عليه وسلم قبل الوصول وبعده فإن حجبت عنك وساطته صلى الله عليه وسلم فقد حجبت عمن كان قبلك من كبار العارفين مع اعتقادهم واعترافهم بها بل لا يتجلى أحد إلا بحلة شيخه الموروث له وهو صلى الله عليه وسلم قاب قوسين أي دائر بما خلقه الله المسمى بالأمر الإلاهي وهو الكون ، فاعلم أن الكون من حيث هو مثاله باعتبار عظمة المالك جل وعلا كبيضة صغيرة لا ظهور لها إلا كظهورها في قاب قوسين قشرة البيضة ولها قشور متعددة وكلما يسمى بالمخلوق داخل في باطن البيضة من العوالم كلها الدنيوية والأخروية حتى العرش وما في جوفه فحجابيته صلى الله عليه وسلم دائرة به وما في داخلها محفوظ به صلى الله عليه وسلم وهو مظله بحيث لو أزيل شيئ من حجابيته صلى الله عليه وسلم لتدكدك ما في داخله من عرش وغيره، فكلما ما خطر في بال العارفين الموحدين فإنما هو من جنس العوالم المحشوة في مرآته صلى الله عليه وسلم ولا سبيل لأحد أيا كان ولو سيدنا إسرافيل الذي هو أكبر العارفين إلى تحقيق مرتبته صلى الله عليه وسلم فضلا عن الإحاطة بها، وقد أعجز الحق جل وعلا جميع الخلائق عن إدراك جوهرة واحدة من جواهره صلى الله عليه وسلم ،ومن معه مثلنا إنما هو مخلوق له ، وقد قطع الحق جل وعلى أطماع الأفكار بالنبي صلى الله عليه وسلم ومنع كل إدراك به و جعله سورا قاهرا لكل عارف ،فقاب قوسيته صلى الله عليه وسلم معناها أن الحق جل وعلى خلق صفيه صلى الله عليه وسلم من صفوة نوره جل وعلا فأضائت جوهرته صلى الله عليه وسلم فكل ما وصله نور جوهرته فهو بحر الخليقة المقهور ببحر الألوهية ، فركبه الحـــق جل وعلا من نور جوهرته أدوارا ببحور الفيض والسقي الإلاهي يظل بحر على بحر ويبرد حرارة السطوة الإلاهية تدريجا حتى حصل اللطف الكبير منه جل وعلا ؛ فكون الحق الفاعل المختار على حسب ما تعلقة به الإرادة الأزلية لجميع العوالم المترتبة في القوة والضعف فحصل لله الحمد الأمان والهناء لضعيف الأكوان بالقوي منها فهكذا حتى وصلت إلى المرتبة المحمدية فهي ظل الجميع وأصل الجميع وبحر فيوض للجميع كله لطفا من المالك جل وعلا بعباده ليبقي لهم وجودهم المناسب لهم بظل أقوى خلقه صلى الله عليه وسلم ؛ فاعرف قدر نبيك تعرف منه قدرك وإنما بينت لئلا تدعي الإستقلال فتدك بسطوة غيرة مرتبة الحق على حبيبه فتحاول محالا لم يرده الله جل وعلا ..[/font]
[font="]نواصل نقل كلام سيدي الحسن البعقيلي من كتابه النفيس * سوق الأسرار إلى حضرة الشاهد الستار* حيث يقول رضي الله عنه؛[/font]
[font="]**فإذا عبدت ربك بما أفاضه عليك من حضرة نبيك صلى عليه و سلم و عرفت و أعطيت للحضرات حقها و الأدب فاعلم أن الله عز و جل لما خلق خلقه و من جملته الفلك الدولاب الدائر السائر أبدا علق رزق خلقه بالعمل المتقن لأنه جل جلاله لا نسبة بينه و بين مخلوقه و إنما خلق و قدر و أراد بفضله فكل من عمل عملا متقنا أيا كان صالحا أو غيره و أتقنه بشروطه التي قررها الشارع صلى الله عليه و سلم بأقواله و أفعاله و تقريراته يدور له الفلك بسهم غلة ذلك السبب بعد علمك أن السبب لا تأثير له بل إنما هو أمر مطاع فمن عمل عملا صالحا من صلاة و صوم و ذكر و أنواع قربات و أتقنه بشروطه المقررة من همة نافذة جاهدة في طلبه أو موت دونه، فإن تعرض بعمله لدنيا يصيبها يدر له الفلك بها و هو غير عابد بل مسيئ مستحق في نفس الأمر المقت من الله لأنه لم يفرد العبادة له جل وعلا وإنما عبد لنفسه فهو مشرك في العمل المشروع للعبادة المحضة بحظه الدنيوي لولا فضل الله عليه لأهلكه به لكن قدر أن كل من عمل عملا وتعرض به لأمر وأتقنه يحصل على غرضه الذي هو النتيجة فتنفعل له الدنيا بسر همته ولا حظ له في الأدب مع ربه بل هو مطرود من حضرة القرب ولا يشم رائحة معرفة سيده مالم يتب ويخلص وجهته لحضرة سيده وربما يغتر بما حصل له من الفتوحات الدنيوية بسبب عمله فتنغلق عليه أبواب الرب جل وعلا فالغرور اعتقاد الأمر على خلاف ماهو عليه فقد اعتقد أنه حصل على خاصية الذكر مثلا فيصرف همته عمره كله لمثله ويجعل ذلك عبادة ربه فيعد نفسه من الذاكرين الله كثيرا و يتلذذ بذلك في جميع أوقاته وكلما ازداد خدمة ازداد بعدا من حضرة ربه لأنه إنما يغلظ الحجاب بهمته ونيته وربما يدل العابدين على مثل عمله فهو ضال مضل محجوب بإشراكه في عبادة ربه فتناديه حضرة سيده ما عبدتنا لأجلنا و إنما عبدت نفسك فابق مع نفسك منعما بغلة عملك ولأنت عندي أبعد من كل بعيد لنجاسة مطلبك ، فنأمر أخانا في ذات الله أن يرجع إلى ربه تائبا من نجاسة حظوظه ويفرد وجهته لربه ويخلص عمله ونيته له يجده أقرب إليه من حبل الوريد فافهم ؛ وإن عبد لغرض الخوف من عتابه وأتقن العمل بشروطه بهمة نافذة جادة أو الموت دونه يدر له الفلك بسهمه أي غلة عمله وهو الحفظ من أليم عقابه وهو غير عابد وغير أديب بل مشرك في الحقيقة لأنه استعمل السبب الذي يقصد به امحاض العبودية والتعلق بالربوبية في حظ نفسه الذي هو الخوف من النار وهو في الحقيقة و ان كان محفوظا من العقاب يستحق البوار بالإشراك * إن الله لا يغفر أن يشرك به * وعدم الغفران بعده من حضرة سيده حتى يفيئ إلى أمر الله ويتبرأ من الشرك في العمل فتناديه الحضرة ما عبدتنا لأجلنا و إنما عبدت نفسك فافهم ترشد ؛[/font]
[font="]وإن عبد لغرض الجنة و أتقن العمل إتقانا محكما بهمة نافدة جادة غير سائمة ويلاحظ بعبادته ما سمعه من لسان الشرع من أنواع النعم الحور و غيرها بحيث لا يريد بعمله إلا ثوابه الآجل الأخروي يدر له الفلك بسهمه الذي هو غلة عمله وسكنى الجنة والتنعم بما فيها من نعم ربه وهو غير عابد ولا أديب بل هو مستوجب بعمله عقاب سيده لولا ما اكتنفه من فضل ربه الذي عليه التعويل فيتلذذ بما تعرض له بعمله و لاسهم له في حضرة ربه و معرفة سيده بل يشتغل بنفسه في الدنيا و الآخرة منهمكا في شهواتها الحظية و إن كان يكرمه ربه بسماع لذيذ خطابه يوم الجمعة مع عامة الناس على حسب الإفضال لاغير فيبقى مع العامة ساعة ثم يرد إلى نفسه متنعما بشهواتها المألوفة محتجبة عن معرفة ذوق ما ذاقه أهل الحق الذين هم الأكابر من الموحدين عبادتهم لربهم في دار حياتهم الدنيوية وغيرهم بطال و إن كان في نعيم الجنة ؛ فجنة الموحدين المفردين لمحض العبودية الأنس بربهم و لا تخطر نعم الجنة ببالهم وإن كانوا غرقى فيها بحسب الإفضال فيجمعون لذة شهودهم لجمال سيدهم في كل نفس من أنفاس الدهر مع لذيذ نعم الجنة فلعنبة واحدة يأكلها العارف أحب وألذ وأشهى من نعيم عامة أصحاب الجنة فالعارف أكرمه سيده بأعظم نعيم الجنة ويحصل له سيده في نعمة واحدة أعظم ما يحصل لجميع عامة أصحاب الجنة بلا قصد من العارف بل بالفضل الإلاهي و يفاض عليه شهود مولاه الذي أفرد له العبودية * وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون * فالعارفون أفيض عليهم شهود مولاهم بعملهم و تفضل عليهم بلذيذ نعم الجنة بل بأعظم نعمها والعامي أفاض عليه الحق نعيم الجنة الناقصة اللذة عن مرتبة العارف بمراحل بسبب عمله لأنه مشهوده في دار الدنيا و أكرمه الله في نفس واحد يوم الجمعة بسماع كلام سيده ببركة العارفين ورؤية وجه سيده مع الفناء لا البقاء لأنه تعرض لرؤية ربه بعمله فدار له الفلك بسهمه وهو غير عابد فافهم الفرق بين العارفين في الجنة وبين عامتها تجد العامة إنما رحموا ببركة العارفين وهم عيالهم ويتبين لك أن نفس العارف في الجنة لا تقاومه أنفاس العامة كلها سواء كان في الأنس بربه أو في النعيم المقيم وقد علمت أن الله جل وعلا يخلق في عنبة واحدة مثلا للعارف لذة ما لا يجده أهل الجنة من جميع نعيم و جميع أعمار جنتهم ، فاذا تمهد هذا فقم بين يدي مولاك بالعبودية الخالصة من غير غرض دنيوي ولا أخروي ولا برزخي بل لما عليه من جمال وجلال الكمال تكن أسعد الناس بمولاك و لا تغتر بزخارف الحظوظ التي هي مهلكة العابدين ومزبلة المطرودين فليكن حظك من مولاك أن جعلك آلة لذكره لا غير ؛[/font]
[font="]وإن عبده لغرض الولاية والفتح والكشوفات و أتقن فيه إتقانا محكما على حسب ما عند أهل الطريقة الثانية المحدثة بعد القرون الثلاثة بعد إدبار القلوب عن الله التي بنوها على الحظوظ من الفتح و الكشوفات قصدا منهم لترقيق الحجاب لا غير لا أنها طريقة جادة بل هي معوجة معلومة الإعوجاج لكل عاقل لكن بنيت على الحظوظ أولا لغرض السياسة والرياضة فإذا رقت الحجب وانفتحت مسام بواطن أهلها يعرف المسلك أهلها بسهولة عن قصد الحظوظ الذي هو عين الشرك فيتطهرون ببركة المسلك العارف لاغير ولاتحمد عواقب أهل الطريقة الثانية إلا عند اختتام أعمارهم وانتهاء أمرهم فمن بقي منهم حتى يرتاض ويرده المسلك إلى الطريقة الأولى الجادة التي بنيت على إفراد العبودية لسيادة المالك الحق جل وعلا وهي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وطريق أتباعه الصحابة وأتباعهم ، فأهل الطريقة الثانية لا يسمون التابعين لرسول الله الإتباع الكلي حتى يتخلصوا للأولى لأنها ليست العبادة مقصودة للمحدثين لها من العارفين بل مقصودهم إطماع القلوب المدبرة عن حضرة الله على وجه السياسة فإذا مالت قلوبهم إلى طلب كرامة الله فطموهم منها وبينوا لهم وجه العبودية فيلتحق بعده بالسعداء بحضرة ربهم وعليه فإن أتقن العمل بوجهه يدر له الفلك بسهم الولاية والفتوحات و الإنفعالات بهممهم وخرق العوائد المألوفات بأضدادها فيعظمون في العالم العلوي و السفلي و ذلك جزاؤهم لأنه ما عبد الإلاه وربما يقطع له رأسه بسيف القدرة و يطاف به في عالم الحس فيقال هذا جزاء من اختار الولاية على خدمة مولاه أعيذ نفسي و إخواني من سوء القضاء اللهم إلا أن تدركه عناية الإلاهية فتخرجه عن حضرة حسه حتى يشهد الحق ويتبرأ من ولايته وقوته ويرجع إلى لبس ثياب العبودية بحيث لا ينازع سيده في ردائه و إزاره الكبرياء والعظمة فيكون حينئذ مرادا له جل وعلا فافهم فإنه موضع زلق موبق لأن كثيرا ممن أفيضت عليه الولاية بحسب عمله المتقن وهو محجوب عن الحق يتصرف بها بلا أدب حتى يطرد بسوء أدبه وربما يخيل له في حال الإنفعال أنه الفاعل وأنه عين ربه فيتكلم بكلمة الكفر نعوذ بالله من سخطه فيهدر دمه على لسان الشريعة محقا أو مبطلا فلا يلومن إلا نفسه ومن تطور في غير شكله فدمه هدر محقا أو مبطلا ، إياي و إياك من دعوى الربوبية فإن هذه الدعوى رجس فالعبد عبد وجب عليه ألا يتعدى طوره على أي حال و الولي هو الحق جل وعلا لا غير و إنما أفاض اسم الولاية علا غيره لسياسة ملكه لا غير و إياك أن تهمل حق العبودية التي هي أصلك فتغتر مع المغترين و أنواع المغترين كثير و أنت في هذه الحالة غير عابد لمولاك بل إنما حصلت على نتيجة عملك المتقن فكلما ازددت خدمة على هذا الوجه ازددت بعدا من الملك الحق بل إن تجلى فيك الحق على سبيل القهر فانهض بالله لا بك مفوضا مؤتمرا بأمره فافهم .[/font]
[font="]يقول رضي الله عنه في هذا الكتاب؛[/font]
[font="]**.......... فالهارب العاصي عن حضرة مولاه ينكف إن سمع عقاب الله و يخافه إن سبقت له السعادة بحسب الفطرة والتائب يزيد في الأعمال الصالحات لما سمعه من الجنة و المخلص العامل عملا ينسبه لنفسه و يلاحظ في حال عمله الثواب المرتب فيزيده الخطاب بمثل ذكر المغفرة والقرب مجاهدة .و العارف المقرب الكبير يزيده الخطاب بمثل الجنة والحفظ من النار و المغفرة انقباضا وخوفا من أن يكون ممكورا به وهو في الحضرة و يعد نفسه مقطوعا بحيث لا يعول على حاله ولا معرفته بربه و لا بوصاله لأنه لما سمع ذكر الثواب خاف أن يكون من العاصين أو التائبين أو المخلصين فيخاف من مقام الإخلاص كما يخاف العاصي من النار و لا يزال يخاف من مقام ربه فله جنة معرفة ربه ممزوجة بالأدب الذي اقتضاه وهو الركون إلى مولاه والرضى بما رضيه من جنة أو نار و جنته لذة شهود مولاه وناره نار القطيعة التي هي أحر نار ، فيبقى بأدبه موصولا في الدنيا و الآخرة و لا يفرق بين الدوائر الثلاث، فحضرة الدنيا والبرزخ و الآخرة على حد سواء عنده لأنه متمتع بلذيذ خطاب سيده و جماله ويحمله الجمال عن ترك الميل لغير ربه خائفا وجلا آنسا فانيا صاحيا ميتا حيا جامدا متصرفا منقطعا عن الخلائق متصفا بهم ساكتا متكلما مشيرا عاجزا عن الإشارة ضاحكا باكيا عاقلا والها مميزا ساكرا فتجتمع عليه الأوصاف كلها في نفس واحد متصفا بصفات ربه متجردا عن صفات نفسه أديبا عالما جاهلا ، فتشرق عليه أوصاف العبودية كلها في كوة السيادة في كل نفس من أنفاسه فلا يحصل على معرفته بين الناس إلا من أحبه الله لأنه متلون بتلون الخلائق كلها بجلوسه على كرسي [/font]
[font="]العبودية ؛ فتحصل أنه توجه خطاب الشارع إلى جميع الأجناس من العبيد يداويه الخطاب العزيز بما يصلحه ويزيده *لمثل هذا فليعمل العاملون *. فالمخلص عند السيد هو الذي يعرف خطاب سيده بالإشارة ويفهم من عمل لفظه ومن كل إشارة ما يبرئ أسقام الأجناس كلها وهذا العالم حقيقة الذي يستحق التقدم والعلم وغيره إنما يزيد سقما على سقم، لكنه لا يريد التنزل من حضرة الحق إلى حضرة الخلق اللهم إلا إذا اقتضت حكمة سيده التنزل فلا يكاد يحب إلا التنزل لأنه مراد سيده سواء فيه صلاحه أو هلاكه فإنه لا مراد له مع مراد سيده فيظهر المخالطة والمجانسة لهم ولا مناسبة إلا ما اقتضاه الأمر الإلاهي فافهم وكن من الشاكرين ، فإن كثيرا من الناس اختلطت عليه الطرق فيجمد على الظواهر و الحظوظ محتجا بأن الله أمرنا بطلب الجنة بالأعمال الصالحات ذاهلا عن الطب الإلاهي لقلة الأطباء في زماننا على الوجه الأكمل أي ظهورهم مع كثرتهم فهو مغرور ، فاسمع قوله جل وعلا * ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي [/font]
[font="]جنتي * [/font]
[font="]فالمطمئنة هي نفس المخلصين و الإخلاص نهاية الأولياء أهل المجاهدة الملاحظين ثواب أعمالهم وقد أمرها الله بالرجوع بالإنسلاخ من التعرض للثواب فإن رجعت بحيث رضيت بما رضيه مولاه سميت راضية مع نسبتها العمل لنفسها فيجب عليها التوبة من نسبة العمل لغير الله فإذا تجردت من نسبة العمل لها متبرأة من نفسها عالمة بأن الله هو الفاعل المحرك المسكن لها * هو الذي أنطق كل شيئ * *ومارميت إذ رميت ولكن الله رمى * خطاب لأعز وأكبر العبيد ، ودخلت عائمة في بحر الوحدة وحدة الذات ووحدة الفعل وتبين لها أن الخلائق كلها فعل للحق بمنزلة كتاب مكتوب بمداد واحد واعتقدت أن تجزئة الكتاب إلى حروف وأحزاب وجمل لا يخرجه عن المدادية ولا عن كتابية الحق جل وعلا ونسب لمولاه كل ما رآه ولا يرى أحدا قادرا على حركة وسكون بل يكون كل شيئ عنده هباء في شمس دخلت بكوة لا وجود له وجودا يحصل عليه بل هو مبصر غير ثابت ولا نافع ولا ضار ويعتقد وجود الهباء وجودا خياليا و أنه لم يكن إلا الحق جل وعلا وأن كل ما ظهر إنما ظهر من النور الإلاهي فهذه النفس تكون مرضية عند مولاها ، فإذا رضيها يسحقها ويدقها دقا ناعما حتى يفنيها عن أوصافها و يميتها ويربيها بالسقي الإلاهي بدخولها في حضرة صفاته وأسمائه . فإذا تنورت وتصفت وامتلأت بما أفيض عليها من حضرة أسمائه وصفاته تجلت وتقوت لحمل أثقال السر الإلاهي فإذا أمرت و أودعت وختمت وانغلقت وانبرزت انتقلت للمعرفة الإلاهية فتكون جامعة مانعة محاطة بسيادة سيدها مرادة معظمة سائرة لما لا نهاية له من بحور أنوار الكنه الرباني فافهم واجزم وهو قوله تعالى * وادخلي[/font]
[font="]جنتي * أي جنة معرفته *وادخلي في عبادي * وهذا هو العابد لله لا غير فإن غير هذا عابد لهواه مستحق غضب ربه لولا رحمة الله عليه فعمله بالقصد معه عين القطع لكن سبق ما سبق في علمه الذي لا يبدل أن كل من عمل عملا و أتقنه دار له الفلك بسهمه . وعليه فمن عصى الله معصية متقنة بشروطها بهمة نافذة جاهدة في المعصية على وجه الجحود و الإستكبار عن الربوبية يدر له الفلك بسهمه وهو غلة عمله التي هي سخط ربه قطعا و لا يغفر ذنبه أبدا لأنه جل وعلا حكم بأن من عمل عملا متقنا يدر له الفلك بسهمه و قد أتقن العمل بالجحود والإستكبار و التصحيح على عدم العود نعوذ بالله جل وعلا * إن الله لا يغفر أن يشرك به * وإن عصى الله اتباعا لنفسه من غير قصد الإجتراء على الربوبية ولا جحود نعمته ولا استكبارا عن سيادته فهذه معصية غير متقنة فإن الفلك لله الحمد يدور بسهم غيره و لذلك يغفر بالحسنات * إن الحسنات يذهبن السيئات * و بالندم والتوبة والإستغفار وغيره من أنواع المكفرات المروية عن الشارع ، فإن غاية هذه المعصية أنها تأكل من الحسنات إن لم يتب منها صغيرة أو كبيرة ، فإن تاب منها تزد على الحسنات بحسب الفضل الإلاهي . فكلما ورد أنه يكفر فإنه يكفر سائر جميع أنواع المخالفات لله الحمد لأن الفلك لم يدر له بسهمه ، غايته أنه مسيئ جدا حيث أنه اقتحم ما نهي عنه فيستحق سخط مولاه لولا فضله السابق وهو أنه لم يدر له الفلك بسهمه لعدم إتقان العمل وهو منغمس في فضل ربه و لذلك يحمله سر ايمانه على عدم الإصرار إلى الممات أي عدم نية الإصرار إليه بل كل يوم يحدث نفسه بالتوبة وكلما سمع كلام الله سرى فيه نوره و أما إن نوى الإصرار عليه إلى الممات فهو عين التجرء على حضرة الربوبية ولذلك تنسد مرآته ولا يرجى فلاحه لأن الفلك دار بسهمه بالإتقان فافهم . ومنه تعلم أن أهل المعاصي من المومنين المصدقين برسالة نبينا صلى الله عليه وسله لم يكن فيهم لله الحمد من يستحسن المعصية مستكبرا بها على الربوبية و إن كان مجاهرا بها عند اقترانه فإنه خائف من مقام ربه بدليل أنه يستقذر نفسه ويستحيي من العلما و المساجد . فهذا كله لا يدور له الفلك بسهم الغضب و إن كان مسيئا جدا حيث خالف أوامر سيده لكنه غطاه الفضل الإلاهي . ولهذا لايغضب الحق جل وعلا على واحد من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فلو غضب عليه لتبدل حكمه وهو لا يتبدل وتبدله بدوران الفلك بسهمه وهو غير متقن للمعصية . ولذلك من سبق أنه يدخل النار من أمته صلى الله عليه وسلم يدخلها مرضيا من سيده ولو فعل ما فعل من كل معصية غير متقنة فلو أتقنها لكان كافرا بل يدخلها محبوبا مرضيا تطهيرا له مما أسرف حيث ربت مساويه عن حسناته بحسب ما يعلمه الله لا على وجه المقاصة فتهيج عليه النار شفقة فتحرقه مرة واحدة ودفعة واحدة فتخرجه عن حسه فيبقى فحمة مطهرا بها حتى يشفع له نبيه صلى الله عليه وسلم ولا تخرج فحمة من النار حتى يأذن لها نبيها إظهارا لأهل الجنة قدر نبيها لا غير و أنه لولاه صلى الله عليه وسلم لاستمر فيها من دخلها ولدخلها من لم يدخلها فإذا تبين لأهل الجنة و أهل النار ذلك السر الإلاهي خرج جميع من لم يدر له الفلك بسهم الغضب فيظهر فضل الله للفريقين فيغرق الحق جل جلاله فريق الجنة في محبته وفريق الكفر في غضبه دائما أبدا ؛ فعليك بمولاك فالمنة له عليك و الزم أعتاب العبودية الصرفة المجردة من غير وغيرية تحظ في هذه الدار بما يفاض عليك في البرزخ والآخرة وتتنعم في كل نعمة الدنيا من أكل وشرب ونكاح بمثل ذلك في الجنة ولو كشف الحجاب مــاازددت يقينا..............[/font]
[font="]يقول القطب سيدي الحسن البعقيلي التجاني رضي الله عنه في كتابه النفيس * سوق الأسرار إلى حضرة الشاهد الستار * ؛[/font]
[font="]** ........ فاعلم بأن الله عز وجل ما ملكنا العبيد إلا لنفهم بهم عن الله وكذلك كل ما أفاضه علينا و خلقه ونسبه لنا ما فعل ذلك إلا لحكمة وهي المعرفة بأن المالك يفعل في ملكه ما يشاء ، واعلم بأن المالك للذوات والأرواح والأجرام والأعراض في الحقيقة هو الله جل وعلا و غير الحق مخلوق له مملوك له مقهور بسيف مالك الملك ، لا يملك نفسه أي جوهره فضلا عن عرضه فضلا عن عمله فضلا عن مال منسوب له وغير ذلك ، وملكية غير الحق جل وعلا ملكية ظاهرية مجازية وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له، فالملك للحق حقيقة وهو استعمال اللفظ في ما وضع له أولا ، لتقتبس من الحقيقة ومن المجاز أحكامهما بالوهب الرباني وهو العقل الغير المكتسب بل مفاض من حضرة الرحمان ؛ فإذا علمت أن المالك واحد لا يتعدد يتضح لك أنك ومن ماثلك في المخلوقية عبد محض لا تأثير لك ولا حركة ولا سكون إلا به جل وعلا ، فالمملوك لا يملك مع سيده شيئا نفسه وحركته وسكونه، وكل ما نسب لك ليس ملكا حقيقيا لك ولذلك أمرك بالإقتصاد في كل شيئ ؛ فإذا تمهد هذا علمت أن العبد له حد يحده ووصف يناسبه و حده هو الضعف والذل والفقر ووصفه هو الإلتجاء والإتكال على سيادة سيده ، فالسيد تقتضي سيادته الإمداد من رزق وإحياء و إماتة وبعث وفعل كل ما تعلقت به مشيئته، فمن أول وهلة الملك ترتب فبي علمه الإمداد بلا كلام ولا سؤال، و العبد بمجرد علمه علما حقيقيا بترتبه في ملك سيده يعلم قطعا من باطنه أن رزقه في يد سيده فلا يحتاج إلى من يعلمه ذلك وإن كان من أجهل العبيد بل يعلم بالفطرة الإلاهية على سبيل الإلهام الرباني ، فتجد العبد غني النفس عن التعرض لأملاك سيده لعلمه أنه مملوك لا يملك لأنه غني بسيده، و لايتعرض لسؤال الغير مخافة سيف غيرة سيده وإن أجاعه السيد لحكمة ؛ هذا وعليه فنزل نفسك منزلة ذلك العبد المملوك العاجز المسكين واعتبر ، فكل ما لا ترضى أن يقابلك به عبدك المملوك ملكا مجازيا فالسيد الواحد الحق هو أولى به . فياسعادة عبد استعمله سيده فيما يرجع عليه بالرضى من سيده و يا خسارته إن أهمله بعدله فذلك شؤم لحقه بنفسه لنفسه منها ، و عبيد الخدمة كثير فبعض يستعمله بفضله وبعض يهمله بعدله ، فالحمد للملك على كل حال فله أن يهمله ويعذبه بترك خدمته وله أن يرحمه بفضله غير ظالم * وما ربك بظلام[/font]
[font="]للعبيد * لأن السيد يتصرف في ملكه كيف يريد من غير منازع، لأن سيادة المالك متحدة؛ فيجب عليك أيها المسكين أن تعلم أن أمورك بيد سيدك فلا تحتاج إلى تفويض لأن السيد لا يتوقف على توكيل عبده لأن الوكيل أجنبي وهذا مالك ، ومعنى التفويض في لسان الشارع الإقرار والإعتراف الباطني بأن أمورك بيد سيدك لا غير لا أنك تأذن له كعادة الوكالة والنيابة و التفويض منه لا منك ومعناه منك الإذعان له ، فإذا أفاض خير الدنيا والآخرة ونسبه لك فاقطع بأنه لا حق لك فيه إلا مجرد الإنتفاع ثم ينقل لغيرك من العبيد بعدك أي بعد تصرفك فإن السيد إذا قال لعبده ملكتك أمر كذا وهو لك مقصوده سياسة النماء والإعتبار لا أنه لا نظر للسيد عليه ، أرأيت أنه إن بذره أليس له أن يعاتبه عليه وهو أكبر دليل عليه، وما جعل شيئه تحت نظر عبده إلا للإختبار لأنه لا يحب من يتجرأ عليه في الشيئ المملك وسيده أولى به ؛ ثم اعلم أن العبد المستعمل في غرس مثلا لايخطر بباله أن العمل الذي هو الغرس له ، بل إذا سألته عن نفسه يجيب بديهة بأنه عبد لفلان وإن سألته عن الغرس يجب بلا تأمل بأنه لسيده فلان وإن كان من أجلف العبيد، ولا يتصرف في الغرس إلا بإذن سيده ويغرس و هو خائفا من سيده أن ربما يخرج الغرس مرارا أو تموت الشجرة أو لا يحسن الغرس أو ربما ينزعه عن غرسه ويملكه لعبد آخر ويهمله هو، وحظه من العز أن كان عبدا للسيد الكبير ، فإذا شاهد مولاه تنصب عليه صواعق العز والفرح و الهيبة والأنس ، فلا تسكن فرائصه حتى يشاهد جمال سيده بالتنزل و الملاطفة به ويسمع لذيذ خطابه مع قرائن الأمن منه و هكذا دائما أبدا وإن غرس ما لا يعده العقل ، بل يعتقد أنه إن زل زلة واحدة في عمره كله له أن يعذبه بها إن قابله بعين السخط، وله أن يتفضل عليه بالإغضاء إن نظر إليه بعين الرضى، و لايعول على عين الرضى و لا عين السخط فله أن ينظر في كل نفس لأحدهما أو بهما، ولا يركن إلى حال بل يرى نفسه مقهورا في قبضة المالكية دائما؛ فكن أيها الأخ كذلك مع مولاك الحق تحصل على كنز العبودية ولا فضل لعبد على الآخر إلا بالأدب مع السيادة ، ما لك أيها المسكين تدعي الحرية و تمن بعملك على مولاك و تطالبه بالأجرة عليه وهل رتب سبحانه الأجرة على عملك إلا بعد انطماس البصيرة والبعد من حضرة القرب فلا يقدر عبدا أيا كان أن يطالب سيده ولا أن يمن بعمله عليه لكن إذا تصدت المرآت تقبل كل وسخ ؛ فشتان ما بينك وبين العبودية وإن ادعيتها، أين لك العمل الذي نسبته لنفسك ، فإنة منه و آلة الغرس منه و البلد منه، فأسقط الطمع من ثواب العمل فإنه لولا فضله ما وفقك له، وليس من شأن العبد التعرض له بل من شأنه العمل مع الخوف منه فلا يرى نفسه أهلا للعمل فضلا عن الأجرة لكثرة العبيد الذين تضن فيهم عندك الأهلية فأهملهم واستعملك أنت فتمن عليه بنفسك و أنت مخلوق له وما باشرته من العمل ، فالعبد إذا قال لسيده المجازي أعطني الأجرة فقد أساء وادعى الحرية حيت طلب [/font]
[font="]الأجرة ؛ فالدنيا والآخرة والبرزخ إنما هن ديار الملك و أنت عبده فالسيد جل وعلا لا يسكنها لاستحالتها عليه لأنه غني عن المحل و الزمان و المخصص و إنما خلقها لك فاستعمل الأدب معه ولا تراع الديار ولا ما فيها فإنما هي مقهورة تحت تصريفك خلقك منها و أوقفك عليها وأطعمك منها وألبسك منها و زوجك منها وأركبك منها رغما عليها فلا تحبها إلا على وجه محبة العارفين الذين يرون كل النعم منه ويعتمدون على سيدهم ويعتقدون أنها هدية معظمة مرسلة من السيد لهم فيتسارعون لها لأنها بركة الملك عظمهم بها، فيعظمونها كما يعظم صاحب السلطان كسوة سيده ويرى لها احتراما ويقوم بشكر السيد من غير مبالات إلى نفس النعمة و إنما يعظمها باعتبار سيده ويتصرف بها على الوجه الذي أهديت له مراعيا حق السيد مراقبا له في كل حال لأنه يحب أن يرى أثر نعمته عليه، فيسارع في حفظها من الآفات و الأوساخ ليحفظ وجهه مع سيده لا غير، و لا يعشق النعمة لذاتها كما هو شأن الضالين فإن العاشق ينسلب عقله بالمعشوق فإذا عشق النعمة سقطت حرمة المنعم بين يديه وهو مهوى الهلاك ؛[/font]
[font="]فمثال النعمة مثال ملك قاهر عظيم الخزائن و العبيد أرسل لبعض خاصته ما يأكله وما يشربه وما يلبسه وما يركبه وما ينكحه و لعظم حظوته عند سيده أرسلها له على يد أعز من في مملكته مصحوبة بكتاب كتبه السيد بيده تعظيما له مشتملا على تعظيمه والسيد يبجل عبده بأنواع لذيذ الخطاب [/font]
[font="]مثل ، رحمة منا ورضوان على عبدنا الكبير الشأن فلان وبعد فقد بلغ قدرك عندنا حتى كتبنا لك كتابا بيدنا على خلاف عادة الملوك لحظوتك عندنا، و بعثت إليك عبدنا الذي بحضرتنا لا يفارقنا و لا يدخل علينا أحد إلا به و هو اصطفيته على سائر مملكتي بفضلي لخدمتي، و بعثته بالكتاب الذي تناولته بيدي ونزلت مرتبته لخدمة حضرتك السنية، وعليه فبمجرد وصوله أكرمه و أكرم كتابه بقراءته تعظيما وبفهم ما فيه، و اعرف حق المرسل لك فإنه أعز العبيد لدي وهو الواسطة لجميع مملكتي فافهم، وبعده فاقدم لحضرتنا ولا بد بصحبة حامل الكتاب فإنه عارف كيفية السلوك و عليه مهابتنا وجلالنا محررا ما في كتابنا من الإشارات و الآيات لأولي النهى البينات فخذ منا ما وجه لك من النعم فاستعن بها على السلوك لحضرتنا السنية، و اعلم أني ما أرسلت إليك إلا لتحضر حضرتنا دائما على عادة كمل أهل دولتنا إجلالا للرسول الذي أرسل إليك، و إياك أن تتراخى فإنه عين الطرد و إياك أن تغرك النعم التي أهديت لك لتستعين بها على السير إلينا فتكون من المغرورين بالنعم فتطرد عن مقام الحظوة، فإن فعلت ولم تصحب رسولنا و لم تكن عند إشارته و لم تكرم رساته بامتثال أمره و اغتنام صحبته تكن عندي من عبيد المحنة دائما و لا أبالي بك ، فإن أتيت استقلالا بلا صحبة الرسول فإن أعداءك يقطعونك عني بتزيين النعم بين عينيك فتغتر بها فيصحبك المقت كما صحب من جحد كتابي ورسلي ولم يكرموهما بمتابعتهما، فقد حكمت على نفسي أن كل من لا يمتثل أمري ولم يقدم مع رسولي للفرح و الشوق لحضرتنا إذ كنت أنا السيد و رغبتك وطلبتك وأكبرت شأنك بالكتاب و بالرسول وأنت مستمر على الإباء وكرهت حضرتنا وكرهت حضرة رسولنا وكتابنا فانظر ماذا يلزمك عليه ، فإني حكمت حكما لا يبدل أن أوجه رسولا منا معدا للغضب و الإغاظة و النكال فيجرك إلي رغما على أنفك ذليلا مهانا مغضوبا عليك ولا أبالي فإنك قد تعديت طورك حيث أنفت منا و استعملت نعمنا فيما يبعدك منا، فعن قريب يظهر أمرك فتكرم بإكرام لم تعرفه و لا يخطر في قلبك إن امتثلت أمرنا أو تهان إهانة لا تخطر ببالك ولا طاقة لك عليها إن خالفت أمرنا ؛ فاقرأ كتابي بقلبك و كليتك فلا أعذرك بجهل ما فيه لأن الرسول بينه لك و إياك ثم إياك من الإغترار بغيرنا فإنك ملحوظ عندنا مكتسب لنا و لا حق للغير فيك اللهم إن أردت الهلاك بالبيان، فلك الخيار في اصلاح نفسك أو إهلاكها، وكم أهلك نفسه ممن قبلك عظمتهم و أرسلت إليهم نعما منا فعشقوها فأتلفتهم عن خدمتنا وسيادتنا وقد بلغ بعضهم بسببها دعوى السيادة والحرية تعاليا وتكبرا وطغيانا عنا وإياك أن تكون مثلهم؛ وكم من عبد أرسلت له و امتثل فقرب معظما مكرما بما لا يخطرعلى قلبه فضلا أن يعرفه، فأسلم تسلم ؛ فامتثل أمرنا، فمن نسينا نسيناه ومن تأدب معنا أغنيناه ومن تجرأ على كتابنا أهلكناه فذلك عادتنا المستمرة إلى الآن و إياك أن تسلك سبيل المغضوب عليهم من اليهود أو سبيل الضالين و لا سبيل من أنكر وجحد وجودنا وقهرنا، وقد بالغت في الإعذار فقد أعذرتك نجما على نجم، فكلما رجعت قبل نزول غضبنا قبلناك لكن وقت نزول غضبنا غير محقق عندك فامتثل على الفور مع الكتاب أول وهلة وعظم أمرنا كما عظمنا أمرك مع أنك عبد مملوك لا طاقة لك على شيء و إنما اصطفيتك بالخطاب و ناديتك بكل ملاطفة لتكون سعيدا فالسعادة ما علمته لك لا ما تعلمه أنت ، فاقدم أدبر لك واترك معي تدبيرك و إياك ثم إياك من البعد عنا فإنه عين الهلاك، وقد ناديتك وأمرتك لحضرة جمالنا و بالغت و أطنبت لك في الكتاب و كررت ما لا يجب تكراره و عظمتك بمالا تستحقه فافتح عين بصيرتك واعرف بأنك عبد مطلوب للحضرة، فنفرت فسامحت مرة بعد مرة، والسلام من سيد عظيم قاهر غالب على أمره مالك كل رقبة شديد العقاب غافر الذنب؛ مؤرخا بتاريخ بلوغ العبد التكليف و القوة و الشدة والفراسة لخطاب سيده و نحن عنك وعن غيرك أغنياء * لا نسألك رزقا نحن نرزقك و العاقبة للمتقين * * لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم * * فبما رحمت من الله لنت لهم * وكن عبدا مطيعا لأمر سيده .[/font]
[font="]فتنبــه أيها المسكين من سكرتك التي تقلب لك الأعيان بالأضداد فتنظر السماء تحتك و الأرض فوقك لما فجأك من سكر غمرة غفلتك عن مولاك فقد ضبعك إبليس بمثل ما ضبعته حظوظ نفسه**[/font]
[font="]يقول رضي الله عنه في هذا الكتاب الرائع ؛ [/font]
[font="]**..........فمقام الخاصة مقام الإيمان المصطلح عليه عند القوم ، و مقام العامة الإسلام ، ومقام خاصة الخاصة مقام الإحسان ، وكل مقام له مواقف ثلات يقف فيها رجال مناسبون للمواقف ؛ فالعامة على ثلاثة والخاصة على ثلاثة والعارفون على ثلاثة ، فكل جنس يقف لموقف يناسب همته، و لم يجز مقام الإحسان في كل زمان إلا الرجال المحمديون فهم المحسنون وجهتهم المتقنون إفرادها لحضرة سيدهم، و الخاصة يعبدون للجنة لا لله، و عبادتهم صحيحة في ظاهر الشرع بحسب ذوق مقامهم ، و فاسد قطعا بحسب ذوق المحسنين العارفين ، و العامة يعبدون للدنيا و للحفظ من النار ، فعبادتهم صحيحة بحسب ذوق مقامهم ، و ناقصة عند الخاصة لعلو ذوقهم عنهم ، فالمقامات الثلاثة جميعها دين كامل ، و الأول فقط ناقص ، و الثاني مع الأول ناقص، والثالث مع الأولين كامل جدا ؛ وعليه فالدين الكامل ما كان عليه أهل الطريقة الأولى من الصحابة ومن شاكلهم في دينهم من إفراد العبادة لله بالله و على الله وفي الله حتى جلس على كرسي العبودة المتولدة عن العبودية ، فالعبادة مقام الإسلام ، والعبودية مقام الإيمان ، و العبودة مقام الإحسان ؛ و على نهج الطريقة الكاملة السنية رد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة أمته ولبابها و خيرتها و ميزها من حثالتها ونقاها بتربيته على الوجه الأكمل على يد صاحب الطريقة الأولى المشار له عند أهل الذوق السليم في كل عصر من زمن الصحابة الى ظهور القطب المكتوم في حدود السبعين من القرن الثاني عشر ، وقد رده جده إلى الطريقة الأولى بهمته و علمه وسيف أسد الله سيدنا ومولانا علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه بجوهرة أصل النبوة و تفاحة الجنة الملكية الآدمية الحورائية و بجواهر الخلافة عن الله نور القطبانية في أولاده إلى يوم القيامة، الكلام عليه وعلى مقامه رضي الله عنه وعلى أنه حجاب بين الطوائف كلها وبين سر النبوة ووصفه بالختمية الكنزية الكتمية ، وصار سيدنا علي كرم الله وجهه سالا سيفه على طريقته حفظا لحرمة أهلها لأنها مفرعة عنه في كل عصر ، و فتح باب المجال لكبار بحار الأولياء في كل عصر حتى عقد كل عارف بيعته في الغيب وسماه بعض الأكابر باسمه و ميز بلده ، وادعى قوم مقامه ثم تبرءوا باذن إلاهي إلهامي لعظم مقامه ومقام أتباعه ، فلما أبرزه الله ذهبت نجوم الأفلاك الولائية بستر مقامهم بظله فصار لا يظهر أحد إلا فيه إلى قيام الساعة وينفر على ما كانت عليه الطائفة الثانية من الركون إلى الكشوفات الكونية ، وبين دسائسها و أنها طريقة معوجة كل الإعوجاج .[/font]
[font="]فالطرق ثلاثة ؛ [/font]
[font="]-1 طريقة الجنة وهي معوجة إلى جهة القلب ومنحرفة عن الحق كل الإنحراف لولا فضله جل وعلا لأذهب رسوم و أطلال أهلها لسوء أدبهم لأنهم سافروا إلى غير الله واستعملوا القربات التي وضعت لعبادة الله في طلب غيره الذي هو حظهم الشهواني في الجنة ذاتا و نعيما . [/font]
[font="]2- و طريق النار معوجة منحرفة كل الإنحراف عن الحق جل علاه إلى جهة شمال القلب وهي طريقة فاحشة حلوة خضرة . [/font]
[font="]3- و طريقة مستقيمة معتدلة محجة بيضاء لا كدية ولا وادي ولا قاطع ولا تعب ولا تقشف فيها ، وهي طريقة الحضرة القدسية الحقية وغيرها باطلة في عرف العارفين ، وهي صراط الذين أنعمت عليهم من النبيئين والصديقين و الشهداء التي هي طريقة الفضل الإلاهي و طريقة الحمد والشكر و طريقة الخلوة القلبية لا البدنية المجردة عن كل ما يشغل ويحجب عن سبحات جلال وجهه جل وعلا النقية بلا احتياج إلى التصفية بل هي صافية بصفاء أهلها بالفطرة الإسلامية ، بحيث لم يحدث أهلها قصدا يقطعهم عن سيدهم بل بقوا على ما كانوا عليه في عالم الذر عالم البرزخ القاهر كل جوهر و عرض بخرقه العوالم كلها من أرض وسماء وجنة وعرش مبدئه من الأرض السابعة وهي مسكن الكفر و الشرك أهل الخلود في غضب الحق جل علاه ، فكل روح تقابل مقامها الذي أريد بها، أما أعلاه فهو أضيق الأشياء لقلة و ذهاب رسوم العلم الفطري فيه ، وهو مقام سيد العوالم صلى الله عليه وسلم خارقا العرش صقف الجنة ، فالروح فيه مجردة من الغير موجهة لسيادة سيدها لعظم الجلال وقهره بالمعاينة فإذا علمت الذي يعبد الله على الحقيقة أهل الطريقة و المربون المشايخ الأكابر قواد الطريقة الثانية بعد تصفية بواطنهم من الحظوظ النفسانية ، ظهر لك أن القرن الثاني عشر مفضل على القرون قبله لمن حل غير القرون الثلاثة الذين سلكوا إلى الله بلا قصد شيئ يوصلهم، لأنه ظهر فيه نائب النبي صلى الله عليه وسلم على الحقيقة إلى ما يدل عليه صلى الله عليه وسلم من توحيد العبادة لحضرة الجلال مضربا عن الخواص وفضائل القربات ، بحيث لا يلتفت إليها ولا يركن لها ولا يترك تابعه يتشوف لها ، عالما بأن الفضائل إنما ذكرت تشويقا للمريدين إلى الهدية ، فقسم العبادة إلى أربع ؛[/font]
[font="]-1 قاصد بذكره غرض نفسه من الدنيا والآخرة و الفتح والكشوفات والأسرار والعلوم بحيث لم يستعمله إلا له فهو شرك حرام فهو ظالم قطعا .[/font]
[font="]-2 قاصد بذكره وجه الله مع ملاحظة حظه بخاصية الذكر فهو أخف من الأول وهو شرك أيضا. [/font]
[font="]-3 وقاصد بذكره وجه الله لا غير مع ملاحظة قضاء حاجته عند اختتام الذكر لا بقوته ولا بطبعه ولا بخاصيته فهذا عابد لله مع نقصان مقامه بالملاحظة ، وهذا المقام مقام ضعفاء طريقته ، وهو مقام الجهل في مرتبة الإحسان .[/font]
[font="]4- وقاصد بذكره الخاص العبودة للعبودية قبلها من غير تعرض لرائحة غرضه عند التلبس بالقربة بل فنيت مراسمه عند ذكر جلاله بالهيبة وعند ذكر جماله بالأنس وعند ذكر رحمته بالفرح وعند ذكر كرمه بالشكر وعند ذكر قهره بالخوف وعند ذكر قوته بالضعف إلى ما لا نهاية لصفات الرب ، فكلما ذكره بصفة لبس حلة ضدها ، فيذكر امتثالا واستحقاقا أو شوقا أو غلبة بلا تعمل فيه ، بل يذكر الله بالله لله في الله فانيا عن نفسه بذكر أوصاف سيده قانعا أن كان آلة يحركه الله لمجاري أقداره ، وهو الذي خلقها وعرضها لما شاء فحصل العز الدائم بسيده وملكه ملك سيده لا يبلى ومدده من سيده لا ينفد وعلمه علم ربه وهديته هدية سيده لا تنقطع لأن فعله فعل واحد، فكمل و ارتقى لحضرة سيده مضربا عن عمله مشاهدا عند مباشرة عمله سراية فعل سيده وأنه لا تأثير لشيئ مع الله فأهل الطريقة الأولى كلهم عوامهم و خواصهم منزلون منزلة المشايخ في الطريقة الثانية لأنهم أحسنوا عبادتهم ، فالعبد عبد وإن قربه سيده ، فسيده هو الفاعل وهو محل فعل سيده ، وهو مقهور بالملك و العجز والتحجير عليه بحيث لا يعطى و لايمنع إلا به فهو غاية الذل لو عرف ، فعرف ذلك أهل الطريقة الأولى وتجردوا من دعوى الولاية و إن كانوا أولياء بالله ، و لا يظهرون ذلك بل يباشرون ما كلفوا به ، ولم يروا لأنفسهم عملا و لا قدرا لأنهم علموا حق العلم بأن الولاية الحقيقية للسيد ، و العبد وإن عظم أمره فإنما ظهرت عليه عظمة السيد وهو مجرد منها ، لأن العاقل لا يعتبر إلا الأصل الذاتي ، فالمطلوب من العبد إتقان الوجهة بظاهره كما أتقن باطنه الذي هو أصله ، فأصله نهاية العبودية طائعا أو عاصيا لكن العبرة بالظواهر فإن وافقت البواطن فهو عارف ، وإن خالفت فهو جاهل عبودية أصله [/font]
[font="]* من عرف نفسه عرف ربه * ، فمن اتقن وجهته لله و أحب الشريعة فامتثلها وتجنب كل ما حدث بعدها فهو العارف ، فعليك أيها الأخ بالإنتظام فيها راضيا من أن تكون منهم أو محبا لهم فهم عين العارفين الذين ظهروا بالمشيخة و إن لم يعرفوا عقبات السلوك فإنهم أقرب ممن عرفها ويعلمها للناس ويشتت فكره بها في أول سلوكه ؛ ومن أحسن و أمسك عن الخوض في الإرادة التي هي عين الحجاب مضربا عنها فقد فتح عليه أكبر من كل فتح ، فشد يديك معا على الطريقة النبوية التي بينها صلى الله عليه وسلم بوحي إلاهي و رد خاصة أمته إليها بعد أفول نجوم بوارق الطريقة الثانية ، و لتعلم أن صاحب الشرع الآن صلى الله عليه وسلم قائم بأهل الطريقة الأولى كزمانه بل أشد منه ، لأن زمنه كان فيه السيف وهذا الزمان إنما فيه سيوف أنواره ويقتص من أهل البدع بإمساك أنوار جماله وشريعته عنهم حتى يرجعوا إلى الله ؛ فتمهد لك بالأدلة أن الطريقة الآن الى قيام الساعة هي التي كان عليها أهل الهجرة والنصرة وأنها حاكمة على الطريقة الثانية دون العكس وأن أهلها لا تناسبهم إلا عوائد وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ومن ورثه إرثا كاملا باتقان الوجهة لله ..[/font]
[font="]بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله الفاتح الخاتم و على آله و صحبه و سلم.[/font]
[font="]الرسالة الأولى؛[/font]
[font="]يقول رضي الله عنه فيها؛[/font]
[font="]** أعز الله سيادة إخواننا جميعا في كل بلد قرة الأعين أحباب شيخنا المولى التجاني،السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فالله يفيض عليكم و علينا سر ما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم وأن يعلق قلوبنا و قلوبكم بالرب الكريم حتى نرضى به وبفعله فلا نجد في فعله ضرا و لا مرا، فيستلذ طبعنا فعل ربنا الأكرم ولا نكره لأنفسنا أي قدر حكم به فنتبع مراده في فعله و أمره فما أمر به أحببناه ظاهرا و باطنا وما نهانا عنه أبغضناه لذاته والمحبوب هو الرب الكريم وإنما يحب أو يكره غيره لذاته تعالى ، حتى لا نرفع حاجة لغيره أيا كان إلا على بساط حكمة ملكه لا غير فلا نرى تأثيرا في قلوبنا لغيره تعالى فنفوض الأمر كله له ونشهد أنه تعالى هو الفاعل لا غير وما سواه مظهره ومفعوله لا غير؛ وعليه فيجب على أحبابنا أن يعلموا بأن جميع من لقن من الشيخ رضي الله عنه ولو بواسطة ما وفقه الله له حتى كان عنده من المقربين العارفين أيا كان صغيرا أو كبيرا فلتعلموه وأن كل ما نسب له أعلى مرتبة من جميع من طلب الولاية فأخلصوا أعانكم الله فإن الإخلاص سر الله لا يعلمه ملك ولا شيطان وفي مقام الإخلاص سكنا وهو وطننا وأعني بالإخلاص إخلاص العارفين لا إخلاص عموم الصوفية ، فإخلاص الصوفية إفراد العمل لله مع مراعاة العمل ورجاء ثواب الأعمال وأما إخلاصنا فهو أن ترى الله أوجدك بلا سبب منك وشرفك بالوجود عن ضده وكتب إليك بيده كتابا يقرأ و أرسل إليك رسولا فضلا منه وصيرك أهلا للتكليف و وفقك له فضلا منه فعلمك لا إلاه إلا الله فضلا وعلق ثوابا عظيما بكسب عملك فضلا و أقام فيك أوامر وزواجر فضلا وبسط رداء التوبة فضلا فلا نرى عليه أنفسنا أهلا للعمل فضلا عن الثواب فقصرنا طرفنا على الله * وعندهم قاصرات الطرف * في بساط المدح فلم يطمثنا إنس قبله و لا ملك ولا جان ولا زمان ولا مكان ولا برزخ ولا نعمة الكون إطلاقا فنظرنا بمائة ألف عين باصرة كألف شهر جمال ربنا وجلاله فأسكرنا وأعمانا عن رؤية الكون وأصمنا عن سماعه فجلسنا في بساط جنة معرفته و أنخنا واستوطنا دار جماله فلا نرى في الأشياء غيره ، فتبين أنه الله الظاهر بشدة بطونه الباطن بقوة ظهوره الأول الآخر الحق المبين فنشاهد يده في حقيقة كل شيئ محركا ومسكنا فانصبغنا بحبه وبحب مظاهره فلا نجد مرا ولا حارا فهنأ المساغ وحلا الشراب و أزيلت نقب الأغيار وبقيت سبحات الجلال فاضمحلت رؤية الغير فوفقنا بخط مستقيم مع نبينا معاينة ومع شيخنا عيانا فعبدناه على وجه المحبة لذاته و الإستحقاق و التكليف من غير اعتماد على غير ولا رجاء من الأعمال بل منه تعالى، فهذه عبادة أصحاب سيدنا الشيخ بين يدي ربهم جعلنا الله منهم آمين . و أوصيكم بالإضراب عما سوى الله فإنه خيال، فاسعظموا أمر الله في النبي و الشيخ وفي الفقراء واحمدوا الله عليه فببركة الشيخ انجذبتم وتبثم وقويتم حتى صرتم جبالا راسيات لا يحزنكم الفزع الأكبر وأنزلكم في ظل عرش الرحمان وجمع الله فيكم سر الأولين والآخرين حتى كنتم قرة أعين الناس مع احتجابكم عنهم بشدة القرب وبشدة النفع لهم كالبصر لهم فاعلموه واحمدوا ربكم عليه فهو الفاعل لا غير واجتنبوا ما عليه الناس من التسخط بأقدار الله فإنه رجس وأحبوا من ولاه الله من المسلمين و العلماء و الأشراف وجميع المؤمنين و تحلوا بلباس الإحسان وارتدوا باليقين و اتزروا بحلل الإيمان وكلوا ثمار التوحيد واقتطفوا رمان جنة الوصل ، فلا تشغلنكم الدنيا والآخرة ولاهم الرزق ولا هم السعادة ولا خوف الشقاوة فإنهم مفعول بهم مقهورون لا تأثير لهم وتعلقوا بربكم في الورود والصدور وهو تعالى المقصود والصمد المعبود لا رب سواه وعظموا من قدمه الشيخ عليكم فإنه بالله مقدم وهو ذات الشيخ الحية بالله لا سيما أهل الخصوصية منهم ، فلا تغفلوا وسددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة فمن عرف الله استراح ومن عرف النبي استراح ومن عرف الشيخ استراح فكونوا عباد الله إخوانا و لاتنازعوا فتفشلوا ولا تخوضوا في الباطل فالله هو الحق لا غير فافرحوا بالله إنه لا يحب الفرحين بغيره واجتنبوا معاصي الله فإنها مساخط الله واتركوا ما ابتلي به أهل الوقت من التلذذ بغير حلال فإن الحرام ليس بلذة و إنما هو سفود النار أعاذكم الله منها ، واجتنبوا المعاملات الباطلة كالربى فإنه غضب الله و الرشوة وهي إعطاء مال أو جاه لإثبات باطل أو إبطال حق وغير ما صدق عليه الحد هدية من الله من أجل الحلال ، ولا تحلفوا بغير الله كالنبي و الشيخ فإنه ضلال واستعينوا بالله وتوكلوا عليه ولا تعتادوا الحلف فإنه وصف المنافقين ، واجتنبوا مثل الدخان فإنه ضلال واستعملوا جميع ما أحل الله فإن المباح واسع عظيم واجتنبوا المحرم والمكروه واجتنبوا الروائح الكريهة فإن الفقير يصحبه أبدا سبعون ألف ملك فعظموا أرواح الله و لا تاكلوا ثوما ولا بصلا نيئين فإنهما يضران بالملائكة الكرام واستديموا الطهارة ما لم تضر أبدانكم فإن البدن وجب حفظه فإنه محل دولة الأوامر الإلاهية، واجتمعوا للصلاة والذكر في الأوقات الإختيارية حتما حتما و إياكم و التهاون بدين الله فمن تهاون بالأوقات عوقب بالطرد في طوق السعادة و إياكم من الملل فشدوا أود بعضكم كالبنيان فإن الآخرة أقرب إلينا من شراك نعلنا ولا تذكروا الأموات إلا بخير ولا تذكروا المؤمنين إلا بخير فإن المؤمن مغفور له قبل وجوده ، الله الله في المؤمن من الأولياء وأتباعهم و لاتذكروا طوائف الأولياء إلا بقصد التعظيم لا غير و لا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ولا تنابزوا بالألقاب وأطعموا في الله فإنه يذهب جميع الأمراض الحسية و المعنوية ويزيل الأوساخ الظاهرة و الباطنة و لا تنسوا حق الإيخاء فإنما نحن خدام مراتبكم العلية وسامحوا لله. الأحسن بن محمد البعقيلي أمنه الله في ذي القعدة الحرام عام 1349 ه**[/font]
[font="]** أعز الله الإخوان في الله قرة الأعين أحباب سيدنا القطب التجاني رضي الله عنه وعنكم حيثما كنتم السلام عليكم والرحمة والبركة تعمكم ومن انتمى إليكم أما بعد فالله يديم عليكم ستره الجميل ورضاه العميم وخيره من حيث هو ويحفظكم من شره من حيث هو ويسلك بكم مسلك الناجين الفائزين الراجين الواقفين على مثن سننه الحافظين على وظائف أمره ونهيه ويرزقكم كمال الإستقامة مع التوبة و التقوى والصدق و الإخلاص والطمأنينة و المراقبة و المشاهدة والمعاينة ويوقفكم وقفة العارفين المقربين وأن يثبتكم في درجة كمال حب ذاته تعالى حبك الشيئ يعمي و يصم فمن أحب الدنيا عبدها ومن أحب الآخرة عبدها ومن أحب المراتب عبدها ومن أحب الله عبده ، فنحن معشر التجانيين اضمحلت في قلوبنا الفواعل ولو فاعلية الأسباب وإنما نتسبب امتثالا للشرع فترك التسبب معصية والإتكال عليه كفر فالدعاء و أنواع العبادة سبب مشروع نعانقه مع ربنا بربنا فالمعبود في حضرة الطاعة و الأنبياء والشيوخ والنعم و الأزمنة والأمكنة هو الله جل وعلا، ونلاحظ من الكون من حيث هو ربه ونعظمه ولا نسبه ولا نلعنه فالدنيا للمومن عروس ومطية و درجة يقف بها وعليها في حضرة المعبود، فلا تسبوا الدهر و لاتسخطوا قدرا و لا تلهجوا بقضايا الكون المفروغ منها فالولي شغلته الخاتمة والخاص شغلته السابقة والفقير شغله الوقت عن الله والمقرب كأصحاب سيدنا الشيخ جعلنا و أنتم منهم مع ربهم فنحن مع ربنا، فمن قال هلكت الناس فهو الهالك، فدين الله في ازدياد وأهله في التيقظ و الإجتهاد فما مات ولي إلا وخلفه آخر أعظم منه بعشرين مقاما إلى آخر الظهر والكمالات الإلاهية متتابعة على المؤمنين في كل زمان متضاعفة عليهم ، فما خلق الله الكون إلا للفقير إليه المتيقظ الشاكر أنعمه، فمن شكر الله فهو المشكور فالشكر هو الفرح بفعل الله المحبوب فلا نحب غيره ، فعليكم بمركز الربح النية وبمركز البركة السنة، فالسنة نور وخرقها ظلام، وسجن الفقراء بالصبر فالشريعة وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين فهو مثوانا ومتبوؤنا ومقام الأقوياء الإستسلام لله ، ولا تتفكهوا بالغيبة في أهل الطرق الأخرى فإنه سم قاتل مخرج من حضرة القدس ، وإياكم من الترهات،واشكروا الله في الحضرات واستوصوا بأنفسكم خيرا بحيث تقفون عند شروط الإسلام الستة وشروط الطريقة الأربعة عشر وعليكم بمسامحة الإخوان وإصلاح ما بينهم فإصلاح ما بين اثنين أفضل من خلوة خمسن سنة، والجلوس بين يدي ولي بالتعظيم خير من عبادة ألف سنة، فأوصيكم بما جاء به القرآن وإني قد جددت لمن وصله كتابي هذا دينه وطريقته التي هي لباب الشرع . الحسن بن محمد البعقيلي أمنه الله آميـــن أول ربيع الأول عام 1353ه .** [/font]
[font="]الرسالة الثالثة للعارف الكبير سيدي علي بن احمد الإسيكي رضي الله عنه .[/font]
[font="]**..............وبعد فأوصي الأخ الكريم بحب ذاته تعالى فهو المحبوب فالنبي صلى الله عليه وسلم يحب لذاته تعالى تبعا له وكذلك المحسنون والمؤمنون إنما يحبون لله فأحبوا الله و أحبوني لحب الله إنما أنا هدية مهداة للأمة، فلا تهتم بنفسك ولا بولدك فقد كتبك في رقه ولا مزيد عليه، و كن عبد ربك ولا تر نفسك فوق أحد ولا معه ولا دونه فإنه فضول، ولا ترى لنفسك منفعة لأحد وكن عبدا ساذجا صرفا فافن عن نفسك وعن همتك، فالهمة مناقضة للعبودية و إن كانت تنفعل بها لأهل الله الأشياء من غير خرق الأقدار ، فإنها لا تنفعل حتى يستصغر غيره ويوجه كلمته للنفوذ به قهرا فيتأثر الصغير في نظره، وقد رأيته يستدعي الإستكبار على خلق الله وهو سم عند العقلاء فتنفذ همة صالح كرامة ظاهرة ، وهمة ساحر وعائن استدراجا ؛فلا تكمل حتى تذوب همتك بالإستسلام للقسمة الأزلية ،و استصغر أمر الكون فإنه مفعول به و إنما يعظم إن رأيته بربك في مقام *كنته* فلا يضرك لأنك فيه مكفول الحضرة صبيها ورضيعها عاجز عن نفسك وعن غيرك، فاعرف ربك قبل وجود الكون فما كان عليه قبله هو ما عليه الآن ، وهو مع الكون بذاته عند أهل الإيقان وبصفاته عند أهل الأذلة العقلية ، فأنت تستدل بالفاعل على المفعول فإنه مشاهدك، وهم يستدلون بالأثر على المؤثر وهو أظهر من كل ظاهر قبل الكون وهو باطن سرمدا ، فلا تر نفسك أهلا للعمل فضلا عن الثواب فضلا عن الشفاعات عنده فضلا أن تضر وتنفع ، فانصح وارشد على وجه السببية لاغير ، ولتعلم أن المومن من حيث هو ولي الله، ولا تعادي أحدا ممن خلقه الله إلا أنك تحب من أحبه وتبغض من أبغضه تبعا لأمره لا غير، مع خرم العقل بأنه لولا مراده ما وجد ما وجد، فلتسكن به، فالعقل فيه ألف جزء فلا تعط للكون شعرة من جزء واحد و أقبل بكليتك على ربك لا غير فإنك إن فعلت انبجست منك ألف شمس كل شمس منها خير من ألف شمس ضياء وهو الإيقان وتجرد من لوازم نفسك بحيث لو سألك ربك عما تحب لأجبت من غير روية أنت ولو سألك نبيك عن حوائجك لأجبت ما سبق فافهم . خديم الأعتاب التجانية الأحسن بن محمد بن أبي جماعة البعقيلي أمنه الله آمين ليلة عيد الفطر عام 1348ه **.[/font]